معنى انتصار الثورة بمناسبة مرور عام على الثورة في مصر وتونس


مؤيد احمد
2012 / 1 / 29 - 02:54     

معنى انتصار الثورة
بمناسبة مرور عام على الثورة في مصر وتونس

الوضع الحالي
فتحت الثورة في مصر وتونس، قبل عام، الباب امام امر التحرر الاجتماعي في البلدين، بشكل لم يسبق له المثيل، على الاقل، في تاريخ المنطقة. اندلعت ثورة سياسية جبارة خاصة بعهدنا، ثورة شعبية بوجه الظلم والطغيان السياسي وفي الوقت نفسه بوجه الفقر والبطالة والاضطهاد الطبقي. ثورة دكت اركان كل ما كان قائما من البنيان الفوقي السياسي الاستبدادي البرجوازي خلال عدة عقود من الزمن وتصدت بقوة، في الوقت ذاته، بوجه المظالم الاقتصادية والاجتماعية والطبقية للنظام الراسمالي القائم. ثورة من حيث وسائلها النضالية من التظاهرات والاضرابات وقوتها الاساسية، كات ولا تزال، هي البروليتاريا والشباب والشابات من اوساط الطبقة العاملة والفئات الفقيرة والمسحوقة اقتصاديا.
لم تقف الثورة وتاثيراتها داخل حدود مصر وتونس وحدهما، لم ينحصر انبساط عهد التلاطمات السياسية والاجتماعية الجبارة على هذين البلدين فقط، بل اخذت المنطقة ككل تمر بعهد صراعات وانعطافات سياسية واجتماعية عظيمة وتمر بمرحلة يسودها التغيير والتحولات والصراعات الثورية.

لم تكن القوى الطبقية العمالية والحركة العمالية عموما بتلك الدرجة من القوة والاقتدار في ليبيا واليمن وسوريا والعراق والبحرين واردن والجزائر والمغرب، بان تنجز المراحل الاولى للثورة مثل ما انجزتها العمال والكادحين والشباب والشابات الثورين في مصر وتونس. فان ذلك الضعف قد فتح الباب كي تدخل ميدان اوضاع ليبيا واليمن وسوريا كل القوى الرجعية البرجوزاية من دول ناتو وامريكا واسرائيل الى السعودية ودول الخليج، من ايران وحزب اللـه الى تركيا ومن يدور في فلكها، من القوميين- الاسلاميين والليبراليين البرجوازيين الى الاسلام السياسي بكافة اشكالها، من السياسيين البرجوازيين المحترفين، اصحاب حرفة التلاعب بمصير الجماهير، الى القوى الميليشياتية والارهابية. فالثورة في ليبيا واليمن وسوريا تعاني من وقع بأس وتلاعبات كل تلك القوى البرجوازية المحلية والدولية ولكنها لا تزال تشق طريقها نحو كسب الحرية وخاصة في سوريا واليمن. وفي باق الدول مثل العراق والبحرين والجزائر والمغرب والاردن، فقد تراجعت الاعتراضات بشكل مؤقت ولم تتحول الى ثورة.
وعلى صعيد اخر، فان قوى الثورة المضادة في مصر وتونس تحاول اعادة بناء نظام جديد عن طريق تدمير الثورة. فالقادة العسكريين واحزاب الاسلام السياسي من الاخوان المسلمين والسلفيين والاحزاب الليبرالية البرجوازية والقومية وكذلك الامبريالية العالمية والرجعية الدولية الاقليمية بمجملها تعمل ليل نهار وبمثابة قوى الثورة المضادة بوجه الثورة في البلدين.

