الماركسية لا علم ولا دين


علاء الصفار
2012 / 2 / 2 - 09:03     

هل الماركسية تناقض في المجتمع العربي
الماركسية لا علم ولا دين

يهاجم الفكر الماركسي, أو الشخص الماركسي من قبل المجتمع الذي نحن نعيش فيه و هو المجتمع العربي, على أساس أن الفكر الماركسي ليس فكر عربي. و يهاجم خاصة من الأحزاب القومية بشكل خاص بكونه مستورد و دخيل على الثقافة العربية. ثم يهاجم الماركسي من الإسلامي الرجعي بكون الفكر, فكر الكفرة الإفرنج.

تحدى الفكر الماركسي, كل المجتمعات و الأديان و القوميات والحدود و الأوطان ومنها العربية الإسلامية.
لٍم للماركسية هذه القوة لفرض حضورها في أي مكان في العالم. طبعا الماركسي تطلق على الشخص الذي ألتزمت بالأسس الفكرية و الفلسفية و الاقتصادية للفيلسوف الألماني العظيم كارل ماركس, ومؤلفه رأس المال هو النظرية الاقتصادية التي يتطلب معرفتها للنضال الطبقي الثوري في المجتمع سواء, إن كان الماركسي أو الحزب الماركسي خارج السلطة أو في السلطة, فهي بوصلة للنضال ضد السلطة الغاشمة أي كان شكلها , وطبعا المنخرط في الحزب الماركسي لابد أن يكون في مجتمع ما, وقد حددنا المجتمع العربي.
نترك أمر استلام السلطة و التطبيق النظري و الفكري الآن, إذ هنا يكمن شيء أخر هو البناء و كيفية تطبيق الفكرة بالممارسة الاقتصادية على الواقع و هنا يكمن الإبداع للحزب و وفق الموجود من البناء الاقتصادي للبلد و إمكانات التطور الاقتصادي للمجتمع, وطبعا يمكن الإفادة من التجارب الاقتصادية التي جرت في البلدان التي خاصة التجربة الاشتراكية للإفادة من عدم تكرار الخطأ, وهذا ليس موضوعة المقال الآن.

ترعرعت الماركسية و الأحزاب الشيوعية, بعد أن ترسخ نظام الرأسمالية, و بكلمة بسيطة صاغ ماركس فكره العلمي, ليأخذ شكل الدارس لحركة التاريخ. فكل عالم يبدأ بالملاحظة, لحظ ماركس أن طبقة جديدة برزت للحياة بعد رحيل الإقطاعية. ظهرت ناس تذهب إلى المعمل للإنتاج, و تستلم أجور العمل.

فأطلق على هذا النوع من العمل, العمل المأجور و الناس العاملة تدعى البروليتاريا.
ركز ماركس على مظالم المجتمع المنفلت من رماد المعارك الطبقية للمجتمع الإقطاعي القديم. فوجد أن العامل مستغل من رب العمل المالك للمعمل و الورشة, الفلاح الذي ترك سماء الاستغلال في حقل الإقطاعي, وجد طريقه للمدينة و فقد السماء ليكون الاستغلال في المصنع المظلم الخانق و البعيد عن الطبيعة و وحوش الغابة ليواجه وحش رأس المال.
لاحظ ماركس كيف يجري الاستغلال للإنسان في هذا الفرن للإنتاج. ليرى أن الربح يأتي بالعمل الطويل للبروليتاريا.
درس بإمعان ساعات العمل و الإنتاج و الأجور, فكشف للعمال أن الساعات الأولى الأربعة هي العمل اللازم في المعمل لأخذ الحق من صاحب العمل و الباقي وهو عمل مجاني صرف لرب العمل, وهذا هو سبب لتراكم الثروة وظهور الطبقة الثرية البرجوازية. أطلق على قيمة العمل الغير المدفوع الأجر فائض القيمة وهو سر غناء البرجوازي, بسرقة ساعات العمل من البشر دون أجر مقطوع.

