الشيوعية والنزعة الإنسانية العالية


محمد بودواهي
2011 / 12 / 13 - 20:06     

يرتبط المذهب الانساني إرتباطا وثيقا بالآراء المادية التقدمية، فهو يعلن حرية الفرد ويعارض القهر البدني الديني، ويدافع عن حق الانسان في التمتع وفي إشباع الرغبات والحاجات الدنيوية .

نشأت الأفكار ذات النزعة الانسانية نشوءا تلقائيا خلال الصراعات الشعبية ضد الاستغلال والاستعباد . و نمت فأصبحت حركة ايديولوجية واضحة عندما برزت كعنصر في الايديولوجية البورجوازية المعارضة للاقطاع ولاهوت العصور الوسطى . ومن أبرز أتباع المذهب الانساني في عصر النهضة بترارك ودانتي وبوكاشيو وشيكسبير وفرانسيس بيكون وغيرهم. وهؤلاء كانوا مبتعدين كثيرا عن الشعب وكانوا معادين للحركات الثورية ولم يكونوا بجانب المقهورين والفقراء إلا أنهم ساعدوا في صياغة آراء دنيوية، عن الناس العاملين .

أما في عصر التنوير فقد بلغ المذهب الانساني البورجوازي ذروته في مؤلفات مفكرين عدة ، الذين رفعوا شعارات الحرية والمساواة والأخاء ، وأعلنوا حق الناس في أن يطوروا في حرية "جوهم الطبيعي". ومع ذلك، فإنه حتى أرفع مظاهر المذهب الإنساني البورجوازي كانت تنطوي على عيب التغاضي عن ظروف حياة الشعب العامل وتجاهل مسألة حريته الحقيقية، وبناء المثل العليا الانسانية على الملكية الشخصية والنزعة الفردية. ومن هنا كان التناقض بين شعارات المذهب الإنساني وتحققها الفعلي في المجتمع الرأسمالي. أما عن أنصار الاشتراكية الخيالية فقد أدركوا الطبيعة اللاإنسانية للرأسمالية وهاجموا خطاياها. ولكنهم عجزوا – بسبب عدم معرفتهم بالقوانين الموضوعية للتاريخ – عن إكتشاف السبل والوسائل الفعالة لتحقيق مجتمع عادل.

والمذهب الإنساني الاشتراكي يختلف عن هذا اختلافا أساسيا. فهو يقوم على أساس الفلسفة الماركسية اللينينية ونظرية الشيوعية التي تسلم بحرية الطبقة العاملة من القهر الاجتماعي، وبناء الشيوعية كشرط جوهري للتطور المتسق لكل الناس والحرية الأصيلة للفرد. والمذهب الانساني الإشتراكي هو أيديولوجية الطبقة العاملة، لأن الطبقة العاملة هي الطبقة الوحيدة التي تسعى لتوفير الظروف الجوهرية لانتصار المثل العليا الإنسانية، بصراعها ضد الطبقات المستغِلة ومن أجل الشيوعية. وتقيم الاشراكية – بإلغائها الملكية الخاصة والإستغلال – علاقات إنسانية على الحقيقة، مبنية على أساس المبدأ القائل بأن الانسان بالنسبة للانسان صديق ورفيق وأخ. والشيوعية هي التجسيد الأعلى للمذهب الإنساني، لأنها تزيل كل البقايا المترسبة من عدم المساواة، وتقيم التعبير الأعلى عن العدالة .

أما “الشــيوعية هي نظــام اجتماعــي لا طبقي تقوم فيه ملكية الشــــعب ـ بأسره ـ الواحدة لوسائل الإنتاج والمساواة الإجتماعية التامة بين جميع أعضاء المجتمع، حيث، إلى جانب تطور الناس من جميع النواحي، ستنمو أيضا القوى المنتجة على أساس العلم والتكنيك المتطورين على الدوام، وستتدفق جميع مصادر الثروة الإجتماعية سيلا كاملا، وسيتحقق المبدأ العظيم: “من كل حسب كفاءاته ولكل حسب حاجاته”. إن الشيوعية إنما هي مجتمع عالي التنظيم لكادحين أحرار وواعين، سترسخ فيه الإدارة الذاتية الإجتماعية، ويغدو فيه العمل لخير المجتمع الحاجة الحيوية الأولى في نظر الجميع، وأمرا يدركون ضرورته، وتطبق فيه كفاءات كل فرد بأفيد وجه في صالح الشعب”.

إن الشيوعية في مفهوم ماركس تهدف إلى خلق نمط من الإنتاج ونظام للمجتمع يصبح فيه بإمكان الإنسان قهر الاغتراب عن نتاجه ، عن عمله ، عن أحيه الإنسان ، عن داته وعن الطبيعة . فيه يمكن أن يعود إلى داته ، وأن يعانق العالم بقواه ، أي أن يصبح متوحدا مع العالم .

والشيوعية بهدا تحقق الرسالة التاريخية العظمى: تخلص كل الناس من عدم المساواة الإجتماعية ومن أشكال القهر والإستغلال. ومن كل فظائع الحرب، وتجلب لكل شعوب الأرض السلام والعمل والحرية والمساواة والإخاء والسعادة…وفي ظلها سيبرز إنسان جديد يجمع بين الغنى والنقاوة الخلقية والكمال البدني، وسيكون متحليا بصفات الوعي وحب العمل والإنضباط والإخلاص في خدمة المجتمع الشيوعي .

أعتقد جازما أن الماركسية هي النظرية الفلسفية الوحيدة - دون غيرها - التي تستطيع أن تضع حلولا جذرية لمشاكل البشرية من ظلم واستبداد وفساد وتخلف وفقر وجهل ومرض ، وهي الوحيدة التي تستطيع أن تقود المجتمع إلى الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية السياسية والاجتماعية والثقافية لكل المجتمعات ، وتستطيع تحرير المرأة من عبوديتها أو إرادتها المستلبة في المجتمعات البطريركية الأبوية السائدة في جميع المجتمعات البشرية على سطح الأرض .

إن الشيوعية هي التجسيد الأعلى للمدهب الإنساني ، لأنها تزيل كل البقايا المترسبة من عدم المساواة ، وتوفر الظروف الضرورية للتطور المتسق لكل الأفراد ، وتقيم التعبير الأعلى عن العدالة وهو مبدأ - من كل حسب قدرته ولكل حسب حاجته - .

ولهدا نستطيع القول وبدون مغالاة إن ماركس من كبار الإنسانويين، فقد وضع الإنسان في مركز منظومته الفلسفية، لا بوصف الإنسان الواقعي نقطة انطلاق فحسب، بل بوصفه هدفاً أيضاً وأساساً.