الثورة الاجتماعية للعمال
والشكل السياسي البرجوزاي للحكم
المحرك الذاتي للتاريخ، الذي يقف وراء الاحداث السياسية والاجتماعية والفكرية لعالمنا المعاصر، هو النضال الطبقي، نضال الطبقة العاملة ضد راس المال. لقد دفعت ازمة الراسمالية العالمية الحالية والثورات في العالم العربي بهذا الصراع الطبقي العمالي الى مديات لم يراها العالم بهذه الدرجة من الوضوح والعمق والسعة على الاقل خلال العدة عقود السابقة من تاريخ البشرية المعاصرة.
لقد بينت تجربة سنة من عمر الثورة في مصر وتونس، وتجربة الصراع الشامل بين الثورة والثورة المضادة في هذين البلدين، بان معضلة الثورة والعائق امام تقدمها هو عدم حضور الطبقة العاملة السياسي بمثابة قوة سياسية مستقلة وموحدة تقدم على بناء حكومة عمالية مجالسية بشكل مباشر في خضم الاوضاع الثورية الحالية. وهذا واقع مؤلم. التيار الشيوعي والاشتراكي داخل الحركة العمالية ليس منظم بشكل يمكنه من ايجاد احزاب شيوعية عمالية اجتماعية ومقتدرة. لو كان التيار الشيوعي داخل الطبقة العاملة والحركة العمالية قوي ومنظم كفاية ويتبنى سياسات ثورية تجاه الاوضاع الحالية، لكان الامر مختلفا ولكنا في موقع اخر.

بالرغم من كل ما يقوله مدافعوا راس المال والراسمالية، من السياسين والكتاب والاقتصاديين والمفكرين المحترفين مهندسي الافكار في المجتمع البرجوازي، حول عدم جواز بناء حكومة عمالية، حول استحالة اسقاط علاقة راس المال واستبدالها بعلاقة انتاج اشتراكية، فان الثورة في مصر وتونس واقفة في منتصف الطريق، حصرا، بسبب عدم مواجهة هذه الادعاءات بشكل عملي وبسبب نقص في لم القوى الطبقية الثورية والاشتراكية لشن الحرب في هذا الميدان تحديدا، المعلن عنه من قبل البرجوازية بانه ممنوع.
لا تتقدم الثورة الاجتماعية للعمال بدون التغلب على اعدائها الطبقية. انها ثورة اجتماعية بما لهذه الثورة من مسارات متشابكة ومعقدة وحواجز سياسية عليها اجتيازها، ومع ما تتطلبها من الارتقاء باستعداد الطبقة العاملة الفكري والسياسي والتنظيمي للقيام بها. غير ان واقع تجربة ثورة مصر يبين لنا بان هذه الثورة الاجتماعية للعمال هي التي في الحقيقة تلوح في الافق وهي وحدها طريق الخروج من المازق الحالي الذي تمر بها الثورة في مصر.

انه من مهامنا كشيوعيين واشتراكيين وثوريين التصدي للنظريات البرجوازية القائلة: الثورة الحالية ثورة "ديمقراطية" علينا اذا الاسستلام للامر الواقع والقبول بصعود الاسلام السياسي الى الحكم عن طريق الانتخابات بمثابة مكتسبات الثورة. صحيح ان صعود الاسلام السياسي الى الحكم امر واقع الان ولكن الثورة كانت غريبة على الاسلاميين وكان الدور المهمش للاسلاميين امرا واقعا اثناء الثورة كذلك. اذا الثورة لا تتطابق مع صعود الاسلاميين الى الحكم، فيجب ان يكون هناك خطاء في المعادلة في مكان ما.
لم تشن العمال والكادحين والشباب الثورة كي ينتهوا بمجئ الاسلاميين الى الحكم، حقيقة الامر هي ان صعود الاسلاميين في البلدين الى الحكم ليس الا صعود الثورة المضادة، صعود قوة بورجوازية اسلامية الى الحكم عن طريق الية واشكال الحكم البرجوازي واساليب هذا الحكم والذي هو الانتخابات للبرلمان وبقاء اجهزة الدولة الحديثة المطرزة وفق ضرورات الحكم البرجوازي على حالها. من لايرى هذا التناقض في تاريخ الثورة الحالية ومن لايريد ان يرى صعود الاسلام السياسي الى الحكم بانها تراجع للثورة وصعود للثورة المضادة فانه يحاول ايهام الجماهير ويؤطر الثورة في اطار تغييرات في شكل الحكم البرجوازي وتناوب السلطة قيما بين فئاتها وتياراتها المختلفة. المسالة التي اريد التاكيد عليها ليست هي عدم جواز استغلال البرلمان والنشاط البرلماني من اجل تقوية الحركة العمالية سياسيا وكسب الاقتدار للحركة الشيوعية بل المسالة هي علاقة الثورة بالانتخابات للبرلمان، مسالة حسم السلطة كحصيلة لانتصار الثورة اوحسمها لصالح البرجوازية عن طريق خنق الثورة واستخدام الانتخابات كشكل واداة لهذا الخنق .

