الثورة الصينية الثانية وتشكل الرؤية الماوية

بيير روسيه
2005 / 1 / 9 - 10:13     

الجزء الأول
مقدمة
تمثل الثورة الصينية في عام 1949 إحدى التجارب في الحركة العمالية وحركة التحرر الوطني في القرن العشرين. لقد أحدثت نقاشاً واسعاً بين. وغالباً داخل، التيارات الثورية المتعددة في العالم. إن دروس هذه الثورة الكبرى لا تزال تستحق الاهتمام بعد انصرام أكثر من خمس وثلاثين سنة على انتصارها. إن الدراسة التالية هي إسهام في هذا النقاش الضروري. وقد بدأت أصلاً كسلسلة من المحاضرات ألقيت في سنوات 1980-1982 في المعهد العالمي للبحوث والتربية. وقد تم طبع وتوزيع المسودة الأولى من قبل المعهد المذكور من 1982-1985 . والطبعة الحالية تمثل صياغة جديدة للمسودة وتتضمن ملاحق جديدة. إنها لا تدعي الشمولية فغايتها الوحيدة هي تحليل بعض القضايا الأساسية التي أثارها تاريخ الثورة الصينية.
القسم الأول (العدد الثاني من سلسلة الدفاتر لأجل الدراسة والبحث) يتعلق بسنوات العشرينات؛ الثورة الصينية الثانية، دروسها، تطور الحركة الشيوعية، ظهور الماوية وبداية العلاقات الخاصة التي نشأت وتطورت بين قيادة الحزب الشيوعي والقيادة الستالينية للحزب الشيوعي السوفيتي.
القسم الثاني (العدد الثالث من السلسلة) يحلل سنوات العشرينات؛ تكون القيادة الماوية ، نموذج النضالات الثورية خلال الثورة الصينية الثالثة، والجبهة الموحدة المعادية لليابان والإستراتيجية الماويّة، وهو يناقش أيضاً أسس النظام الثوري الذي تأسس في 1949. لا تهدف هذه الملاحظات سوى المساهمة في النقاش الغني القائم بالأصل. ونحن نأمل أن تتم بحوث جديدة فيما يتعلق بالفترات الأخرى (ولا سيّما فترة جمهورية الشعب) و تغوص أكثر في قضايا محددة (مثلاً تحليل أكثر دقة لملكية الأرض والسياسة الزراعية ولإنشاء ومهام الحزب الشيوعي الصيني)، كي تكمل هذا العمل. إن الغاية من نشر هذين الكراسين هي أولاً وقبل كل شيء الدعوة إلى المشاركة في النقاش وأملنا وطيد في أن نشجع بذلك القراء للمشاركة معنا في جهد جماعي للبحث والتأمل في المسائل التي أثارتها هذه الثورة.
لقد قفزت النضالات الثورية التي عمت الصين منذ 1920 وحتى 1950 إلى مدى واسع تخطى الأحداث الكبيرة في القرن الماضي: ترنح المجتمع الصيني تحت ضربات القوى الكولونيالية حيث ما لبثت أن تبعته السياسات الإمبريالية للغرب واليابان.
سقوط الأسرة المالكة وفشل الجمهورية لعام 1911، الاهتزازات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى التي خلخلت أساس النظام القديم. لقد وضعنا تسلسلاً تاريخياً وصفياً للصين الحديثة من 1939 حتى 1921 ، عام تأسيس الحزب الشيوعي الصيني وذلك بغية تسهيل قراءة هذا التاريخ المضطرب لقارئنا غير المختص. وهناك تسلسل تاريخي أكثر اختصاراً للفترة 1921-1949 في نهاية الجزء الثاني.
من حروب الأفيون إلى الثورة الصينية الأولى: 1840-1911.
1839-1899: الصين على عتبة العالم الحديث: عالم النهب الإمبريالي ، والهزات الاجتماعية والاقتصادية ، والانتفاضات والثورات.
1839-1842: "حروب الأفيون" الأولى التي خاضتها بريطانيا من أجل فتح السوق الصيني أمام الأفيون المنتج في الهند البريطانية.
1842-1849: "المعاهدات اللا متكافئة" مع بريطانيا (معاهدة نانكي1942-1943) ، وفرنسا والولايات المتحدة.
(1844) هونغ كونغ تتحول إلى مستعمرة بريطانية. يتم فتح خمسة موانئ صينية أمام التجارة الخارجية ، ويجري التنازل عن أراض لقوى الغربية.
