الأرضِيّة التّكتِيكِيّة للأُمَمِيّة الشُّيُوعِيّة ج.أخير


السموأل راجي
2011 / 11 / 26 - 23:48     

التّفَكُّك ، والرُّكُود والأزَمَات

تُبَيِّنُ الأرقَام أنّ فِي مُقَابِل كُلّ دُولار واحد يُسْتَثْمَرُ في الإنْتَاج،يتمُّ إسْتِثمَار ما بين 20 و 50 دولارا في أَنْشِطَةٍ "مَالِيّةٍ صِرْفَة" : القاعدة هي إسْتِخْرَاج كل مَرْدُود هذه الدّولارات العشرين أو الخَمسين على حِسَاب الإقتِصاد المُنتج الذي أُسْتُثمِرَ فيه دُولارًا أوحد فقط ، وضمان نُمُوّ رأسِ المَال الطُّفَيْلي على حِساب الصّناعة والزّراعة والمُجتمع ككُل.

ليس هناك شكٌّ في أنّ كُل "صفقة" في "السّوق" على السّندات والقروض والأسهم والعُملات تُمثِّل ضَغْطًا مُضاعَفًا على الصّناعة والعمل والزّراعة. حقيقة أن المعاملات في المصارف والتأمين وشركات الاستثمار المالية والبورصات والشركات القابضة تَضَاعَفت بين 20 و 50 مرّة مُقابل الصّناعة والزّراعة ، هو مثال صارِخ على هذا الواقع الحاسِم . أمّا الزّيادة في "حجم المُعامَلات" في البُورصات الذي كان مُتَرَاوِحًا بين 10 الى 20 مليار دولار في 1970 و 4.200 مليارفي عام 1994 تُشَكِّلُ دَلاَلةً على هذه القاعدة خاصّة مع تنامي الرّقم في السّنوات الاولى من الألفِيّة الثّانِيَة. علاوة على ذلك ، وكما تظهر الاحصاءات، في الفترة بين 1995-1996 ،ستة بنوك كبرى في الولايات المتحدة ، وأربعة في انكلترا حَصَدت 40 ٪ من مداخيلها (باستثناء عمليات أخرى) فقط من تجارة العملات والأسهم . كل هذا وتَصِلُ أحجام العمليّات آلاف المليارات من الدولارات التي قدمتها البنوك الكبرى وأسواق الأوراق الماليّة ، وهو ما يتجاوز بكثير إجمَالِيّ النّاتج المحلّي الخامّ بِمَا يجعَلُ منْهَا دَلاَئل تفكُّكٍ إِضَافةً لِترَاكُم وتكَثُّف الرُّكُود. حقيقة أن بعض الاقتصاديين والكتاب البرجوازيين ، فَزِعِين من "التطوُّر" الإقتصَاديّ ، ويكتُبُون عن تحوّل النظام المالي إلى وحشٍ طُفيْلِيّ يتغذّى على دِماء مُضيفه (الاقتصاد الإنتاجي) لا تُمَثِّلُ إلاّ إعترافًا "تَعِيسًا".

إلى جَانب توسّع الإحتِكارات وإحتِدَاد التّناحُر من أجل الأسوَاق ، تُشَكِّلُ زيادة إتّفاقيّات الإحتكار ودعم من حكومات البلدان المتقدمة لها واحِدة من العَقبَات التي تمنع أكثر من أي وقتٍ مضى تطوير التّقنية ، وتطبيقها على الإنتاج وبالتّالِي إمكانيّة تنْمِية القُوى المُنتجة.كَمَا تَكْسِرُ المُعاهَدات المباشرة أو غير المباشرة ؛وإتّفاقِيّات G8 ومنظّمة التّجَارة العالميّة ، والإتّحاد الأوروبّي الهادِفة لِ"تنظيم المنافسة" وغيرها من قرارات الحكومات الحَاجِزة لإمتِيَازات إحتِكَاريّةٍ خاصّةٍ بهَا؛ التقدّم التّقني والإنتاجية ، وتُشجّع الاتجاه منحى الرُّكُود.
حقائقُ هامّة رسَمَت ملامِح السّنوات العشر الماضِية في العَالم :سنواتٍ للرّأسمالِيّة محكُومة بتكثيف وترسيخ الميل إلى الرُّكُود حصيلة التطفّل والنّفُوذ المُتزايد للإتّفاقيّات الإحتكاريّة ، ولقد مثّلت فترات"التّجديد" لِما بعد الحرب العالمية الثّانية بالنّسبة للإقتصاد الرّأسمالي مرحلة إنْخِفَاض مُعدّلات النُّمُوّ مُزْمِنةٍ وِفق نمطٍ عَقْدِيٍّ (كُلّ عشر سنوات) واستمرّ الإنخفاض خلال عقد التّسعينات. على الرغم من التوقُّعات لبِداية جديدة و "موجة من النمو" في الثّمانِينات ، كان النمو 3.2 ٪ فقط. خلال التّسعينات لم تتعدَّى 2.5 ٪ فقط. بالإضافة إلى ذلك ، أظهرت جميع المؤشّرات أنّ هذا الإنخفاض سيستمرّ في السّنوات المقبلة.

