فؤاد النمري و العدو الطبقي


علاء الصفار
2012 / 1 / 12 - 23:10     

*بين شبح الشيوعية ورسالة للحزب الشيوعي الفلسطيني*

دعا السيد النمري لإيقاف جميع الأعمال السياسية للأحزاب الشيوعية و الجلوس للكشف و البحث ولتحديد العدو الطبقي الطائر في سماوات الانحلال و التفتت للدولة الرأسمالية وخروج النضال البروليتاري عن مسار التاريخ بعد سقوط النظام الرأسمالي عام 1970وبعد الانحراف الذي حدث بموت جوزيف ستالين وصعود خورتشجوف البرجوازي الوضيع و هيمنة العسكر على القرار السياسي للدولة السوفيتية. ثم التحولات في السياسة الاقتصادية التي جرت على طول الزمن الدائر بعد عام 1953لتكريس الانحراف, ولتفتت الرأسمالية لكن دون إحلال الاشتراكية مما أدى إلى انحسار البروليتاريا عدديا في أوربا و أمريكا, لنقل إلى النصف حسب الإحصاءات التي يطرحها السيد النمري في مقال رسالة إلى الحزب الشيوعي الفلسطيني.
لا شك ان السيد النمري له دراية بكثير من الأمور السياسية و الاقتصادية, و الفلسفة و التاريخ و القيادات السوفيتية. لكن هذا لا يعني أنه يمتلك الحقيقة التاريخية و الموقف الصحيح سواء بالانتماء أو الانحياز السابق أم بدعوته الأخيرة للأحزاب الشيوعية, اعتقد فقط العربية أو أتمنى ذلك, إلى لا عمل لحين تحديد العدو الطبقي الذي هو سيحدد آلية النضال ضده للحق والإنصاف انه محاور صعب يجيد الهجوم بدون رحمة لأنه يتصور انه يعرف الحقيقة المطلقة لكن لا العدو الطبقي. و الآخرين أعداء ينبغي تدميرهم أي انه قد وجد العدو الفكري لتحطيمه كما حطم ستالين تروتسكي. الرجل الأقوى في الحزب الشيوعي السوفيتي بعد استحواذ ستالين على زمام الأمور, بعد رحيل القائد العبقري لينين مؤسس الدولة البلشفية على أنقاض القيصرية. أستطاع لينين أن يقود الرفاق الشيوعيين بالمبدئية و الإقناع والانتخاب و الاختيار. بتحقيق البلشفية أي الأكثرية, كان ذلك اكبر انجاز لتشييد ديمقراطية حزبية جبارة. لكن لم ترق ستالين هذه الصورة في العمل الحزبي, ولا أساليب العبقري لينين في الحوار و التنضيج و الإقناع فادت السيد القادم من قرية في جبال قفقاسية ليحولها إلى دكتاتورية فردية بل إلى عبادة شخصية.

لا اعرف كيف السيد النمري لا يستطع تحديد الخصم الطبقي ولأي طبقة ستكون الخصم فالمعادلة تحوي أكثر من المجهول الواحد, إذ السيد النمري يطرح أمور عديدة بحلية فكرية فلسفية مدوخة عوضا عن أن يطرح رؤيا جديدة عن الوضع الحالي للصراع و الأزمة الاقتصادية في العالم وطرق النضال لتحقيق شيء للطبقة العاملة في ظل رؤيته الخاصة والمطلقة واليقينية بانهيار التاريخ و العالم ورجوع الحضارة 10قرون إلى الوراء. لا اعرف لم هذا التحديد 10قرون بالتمام و الكمال.
ولا اعرف كيف توصل السيد النمري إلى هذا التحليل الخطير ومن ثم يدعك أمام أمر لا حل له, وبعد ذلك يطلب التخلي عن النضال السياسي جملة وتفصيل و البحث في تحديد العدو الطبقي ,في حين يطرح تغير الوضع عن زمن الثورة البلشفية والصعود العددي للبروليتارية في العالم في ذلك الوقت, والآن هو العكس أي تناقص البروليتاريا, و ليضحى النضال البروليتاري خارج سكة التاريخ بعد أن تفتت الطبقة الرأسمالية. ماذا عن هذه الأعداد الباقية من البروليتارية وهي بالملايين, من يشتري قوة عملها, أنا متأكد ليس الله أم المحسنين . ولم يكون مصيرها الإهمال إلى الجحيم دون حزب نصير ولاسيما أعدادهم بالملايين. لقد اخفق النمري في تطوير ما قاله ماركس في الشيوعية و البشرية, فقد قال ماركس أن البشرية إن لم تحقق الشيوعية ستنحدر نحو البربرية. فمفهوم انحراف نضال البروليتاريا خارج التاريخ بعد تفتت الرأسمالية بعد رحيل ستالين وسقوط المشروع اللينيني لإحلال الاشتراكية محل التفتت الرأسمالي مفهوم لا ربط له بالماركسية. إذ حتى هناك مجال لتحقيق الشيوعية بالطريق الأكثر استغراق في الزمن إذ هي مرحلة لا محال لها,لكن الطريق الأقصر يتحقق بجيش البروليتاريا وصراعها الثوري لحسم النزاع سريعا نحو لا طبقية المجتمع وتحقيق مجتمع, من كل حسب طاقته و لكل حسب حاجته. أي أن ماركس أعطا الدور العظيم للبروليتاريا في تقليص المعانات الإنسانية, والطريق الأطول يتأتى عبر الانصياع كل المجتمع للمنطق العلمي لصيرورة التاريخ الحتمية ألا وهو مجتمع العدالة الاجتماعية.

