قِمّة الإتّحاد الأورُوبّي:تجمُّع الوُحُوش


السموأل راجي
2012 / 1 / 7 - 02:03     

أصدرت مُنظّمة تأسيس حزب العُمّال الشّيُوعِيّ الألمانِيّ نصًّا مركزِيًّا حول قِمّة الإتّحاد الأُورُوبِّي الفاشِلة المُنعقِدة في بروكسيل في التّاسِع من كانون الأوّل/ديسمبر 2011 والتي صرّح على إثرها رئيس الاتحاد الأوروبي هرمان فان رومبوي (Herman Van Rompuy) عن إعتِزامه الدّعوة لإنعقاد قمّة جديدة في أواخر كانون الثاني أو مطلع شباط/فبراير لِتباحُث أزمة منطقة اليورو العاصِفة مُنذ سنتيْن وبالتّالِي تكُون القِمّة الثّالثة عشر الخاصّة بهذا المِلفّ . نُشِر المقال بتاريخ 5 يناير/كانون الثّانِي 2012 بلسانِها المركزِيّ العمل المُستقبَلِيّ (arbeit-zukunft) ،وبإعتبار أهمّيته القُصوى وراهِنِيّته العالية وتداعِيات الموقف البريطانِيّ المُناهِض لمشرُوع تعديل مُعاهدة مُكافحة تفشِّي أزمة الدّيُون والحدّ من تِكرارها أقوم بترجمته ونشره.

9-8 ديسمبر/كانون الأوّل 2012 -- قِمّة الإتّحاد الأوروبّي كتجمُّعٍ للقرش

الخميس 5 يناير/كانون الثّانِي 2012

لا تزَال سياسات رأس المال المالِيّ الألمانِيّ غاية في الخُطُورة ! ميركل وشُركَائها يتقاتلون من أجل السّيطرة على الشُّعُوب الأضعَف. إنّها الإمبرياليّة كمَا تعيش وتتنفّس!

فاقَمَت الهَيمنة وعملِيّات نهب البُلدان الأخرى التّناقُضات والصّراعات بين الأقطَار الإمبرياليّة والرأسماليّة ؛ ولم تشُذّ نتائِج قِمّة باريس أو قِمّة بروكسل للإتّحاد الأوروبِّي-رُوسِيا في 15 كانون الأوّل/ديسمبر عن هذا المشهَد .
في الواقع ، شكّل عدم الإطاحة بميركل في ألمانِيا ،القُوّة الإقتِصادِيّة الكُبرى في أوروبّا ، حافِزًا إضافِيًّا مكّنَهَا من وضع بصماتِها على كافّة أشغال القِمّة. من الجَلِيّ أنّ البُنُوك والصِّناعة الألمانِيّتَيْن إستفادَتا من الأزمة عبر العمل على مسارَيْن ، ففي الدّاخل ، تمكّن رأس المال من الحدِّ من تكالِيف العمالة بشكلٍ مُستفِزٍّ عبر تحالُفٍ مع زعاماتٍ نقابِيّةٍ وفاقِيّةٍ بما مكّنَهُ من زِيادة المقدرة التّنافُسيّة في الأسواق العالميّة. وفي أوروبّا ، عمِل على إخراج أضعف حلقات المُنافسين مِن الحلبة ، مِمّا بوَّأ مُعدَّلات النمُوّ الألمانِيّ المرتبة الأُولَى في أُوروبّا ،لكنّ التّرقِية لن تُخْفِي المخاطِر المُقبِلة ولم تكُن دُون ثمنٍ باهِضٍ :
في مُقابِل إنصِهار الثُّنائِيّ ميركل / ساركُوزي ،إنعزلت بريطانِيا وأُطِيح برئيس وُزرائها ديفيد كاميرون فجأةً في القِمّة من طرف "ميركُوزِي" إثر مُطالبته بإتّفاق تهدِئةٍ للسُّوق عِوضًا عن تعديل إتِّفاق مُكافحة تفشِّي أزمة الدُّيُون والحدِّ من تكرارِها وذلك بضُغُوطٍ من الأقطاب البريطانِيّة المُطالِبة بإبقاء "صِناعتهم المالِيّة" بعيدة عن المتاعِب فكان ردّ الثُّنائِيّ أشبهُ ما يكُون بالطّرد . كان رفض ديفيد كاميرون يُحْتَفَلُ بِه في منازِل مُتطرِّفِي حزبه اليمينِيّ المُحافِظ المُناهِضِين للوِحدة الأُورُوبيّة في الوقت الذي يخضعُ هُو فِيهِ لِسيْلٍ من الإنتقادات العنيفة وتُحضَّر عرائض لإستجوابِهِ في مجلس العُمُوم ومجلس اللُّوردات خاصّةً مع وضع عنوانًا للقمّة يتلخَّصُ في عودة بريطانِيا لطبيعتها كجزيرةٍ نائية بما يُمثِّل علامةً فارِقةً في تاريخ الإتّحاد الأُوروبِّي .
في الجانِب الثّانِي ، الإتّفاق الجديد لتعزِيز قواعد الميزانيّة في منطقة اليورو سيشمل الدول الـ17 المُنضوية في الإتّحاد النّقدي إضافةً إلى سِتّ دُول أُخرى في الإتّحاد الاوروبي خارج المنطقة ؛ غالبِيّةُ هذِه الأقطار صادَقَت عن مضضٍ بضُغُوط من "ميركوزي" لا طواعِيّةً .