1850-1864: انتفاضة تايبنغ، انتفاضة واسعة قام بها الفلاحون من أجل المساواة.
1856-1860: حرب الأفيون الثانية ، التي أعلنتها بريطانيا وفرنسا ، انتهت بمعاهدات تي نتسين (1858) وبكين (1860).
روسيا تنتزع أراض واسعة في الشمال الغربي.
1860-1865: العديد من "الحركات التحديثية" ينتشر داخل المجتمع الصيني غير أنها تبقى سطحية.
1885-1894: الحرب الصينية الفرنسية (1885) " ومعاهدات لا متكافئة" جديدة مع فرنسا واليابان. الصين تعترف بسيادة فرنسا على فيتنام وبحقوق البرتغال في ميناء مكاو وتنحني أمام النفوذ الياباني في كوريا.
1885-1894: محاولات جديدة من أجل استقرار وتسكين الوضع الصيني. الرأسماليات الغربية واليابانية تبلغ مرحلة الإمبريالية.
الطوق يشتد حول الصين، الاختراق الاقتصادي الإمبريالي يزداد ، الكوارث الطبيعية والانتفاضات الشعبية تعم العديد من المقاطعات الصينية.
1894-1895: اليابان والصين تتصارعان حول كوريا. بموجب اتفاقية شيمونوزيكي، تتخلى الصين عن حقوقها في كوريا وتتخلى عن تايوان وجزر البنغو (بيسكادوريذ) لليابان.
1895-1900: "محاصرة الصين": ألمانيا ومن ثم الولايات المتحدة تتسارعان إلى الحلبة ، للحاق ببريطانيا وفرنسا وروسيا واليابان، كل يحاول إقامة "منطقة نفوذ" خاصة به.
1899: الولايات المتحدة تفرض ما يسمى بـ الباب المفتوح، نوع من التعهد المتبادل يضمن السيطرة الجماعية للقوى العظمى على الصين. التغلغل الاقتصادي الإمبريالي يحقق قفزة جديدة إلى الأمام.
1898-1899: فشل إصلاح المائة يوم، محاولة قام بها المتنورون الإصلاحيون، ومن بينهم كانغ ووي وكيشاو وتان سيتونغ، لتحديث الدولة الصينية.
1900-1911: أزمة النظام الإمبريالي وثورة 1911:
1900-1901: انتفاضة البوكسر أغرقت في الدم على يد حملة عسكرية عالمية . إحدى عشرة دولة لفرض بروتوكول على الصين هدفه إضعاف البلد عسكرياً ومالياً.
1900: صن يات صن يخطط لانتفاضة لكن المغامرة تفشل.
1901-1911: محاولات من فوق تبوء بالفشل . المصالح الاقتصادية الإمبريالية تتعزز . قطاع صناعي حديث (المصانع ، السكك الحديدية، المناجم، الموانئ والسفن) يتطور إلى جانب البورجوازية الصينية والوسط الطلابي و الإنتلجنسيا الحديثة. التحريض ينتشر في الريف.
1905: هزيمة الإمبراطورية الروسية على يد اليابان تؤدي إلى نهوض جديد للمشاعر القومية في آسيا . صن يات صن ينشىء العصبة المحلفة (تونغ من هوي).
1907-1911: صن يات صن ينظم ثماني انتفاضات في الجنوب ، جميعها تبوء بالفشل.
1911: احتضار النظام الإمبريالي ينتهي مع الثورة الجمهورية في 1911 (الثورة الصينية الأولى) وهذه الأخيرة تندلع ، بشكل مفاجئ ، في الشمال (انتفاضة ووشانغ في 10 أكتوبر 1911) . بعد ثلاث سنوات من القتال، يتم الإعلان عن الجمهورية الصينية في كانون الثاني 1912 . صن يات صن هو أول رئيس للحكومة.