خِلاَل الفترة السّابقة لم يكن هناك فَقَط تعفُّن الرّأسمَال وتفَاقم الرُّكُود الإقتِصَاديّ. فَفِي ظِلّ ظُروفٍ من تركّز الرّسامِيل وتنامِي "المُنافسة" الإحتِكارِيّة في التّسعِينات، وعلى الرّغم من تسارع تدفُّق رأس المال جَرّاء الإستخدام الجُزئيّ للتّكنولوجيّات الحديثة والرّقمِيّة و"تركّز العَمَل"(بفضل التّدوِيل وتطوُّر الإتّصَالات) ، فهُنَاك إتّجاهًا نحو إنخفاضِ مُعدّلات الأرباح. على سبيل المثال ، تُبيّن الأرقام أنّ سنوات الثّمانِينات في ألمانيا سُجِّل فيها إرتفاع مُعدّل الرّبح في الصّناعة من 7.2 ٪ إلى 9.9 ٪، لِيَتَراجع بعد ذلك إلى 5 ٪ سنة 1995. (زيادة مقدار أرباح أقطاب الإحتكار أمرٌ آخر) وبالرّغمِ من أنَّ الإنخِفاض غَيْر عميقٌ كما هو الحال في ألمانيا ، فإنه ينطبق على غيرها من الدُّول المُتقدّمة ، وإستمرّ خلال السّنوات التّالِية.

فِي مُواجَهة الإنْخفَاض في مُعدّلات الرِّبح ، الإجراءات المُتّبَعة مؤن قِبَلِ الحُكُومات ورأس المَال الإحتِكارِيّ معرُوفة : بدَلًا مِن توسِيع مَجالات وقُوى العَمل ، يُوصُون بزيَادة قِيمَة فَائض القِيمة وبالإسْتِغلال الإمبِريالِيّ للشُّعُوب التّابعة بِشَتّى الوسائِل نِسبيّةً كانَت أو مُطلَقَة. تنَامِي التطفُّل والتّعَفُّن ، وتعميق الرُّكُود ، وتزايُد الإختِلَالَات المُدَمِّرة ، ومنحى إنخِفاض مُعدّلات الأرباح كانت سِمَات تطوُّر الإقتِصاد العَالميّ في السّنوات الخمسة عشَر المَاضِية. أمّا الهَجَمَات "الجديدة" المُخَطَّطِ لها بَعد سُقُوط الكُتلة {الشّرقيّة} (التي قُدِّمَت مَهْزَلِيًّا في الفترة بين 1995-1996 على أنّها "إصلاحات") ، فقد كانت وسيلةً للتغلّب على أمراضِ الإقتصَاد خاصّةً مع فَرض رُسُوم على الطّبقة العاملة والشّعب المُضطَهَد ، ما هو الحَاسِم هنا هو أنّ جميع هذه الظّواهر ، بدءًا من الهجَمَات عَلَى حُقُوق العُمّال والشّعُوب التّابِعة ، ليست عَناصِر لِفَترةٍ "عاديّةٍ" مِن عُمُرِ الإقتِصَاد العالميّ ، ولكنّها نتيجةً تمّ الوُصُول لَهَا لفترةٍ من عمليّةٍ مَخْصُوصةٍ بلَغَت مُستوًى مُعيّن مِن النُّضج كما لُوحِظ أعلَاه ، حقبة تعتمِد على حركة مُحدّدَةٍ لِرأسِ المَال وتحوُّلٍ دَقِيقٍ في الإقتِصَاد. مسارٌ مُتَمَثِّلٌ فِي المَزيد مِن تركُّز رأسِ المَال وتوطِيد مَركزِيّةٍ جديدةٍ مُتَكَوِّنة من تجمّع محدُود وحَرَكة إحْتِكَاريّة [جديدة] ناميةٍ على قدمٍ وساقٍ ؛ وبرزت الظّواهِر والهَجَمَات المُخَطَّطة كعنَاصِر من هذه العَمليّة. ولقدبيَّن التّارِيخ وعلى الأخَصّ القرنِ المَاضي عدّة مرات نتائج هذا النَّوع مِن المَسَارَات ونَوعِيّة الإضطرابَات والإنهيار والدّمار الذي يُمكِن أن يَتسبّبَ فِيهِ.

