من الاستقلال إلى الربيع العربي !!


شامل عبد العزيز
2011 / 12 / 24 - 21:17     

بعد رحيل الاستعمار من الدول العربية في أربعينات وخمسينات القرن الماضي إلى ما بعد ذلك والحصول على الاستقلال والتحرر من نير ذلك الاستعمار والذي يتمناه البعض حالياً ..
هل أوجدت الحكومات ( وخصوصاً الجمهورية – الثورية ) بديلاً عن الأوضاع والأنماط التي كانت سائدة في عصر الملكيات ولماذا ؟ ..
هل استطاعت تلك الثورات أن تتماشى مع عصرها والتطورات الحاصلة وأن تجد بديلاً للشعارات التي رفعتها من أجل تطبيقها وهل لعبت القوى العظمى دوراً مهماً في ذلك التحول وهل استفادت شعوبنا من جراء ذلك التغيير وكيف , ثم ما هي الرؤية الحقيقية لعصر ما بعد الاستقلال وصولاً إلى الربيع العربي وما هي الرؤية المستقبلية لما بعد هذا الربيع ؟
سوف لن نذهب إلى العراق أو سوريا بل سوف يكون حديثنا عن مصر باعتبارها الرائدة في منطقة الشرق الأوسط دون أن نغفل دور باقي الدول ولكن من وجهة نظر شخصية ما جرى في مصر * بعد ثورة 1952 جرى على جميع البلدان العربية وهذا شيء طبيعي ..
إن ثورة 23 يوليو 1952 قامت لتحقيق الأهداف الستة التي ظلت تدعو إليها القوى الوطنية المصرية (التحرر من الاستعمار، والإقطاع ، وأقامه ديمقراطيه سليمة ، وبناء جيش وطني , الخ . ( رمضان الغندور ) ..
هل تمّ تحقيق هذه الشعارات وخصوصاً الديمقراطية والمساواة والحرية , وكيف سوف يتم تحقيقها , أليس من خلال دستور جديد يلغي القديم البائد الذي كان فيه تمييز حسب قول قادة الثورة وآليات وتطبيق لها ؟ ولكن هل تحققت هذه الشعارات في الثورة المصرية عام 1952 ؟
على سبيل المثال وسوف نعود لمصر قبل أيام سأل احد الصحفيين الأستاذ برهان غليون في فيينا * سوف يكون على رأس السلطة بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد * : لابدّ من الاستفادة مما يجري حالياً في مصر وليبيا ويجب أن تكون من أولوياتكم حتى لا تقعوا في إشكاليات على سبيل المثال : هل الدستور أولاً أم الانتخابات وأنا من رأيي ( لا يزال الكلام للصحفي ) أن تعودوا إلى دستور سوريا عام 1950 فلقد كان بحق دستور ملائم للجميع وهو دستور عصري ( أي بعد 61 عام ) ..
لندع جواب الأستاذ برهان غليون ونقول :
للكاتب الأديب – علاء الديب – لا أدري لماذا جاء السجع ( مقولة ) وجدتها في إحدى دفاتري ومكتوب فيه 1995 :
( الجريمة الحقيقية ليست القتل , فالقتل لا يحدث داخل الأسرة إلا بالصدفة ولكن الجريمة مستمرة ومتمثلة في السلوك اليومي الدائم ) ..
هذه حقيقة ومن خلالها نستطيع أن نرصد مجموعة من الظواهر ( من خلال المقارنة ما قبل رحيل المستعمر وما بعده ) أهم هذه الظواهر ( فقدان النمط الاجتماعي ) ..
قبل تحرير الأوطان كانت توجد أنماط للسلوك تُميز الفلاحين عن العمال عن الطبقة الوسطى عن الطبقة الارستقراطية ( هذا ليس معناه أنني مع التمييز ولكن من أجل الوصول إلى الفكرة التي أود نقاشها ) ..
كل مجموعة من المجاميع التي تم ذكرها وعددها – 4 – كانت تتحرك داخل هذا النمط ( الخاص بها ) ..
ماذا حدث بعد ثورة 1952 بالنسبة لهذه الأنماط ؟
تحطمت بفعل التغييرات الاجتماعية – السياسية – الاقتصادية ..
لكن وللأسف الشديد لم يصاحب هذا التحطيم ( جهد فكري – فني – اجتماعي ) لصياغة أنماط جديدة .. أو ليس في مضمون الثورات إيجاد بدائل وتغيير ما كانت عليه الظروف قبلها أم أن الثورات هي ( عشوائية ) ؟
لنبدأ بطبقة العمال :
عندما تم بناء مصانع كبرى ( تعتبر جهود من رجالات الثورة في حينه ) وبهذه المصانع أعداد كبيرة من العمال كان التصور العام ( أنه ستوجد طبقة عاملة ) في مصر لها قيم الطبقات العاملة في العالم المتقدم ولكن هل حدث هذا ؟
أبداً العكس هو الصحيح لم يحدث على الإطلاق بل كانت قيم هؤلاء العمال الذين جاءت الثورة من اجلهم ومن أجل القضاء على الفساد المتفشي في زمن الملكية حسب الشعارات المرفوعة في حينه هي قيم وسلوكيات خليطاً من ( قيم متناقضة ) وما حدث للعمال حدث للفلاحين وهكذا للباقي ..