من سقوط النظام الجمهوري حتى ظهور الحركة العمالية 1912-1921
1912-1916: حكم أمراء الحرب في الصين:
الثورة الجمهورية لعام 1911 والحكومة الجمهورية في نانكين برئاسة صن يات صن تجعل من المثل الديمقراطية البورجوازية قضية شرعية. النظام الملكي القديم ينهار كلياً. وهذا يشكل نقطة انعطاف تاريخي حقيقية . غير أن النظام الجديد يكشف عن عجز في إعادة توحيد البلاد وفرض سيطرته. في الواقع ، فإن ثورة 1911 تفتح مرحلة كبيرة من اللا استقرار السياسي ، القومي، والاجتماعي، تمثل مقدمة حركات التحرر الثورية في العشرينات . باكراً في آذار 1912، يحل الجنرال يوان شيكاي محل صن يات صن ويفرض شيئاً فشيئاً ديكتاتوريته الشخصية. والكومينتانغ التي تأسست في 1912 كاستمرار لـ"تونغمنهي" صن يات صن، تدخل في أزمة . مع حلول عام 1913 ينفى صن يات صن والعديد من كوادر الكومينتانغ إلى اليابان . تستغل اليابان ضعف نفوذ القوى الغربية بعد الحرب العالمية الأولى، فتتقدم إلى الصين بـ"المطالب الواحد والعشرين" وهي خطة تهدف إلى تحويل الصين إلى محمية يابانية . بالرغم من أن هذه المطالب تثير نقمة واسعة في الصين ، فإن يوان يوقع هذه الاتفاقية مع اليابان على هذا الأساس العريض في 1915 . بعد وفاة يوان في 1916 ، يقام شكلياً نظام برلماني ، إلا أن الصين قد دخلت فترة أمراء الحرب : الجيش ينقسم والسلطة الحقيقية تكمن في يد الجنرالات الذين يحكمون المقاطعات كحكام محليين. موجة التصنيع تنتشر وتتسارع : مكننة زراعة الأرز في العديد من المصانع، وتزدهر صناعة القطن (الغزل والنسيج) في الأقاليم الساحلية (وخاصة شنغهاي). تشرع البروليتاريا بالظهور.
1916-1921: ميلاد جمهورية كانتون والحزب الشيوعي الصيني:
تترك الحرب العالمية الأولى آثاراً متعددة على الصين . الولايات المتحدة واليابان تعززان نفوذهما مع لجوء الأخيرة أكثر فأكثر إلى القيام بدور "شرطي الشرق الأقصى" بما فيه ضد السلطة البلشفية المقامة حديثاً في سيبيريا. ومع انصراف المؤتمرات الدولية إلى التناقش بصدد إنهاء الحرب، تبادر العديد من الشرائح الاجتماعية إلى تأكيد مشاعرها القومية بقوة: المثقفون، العمال اليدويين وذوي الياقات البيض. هذه المشاعر تتقوى في 1918 وتصل إلى نقطة عالية مع حركة الرابع من أيار في عام 1919. وأحد أسباب ذلك هو قرار القوى المتجمعة في مؤتمر فرساي للسلام برفض مطالب الموفد الصيني ونقل الامتيازات الألمانية في شاندونغ إلى اليابان بدلاً من إرجاعها إلى الصين. مع انهيار الأممية الثانية واندلاع الثورة الروسية عام 1917 ، يتم تأسيس الأممية الشيوعية (الكومنتيرن) في سنة 1919 (المؤتمر الأول) و1920 (المؤتمر الثاني) . يلجأ المؤتمر الثاني إلى اتخاذ قرارين حول المسائل القومية والكولونيالية. في أيلول 1920 ، ينعقد المؤتمر الأول لشعوب الشرق في باكو. في 1921 ينعقد المؤتمر الثالث للكومنترن. تؤدي حركة الرابع من أيار إلى نشوء نشاط ثقافي واسع : نقاشات مكثفة تجري حول المسائل القومية ، مستقبل الصين، التقاليد والتحديث، الانفتاح على العالم والدفاع عن التراث الثقافي الصيني ، فلسفة التنوير، الفوضوية ، الاشتراكية ومسائل أخرى مشابهة . الحركة العمالية المنظمة تظهر مع تأسيس النقابات في بداية 1918 . تندلع الإضرابات في المراكز الصناعية . يتعزز تأثير الثورة الروسية نتيجة ظهورها كحليف طبيعي لحركة التحرر الوطني. يظهر مثقفون، مثل شن دوكسيو ولي دازهاو اللذين يلحقان فيما بعد بالحركة الشيوعية الصينية ، بوصفهم الممثلين الأوائل لحركة الرابع من أيار.
تزداد حدة الأزمة التي تعيشها الحكومة المركزية ويجري الاعتراف بالكومينتانغ في عام 1919. وفي 1920-1921 تنشأ حكومة جديدة في مقاطعة كانتون ، في الجنوب ، يشارك فيها الكومينتانغ. مرة أخرى يستلم صن يات صن رئاسة الجمهورية غير أن نظامه لا يمارس سلطة فعلية إلا على المنطقة المحيطة فقط. إذ أن أمراء الحرب يسيطرون على معظم أنحاء البلاد.