هل حقا الفكر الماركسي غريب على المجتمع العربي, ألا يحس العامل العربي بالسرقة من رب العمل بنفس الحس للعامل الغربي؟
لقد انتشرت الأفكار الماركسية بعد الثورة الاشتراكية في أكتوبر بقيادة لينين, وعرف العمال أن الثروة للطبقة البرجوازية هي مال حرام و سرقة لرب العمل و المفروض أن يعطي جزء من الأرباح و صار النزاع أكثر و عيا و موجها نحو الخصم الطبقي, صاحب العمل. لذا صار واضح أن الماركسية هي شرح لواقع طبقي لناس تبيع قوة العمل بساعات اليوم إلى مستغل بلا رحمة يمتص جهدهم و يحيله ثروة مكدسة تتحول إلى قوة مالية لاستغلال جديد في مصنع جديد. فالفكرة, تحدث في كل مكان أقصد فكرة سرقة العمال و الأسلوب واحد في العالم كله. لذا نادي ماركس يا عمال العالم اتحدوا.

أن أي طرح بعيد عن هذا السياق, كأن يقال الماركسية علم معقد و فقط فلسفة للمفكرين لا يمكن تطبيقها هو تحريف و تشويه للفكر الماركسي الأصيل, إذ الأساس من جهد ماركس و هو كشف عملية السرقة للعمال, إذ هو لم يكن فيلسوف صوامع كما الفلاسفة القدماء بل كان ثوري و مناضل, و محلل للثورات و التاريخ و عاصرة كومونة باريس و استخلص الدروس و تنبأ الثورة ضد النظم الرأسمالية و آمن بالديالكتيك.

تحققت أول ثورة ماركسية في روسيا القيصرية عام 1917 و أخفقت في بداية التسعينات على يد المنحرفين كرباجوف و يلسين و بوتين. وهو النتيجة الحتمية للأخطاء في العمل السياسي الذي قاده ستالين و بانحراف كبير عن الفكر الماركسي الداعي إلى الديمقراطية الواسعة للبروليتاريا. إذ طبقة البروليتاريا هي الأكثر عددا في المجتمع, و بالمفهوم الماركسي حين تسيطر الطبقة العاملة على السلطة و تلغي الاستغلال الطبقي و تهزم طبقة رب العمل السارق, فستكون دكتاتورية البروليتاريا, أي و فق النظرة المعكوسة للخصم الطبقي _دكتاتورية أرباب أي دكتاتورية الطبقة البرجوازية و هي تسمى الديمقراطية للبلدان الرأسمالية_ لذا يحاول البعض تشويه المفهوم و اللغة الفلسفية لعبقري الطبقة العاملة و للطعن بالديمقراطية الأوسع في المجتمع و هي مرحلة في المجتمع الطبقي الاشتراكي.

لقد استجابت الشعوب لنداء ماركس و صار أحزاب شيوعية و لكن كما ذكرت التجربة حولها ستالين إلى سلطة عسكرية و تحولت إلى دكتاتورية فئة العسكر وليس إلى دكتاتورية الطبقة الأوسع في المجتمع ألا وهي الطبقة العاملة.

من هنا نرى أن الفكر الماركسي هو ملك كل البشر و لا خلاف للعرب مع هذا الفكر, وهو ليس دخيل بل فكر أصيل و حدث في تاريخ العرب, ثورات تريد أن تحقق العدالة للبشر. فكانت ثورة الحسين أبا عبد الله,أكبر حركة في التاريخ العربي الإسلامي ضد تعسف حكم التاجر القريشي الذي أعاد السلطة لطبقة التجار لتقيم حكم النهب بسم الفتح الإسلامي.
وليرتفع شكل النضال إلى فكر اشتراكي ذو مسحة إسلامية على يد رجالات ثورية مثل عمار ابن ياسر و أبو ذر الغفاري و غيرهم و لتظهر حركات ثورية مثل ثورة الزنج و حركة القرامطة, وكل هذه الشخصيات و الحركات هو تراث ثوري للشعب العربي المسلم من اجل الخلاص من الظلم الطبقي. وهذا الموروث الثوري قابل لأن يتلقح بالفكر الثوري الماركسي, أي أن المجتمع العربي ضمن كل المجتمعات في العالم التي تحلم وتعمل للخلاص من الاستغلال الطبقي.