تسعى مجمُوعة السّبعة عشر زائِد ستّة إلى التوسُّع في ثوْبِ مجمُوعة أقطار اليُورُو ، وقاعدة توسُّعِهِم "إتِّفاقٍ حُكُومِيٍّ بينِيٍّ" يتمّ التّحضِير عبرهُ لقِمّة مارس/آذار يُصادق خِلالها على التّعديلات وطيلة ثلاثة أشهُر تُستكمل المُفاوضات والضُّغُوط . يعمل الثُّنائِيّ على فرضِ سُقُوفًا مُلزِمة بالإقتراض والإنفاق الحكُوميّين لتعزيز ثقة المستثمر بالأوضاع الماليّة للأقطارِ الأوروبيّة المُثقلة بالدّيُون وتنظِيم الإدِّخار والإئتمان المصرِفِيّ وبهذا تُلْغِي دور البرلمانات المُشرِفةُ عادةً على رقابة السِّياسات المالِيّة بما يجعلُها مشلُولةً ، وفي مثال اليُونان،وعبر فريق العمل الأورُوبّي (task force) بقِيادة هورست رايشنباخ (Horst Reichenbach) المُوظّف الألمانِيّ ،لم يعُد مجلس النُوّاب قادِرًا على فتحِ فمِه ! (مقتبسة في "دير شبيجل" ، 51/2011 ، ص 96) ، هكذا يتوضّحُ مفهُوم السّيطرة الألمانيّة المُتوَقَّعِ لها بالتخفيف عكس ما جرى خِلال قِمّة كانون الأوّل/ديسمبر . تنازَلت ميركل جُزئِيًّا بإسقاط بعض القيود المفروضة في الحُصُول على إستثمارات رأس المال لكِنّها جنَت جبهة عريضَة مُوجّهة ضِدَّ مساعِي قِيادة الوِلايات المُتّحدة للإتّحاد الأُوربِّي المُمَثَّلة عبر خِيارات كاميرُون البريطانِيّ : تحريرٌ أكبر للأسواق المالِيّة وإمداداتٌ لا تتوقّف من الأموال الطّازجة للبُنُوك المركزِيّة في حين يُطالِب بها مُضاربين آخرِين بمعِيّة عِدّة بُنُوك .