تبدأ الماركسية بالانتشار في الصين بمساعدة مبعوثي الكومنتيرن: أحدهم، فوتينسكي، يصل إلى الصين عام 1920 . يعقد الحزب الشيوعي الصيني مؤتمره الأول (57 عضواً) ينتخب شن دوكسيو سكرتيراً عاماً للحزب . يحدد إنشاء النقابات في الصناعة بوصفه المهمة الأولية للحزب. تظهر الاتحادات الفلاحية التي يقودها الشيوعيون (بينغ باي) في مقاطعة غوانغ دونغ. في تلك الفترة ، ماو تسي تونغ هو سكرتير الحزب في مقاطعة هونان.
الفصل الأول
ما قبل الماوية
قيام وفشل الثورة الصينية الثانية1921-1935
لم تكد تنتهي الحرب العالمية الأولى ، حتى كان المجتمع الصيني قد غطس في أزمة. وتلك كانت أزمة بنيوية أثرت في وقت واحد على الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتكمن جذورها في انحلال نظام مانشو الملكي، المواجهة مع العالم الغربي وتفوقه التقني، وتغلغل الرأسمالية العالمية وتشكل طبقات اجتماعية جديدة.(1).
في تلك الفترة ، نهاية 1918، لم يكن مجرى الثورة الصينية قد تحدد موضوعياً بعد. كانت هناك العديد من الطرق للوصول إلى السلطة. كان التاريخ "منفتحاً" بشكل خاص لأن الصين كانت تقف على مفترق الطرق "لعدة اتجاهات تاريخية" . كان توازن القوى السياسي والاجتماعي بين الطبقات على المستويين الوطني والعالمي متأرجحاً بشكل كبير.
نتيجة لذلك، عدا عن بعض القضايا الواسعة مثل ثقل المسائل القومية والزراعية، فإن الطريق إلى انتصار ثوري لم يكن قد تحدد بشكل دقيق بعد. وكان تحديد ذلك معلقاً نتيجة النضالات اللاحقة للحرب العالمية الأولى 1925-1934 والغزو الياباني للصين في 1937.
كان يترتب على الحركة الشيوعية الصينية الشابة و الكومنتيرن أن يواجها سلسلة طويلة من المسائل الإستراتيجية الرئيسية لأول مرة في حياتهما، خلال العشرينات . لقد عملت تجارب الصين في سنوات 1920 ، بشكل خاص، على إظهار التناقضات الاجتماعية والسياسية والعالمية لنضالات التحرر في البلدان نصف المستعمرة بكل ما تنطوي عليه من تعقيد.
بالرغم من أن كتابات ماو ونشاطاته قبل عام 1928 كانت تحتوي على بعض المفاهيم التي أصبحت فيما بعد جزءاً من "فكره" فإن الماوية لم تولد الفترة نفسها التي نشأ فيها الحزب الشيوعي الصيني، في بداية سنوات 1920-بدأت في التشكل فقط في أواخر العشرينات وخلال الثلاثينات ، حين عمد ماو إلى تطوير إستراتيجيته الشاملة وظفر بالقيادة الفعلية في الحزب.
وللأهمية التاريخية للثورة الصينية الثانية، فقد أولتها العديد من التيارات بما فيه التيار التروتسكي، اهتماماً خاصاً وأكدت على ضرورة دراستها. وبالمقابل، فإن القيادة الماوية أكدت مراراً على ضرورة دراسة الثورة الصينية. وتلك كانت حقاً الثورة الماوية بامتياز. ومع ذلك ، فإن دروس الثورة الأولى تشكل تكملة مفيدة لدروس الأخيرة.
في الواقع لأجل فهم تشكل الماوية، ومناقشة سبل التحرر في البلدان نصف المستعمرة، وتحليل مسائل الجبهة الموحدة، لفهم هذه الأسباب والكثير غيرها من الضروري مقارنة دروس هاتين الثورتين الكبيرتين.
الثورة الصينية الثانية ، التي بلغت ذروتها في سنة 1926-1927، سبقتها فترة من النهوض التدريجي من النضالات امتدت من 1918 إلى 1924. لهذا سوف نتوقف عند هاتين الفترتين كل على حدة، قبل أن ننتقل إلى فترة انحسار النضال من 1928وحتى 1935.
من تكوين الحزب الشيوعي الصيني حتى عام 1924: التلاقي*
لقد هيمنت مسألتان كبيرتان على السنوات الأولى للشيوعية في الصين.