أن الفكر الماركسي جاء للبشرية جمعاء للقضاء على استغلال الإنسان لأخيه الإنسان. و لا زال العدو الطبقي هو المالك للثروة الآتية من الاستغلال الغير شرعي للبشر. فالفكر الماركسي هو أداة للنضال ضد أي شكل من الاستغلال, و ليس محصور بقالب جامد, كما يحاول المحرفين تصويره. فالبعض يدعي أن الظروف قد تغيرت و لا توجد طبقة رأسمالية الآن بالشكل القياسي الذي حدده ماركس و هذه خرافة المحرفين, إذ النظرية الماركسية الثورية, تستوعب كل عمل ثوري ضد أي شكل للنهب من أي طبقة مُستغلة. و يتعامى المحرفون عن ملايين البروليتاريا و الجياع التي نزلت للشوارع لانتزاع حقها من السلطة الغاشمة.

لقد نجحت الثورة البلشفية في روسيا القيصرية الرأسمالية, و نجحت الثورة الشيوعية في كوبا وعلى بعد أميال من أمريكا الامبريالية, بقيادة كاسترو و جيفارا و في بلد متخلف اقتصاديا أي ليس رأسمالي وكذلك في الصين الفلاحية البوذية, كما نجحت الثورة التحررية الفيتنامية بقيادة هو شي الماركسي.
تمكنت الكثير من الشعوب انجاز الثورة التحررية في الشرق و أفريقيا بالأحزاب الماركسية كما شاهدناه في كوريا و أنغولا و موزنبيق و كمبوديا, و تمكن الحزب الشيوعي أن يحكم اليمن الجنوب العربي الإسلامي و على بعد أميال من نظام النهب السلفي الوهابي في مملكة الخرافة القرقوشية القريشية.

من كل هذا يتضح أن الظلم واحد و الثورة هي واحدة ضد الاستغلال الطبقي في كل العالم وفي كل بلد, لذا يحلق الفكر الماركسي عبر القارات لاغيا كل الحدود و الأديان و القوميات, بأممية رائعة توحد البشر للنضال ضد البربرية الوحشية لرجالات الثروة المحرمة دينيا و أخلاقيا و حضاريا.
العدو واحد على الصعيد العالمي وهو كل أنظمة النهب الامبريالية لثروات الشعوب الفقيرة في آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينية و في أي مكان في العالم تجري سرقت ساعات العمل الغير مدفوعة الأجر (فائض القيمة).

لا يمكن صمود الأحزاب الشيوعية في أي بلد في العالم ما لم يتم دراسة التخريب الذي جلبه ستالين بتحويل السلطة من سلطة الطبقة العاملة إلى سلطة مسخ لجنرالات الأوسمة العسكرية. و العسكر هي فئة قليلة في المجتمع, صاروا موظفون مترهلون بيرقراطيون بزعامة الدكتاتور ستالين. الذي جير انتصار الشعب على الحرب الهتلرية الفاشية, لتكريس بقائه في السلطة مع شلة عسكرية عملت على سرقة السلطة من البروليتارية السوفيتية البطلة. فكان حكم دكتاتوري عسكري عمل على التصعيد في المناوشات العسكرية والتسليح و طمس الصراع الطبقي على الصعيد الداخلي و العالمي.
فانتهت تلك السلطة الانتهازية و إلى غير رجعة