يُنظّم دفع المال مِن قِبَل الجماهِير عبر التّروِيجِ لِفُقاعة التضخُّم القسرِيّ -- كما هو الحال مع انفجار فقاعة الإسكان في الولايات المتحدة واسبانيا -- وإبراز ضرُورة إستخلاص العِبَر من إفلاس "الشّعب الصّغِير" (kleinen Leute) جرّاء التّدايُن الوحشِيّ : أيّةُ نغماتٍ تُعزف ! يتضارب الميثاق المالِيّ الجديد المُتبنَّى في الإتّفاق البَيْنِيّ الحُكُومِيّ مع قانُون الإتّحاد الأوروبيّ وبالأخصّ مُعاهدة لشبُونة 13 كانون الأول/ديسمبر 2007 بما يجعلُ من ميركل وجماعتها الجديدة المُوسّعة يُقامِرُون ضِدّ مُعارِضِي اليُورو مِمَّا دفع بالبلجيكِيّ هيرمن فان رومبوي رئيس المجلس الأُوروبِّي إلى التّصريحِ علنًا بوُجُوب إنهاء التّناقُضات بين أقطار الإتّحاد وإلى إقتراحِ "برتوكُول إضافِيّ" لمُعاهدة لشبُونة التي فاقَمَت "ميزانِيّة الإشراف" لأقطار الإتّحاد المُنهارة . رفضت انجيلا ميركل المُقترح بقُوَّةٍ بإعتبارِه إضعافًا لمساعِيها في سدِّ ثغراتٍ فُتِحت عبر فان رومبوي أمام بريطانِيا الباقِية (حتى الآن) خارج الإتّحاد الأوروبّي ، وأخيرا ، فإن ذلك سيكون تعديلًا على "عقد تخفيتِ اللّهب" (Sparflamme)الذي يُمكِّنُها من فرْضِ صوتِها على كُلِّ فردٍ ولن يُحقِّق سوى إعفاء البروتوكول ذاتِه من عرضِهِ على الإستفتاء . هيرمان فان رمبوي الذي نُقِل جوًّا خِصِّيصًا لبرلين لعرض مُقترحه على ميركل قال أنّهُ قُوبِل بخُشُونةٍ صاحبت سياق تصريحات جوس مانويل باروسو (José Manuel Barroso)، رئيس المفوضية الاوروبية حول "ثقتِه الكاملة فِي عزِيمة الزُّعمَاء الأوروبيّين وإعتمادِه على الدُّول الأعضاء والمؤسّسات الأوروبيّة لحلّ الأزمة،لكن حجم التحدّيات مُقلِقٌ جِدًّا" وأضاف قُبيْل إنعقاد القِمّة ومن مدينة مرسيلِيل حيث يُوجد"من الضّرُورِيّ القِيام بالمُستحيل لإنقاذ اليُورو" ؛ في نفس اللّحظة ، سعى الثُّنائِيّ ميركل /ساركوزي فِي مُحاولة مُتهوّرة لفرضِ رغباتهما على البقِيّة ، ونجحا بوُضُوحٍ خاصّة بعد طردِ كاميرون ليعُود الخِلاف بينهُما حول كيفِيّة المُضِيِّ قُدُمًا ضِدّ حُكُومة المملكة المُتّحِدة .