-العلاقة الحقيقية بين الحركة العمالية والحركة القومية وبين الحزب الشيوعي الصيني والكومينتانغ.
-العلاقة الحقيقية بين الحكومة السوفيتية وحكومة كانتون وبين الأممية الشيوعية والأحزاب الصينية.
هاتان العلاقتان تطورتا في وقت كانت الصين تمر فيه بفترة تحول. كان الوضع العام يشهد نمواً سريعاً. ولابد من الإحاطة التامة بهذا التحول إذا أردنا فهم المشاكل التي واجهها الحزب الشيوعي الصيني وكذلك مبعوثو الكومنتيرن.
الوضع في البداية:
من بين الملامح المميزة لبداية العشرينات لا بد من ذكر ما يلي:
-موجة عارمة من النضالات الشعبية والوطنية. هذه الحركة كانت تختلف عن تلك التي شهدتها فترة 1911-1912. في داخل الصين راحت القوى الاجتماعية والسياسية التي كانت حتى ذلك الحين هامشية تؤكد حضورها. وفي الخارج، طرأ تحول على جغرافيا العالم الإمبريالي مع الحرب العالمية.
لقد نهض الاتحاد السوفييتي كحليف لحركات التحرر مغاير لكل الحلفاء السابقين، كانت ثورة جديدة، وليس مجرد صدى للثورة الأولى تنمو.
-كان الحزب الشيوعي الصيني والحركة العمالية المنظمة ينبثقان بصورة مترابطة. كان كلاهما ثمرة مباشرة لعملية التصنيع التي افتتحها انتشار مصانع انتشار مصانع الأرز الحديثة في عام 1900 ومصانع غزل ونسيج القطن في 1915. لقد خبرت هذه الطبقة العمالية الشابة محنة مزدوجة: أن تقتلع من الجذور ويجري استغلالها بوحشية. كانت تدخل مرحلة النضال وتبدأ في التنظيم.
ازداد عدد الطبقة العاملة بسرعة: حدد أحد التقديرات حجمها بـ 650000 لكل الصين في فترة 1915-1920 ومليون ونصف في بداية العشرينات. لقد كانت ممركزة: في شانغهاي كان هناك 57 مصنعاً يضم كل منها 500-1000 عامل و49 معملاً آخر يضم كل منها أكثر من 1000 عامل. مع هذا، وبالرغم من التمركز، فإن الطبقة ظلت أقلية إلى حد كبير في البلد ككل: "في عام 1933، كان قطاع التصنيع يشكل من 3 إلى 6% من الدخل القومي. كان ثلث كل الآلات وأكثر من 9% من إنتاج النسيج وأربعة أخماس من منتوج الملابس يعود إلى القطاع الحرفي (....) فقط 25% من السكان النشيطين كانوا يعملون في المصانع" (2).
كانت الحركة العمالية الصناعية الآن، ولأول مرة في وضع تصبح فيه الفاعل المباشر في الأحداث التالية ، ولكنها لم تكن بعد في وضع تستطيع معه أن تمارس في الواقع قيادتها لنضالات القومية.
لقد كان عدد أعضاء الحزب الشيوعي الصيني، مثلاً ، عند تأسيسه سنة 1921 57 شخصاً كلهم تقريباً من المثقفين.
-عمل على تعزيز هذه التغيرات التأثير غير المتساوي لتوسع السوق الرأسمالي وللتحول الاجتماعي-الاقتصادي في مختلف أجزاء الصين. كانت المناطق الداخلية الواسعة قد تطورت بشكل أبطأ بكثير من المناطق الساحلية ، كوادي يانغ تسي و منشوريا ؟ هذه التحولات الاجتماعية كانت كافية بحد ذاتها لأن تخلق تفاعلاً بين النضالات المدنية والريفية . غير أن هذا الديالكتيك بين المدينة والريف راح يعمل بطرق متنوعة في الأقسام المختلفة من الصين.
-بدون الفلاحين ، كانت البروليتاريا عاجزة. كان الفلاحون يشكلون الغالبية العظمى من السكان. وكانت مسألة الأرض تقع في قلب التناقضات الاجتماعية السياسية. في العديد من المناطق أدى نقص الأراضي الصالحة للزراعة وصغر حجم قطاعات الأرض إلى ازدياد حدة التوترات في صفوف الفلاحين، الذين راحوا ينقسمون إلى فلاحين أغنياء ومتوسطين وفقراء. وكانت أزمة الحكومة المركزية تسهم بشكل أكبر في خلخلة التوازن التقليدي القائم في القرية . فقد كان عبء الضرائب المتزايد يدفع إلى مقاومة عنيفة.
