ثورات على الواقع المرير والمستقبل المفتوح ...


محمد بودواهي
2012 / 1 / 16 - 01:51     

رغم عفوية الثورات التي حصلت في بعض بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط ولا زالت تحصل في أخرى ، ورغم دخول سماسرة السياسة حلبة الصراع لاحراز مكاسب
شخصية ضيقة على حساب الشعب الثائر ووضع مصيرها ( الثورات ) أمام المجهول , الا ان المنتفضين ونيران الانتفاضات الشعبية ستبقى تشتعل تحت اقدام الانظمة
الدكتاتورية أو من يريد أن يخلفهم بنفس منهجية الحكم .

إن الظروف الموضوعية لاشعال الانتفاضات الشعبية والثورات التحررية من الانظمة الاستبدادية الشمولية موجودة و مرتبطة بالحالة الموضوعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية داخل بلدان المنطقة كلها . فالحالات التونسية والمصرية والليبية ليست في معزل عن بلدان الجواروالمنطقة , فالوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في شمال افريقيا ومنطقة الشام لا يختلف من بلد لاخر والاستبداد الممارس على الشعوب لا يختلف الا في الوسائل والطرق المنتهجة , فشعوبنا تعيش تحت رحمة ابشع أنظمة ديكتاتورية ، بل وحتى عنصرية ، في العصر الحاضر . لذا فالظروف الموضوعية موجودة والحالة الثورية قائمة ( مع غياب العامل الذاتي للأسف ) و تنتظر فقط لحظة اندلاع الشرارة ...

ففي غياب وجود العامل الذاتي , الحزب الثوري والنظرية الثورية والقيادة الثورية , يستحيل قيام ثورة على نظام الانتاج الاستغلالي المسيطر وتغيير العلاقات الاقتصادية الاجتماعية والانتقال من تشكيلة اقتصادية – اجتماعية رأسمالية تبعية استغلالية الى تشكيلة بديلة تتوفر فيها شروط المرحلة الانتقالية الديموقراطية ومن تم الاشتراكية ... لكن رغم دلك تبقى بوادر التحول الى نظام سياسي اقتصادي اجتماعي أفضل وارد بضغط من الشارع الثائر المنتفض ....

وفي هدا الإطار، فمن البديهي جدا أن تحقق الثورات التونسيه والمصريه والليبية اصلاحات هامه لم تكن تتحقق ابدا فى ظل الطغيان الذى حاصرها في ظل أنظمة الفساد والاستبداد السابقة ومثلها من الأنظمة التي لازالت جاثمة على صدور الشعوب المغاربية والشرق الأوسطية الأخرى . هده الأنظمة التي لم تكرس لتعليم الجيل السابق وحتى الصاعد ما يلزمه فكان التعليم متناسبا مع طموحاتهم مشوها ومتخلفا وهزيلا بعيدا عن مزاحمة الغرب الذي ملك العلوم والتكنولوجيا بدون منازع ، وغسلوا الأدمغة وأزالوا الطموح الإنساني حتى ظل مواطن المنطقة لا يصبو في أحسن الأحوال إلا لزوجة وبعض من المال يقتات به ولا تهمه الحريات أو الديمقراطية ولا الكرامة أوالعدالة الاجتماعية الحقة .... هده الأنظمة التي عرضت شعوبها لاستغلال طبقي مروع ولاضطهاد سياسي وقومي مفجع ومارست عليها شتى أنواع الإقصاء والتهيش ... ومثلها من أنواع القمع والتعديب والاعتقال ... ، وارتكبت في حق المعارضين مجازر دموية فضيعة ، وأجبرت الشعوب على عبادة الفرد الحاكم ، ومورس عليها الإدلال اليومي ، فأصبحت الحياة اليومية صعبة وقاسية جدا بغياب أدنى شروط الحياة الكريمة وغياب الديموقراطية والحريات والعدالة الاجتماعية ...فبرزت مظاهر ذلك في تدني المستوى المعيشي وانتشار الفقر والأمراض ... فسيطرت الاحتكارات الأجنبية على كل الأنشطة الاقتصادية ، فتعمقت الطبقية ، وضرب الفساد أطنابه في كافة المجالات ، وباتت الرشوة روتينا يوميا ، وارتفعت معدلات
البطالة ، وغلت أسعار المواد الغذائية الأساسية بصورة هائلة ، وارتفعت الضرائب بشكل سافر ، وانخفض دخل المواطنين ، واتنتشرت الامية والامراض الاجتماعية بشتى أنواعها ، وكدلك المخدرات والجريمة المنظمة والدعارة بشكل مهول جدا ، وانتزعت اراضي الفلاحين الصغار واراضي القبائل لحساب كبار الفلاحين والإقطاع ، وانعدمت البنيات التحتية والخدمات والمرافق الاجتماعية ، وصودر الحق الثقافي والسياسي ، فهجرت الأدمغة والعقول إلى الخارج ، واستفحلت الهجرة السرية في صفوف الشباب ، وفقدت الروح الوطنية لدى الكثيرين .....