على ما يبدو ، تتجنّبُ ميركل خُطّة عزل الجُزُر البريطانِيّة عن الإتّحاد الأوروبِّي بإعتِبارها شريكًا في الوِحدة رغم سعي لندن الدّائِم للتذيُّل لواشنطن الرّاغِبة في ربط علاقاتٍ دائمةٍ مع الضفّة الشّرقِيّة للأطلسِيّ ، في المُقابِل ، ترى فرنسا ساركُوزِي أنّ وزنها أكبر ونفُوذها أشدّ أهميّة في غياب بريطانِيا وبالتّالِي لا قيمة ل"عودتِهِم" وبالتالي ، فإن الصراع بين ألمانيا وفرنسا سيطفُو لا محالة في نبْرةٍ أقوى !
من مقرِّاتِهِم الفرنسِيّة كمُدراء للإتّحاد الأوروبّي ، تستمرّ مُقاومة مُخطّطات ألمانِيا من قِبَل باروسو وفان رومبوي والزّعيم غير الرّسميّ لوزراء مجموعة اليورو جان كلود يونكر (Jean-Claude Juncker) رئيس وُزراء اللّوكسمبورغ . جدّدت ميركل خططها البرلمانِيّة اللاّزِمَة لحِزبِها وشريكها البرلمانِيّ الحِزب الليبرالِيّ الدّيمُقراطِيّ(Freie Demokratische Partei, FDP) ! جاءت أرباح آلِيّة الإستِقرار الأورُوبِّي (European Stability Mechanism) مُتقدِّمة (يوليو 2012 بدلا من 2013) ، ولن يُشكِّلُ إرهاقًا للميزانِيّة الفيدرالِيّة الألمانِيّة إذ تبلُغُ المُساهمة المالِيّة الألمانِيّة في هذا الصُّندُوق 43 مليار يورو "تافِهة" دُفِعت قبل أوانِها بِسنةٍ كامِلة حتّى تكُون مُتاحةً. مجلس النُوّاب "البوندستاغ" لديه الحق في الميزانيّة بإعتبارِها جُمِعت بفضلِهِ لا بِفضل ميركِل الرّاغِبة في كُلِّ شيْءٍ عدَى فتْحِ مُناقشةٍ عامّة ؛ وبإعتبار أنّ صِيغة دفع الرُّسُوم لآلِيّة الإستقرار لا بُدّ أن تتوفّر على السّلامَة في تناقُضٍ مع شرط عدم وضع ميزانِيّاتٍ تكمِيلِيّةٍ على طاولة البرلمان الألمانِيّ خِلال شهر يونيو/حزيران ، لَهَثَ فولفغانغ شوبل (Wolfgang Schäuble) زعيم الإتّحاد الدّيمُقراطِيّ المسِيحِيّ الألمانِيّ مُشكِّكًا بحِدّة في مُنتَقِدِي هذا المسَار ومُلوِّحًا بتهدِيداتِه ، وفي الوقت نفسه ، هناك خططٌ مُوازِية في البرلمانات الأوروبيّة لدُول منطقة الأورو سواءًا من أعضاء الإتّحاد أو من مجمُوعة الستّة الأخْرى تقودُها المُعارضات تُقيم عوائِق لا تُحتمل أمام مشاريع ميركل! .
إنخفض سقف آلِيّة الإستقرار الأوروبيّ إلى 500 مليار € (التي طالبت بها ميركل ومعها شويبله!) في أعقاب القِمّة ؛ وهُو ما يعنِي للحزب الدّيمقراطي اللّيبرالِيّ المُنازِع من أجل بَقَائِه فُرصةً لتقديم نفسِه كحارسٍ حريصٍ للأشغال . هذا ينطبق أيضا على الموافقة على قرضٍ بقِيمة 200 مليار يورو إضافيّة يقدّمها البنك المركزيّ الأوروبيّ لصُندوق النّقد الدُّوَلِيّ ليُعاد ضخُّها في شكلِ قرُوضٍ لبنُوكٍ وأقطارٍ مُرتبِطة باليُورُو . ويُعارض البنك المركزيّ الألمانيّ أيّ تمويلٍ تقُومِ بِه الدّولة تحت غِطاء مجلس الإحتياطيّ الإتّحادي وهو أمرٌ محظورٌ بمُوجب القانون الأساسيّ الألمانيّ والبنك المركزيّ الأوروبيّ.

كيف يُتاح تنفيذ مثل هذه المُخطّطَات بسُرعةٍ ؟ الإجابة تقتضِي التوجُّه لمُديرِي أوروبّا وبطبيعة الحَال ميركل وساركوزي في المُقدِّمة . أنصَار سندات العُملة الأوروبيّة من مُضاربِين ومُدّخِرِين ليسُوا في حالة عُطالة ، ولهُم آراؤهم وإنتقادَاتهم ومعارضتهم حول المشاريع "المُنقَّحَة" في غُمُوضٍ مترُوكةٍ لِشهر مارس/آذار .
كُلّ شركٍ تنصُبُه فتقعُ فيه ميركل بالإتّحاد المالِيّ هُو بذُورٌ للرّأسمال الذي تُمثِّلُهُ ويزيد قمحًا لِطواحين الإمبريالِيّة الأمريكِيّة التي يُصارِع رئيسها أوباما لإعادة إنتِخابِه . إنّ الإنهيار الإقتِصادِيّ وفشل ميركل لا يُعدّ لأوباما كارِثةً لملايين البشر وإنّمَا فُرصةً لتعزيز حُظُوظه في الفوز بوِلايةٍ أُخرى ! بالنسبة له ، لا مُوجِب لإثارة قِصصٍ كثيرة حول غرق الأسواق وإنهيار آمال المليارات في كُلّ أزمةٍ مِمّا يعني لهُ هزيمةً إنتخابِيّة ؛؛ من تفاجأ عليه أن يَدْفَع ،هذا ما يُمكِن إستخلاصُه .
بيّنت القِمّة الأوروبيّة الأخيرة حجم إستشراس حيتان القرش الإمبرياليّة التي دخلت حوضًا كُلّ من كان فيه تجسَّس وإحترس وحاول عضّ الآخر للسّيطرة والهيمنة الخارِجة و المُنفلِتة من كُلِّ عِقالٍ.