لا يَنفِي وَاقِع غِيابَ أزمَة إقتِصاديّة ذات أهميّة عالميّة خُصُوصِيَّة المَسَار والتغيُّرَات المُسَجّلة ، إضافةً إلى أنّ عَوامِل الأزمةِ واضحَةً وتتعَمّقُ ، فتكثّف التعفّن ، وعناصر رُكُود النُّمُوّ والتقلّبات في بعض القِطَاعات هِي بَوادِر أزمةٍ آخِذةٍ فِي النُّضْج. من ناحية أخرى ، التّكاليف الإضافيّة النّاتِجة عَن بَرَامج التقشّف وقُوّة التّناحُر عَلَى الأسواقِ تُمَثِّلُ ،وفي ظِلّ ظُرُوفٍ مُعيّنةٍ ، حتمًا "أسباب أزمات". أمَّا الإختِلالَات المُثْقَلَة بالصّراع حول النُّفُوذ فَهِي دائمًا من بيْن أهمّ أسبَاب تسريعِ وتعمِيق الأزْمَة ؛ وبالنّسبَة لِتَدَهْوُر "المَقْدِرة الشِّرائِيّة" للعُمّال والجمَاهير الكَادحَة ، فمن المُؤكّد أنّها أصبَحَت أكثَرَ أهَميّة مِن أيِّ وَقتٍ مَضى أساسَ وسَبَبَ إنفجارِ تضخّم الإنتَاجِ هنا أوهُنَاك.
مِنَ المؤكّد أنّ رأسِ المَال "يُوَسِّعُ" من "قُدرَتِه على مُكَافَحَةِ الأزمَة" عَبْر تدَابِير مثل "شُغْل مَرِن- إنتاجٍ مَرِن" ، وتحوِيل الأقْطَار التّابِعة إلى "مَزْبَلَة أَزْمَة". لكن على أي حال ، حتى لو كان بالإمكانِ وَضْع عددٍ من الأسْلحَة تُجَاه الأزمَة ، فَمِن المُحَالِ وُجُود آلِيَّةٍ "سِحريّةٍ" لِحَلّ أزمَات الرّأسماليّة. فَعَلَى النَّقِيض، تعْمِيق "العَوْلمة" يُوسِّع الظروف النّاقِلَة بسرعة للأزَمَات في جَميع أنحَاء العَالم. في ظل ظروف معينة ، إنتاجٍ مرنٍ وتحويل البلدان التّابِعَة لِ"مَزَابِل" هُو بالضَّرُورَة سِلَاحٌ ذُو حدَّيْن يُمكن أن يَرْتَدَّ على طبقات رأسِ المَال.