بعيدا عن تحليلات السيد النمري وتعقيداته و فلسفته, أن الكثير من البلدان الأوربية فيها أحزاب يسارية و شيوعية سواء ستالينية ام تروتسكية وجميع هذه الأحزاب تأمل أن تحقق شيء لشعوبها وتعمل على فضح الوجه الاستغلالي للسلطة البرجوازية الرأسمالية وضيعة أم محترمة لكن أكيد مستغلة, والتي يرفض السيد النمري بتسميتها بالدول الرأسمالية بالرغم انه لم يجد تسمية بديلة. لكن جاهز بالسخرية و الهجوم على الآخرين, وبوصف الطبقة الوسطى الوضيعة هي المشكلة و الطامة الكبرى, لينسى أصحاب الملايين و الملوك غير المتوجين, وأنظمة العولمة و رأسمالها العابر للقارات, الذي يعمل على استنزاف الثروات للبلدان الفقيرة و استغلال البشر تحويلهم إلى عبيد في بلدانهم من خلال الأجر البخس هناك, الذي يعمل على انهاك البروليتاريا في البلدان الرأس مالية وتحويلها إلى جيش من العاطلين. هذا الأمر لا يهم ولا يعني السيد النمري, بقدر سخطه على الطبقة الوسطى الوضيعة و ما أدراك ما الطبقة الوضيعة.

أن الأحزاب الشيوعية العربية بدون نصائح السيد النمري قد توقفت أو أخطأت و أخفقت في العمل النضالي. فقد حل الحزب الشيوعي المصري الستاليني نفسه في منتصف الخمسينات, إذ انه داخ و لم يجد الخصم الطبقي ولم يستطع مواصلة النضال ليتثبت النظام العسكري الدكتاتوري من الخليج إلى المحيط .وفي 80نات القرن الماضي دعا منظر الشيوعيين في الشرق الأوسط الستاليني الأصيل أحسان طبري الشباب الإيراني لترك العمل الشيوعي في إيران. ولا أريد النبش في اخطأ الأحزاب و المواقف السياسية التاريخية العويصة للأحزاب الشيوعية الأخرى و في هذا الظرف العصيب, حيث الأزمة الاقتصادية الخانقة للدول الرأسمالية من اليونان فالبرتغال و ايطالية و اسبانية, تنهك رأسمال دول العولمة الموجه استغلالها للعمال الأوربيين, ورأسمالها الموجه عبر الحدود لنهب الشعوب الغفيرة و الفقيرة في العالم. أن يطرح السيد النمري الآن مسألة ترك النضال السياسي بعد صعود المد الإسلامي في مصر و المنطقة العربية هل جاء ذلك استفادة للسيد النمري من دروس وعبر تاريخ الحزب الشيوعي المصري أم استفاد من رفيقه الستاليني الإيراني الراحل أحسان طبري. فالتوقيت مشابه للظرف الذي صعد فيه الإسلام السياسي في إيران حين دعا السيد أحسان طبري إلى ترك النضال السياسي الشيوعي في إيران. ليتثبت الحكم الإسلامي في إيران و لينتهي دور الحزب الشيوعي الإيراني تماما. هل الدعوة إلى ترك النضال السياسي الشيوعي في المنطقة لزيادة الدفع نحو الهاوية لتحقيق نبوة سقوط الحضارة بعد انفلات النضال البروليتاري خارج الزمن و التاريخ و بعد تفتت الطبقة الرأسمالية و هلامية الامبريالية التي لا ترى بالعين المجردة.

