ما بعد = الربيع العربي - هل هو مشروع سياسي أسوأ ؟


محمد بودواهي
2011 / 11 / 25 - 20:17     

يبدوأن التحولات التي حدثت والتي ستحدث في العالم العربي لاتمت بأي صلة لأي مشروع للتغير واضح المعالم في أهدافه وأدواته، بل أن الذي حدث هو عبارة عن
تحرك جماهيري عفوي له أسبابه الموضوعية من تغيرات إجتماعية أدت بالضرورة لتغييرات سياسية أطاحت بأنظمة عتيدة في رسوخها . فلايوجد هناك مشروع للديمقراطية، كطريقة للحكم، ولا مشروع لدولة مدنية ، إد أن المشروع ليس عبارة عن شعارات يطرحها شباب ينادون بالحرية والديمقراطية والدولة المدنية ويهتفون بها في المسيرات والتظاهرات والاعتصامات في الساحات العمومية وميادين التغيير. فهناك غياب أي تنظيم مسبق حتى بين القوى التي شاركت في الثورات بل جاء التنظيم في أحسن الأحوال أثناء التغيير أو بعده في تكتلات سياسية، والأكثر من ذلك أن الذي يبدوهو أن التيارات الدينية كالأخوان المسلمين والجماعات السلفية كانت أكثر تنظيما في العمل ووضوحا في الأهداف .

أن التحولات في أي مجتمع ما تحدث إما بتوفر الأسباب الموضوعية للتغير كالتي تحدث في العالم العربي، وهي متعددة ومتنوعة ، أو بالتحول من خلال مشروع واضح المعالم له أهدافه وأدواته وله قيادة قوية ومتماسكة وقاعدة جاهيرية واسعة تتبنى مشروع التغيير.


أن الشعارات الديمقراطية التي كانت ترفع في بلدان "الربيع العربي" استبدلت برايات خضراء . لقد فاز حزب النهضة التونسي في أول انتخابات بعد إطاحة الرئيس بن علي. وتفيد استطلاعات الراي أن الفائز في الانتخابات البرلمانية التي ستجري في مصر خلال شهر تشرين الأول / نوفمبر، سيكون حزب "الاخوان المسلمين" الذي كان محظورا الى وقت قريب بتهمة التطرف.

كان الدكتاتوريون خلال العقود الماضية يضخمون حجم خصومهم من الاسلاميين لتخويف الغرب، والحصول منه على دعم معنوي ومادي. ولذلك لا غرابة في أن الغرب استقبل نجاح الاسلاميين في بلدان "الربيع العربي" كاشارة تبعث على القلق. ومع ذلك ليس واضحا حتى الآن الى أية درجة سيحدد الاسلام حياة الدول الديمقراطية الجديدة في هذه البلدان. ويعتقد الخبير في مركز الدراسات العربية والاسلامية لمعهد الاستشراق الكسندر ديمتشينكو ان ذلك سيتوقف بالدرجة الأولى على خاصيات التطور التاريخي، والوضع السياسي الراهن، ونجاحات عملية "التغريب" أو إخفاقاتها. ويستبعد الخبير عملياً امكانية قيام ايران أخرى في مصر او تونس أو ليبيا، فالنموذج السياسي الذي يُنتخب فيه المرشد الأعلى للثورة الاسلامية من قبل مجلس الخبراء المكون من كبار العلماء المسلمين ، وجد في ايران بسبب خاصيات المذهب الشيعي، بينما بلدان
"الربيع العربي" سنية المذهب. كما أن عقودا من حكم أنظمة علمانية في تلك البلدان لم تذهب سدى ، فالزعماء الثوريون يؤكدون ويقسمون، على الولاء للقيم الديمقراطية. فالسلطات الجديدة في تونس مثلاً وعدت بتمثل النموذج التركي المعاصر . وهذا النظام الخاص بتقييد السلطة الدينية اقترحه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أوردغان في مصر وتونس أثناء جولته الشرق أوسطية ، وذلك عندما دعا إلى وضع دساتير علمانية. ومع ذلك لا تتوفر المقدمات التاريخية لتطبيق النموذج التركي في بلدان "الربيع العربي"، حيث الوضع الاقتصادي المعقد قد يؤدي إلى تصاعد الراديكالية. ويعتقد البروفيسور ماركو أن "النموذج التركي يحظى باهتمام البلدان العربية ما بعد الثورة، ويشكل عامل إلهام لها. وليس في ذلك ما يدعوللاستغراب. ولكن المستقبل سيبين إن كان هذا النموذج سيقدم فائدة لها أم لا؟ إن وضع المرأة في هذه البلدان سيغدو بمثابة الاختبار في هذا المجال". يرى الخبير الروسي ألكسندر ديمتشينكو أن مستقبل المنطقة في حال فوز الإسلاميين في بلدان المنطقة الرئيسية لن يكون مظلما ولا مخيفا. وإذا وصل الإخوان المسلمون في مصر إلى السلطة فسيشرعون بمكافحة تنظيم "القاعدة". والإسلاميون فضلا عن ذلك معنيون بالتعاون الاقتصادي مع الغرب، إذ سيكون عليهم بيع النفط والغاز والقطن والفوسفاط ، وخدمة السياح بغية تأمين قوت الشعب. ويقول الخبراء بشؤون السياسة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إن الإسلام السياسي يتعرض الآن لأهم امتحان في تاريخه، إذ كان في الماضي مضطرا للعمل كمعارضة في الظل ، أما الإسلاميون اليوم فيواجهون مشاكل حول مهام المرحلة وسبل حلها .