لم يحلم و لم يكن لكارل ماركس الفنتازيا, ليحذر من هكذا قائد و هكذا انحراف, لكن كما كومونة باريس هي تجربة البروليتاريا من اجل الخلاص من النهب الطبقي فان ثورة ُأكتوبر هي التجربة الأكبر للخلاص من مظالم النهب الطبقي. فلآن خزين التجربة الثورية للطبقة العاملة كبير, و أن الثورة لا محال آتية ما دام نظام النهب مستمر في الوجود.
فالقيادة لا بد أن تكون بيد البروليتاريا و بعيدا عن العسكر. لتحقيق ديمقراطية الطبقة الأوسع في المجتمع, و بكلمات ماركس تحقيق الدكتاتورية البروليتارية.
أي دفاع عن ستالين و حكم العسكر هو خيانة طبقية و إساءة للفكر الماركسي الثوري, من اجل إزاحة نظام السرقة في المجتمع, ومن اجل إقامة نظام المجتمع الخالي من الفوارق الطبقية وعلى أوسع شكل من الحرية للبشر.

أن جميع الدول العربية تحررت في 50 القرن الماضي و كان للأحزاب الشيوعية دور كبير في النضال ضد الاستعمار القديم و للأسف لم تتمكن الكثير منها استلام السلطة رغم كان هناك للعديد من الأحزاب الشيوعية الفرصة للانقضاض على السلطة نتيجة التوجهات الخاطئة للقيادة الستالينية في الاتحاد السوفيتي و كذلك القيادات الشيوعية العربية الدائرة في ذلك الفلك الستاليمي اليميني. انتهى الأمر بتفتت هذه الأحزاب نتيجة الانهيار للسوفيت المنحرف و للانشقاقات العديدة لها.

الآن الوضع في المجتمعات العربية, و بعد ما شهدنا تساقط الدكتاتوريات العربية نتيجة الضربات التي وجهها الشعب الجائع و المسلوب الحرية و الكرامة. نرى إن الحراك العربي أو الشارع العربي هو من سبق الأحزاب السياسية ليفاجأ ليس الأحزاب بل العالم وخاصة الإمبريالية الأمريكية. أن الأزمة الخانقة للرأسمالية قد أنعكس تأثيرها على نظم الدكتاتورية العربية التي أرتبط اقتصادها بهذه الإمبريالية, التي يتزلزل نظامها الاقتصادي, كذلك البلدان الرأسمالية مثل اليونان و ايطاليا و البرتغال.
ثم الأحداث التي اجتاحت فرنسا و انكلترا و حتى العدوى و صلت إلى عقر دار الإمبريالية الأمريكية حيث الآلاف تريد السيطرة على مراكز المال.
تساؤل يطرح نفسه هل الأزمة الحالية ممكن أن تتطور إلى الحال الذي عانته البلدان الرأسمالية سابقا في 30القرن الماضي, ويمكن العودة إلى النضال وفق الرؤى الأساسية للأحزاب الماركسية. فالانهيار الاقتصادي, سيحطم ذلك الشكل الذي عملت عليه البلدان الرأسمالية في توسيع الطبقة الوسطى, وكان ما يدعى دائما أن الرأسمالية تجدد شبابها, و عبر آخر انجاز لها كان النيو لبرالية و من ثم نظام العولمة لنهب الشعوب الفقيرة عبر بناء الأنظمة الدكتاتورية في العالم و البلدان العربية.

أن الدول العربية بأحزابها اليسارية و الشيوعية مدعوه هي الأخرى إلى ترتيب بيتها و إعادة شبابها و خاصة الأحزاب الماركسية و الشيوعية هي المعنية, إذ لا بد من البدء من المكان أو النقطة الأساس في فضح أخطاء الدولة السوفيتية التي قادها الدكتاتور ستالين, و سمح لعسكرة السلطة و كانت أكبر سرقة تاريخية لسلطة الطبقة العاملة في العالم.

و أن كان سقوط كومونة باريس دموية وعلى أيادي الخصم الطبقي الرأسمالي, فأن انهيار الإتحاد السوفيتي سقط بالانحراف و لخيانة فئة جهاز السلطة العسكرية المتعفنة و انسلاخها الطبقي الذي صار يتناقض مع سلطة البروليتاريا, تماما كأي نظام عسكري عربي بعد إنجاز ثورة التحرر, تحول الضباط الأحرار خونة للشعب و تربع الدكتاتور من3 إلى 4عقود.