مهمَا كانَت زَاوِية النّظَر فإنَّ إنْدِلاع الأزمات الإقتِصَاديّة وبِدايَة الإنهِيَارَات فِي قِطَاعٍ أو بَلَد لِتَنْتَشِر بعد ذَلك فِي قِطَاعاتٍ وبُلْدانٍ أُخرَى أمرٌ لَا مَفَرّ منهُ ؛ فَالتّرَكُّز الرّأسمَالِيّ والمُنافسَة الإحتِكاريّة المُدَمّرة المُتزايِدَة تُفَاقِم وتحْتوِي عَلَى كُلّ الأسباب التي من شأنها تحويل هذه الأزمات إلى إضطرابات ودَمَارٍ عنيفٍ ، وإلَى أزماتٍ سِيَاسيّةٍ يَسْتحِيلُ على طَبَقَات رأس المَال تَجَنّبهَا "إلى النِّهَاية".
الصِّرَاع المُتَزَايِد حَوْل الأسْوَاق ومَنَاطق النُّفُوذ ، تشكُّل كُتَل دُوَلِيّة جدِيدَة ، بُرُوز خِلَافَات تُسلِّط الضّوء على التوتُّرَات المُتَصَاعِدة ، الهُجُومَات في جميع البُلدَان ، سَواءً كانت صِنَاعِيّة أو "مُتَخَلّفة" ، تكاثُف وإحْتِدَاد التّناقُضَات الوَطَنِيّة والطَّبَقِيّة ، وتقدُّم مُحْرَز في الوَعي والنِّضَال الطّبَقيّ والوَطَنِيّ : لا جدال في أن المَسَار المُتَّبَع هُو ما سَلَفَ ذِكْرُهُ وسوف تجِد جَميع الأحدَاث تَعبِيرَاتهَا في تكثُّف هذه التّهْدِيدَات بِمَا يُؤدِّي لِمَعَارِك حَاسِمة.


نَحْوَ المُوَاجَهَة والإنْهِيَار

تُقِيمُ الوقائِع الأدِلّة على أنّ كُلّ تَنَاقُضَات العَالم بَين العَمَل ورَأسِ المَال، بَيْن بُلدَانٍ مُتَقدِّمةٍ وأُخْرى تَابِعَة ، وبين الأقْطَار الغَنِيَّة نَفسَها ، آخِذَةٌ في إتّجَاه الإحتِدَاد أكثَر فأكثَر. تطوُّرٌ يَتمَاشَى مَع تَفَاقُم آثارِ الرُّكُود وعَدم إسْتِقرَار الإقتِصَاد العَالَمِيّ وإرْتِفاع مُؤشِّرَات الأَزَمَات و "مَخَاطِر" إنْتِشَارِهَا. ليس هناك شكٌّ في أنّ الهَجَمَات ستتوسَّع وتترَكَّز ويَعْنِي مَسَارَهَا (الهَجَمَات) حَرَكَةَ نَقْلٍ أكْثَرَ عَمُودِيَّةٍ للثَّرْوَة من الطَّبَقَات الدُّنْيَا للطَّبَقاتِ العُليَا ومِن الأقطَار التَّابِعَة إلَى البُلدَان "المُتقدِّمَة" بِمَا يُؤجِّجُ حَتْمًا نِضَالَات الطّبَقَة العَامِلة والشُّعُوب التّابِعَة. مِن جِهَةٍ أُخرَى ، أيًّا كَان شَكل وإتِّجَاه تَصَاعُد هذِه الحَرَكَة ، فإنّ المَسَار سَيَشْهَدُ بالضَّرُورة مُوَاجَهَاتٍ بيْن الدُّوَل الإمبِريَالِيّة الكُبرَى تَتّسِعُ فِي تَسَارُعٍ.

ويَنبَغي أَن يُؤخَذ بِعَيْنِ الإعْتِبَار أنّ كُلّ رُكُودٍ كَان رَأس المَال قَادرًا عَلى التّغلُّبِ عَليه وكُلّ "التَّدَابِير" المُتّخَذَة لمُعَالَجة الأزْمَة هِيَ فِي حَدِّ ذَاتِهَا زِيادةً في الرُّكُودِ وتَعْمِيقٌ لِلأزَمَات اللَّاحِقَة ؛ ومِنْ ثَمَّةَ ، فإنّ كُلّ هَزِيمة لِحَرَكة الطَّبَقة العَامِلة والشُّعُوب تُمَثِّلُ أيضًا فُرصَةً لتَحَرُّكَاتٍ لَاحِقَةٍ أكْثَر خِبرَة وقُوّة وأكثر تَقَدُّمًا. على الرغم من أنَّهُ لا يُستبعَدُ تَمَامًا إحتِمَال التغلُّب علَى الأزمة بِشَكلٍ أو بِآخَرَ ، أو إمكانِيّة تحقِيق الإسْتِقرَار والفَوَرَات لبِضْعِ سَنوَاتٍ ؛ فَمِن المُسْتَحيل حُصُول الطّبقات الرّأسمالِيّة والعَالَم الرّأسمَالِيّ على إستقرارٍ عَامٍّ وعَالمٍ بِصِراعٍ طَبَقِيٍّ أُحَادِيّ الجَانِب (unilateral) : إنّ الإنهِيَار الإقْتِصَاديّ والفَوْضى السِّيَاسيّة والزَّلَازِل الإجْتِمَاعِيّة العَمِيقَة ، والصّدامَات والصّرَاعات الأكْثَرَ عُنفَا،المُكثّفَة والشّامِلَة لَا مَفَرّ مِنْهَا.

