بناء الجبهة يسارِيّة قاعِدِيًّا


السموأل راجي
2011 / 12 / 13 - 22:14     

صدر نصّ إفتِتاحِيّة اللّسان المركزِيّ لحزب العُمّال الشّيُوعِيّ الفرنسِيّ (la forge) لعدد ديسمبر/كانون الأوّل 2011 لِيَعكِس قناعةً شبه عامّة بين فصائل مُناهضة الرّأسمالِيّة في فرنسا وحمل عنوان:تأسيس جبهة يسارِيّة في القاعدة.

هل سيذهب العُمّال والشّعب للقبُول بالتقشُّف لِدفع تكاليف الأزمة والدّيُون وفوائِضِها ؟ أم سيرفُضُون إملاءات الطُّغمة المالِيّة وأداتها :الأسواق المالِيّة؟

لهذا السّؤال ذِي التّداعِيات الفوريّة وعلى المدى الطويل ، يُجيب أنصار اللّيبراليّة "الجديدة" ، ومُمثلي الليبرالية "الإجتماعيّة" أنّه لا خيار إلاّ الدَّفع. يُناوِر الصّنف الأوّل بمُعطى التّخويف والدّرامية والحقائق المعكُوسة والإنقسام على خلفيّة عُنصريّة ، ويتحدث الصّنف الثّانِي عن مزيد من توزيع الجُهُود ، ولكن في نهاية المطاف ، "لا بُدّ من الدّفع".

أسابيع "حاسمة" في فشلٍ "مُحرج" يُعطي خلالها زعماء القوى الكبرى أنفسهم طابع حماة شُعُوبٍ مُذنِبة بتهمة الإستهلاك المُفرط عن طريق القُرُوض ، وبِذَنب نِسيان قواعد "حُسن التصرُّف" ، ويتشدّقُون بضرُورة عدم تجاوز النّفقات للمداخِيل وغيرها من الهُراء. أيّ غطرسة وسخرية من جانب أولئك الذين يعيشون في "عالم الفخامة وسيّارت ومنازل الأحلام" المُوزّعةٍ على صفحاتٍ لا مُتناهية للمجلاّت! في جميع الأقطار تتفجّر أرقام الفقربما في ذلك "ألمانيا الفخمة" ، ناهيك عن المملكة المتحدة ، حيث يتم ترك بعض المناطق للهجر ، وحيث تُغلِق المُدن الخدمات الإجتماعيّة بين عشيّة وضحاها ويُرمى الآلاف في البُؤس . أمّا في فرنسا ، فالوضع ليس أفضل:عاطلين يتزايدُون شيبًا وشبابًا ، ويُلقَى بالعُمّال والمُتقاعدين في براثن الفقر.

في الحديث عن الدّيُون ، تُعيد البُورجوازِيّة الكُبرى الصّديقة لجميع الحُكُومات سنةً تِلوَ الأخرى الإغراق دُيُونٍ خيالِيّة للدّولة التي تُمثّل العميل الرّئيسي والوحيد تقريبا الذي قام بشراء "برنامج الطّائرة الهُجُومِيّة رافال" (Dassault Rafale)، وموّلت 3/4 ميزانية الدفاع البالغة 40.6 مليار يورو € مُستغلَّة ، من بين أمور أخرى ، في شراء طائرات مقاتلة يبلُغُ سعر القطعة منها 142 مليون يورو،في إطار عقد يمتد حتى عام 2021! ونفس الامر ينطبق على الأقطاب الإحتكارِيّة لِلُوبي الكهرباء النوويّة والسيارات والنّقل ، وشركات الأدوية ، وما إلى ذلك.

خِلال الإجتماعات حول الدُّيُون التي تجذب جمهورًا كبيرًا ، تمّ شرح الأسباب والبرهنة عليها ب:إطلاق العنان للمضاربة من جانب البنوك وشركات التأمين التي أوكلت "إدارة" مبالغ هامّة إلى صناديق إستثماريّة خاصّة لتحويل "الأسواق المالية" لأقطابٍ إحتكاريّة واسعة حيث يُسمح بجميع الطّلقات ومُعدّلات الرِّبح تتكوَّنُ من عشرات الأصفار لحِين إندلاع الأزمة ، مع مناشدة الدُّوَل لإطفَاء الحَريق . "تداينُوا لإنقاذِنا" هكذا عوى "أباطِرة المال" الذين كُوفِئُوا ولم يُعاقب منهِم إلاّ عدد لا يُذكَر وهُم أنفسهم من يُنادِي للتّدايُن اليوم لإقراض أموالٍ ليست لهُم للدُّوَلِ بفوائِضَ لا تكُفُّ عن التّصاعُد.

