ألصراع الطبقي و الأديان


علاء الصفار
2012 / 1 / 23 - 17:40     

لقد كان دائما الفقراء هم أول من يناصر الأنبياء. ينتصر النبي, ويخسر الفقراء. ما السر وراء هذه المعادلة, و لم الفقراء أول من ينخرط للدين و هم أول الضحايا و أول من يخرج خالي الوفاض. من يسرق الثورة من الفقراء و من المستفيد. ناصر كل الفقراء و العبيد, السيد المسيح و جرى الصراع ضد ظلم القياصرة. يصلب المسيح و تصير الفكرة دينا للأمة, و يؤمن حتى القياصرة في الدين, و يسكن القساوسة الكنائس و يبقى القيصر في قصره. ويذهب الفقراء إلى جحيمهم, إلى سوق العمل لكن بدين جديد.
ناصر, الفقراء النبي محمد, و صارت سلطة للنبي, إذ النبي محمد فلت من الصلب و نجح في استلام السلطة. أزاح سلطة تجار قريش. حاول النبي, إقامة نظام, يعطي شيء للفقراء من بيت المال. مات النبي و ويصلب نظامه و تُغتال السلطة, ليزحف ببطيء لكن بثبات من جديد تجار قريش إلى السلطة لكن هذه المرة ليسوا وثنيين بل صاروا مسلمين.

ما هو السر و راء هذه الأحداث التاريخية. لٍم, كل هذه الدماء التي تسيل و لا شيء يتحقق للفقراء. يأتي النبي, فيحارب من رجال السلطة التجار و الملوك و القياصرة. يؤمن الناس بالنهاية بالنبي و الدين, لكن يبقى الظلم و يستمر استغلال الفقراء.
أكيد أن هناك فرق كبير بشكل الإيمان للرجل الفقير الذي بادر بنصرة النبي إلى حد شهر السيف, وهم من الأوائل, و إيمان تاجر قريش, و رجل السلطة أو قيصر روما حين صار مسيحي.

أن السبب المحرك للفقراء هو الظلم الآتي من السلطة و الذي يتمثل بظلم السلطة و سرقت رجل السلطة إنتاجهم المادي, وهي الثروة التي يبتزها الملك, ليعيش مرفه هو و حاشيته و الشرطة الجابية للضرائب و جنده الحامي للعرش.

ماذا حدث في ما بعد, فالدولة أو الأمة بعد رحيل الأنبياء صارت على الدين الجديد. فمًنْ يرتب الأمر الآن, أقصد تشريع الدين الجديد, إنه رجل الدين القس أو الشيخ الذي كان قريب من النبي. و لٍمن سينحاز هذا الرجل الحكيم, بعد رحيل النبي.
فبعد البكاء ومراسيم العزاء و الحداد و الصلاة, يذهب كل الفقراء و المساكين إلى العمل, في الحقل و الورشة.
ليلتقي, رجل السلطة و رجل الدين وبعد كلمات الترحاب وذكرى النبي صار الحديث إلى مستقبل الرعية و كيف العناية ببيوت الرب لتكون لائقة بالشيخ أو القس فتم التفاهم على كيف التصرف بأموال المؤمنين العاملين في الحقل و الورشة.

ليذهب الناس إلى بيت الله للصلاة فيلقي رجل الدين خطبة تدعوا إلى اللحمة في المصاب العصيب بموت النبي و يذكر المؤمنين أن الملك أو القيصر هو ولي أمر الأمة فهو مؤمن كبير يعمل من اجل الأمة الإسلامية. أن هذه أول صدمة يتلقاه المؤمن من رجل الدين. فهي أكبر مساومة على حساب الرجال المجاهدين الحقيقيين الذين نصروا نظام النبي, ليأتي القيصر أو ليأتي أبن قريش و بأكثر مباشرة ليأتي أحفاد أبو سفيان إلى السلطة, و ليعمل سيفهم فتكا بالمجاهدين, و ليس إلى هذا الحد بل ليتوجوا هؤلاء و يطلق عليهم بالسلف الصالح.