لقَد "إكتَشَفَت" طبقات رأس المال والأَقْطَار الإمبِريَاليّة مَرَّةً أُخْرى حَتْمِيَّة هذه الظّاهِرة في الصِّرَاعَات الإقتِصادِيّة والإجتِماعِيّة والسيَاسِيّة في الخمس عشرةَ سنةٍ المَاضِية فَخطّطَت جَدوَل أعْمَالهَا وإسْتَعَدّت وفقًا لِهَذَا التّطَوُّر ؛ وكَما نُوقِش في المَقَاطع السّابِقة ، لمْ تَكُن هَذِه الإستِعْدَادَات والإجْرَاءَات مُوجَّهَة فقط ضدّ الدُّوَل الإسلَامِيّة المُقَدَّمَة ك"حَضَارَةٍ عَدُوَّةٍ" أو ضِدّ الإرهابِ الأُصُولِيّ ، وحتى ضد الأقطَار التّابِعَة والمُتَخَلّفَة ؛ فَصِرَاعُ الرّأسمَال العَالَمِيّ وحُكُومات الدُّوَل [الكُبْرَى] كَمَا يُرَى في التّارِيخ المُعَاصِر ، وخُصُوصًا السّنَوَات الخَمسَة عَشَر المَاضِية قَد يَكُونُ أَوْسع مِن ذَلِك بِكَثير ، ذُو أبعَادٍ عِدَّةٍ ، وعَلَى جَبَهَات كَثِيرَة :
1 -- ضِدّ الطّبَقة العَامِلة فِي الدَّاخِل ،
2 -- ضِدّ البُلدَان التّابِعَة والمُتَخلِّفة فِي الخَارِج ،
3 -- ضِدّ الأقطابِ الإحْتِكارِيَّة والدُّوَل المُنَافِسَة في الدَّاخِل والخَارِج أيْ فِي جَميع أنحَاء العَالم.
وبِالرَّغْمِ مِنْ أنَّ عالَم الرّأس مَال والأقْطَار الإمْبريَاليّة يُقِيمُونَ "وِحْدَةً" على الجبهَة الأولى والثّانِيَة ، فَهُم مُتَوَاجِدِين في هَذِه المُوَاجَهَات الثّلَاثِ. لَمْ يَكُن صِرَاع رأس المال العَالمِيّ حتى اليَوْم أُحَادِيّ الجَانِب ، ولَن يكُون كَذَلِكَ في المُسْتقبَل. كما يقُول البَعض ،لَن تكُونَ لِلمَعركة عَلاَقَة بالأشْكالِ السِّلمِيّة ، ولَن تَبْقى فِي حَدٍّ مَقبُولٍ مِن التّنَافُس المَحَلّي أو الطَّبَقِيّ مِنْ قِبَلِ النِّظَامِ نَفْسِه ؛ يُدْرِكُ العَالم الرّأسمَالِيّ وخُصُوصًا القُوى [العُظمى] الإمبِريَاليّة أنّه بِمُجَرّد نفاذِ مَفْعُول وإهْتِرَاء آلِيَّة "الوِفَاق" المُقَدَّمَة كَوَسِيلَةٍ "ديمُقرَاطِيّة" ، يَحِينُ الوَقت لِفَرضِ الذَّاتِ بالقُوَّة والقَهْر سواء أمامَ القُوى المُنَافِسة أو فِي مُوَاجَهة العُمّال والشُّعُوب التَّابِعَة : تَسْتَعِدُّ الدُّوَل الرّأسْمَاليّة الكُبْرَى والقُوَى الإمبِريالِيّة بِالفِعل لِتمهِيد الطَّرِيق ب"السَّيْف والنَّار".