في العراق وفي منتصف السبعينات قامت الحكومة العراقية بشراء معامل وخصوصاً من الدول الشرقية ( طه ياسين رمضان كان وزيراً للصناعة ) هذه المعامل كلفت الميزانية العراقية في حينه مبالغ طائلة ولكن السؤال ما هو مصير تلك المعامل ولماذا تم استيرادها ؟
بقيت على حالها في مديرية الكمارك ( منطقة الحصوة ) إلى منتصف التسعينات ثم قامت الحكومة العراقية ( وعن طريق المزايدات ) ببيعها إلى الراغبين من أفراد الشعب .
ماذا حدث بمرور الوقت ومن جراء عدم خلق الأنماط الجديدة للثورة المصرية ؟
تراكمت كل الأشياء المشوهة في أطراف المدن والمناطق العشوائية ( أهل الكنانة أدرى بالعشوائيات ) لتصبح ( معملاً ) لتفريخ كل الظواهر السيئة وليخرج من هذه العشوائيات ( المعامل البديلة ) ألحرامي الصغير الذي يتحول إلى حرامي كبير بعد سنوات قليلة ..
يقول السيّد وليم ألميري في مقاله ثورة 23 يوليو نكبة على مصر والمنشور في الحوار المتمدن بتاريخ 10 – 9 – 2009 وسوف أنقل فقرة العشوائيات فقط "
أضف إلى هذا أن سكان مصر وقد تجاوزوا الثمانين مليون يعيشون على رقعة أرض لا تستوعب هذا العدد مما أدى أولا إلى أزمة إسكان كان من مظاهرها في القاهرة خاصة ما يسمى بالعشوائيات وهى مناطق سكانية أشبه بالنباتات الشيطانية التي تفتقر إلى المقومات الأساسية الضرورية لمعيشة سوية من طرق واسعة ممهدة ، ووسائل صرف كافية، ومراكز خدمات للسكان. وثانيا طغيان الإسكان على الرقعة الزراعية الضيقة المحدودة التي تمتد على جانبي النيل ( انتهى ) .
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=184217
ماذا تفرز هذه العشوائيات ( العراق على نفس الشاكلة ولكن بنسب أقل ) هذه البيئة بكل ما فيها من بؤس وظروف غير إنسانية تفرز أجيالاً , العنف بالنسبة لها شيء بديهي بل والجريمة أيضاً ..
ماذا نستطيع أن نُضيف حتى تستوضح الصورة ( ضغط الأزمة الاقتصادية ) على الفرد ضغط مستحيل احتماله ليس لأن درجة الفقر ( لازالت نسبتها عالية ومعها الأمية ) ولكن لأن درجة التناقض فوق احتمال البشر وأيضاً تحلل المشروع الحضاري والفكري بحيث يصعب على أي إنسان تصور مستقبله ..
بالنسبة لضغط الأزمة الاقتصادية سوف أشرح لكم هذا الضغط على المجتمع العراقي فيما يخص العمليات الإرهابية التي تدخل في باب العمليات الجهادية والاستشهادية حسب تصنيف كل طرف ,,
شباب دون العشرين من العمر يقومون بزرع العبوات الناسفة يُقتل من جراءها المئات والثمن ( أقل من مائة دولار لكل زارع عبوة ) . أنا أبن المجتمع العراقي وأعيش التفاصيل لحظة بلحظة ولا اكتب بقفزات حريرية حسب توصيف الصديق أيار العراقي ومن المحتمل أن أكون من ضمن هؤلاء الضحايا في يوم ما ,, من يدري عند ذلك سوف تتخلصون من ( ثرثرتي ومن تناقضاتي ) ؟
هل من يقوم بزرع هذه العبوات على دراية كاملة وهل يعرف معنى الدين أو هل انطلق من الدين وهل فعلاً سوف يلتقي ( صاحب الحزام الناسف ) بالنبي محمد بعد تفجير نفسه في كنيسة أو سوق شعبي أو في مجلس عزاء لكي يتناول معه وجبة فطور أو غداء أو عشاء ( هذه ليست نكتة ,, هذه حقيقة يقولون لهم سوف تلتقون بالنبي محمد بعد التفجير ولكن السؤال الحقيقي هو : من كان يرغب بلقاء النبي محمد لماذا لا يفجر نفسه هو ويفوز فوزاً عظيماً ) ؟
العامل الاقتصادي والضغط المتولد من جراء الأزمات الاقتصادية سبب لا ترتقي إليه جميع الأسباب في تخريب عقل وفكر الإنسان .. صحيح هناك من يفجر نفسه أو يفخخ جسده من خارج البيئة الفقيرة * نسبتهم قليلة * فهؤلاء يتعاملون بالسياسة ويؤمنون بأنهم على حق وأن الجهاد شيء أساسي في الإسلام لمقاتلة الكفار حسب توصيف العلوم الإسلامية وهذا ليس موضوعنا ..