الثورة في العالم المعاصر لايمكن ان تكون غير ثورة اجتماعية للعمال من حيث الجوهر ولا نستطيع ان نطلق على الثورات السياسية اسم الثورة بدون ارتباطها الوثيق بتطوير مسار الثورة الاجتماعية وفي خلق الظروف السياسية والاجتماعية الملائمة لتنامي قوى الثورة الاجتماعية للعمال. ان قلب الثورة في مصر وتونس يدق في مكان غير ساحات الانتخابات على البرلمان، انه يدق داخل الحركة العمالية ونضال الجماهير المضطهدة من اجل كسب الحرية والمساواة فان تطوير هذا الصراع الاجتماعي والسياسي الى حركة سياسية مقتدرة وحركة مجالسية واسعة هي التي تستطيع ان تسلب من الثورة المضادة حقها البرجوازي في قتل الثورة باسم الثورة وباسم الانتخابات.
لم يتوقف الصراع الطبقي المكشوف في مصر، وخاصة خلال السنة الماضية، فالطبقة العاملة باتت تنظم نفسها خاصة في نقاباتها ومنظماتها النضالية الجماهيرية في عموم مصر بهدف توحيد صفها الطبقي والنضالي من اجل تحقيق حقوقها وحرياتها وتحسين حياتها الاقتصادية والاجتماعية. ان هذا النضال العظيم الواسع والشامل الذي اخذ يشكل ومنذ الثورة وقبلها بسنوات عديدة الدعامة الاساسية للثورة، مستمر ولكنه بحاجة الى الارتقاء الى نضال طبقي وسياسي مؤثر يسير نحو بناء حكومة عمالية مجالسية.
فالثورة في مصر لم تستطيع ان تقطع، ولحد الان، روابطها بالاشكال السياسية البرجوازية السائدة ولم تخرج من دائرة اشكال البرجوازي لحكم البلاد والذي ليس الا التحكم بالثورة الحالية وخنقها. كما ولم تستطيع الثورة ان تخرج او ان تتقدم باتجاه الخلاص من دائرة تحكم البورصة ومستلزمات حركة راس المال وتراكمه بمصير المجتمع وبمصير عشرات الملايين من الطبقة العاملة وسكان مصر الفقراء.بالرغم من ادعاءات البرجوازيين، من الاسلاميين والليبراليين والقوميين وغيرهم، بابدية راس المال وضرورة حل المعضلات الاقتصادية وفق قوانين حركته وبالضد من الطبقة العاملة والكادحين، فان مصير الثورة مرتبطة بمصير التيار الاشتراكي داخل الطبقة العاملة وقدرتها على اقناع الطبقة العاملة في توحيد صفوفها حول تحقيق اهدافها الاشتراكية والتحرك نحو ارساء الحكومة العمالية. التجربة المستخلصة من سنة من البطولات العظيمة التي ابدتها الطبقة العاملة والكادحون والمحرومون والجماهير الثورية الشابة في مصر وتونس وغيرها من البلدان ستبقى راية خالدة للتقدم نحو الامام لتحقيق الثورة الاجتماعية للعمال.