تُوَفِّرُ الوَقَائِع بَيانَاتٍ لَا يُمكِن تَجَاهُلها : ففي البُلدَان المُتقدِّمَة ، لمْ يُفْرَض"جَوْهَر رَيْعِ" الدّولَة بالقُوّة مِن قَبل كمَا هُو علَيه الحَال. وعَلَى الرّغمِ مِن الأهَمّيّة القُصْوَى لِهَذَا الجانب، فالمُشْكِل لا يُخْتَصَرُ فِي إزَالَة سُلطَة الحُكُومَات والمَجَالس المُنْتَخَبة والهَيْئات المَالِيّة والإقتِصادِيّة مثل البُنُوك المَركَزِيّة والهَيئاتِ التّنافُسِيّة والبُورصَات إلخ. والمَسأَلَة ذَات طابَع أكثَر حَيَويّة تَتَمَثَّلُ فِي الإنقِلاَب عَلَى الدّيمُقراطِيّة رَغْمَ أنَّهَا بُرجُوازِيّة وتَصَاعُد القَمْع والرِّجْعِيّة السِّيَاسِيّة مَصْحُوبَةً بِجَمِيعِ وَسَائِلهَا الضَّرُورِيّة ومُؤَسَّسَاتِهَا وتأسِيسِ تيَّارٍ لَهَا. وَمَا وَضْع الدّولة البُولِيسِيّة على المِحَكّ وتحْوِيل البَرْلَمَانِيّة لِمَلاَذَاتِ تَبْرِيرٍ وتَنَامي الفَاشِيَّة وعَسْكَرة الإقتِصَادِيَّات بِمَا يَعْنِيه من إقامَةٍ لدُوَلٍ مُعَسْكَرَةٍ بِدَوْرِهَا إلاّ بَعضِ المَظَاهِر الأُخرَى لِهَذَا الخَطَر.
إستسلَمَت الدُّوَلُ تمَامًا لِلطُّغَم المَالِيّة ، وعَلَى الرَّغْم مِن الهُرَاء الجَارِي حَوْلَ {التَّحْرِير} ،فَإنَّ الرّأسمَالِيّة أصْبَحَت أكْثَر مِن أيِّ وَقتٍ مَضَى رأسمالِيّة دَوْلَة. أعلن الطّابع الطُّفيْلِيّ ،والتفكُّك والإضْمِحلَال والتَّدمِير المَنْهَجِيّ لقُوَى الإنْتاج المُتَمَيّز بِأَزَماتٍ وعوَامِل أُخْرَى للرُّكُود وَجمِيع التَّناقُضَات والإخْتِلَالَات المُهَيِّئة لِهَزَّاتٍ قَوِيَّةٍ، بِلَا هَوَادَةٍ ، أنَّ رأسْمَالِيّة اليَوْمِ هي النَّاضِجَة جِدًّا لِحَقْبَةِ أزمَة وإنْهِيَار. مَع جمِيع الأعْرَاض المُؤَكِّدَة لِأزْمَتِها العَامَّة ،وبالرَّغْمِ مِن إخْتِلَاف مُستَوَى النُّمُوّ والظُّرُوف، تَجُرُّ الرّأسمَالِيّة العَالَمَ وَرَاءهَا مُباشَرةً إلَى وضعٍ شَبِيهٍ بالأحدَاثِ الكُبرى في بِدَايَاتِ القرنِ المُنْصَرِم.

لاَ يَتَّجِهُ العَالم الرَّأسمَالِيّ لِحِقْبَة عَشْوائِيّةٍ لِلصِّرَاعٍ والنِّزاعٍ ، بَلْ يَذهَب إلَى إنهِيَارٍ مُمَاثِل لِمَا حَدَثَ فِي النِّصفِ الأَوّل مِن القَرْن العِشْرِين. فَمِن نَاحِيَةٍ، وبالتَّوَازِي مع تَحَوُّل الصِّرَاع حَوْلَ الأسْوَاق ومَنَاطِق النُّفُوذ لنِزَاعٍ مُبَاشِرٍ، بَرَزَت إسْتِقطاباتٍ عسْكرِيّة/سِيَاسِيّة جَدِيدة تَجْعَل مِنَ الحرب العامّة تهْدِيدًا جِدِّيًّا. وَمِن نَاحِيَةٍ أُخْرَى، تتَصَاعَد وتتجَذَّرُ الحَرَكة العُمّالِيَّة الثَّورِيّة والإحْتِجَاجَات المُعَادِية للإمبِريَاليّة مُحْتَضِنَةً الكِفَاح ضِدّ هَذِهِ القُطْبِيَّة وَضِدّ التَّلْوِيحِ بالحُرُوب. بِغَضّ الطَّرَف عَن الشَّكْل المُتَّخَذِ آنَذَاك، فبالنّسْبَة للعَالم الرّأسمَاليّ-الإمبِريالِيّ ، لا مَفَرّ مِن الإنْزِلاَقِ في الصِّرَاعَات المُدَوِّيَة والحُرُوب.