ولكن رغم ذلك ، لم تكن الحركة الفلاحية موحدة وذلك نتيجة الظروف المختلفة السائدة في المناطق ولتقاليد المحلية واتساع رقعة البلد. والأكثر من هذا أنها لم تكن مستقرة.
-كانت حدة المسألة القومية صارخة في هذا البلد الذي يبني وحدته على حضارة قديمة، والذي تحول إلى بلد نصف مستعمر وراحت سيادته تتشتت بين المتنافسين. إن الآمال التي أثارتها الثورة الجمهورية عام 1911 بانبعاث صيني لم تتحقق . إلا أن الحركة الوطنية ظلت تتمتع بقوة هائلة. لقد كانت إعادة التوحيد والاستقلال الوطني مطالب مركزية بشكل واضح.
عبرت الحركة الاجتماعية عن نفسها بشكل رئيسي في خضم الحركة الوطنية. فتلك كانت البوتقة التي تشكل فيها وعي البروليتاريا. لم تكن روح الإجماع الوطني التي كانت ملمحاً من ملامح الحركة الوطنية قد تحطمت إثر تجربة خيانة البورجوازية، التي جبنت عن خوض القتال إلى النهاية من أجل الطموحات الوطنية الشعبية التي عبرت عنها ثورة 1911-1912. هذا الشرخ حصل فقط في السنوات 1925-1927. -كان الكومنتانغ ، بقاعدته حول كانتون في الجنوب ، ضعيفاً عديم التنظيم ، ومقسماً ، ولكنه كان يملك تراثاً وطنياً مشرفاً في شخص صن يات صن. هذا الحزب -الحكومة واصل الدعاية الشعبوية وبلور التفاف الأمم المضطهدة حول رايته واسمه ومشروعه تحقيق وحدة الوطن عبر حملة عسكرية واسعة ضد أمراء الحرب في وسط وشمال الصين وضد حكومة بكين، وبالتالي، الظفر باستقلال الصين. كانت موضوعة "الحملة الشمالية" تتمتع بقوة كبيرة على التعبئة.
-أخيراً ، على الصعيد العالمي، كانت أهمية الصين تزداد يوماً بعد يوم . ولا أقل في عيون موسكو التي شعرت ، بدءاً من عام 1923 ، بأن الآفاق لقيام ثورة قد انسدت لمدة طويلة في أوربا ورأت أن تحطيم الطوق المفروض على الدولة العمالية الأولى يمكن أن يتم أو على الأقل جعله يتزامن في الشرق الأقصى. وفي هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن الصين كانت أحد البلدان التي بدأت فيها الحرب العالمية الثانية.
الأحداث:
قررت القوى العظمى المجتمعة في واشنطن من تشرين الثاني 1921 إلى شباط 1922 أن تخلخل الوضع القائم في اليابان وتجبرها على إعادة شاندونغ إلى الصين . لكن وبالرغم من الإلغاء الشكلي لمناطق النفوذ فقد استمرت الهيمنة الإمبريالية على الصين. ووصلت سلطة أمراء الحرب إلى الذروة. وقد عملت التجزئة السياسية لصين على خدمة مصالح الدول العظمى التي طالبت بحقوق السيطرة على السكك الحديدية الصينية في عام 1923.
مع نهاية الحرب العالمية الأولى ، بدأ الرأسمال الغربي وبضائعه غزو السوق الصينية مرة أخرى. ودخلت الصناعات الصينية في أزمة ، ولا سيما صناعات القطن والرز والبترول وكذلك صناعة الحرير وأعمال الفولاذ في أواسط وادي اليانغ تسي و منشوريا.
وسع الحزب الشيوعي الصيني نشاطاته الأممية . وأرسل ممثليه إلى مؤتمر كادحي الشرق الأقصى الذي انعقد في موسكو في كانون الثاني 1922. وقد حذا الكومنتانغ حذوه. قضى عدة كوادر في الحزب الشيوعي الصيني بعض الوقت في فرنسا (شوان لاي، دنغ هسياوبنغ). وعقد الحزب مؤتمره الثاني في تموز 1922 (123 عضواً). ودأب على حضور المؤتمرات السنوية للكومنترن.
انتقلت المبادرة إلى يد الحركة العمالية مع الإضراب الناجح لبحارة هونغ كونغ الصفحة 12.. يتبع...


تنضيد : واصل العلي
سوريا- مدينة حمص