لم تُولد الأزمة فجأة ، ولا تَعُود لسنة 2008 : لقد كانت دُيُون الدُّوَل نتيجةً لسياساتٍ مرغُوبة ومفرُوضة من الطُّغمة بإعتبار أنّها عائداتٍ ضخمةٍ مضمُونة ، كتب ماركس من قَبْل : " إنّ الدَّيْن العُمُومِيّ، أي إستيلاب الدّولة، سواء كانت إستبداديّة، أم دُستُوريّة، أم جُمهُوريّة، هو ما يَسِمُ الحقبة الرأسماليّة بميسمه(....) أدّى دَيْنِ الدّولة إلى نُشوء الشّركات المُساهمة، والمُتاجرة بالأوراق الماليّة من كُلّ نوع، والمُضاربة بها، وبإختصار نُشُوء المُقامرة في البُورصة وميلاد الطُّغمة المصرفيّة المُعاصرة" .
يُنِيرُ هذا المُقتطف القصير من "رأس المال" (كتاب 1) ،حيث يصف ماركس مراحل التطور الرأسمالي، جانبيْن أساسيّيْن من المجمُوع الرّاهِن : من جهة،آليّة الدُّيُون الحُكوميّة مُكوِّنة لِجُزء من النّظام الرّأسماليّ، وتلعب دورا هامًّا في إنتشارها وطنيًّا ودُوَلِيًّا. ومن جِهةٍ ثانِية ، ترتبط الدُّيثون العُمُومِيّة إرتباطًا جوهرِيًّا بالمُضاربة التي تُثري رُؤُوس الأموال الخاصّة.

الوضعِيّة الحالِيّة تُسلّط الضّوء على الإمكانيّات الثّوريّة للنّضالات المُلتزَمَة من قِبَلِ العُمّال والشّعب في رفضِهِم دفع دُيُون الطُّغمَة ، وفي المُقابِل ، على غضب هذِهِ الأخيرة منهم وعلى أولئك الذين يُشجّعُونهم على المقاومة و الكِفاح. لذا، فإنّها تُعطي الحملة السّياسيّة التي بدأتها الجبهة اليساريّة الرّافِعة لِشِعَار "لن ندْفَع الدُّيُون" هَدَفًا غاية في الأهميّة. الكُلّ يستوعب هذا الهدف ، و لَسْنَا إزاء حملة "مثل سابِقَاتها" وهي ليست لِمُجرّد إنتخاب الرّئيس المُقبل، ولكنّها الآن لبناء، الجبهة الشّعبِيّة ، من خلال هذه الحملة ، للقطع مع نمطِيّة ومنطق النِّظام (the system logic) .

بدأ التّأسيس بالتشكُّل ميدانِيًّا من خِلال عملٍ تعبوِيٍّ للفوز واحِدًا تِلو الآخر بالنّساء والرّجال والشّباب في الأوساط الشّعبِيّة . إنّ نجاح الإجتماعات التي يتدخَّلُ فيها مُرشّح الجبهة اليسارِيّة وديناميكِيّة التّعبِئة التي يخلقها المُناضِلُون بداية الحراك الشّعبِيّ الذي يُلَوّحُ به تُمثّل دلالاتٍ جيِّدة . لا بُدّ من تعزيز الحركة قاعِدِيًّا في الميدان عبر الأحياء والمُؤسّسات وأماكن التّلاقِي ... على الجبهة اليسارِيّة بِناء قاعِدتها الإجتِماعِيّة ، قاعدتها التعبوِيّة ، ولقد وضع حزب العُمّال الشّيُوعِيّ الفرنسِيّ مجهُوداته في المرساة العُمّالِيّة والشّعبِيّة.