الخُلَاصَة : إمّا أنَّهَا حَربٌ عَالَميّة جَدِيدة سَتَسْحَقُ الثَّوَرَات أو هيَ ثَوْرَةٌ تَمْنَعُ أو تُنْهِي الحَرب! إنْهِيَار طبَقَة رَأسِ المَال والرّأسمَالِيّة وتَعْوِيضِهَا مِنْ قِبَلِ الطَّبَقة العَاملة والإشتِراكِيّة أمْرٌ لا مَحِيدَ عَنْهُ. ولكن لا يُمكِنُ التّكَهُّن مُنْذُ الآن توقيتَ حُدُوث ذَلِكَ بَعد الحَربِ التِي ستُدَمّر العَالم ، أو عَبْرَ الحَيْلُولَة دُونَ تِلْكَ الحَرب وتدمِير مَحَاضِن الحُرُوب. فِي المُقَابِل ، ليس مُستغْرَبًا أنّهُ فِي خِضَمّ هذه الأزَمَات والصِّرَاعَات، وإسْتِنادًا إلى التّجَارب التّارِيخِيّة لِلحَرَكة، أن تُدَمِّرَ مَفَارِز مِن الطّبَقَة العَامِلة فِي أقْطَارٍ تُشَكِّلُ الحَلَقَة الأَضْعَف دُعَاة الحَرْبِ مُسْتَوْلِيَةً عَلَى سُلطَة الدّولَة. في عالم الرأسمالية التي لَم تتّعِض بدُرُوس وَحْشِيَّتِهَا في القَرنِ المَاضِي، لَا يُوجَد أيّ سَبَب للشكِّ فِي أن فَيَالِق الطَّبَقَة العَامِلَة في أيّ دَولَةٍ "كُبْرَى" سَتُنْجِزُ ،بِنِضالِيَّةٍ عالِيَةٍ، المَهَامَّ المُلقَاةِ على عَاتِقِهَا.

العَالَم يَتغيّر بِبُطءٍ فٍي إتِّجَاهِ مَرحَلَة جَدِيدة مِن الأزْمَة العَامَّة (وهُو مَا يَعْني كَسْر السِّلسِلَة الإمْبِريَاليّة من قِبَلِ الحَلَقَات الأَضْعَف وظُهُور الإشْتِرَاكِيّة كبَدِيلٍ ملمُوسٍ للعَيْش) للرّأسمَالِيّة،هذا مؤكد، ولكن الأهَمّ هُو عَدَمّ التَّرَاخِي فِي هَذِه المَسْألَة.

هَل حُكِمَ عَلَى الطَّبَقَة العَامِلة والشُّعُوب بِهَزِيمَة أَبَدِيّة آتِيَةٍ فِي يَأْسٍ وقَتَامَة علَى الرَّغْم مِنْ جَمِيع الجُهُود والتّضْحِيَات المَبْذُولَة ؛ أو هِيَ فِي إتِّجَاهِ تحْقِيقِ تَقَدُّمٍ في تَوظِيفٍ نَاجِحٍ نَاجِعٍ لِجَمِيع الوَسَائِل ولِحَيَوِيَّة الحركة فِي مُوَاجَهَة التّحَدِّيَات عَبْرَ تقْلِيل الخَسَائِر؟
الإشْكَالِيّة المَرْكَزِيّة والأساسية اليوم هِيَ التّركِيز بِلاَ شكٍّ عَلَى ردِّ الطَّبَقَة العَامِلة والشُّعُوب حَاضِرًا ومُسْتَقْبَلاً .