هذه جرائم والجريمة في السلوك اليومي العادي الذي يصبح مبرراً ولا يجد رادعاً فيتحول إلى سلوك إجرامي في لحظة وهذا هو الواقع وما نعيشه ..
هل هناك مؤامرة ؟ أي بمعنى وجود مؤامرة لجميع مشاكلنا ؟ والذي اسماه الكاتب – التفسير التآمري للأشياء – هو لا يتفق على هذا المُسمى ولكنه من وجهة نظر أخرى يقول :
( ما يحدث من تخريب للبشر أستطيع أن أؤكد أنه مقصود لتدمير مستقبل بلد بأكمله ,, لماذا ؟ لأن رأس مال هذا البلد الوحيد هو البشر والبشر يتم تخريبهم تدريجياً ) ..
ما هو الشيء الذي يدعم فكرة الكاتب حول التخريب التدريجي للبشر ؟
مشاكل التعليم مثال واضح على فكرة الكاتب فالأجيال التي تدخل المدارس ( لا تتعلم ولا تتربى ولا أي شيء ) ثم هناك ما يسمى ( تفريغ العملية التعليمية في مضمونها ) كما حدث مع أشياء كثيرة كلها مجرد انجازات على الورق فقط .
يختم الكاتب فكرته بالقول :
( إنّ الجريمة الحقيقية في وجوه الناس وطريقة تعاملهم وسلوكهم اليومي جريمة وضعوا فيها رغماً عنهم ثم شاركوا فيها بعد ذلك ) ..
ماذا نستنتج من الفكرة الأخيرة للكاتب ؟
إنه النظام ,, النظام السياسي هو الكفيل بتحرير البشر - التحرير الاجتماعي والاقتصادي ومتى ما وضعوا في هذه الأنظمة سوف نجد مجتمعات أخرى وإلا ما معنى عودة أو في النية عودة سوريا إلى دستور عام 1950 ؟
هل نكتفي بالعملية التعليمية فقط وحسب رأي الكاتب ؟
أين دور الإعلام ومساهمته في تغييب الوعي والتغني بالقائد الأوحد والبطل والقائد الفذ والمسميات التي لا نجدها إلا في هكذا أنظمة واكبر دليل هو التجربة المريرة لشعوبنا مع هؤلاء الحكام الذين حولوا أوطاننا إلى مزارع خاصة – دول بوليسية – قمعية – أمنية – لا دول مواطنة وقانون ومجتمع مدني .. واستغلوا الدين كمطية وتلاعبوا بشعور الناس بتحالفهم مع رجال الدين الذين لا هم لهم سوى مراعاة مصالحهم وعلى حساب تدمير الشعوب باسم الله والدين ..
هل ننسى أو نتناسى حكم العسكر – جمال عبد الناصر وخليفته أنور السادات ثم حسني مبارك هذا بالإضافة إلى قانون الطوارئ والتوريث ...
حتى في العراق ومنذ عام 1958 ولغاية 2003 ( العسكر كانوا هم الحكام ) .
لو رجعنا إلى مقال السيّد وليم ألميري فسوف نجده قد أصاب في تحليله إلى ما آلت إليه الأمور في مصر بعد 1952 ( دون الدخول في التفاصيل ) :
أولاً : أقامت ثورة 1952 نظاماً عسكرياً دكتاتورياً .
ثانياً : بروز دور الأمن وأصبح شعار – لا صوت يعلو على صوت المعركة – لا صوت يعلو على صوت الأمن .
ثالثاً : الانفلات السكاني ..
رابعاً : ظاهرة التيار الديني الكاسح المرتبط بالإسلام الأصولي المتطرف .
خامساً : الوضع الاقتصادي .
سادساً : سياسة عبد الناصر التي انتهجها بجعله القومية العربية الأساس .
/ انتهى / .
أشد مراتب الاستبداد هي حكومة الفرد المطلق الوارث للعرش القائد للجيش الحائز على سلطة دينية – أحدهم –
ومتى ما كانت هكذا حكومات كان الخراب ,, مجرد رأي ..
/ ألقاكم على خير / .