أن تحليلي المتواضع سيثير سخرية السيد النمري بلا شك لكن مع هذا أصر و أقول أنه مازال العدو هو الرأسمال العابر للقارات باسم العولمة و هو الحرب الصليبية الجديدة الموجه للجنوب من فقراء الكرة الأرضية و بالطبع بالتعامل مع الأنظمة الرجعية في العالم ,و كذلك الأنظمة الرجعية العربية النفطية و صاحبة الثروات الأخرى, التي عملـت على إرسائها الامبريالية الأمريكية عبر السبعين السنة الماضية وفي كل العالم. أن الامبريالية الأمريكية سعت إلى ضرب كل الحركات الثورية و اليسارية و الشيوعية و بمساعدة الحركة الصهيونية و الأحزاب الرجعية من قومية و سلفية و أنظمة الملكية القروسطية السلفية من المحيط إلى الخليج العربي.

أن ضرورة عمل الأحزاب اليسارية و الشيوعية خاصة إذ لا وجود وحضور لقوة يسارية في البلدان العربية غير الأحزاب الشيوعية بنضالها و تاريخها المديد. إذ أن الجماهير الشعبية العربية بأمس الحاجة لنضال و تواجد كل الفصائل و النخب و التشكيلات الشيوعية لمد يد التعاضد و للانخراط في كفاح الجماهير من اجل الكرامة و الخبز و العدالة الاجتماعية, إذ الشعوب بدأت الخطوة و أشارة إلى الهدف ألا وهو الكرامة الإنسانية. أن الخطوة الأولى حددتها الجماهير أنها ترفض العبودية, و تأبى الاستمرار بالعيش مسلوبة الإرادة. أن الفكر الماركسي هو اقرب إلى روح الجماهير الآن من أي وقت مضى, و الأحزاب الشيوعية هي المصدر الوحيد القادر على تسليح الشعب بالفكر العصري المتنور من اجل إنسان عربي ذو كرامة و أخلاق الثورة والتحرر و الشيوعية لا تتحقق بدون شعب أنجز التطور الاقتصادي وحقق دولة علمانية و اكتسب النضال الطبقي والفكري من اجل العيش الشريف اللائق بالإنسان.

الانتفاضة للشعوب العربية حددت العدو وهو الدكتاتور و الفكر التسلطي و في الحين ذاته أشارت إلى الظلم والحيف الطبقي الذي تجسد بانتحار بطل الانفجار الثوري محمد بو عزيز. كل ذلك جرى و اليسار غائب في سباته و الآن السيد النمري يدعو إلى إيقاف كل النشاط السياسي للأحزاب الشيوعية. أن السيد النمري ينسى النضال اليومي والميداني للحزب و الذي هو الأسلوب الأنجع للتطور ولمعرفة المطالب الملحة للشعب الفقير ولشحذ النضال إلى أقصى درجات التحرر و عدم رمي الجماهير وحيدة لألاعيب العسكر أو التفاف قوى الثورة المضادة من الرجعية و السلفية التي تحاول نهب الثورة في غفلة من سبات اليسار. لمس أفاق التطور الفكري و النظري في تحديد طريق النضال ضد العدو الطبقي يتم بالكفاح الميداني لا في صوامع الكهنة و المنجمين , الذي يريد السيد النمري تحديده.و إسهام الأحزاب الشيوعية جدا ضرورية الآن لدعم النضال العالمي من اجل الوصول إلى تحقيق البناء الاشتراكي بالإفادة من شكل النضال في أمريكا اللاتينية التي حددت العدو الطبقي و بدل أن يضيع السيد النمري في السكون أو الضياع في متاهات التنظير في شكل العدو و شكل آليات النضال من اجل الوصول إلى الهدف الأسمى في العالم الذي هو جدا بعيد و لا مجال لطرحه الآن في مقال متواضع.