هده الأنظمة التي تكونت في عصرها الحزازات والتناحرات والخلافات الضيقة ، و التي غذتها القوى الخارجيه الإمبريالية المهيمنة ، ففرقتها لتسود ، حتى أنه لا وجود لجامعة أو اتحاد أو فيدرالية تجمعهم إلا تلك الجامعة المسماة عربية التي جمعتهم فقط على مستوى الوهم ...هده الأنظمة التي جعلت من الدين مطية للحكم والتحكم فسخروا الأئمة والفتاوى لخدمتهم وحياتهم الداخلية التي هي ضرب من ضروب البذخ والتبذير بشتى أنواعه وأصنافه ، هده الأنظمة التي لم تتورع عن كتابة تاريخ الشعوب والمنطقة إلا حسب المزاج والأهواء وبما يتماشى مع سياساتها الشوفينية والدكتاتورية وجعله مادة تدرس في كل مؤسسات التعليم والتكوين والتربية ...

إن هده الأنظمة عاثت في الأرض فساداً ، وجعلت مقدَّرات بلدان المنطقة وثرواتها من النفط والفوسفاط والغاز الطبيعي ، ومن خيرات البحار ، ومن منتوجات الفلاحة وفائضها ، ومن الموارد البشرية الهائلة ، ومن الطبقة المثقفة رهناً للإمبريالية الأمريكية والغربية ، في الوقت الذي يعاني فيه المواطن المغاربي والشرق أوسطي من شظف العيش وشدة المئونة ، وفي الوقت الذي يتمتع فيه رؤوس الأنظمة وأركانهم بالثراء الفاحش ، وامتلاك الشركات العملاقة ، وتسخير إمكانات الدولة وثرواتها لمصالحهم الشخصية الضيقة ولأسيادهم بالخارج ....

وقد كان للالة الاعلامية الرسمية والأحزاب السياسية التابعة للسلطات وجميع المؤسسات البرلمانية والقضائية والتعليمية ... دورها الشيطاني الفعال في تشر الوعي المزيف و المغلوط والاكاذيب والتضاليل بغية تشتيت قوى الشعوب وزرع التفرقة السياسية والايديولوجية في صفوفها ، وانتهاج السياسة الاستعمارية فرق تسد لتأبيد الوضع على ما هو عليه وتركه في حالة سكون دائم ومستمر ...

لقد تحملت شعوب المنطقة ما لا طاقة لها به وذلك منذ عقود طويلة ...فرزحت في الفقر تحت استعباد ملوك ورؤساء يظنون أنهم شيء آخر غير البشر ، فنهبوا
الأموال والثروات وأخضعوها لحكم العائلات البرجوازية والتي كان منها الرئيس والوزير... فملكوا البلاد أرضا وبحرا وجوا واعتبروها متاعهم في الدنيا واحلوا الشعوب كقطعان الأغنام لا بد لهم من رعاة ...

وهدا هو ما أدى بجماهير الشعوب ، وعلى رؤوسها الطبقات الوسطى ، إلى القيام بالثورات لاستهداف هده الأنظمة العميلة من جهة والقضاء على رواسبها المختلفة من جهة أخرى . فقدمت بمنجزاتها ومواقفها تلك دعما إضافيا لعملية التحرر في العالم سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي .... إلا أن هدا سوف لن يكون بالتأكيد كافيا ، مادام يعمل بشكل عشوائي وفي وضعية سياسية وشعبية غير محددة المعالم فسحت المجال واسعا أمام التيارات الدينية الأصولية المتزمتة لسرقة المجهود وجني الثمار والقبض على السلطة ، وهو ما سيضطرجماهير الشعوب للإستفادة من الأخطاء مستقبلا وبالتالي التفكير في تنظيم نفسها في إطارات سياسية ديموقراطية واشتراكية مخلصة وقادرة على العمل وفق التكتيك والاستراتيجية .... من أجل بناء غد أفضل ينعدم فيه الاستغلال وتضمن فيه الحقوق ويتساوى فيه الأفراد وتنعدم فيه الطبقات ...