إن رجال الدين ليسوا من العمال, بل هو من فئة المثقفين في المجتمع. رجل الدين يحتاج إلى ثقافة دينية بسيطة وقليل من الحكمة وفي الأغلب مطعمة بالخرافات و شيء من الشريعة و يٌجيد الصلاة و قادر على وعض الأمة, و يحمل هذا الرجل شيء من القداسة و يضفيها على الدولة ورحل السلطة الذي صار من أولي الأمر اللازم و الواجب الطاعة.
أن هذه الفئة, فئة رجال الدين, قد ترعرعت عبر القرون وصار لها مراكز دينية طبعا عدا المساجد و الجوامع, مثل ا لأزهر في القاهرة و الحوزة العلمية في النجف و كربلاء في العراق و في قم في إيران. أن هذه المراكز لها دور أكثر تأثير من مراكز الثقافة و المثقفين كفئة في المجتمع لكونها قريبة إلى الناس و قريبة إلى رجل السلطة بل هي سلطة دينية تحرك الأمة.

صراع الفقراء هو محرك التاريخ الأساسي وهو ينجب الأنبياء و الدين و رجاله, فكل حركات الفقراء هي ثورات على الظلم و هي تحمل في طياتها نزعة للعدالة و ربما الحنين لحياة المشاعة البدائية أو ربما أكثر بعدا نحو نظام اشتراكي بدائي مبهم يستوعبها الأنبياء و يتحسسه رجل الدين المثقف. لقد ركز فردريك أنجلس على أمر مهم في حركة و دور الفقراء و دور الدين وتأثير الصراع الطبقي على المجتمع. فهجوم فقراء وعبيد المسيح ضد الظلم يحمل نزعة اشتراكية, فالنضال ضد الظلم الطبقي صار أساس فكرة الخلاص الديني من عذابات الحياة الدنيا في كل الفلسفات الدينية اللاهوتية,إذ حول رجل الدين أو اجل الخلاص إلى يوم الدين, و في الآخرة يوعد الإنسان بحياة السعادة و الهناء. لكن عبر تطور الحياة الاجتماعية و تطور البروليتاريا نظالياً. لاحظ أنجلس رجوع فكرة الخلاص اللاهوتية, فكرة الخلاص و الآخرة إلى كونها فكرة طورتها بل أرادتها البروليتاريا ان تكون دنيوية كما كانت في البداية ثورة عبيد و فقراء المسيح من اجل تحقيق نظام يلغي الفوارق الطبقية, و ليرى أنجلس أن النضال الطبقي قد اغتنى بثورة للخلاص من العبودية بتحقيق النظام الاشتراكي في الحياة الدنيا.

فكما طورد الأنبياء و فقرائهم, طورد كارل ماركس و بروليتارياته حفاري قبور الرأسمالية. و للإسلام كدين أيضا رجالات وشخصيات, من راحت ابعد في فكر الدين الذي سيطر علية, فئة رجال الدين المساومة و القريبة من بيوت التاجر و السلطة, من اجل انتصار و استمرار حركة الفقراء المنتفضين إلى هدفها النهائي بالخلاص من القهر الطبقي وفي هذه الحياة الدنيا, كشخصية عمار ابن ياسر و أبو ذر الغفاري و الإمام علي و من ثم الثائر الإمام الحسين الذين انحازوا و تطرفوا لحركة التاريخ و قواه المغيرة الفقراء والعبيد أو البروليتاريا في مفهومنا الحديث. لقد تطور العمل الثوري للفقراء في العراق و ظهرت حركات رائعة ضد الظلم و القهر الاجتماعي للخلاص من العبودية و في حياة الدنيا, و ليس انتظار يوم الآخرة. فظهرت حركة القرامطة بمبادئها الاشتراكية الجذور. قامة ثورات عديدة على الحكام المسلمين الظالمين كما هي في ثورة الحسين أبا عبد الله, وليستمر نضال الفقراء ضد الظلم لتتفجر ثورة أبا الزنج في البصرة وهي ذات ملامح اشتراكية بدائية و إنسانية. و الآن يمر العرب الآن بظروف و ثورة ربيع لا تخلو من هذا البعد الطبقي و يلعب الفقراء دورهم مرة أخرى من اجل التغيير و الخلاص من القهر الطبقي وتحقيق الخير وفي الحياة الدنيا. وكان أول شهيد لها هو ثوري عامل فقير من عبيد المسيح و محمد, و من قرامطة العصر الحديث, محمد بو عزيز, و ثورة الربيع هذه لا تختلف كثيرا عن ثورة الزنج أو القرامطة إذ لا زال أحفاد يزيد يحكم باسم الدين و فقيه الملك يساوم و يفتي لنسل يزيد الوهابي في الكعبة. و لا زالت الثورة المحمدية مسروقة و لا يزال أثرياء قريش و بنو أمية تلعب بالملك ,لكن الفرق الوحيد, صار المال المسروق هو البترول و بالدولار.