إن غياب مشروع الدولة المدنية في الاطار الديمقراطي هو الدي فسح المجال للقوى الراديكالية الأكثر تنظيما ً من أخذ زمام المبادرة مما قد يسبب في عودة الدكتاتورية والتسلط بشكل آخر. أن أكثر القوى تنظيما ً هم قوى الإسلام السياسي المعتدل الذين يستخدمون الديموقراطية فقط كأداة للوصول إلى السلطة إد لم تتصالح أفكاره مع جوهرها الحقيقي والذي يجعل ممارستها بالشكل فقط بعيدا ً عن باقي عناصرها المهمة للفرد والمجتمع. إن الذي حدث من ثورات وإنتفاضات هو ثورة لإستعاد الكرامة التي إنتهكتها الدكتاتوريات المتسلطة، لكن المطلوب هو أكثر من ذلك، وهو مشروع ينهض بالواقع المأساوي الذي تعيشه الشعوب ليدخلها في عصر الحداثة والديموقراطية الحقة من أوسع أبوابه.

وبناء عليه نعتقد أن ما سيأتي بعد مرحلة "الربيع العربي" سيكون أسوأ من ما كان يحدث قبلها. ولا نتحدث فقط عن صعوبة المراحل الانتقالية النمطية بل أمور أخرى أكثر تعقيداً. فكثير من العرب يفتقدون القدرة على تقبل التغيرات السياسية والاقتصادية والثقافية المفاجئة-وإن ادعى البعض غير دلك ، فبالنسبة لهم لا يزال يوجد نماذج ذهنية وتفكيرية رجعية مزروعة في النهج الفكري العربي النمطي ستجعل من الصعب تحوله إلى ميكانيزم حضاري وعصري مرن. فهناك صعوبة بالغة في تخيل كيف سينجح العقل العربي النمطي في قبول قفزات حضارية هائلة إلى المستقبل. فيصعب مثلاً تخيل تحقق ديمقراطية بناءة ومباشرة بعد القضاء على الدكتاتور الشرق أوسطي والشمال إفريقي أو إزاحته من حكمه اللامشروع. فحتى لو أدركنا لاحقاً أن "الربيع العربي" أزاح بالفعل الديكتاتور العربي الظالم ولكن جمود التفكير بشكل عام سيعيده مرة أخرى.
بمعنى آخر, كان لابد من مواكبة الربيع العربي بربيع عقلي أو ذهني عربي متحرر يرسخ التسامح بين المذاهب والثقافات العربية المحلية .
ولذلك فنظراً لوجود معوقات تفكيرية أساسية في الثقافة المحلية النمطية تمنع تخيل سيناريو أفضل مما كان يحدث في السابق (قبل الربيع العربي). فنعتقد أن ما سيأتي عن قريب ربما سيعتبر أسوأ مرحلة يمر بها العربي والمغاربي خلال تاريخه المعاصر.

قد منح مشهد خلع بن علي ومن بعده مبارك والقدافي الأمل للأحلام بشرق أوسط وشمال إفريقيا ديموقراطيين ، لكنه قد يتحول ليصبح أكثر كابوس في ظل الإسلاميين ، وبشكل أخص المتطرفين منهم ، على الأقل في المدى القصير ، وأقول على المدى القصير لأن التطور السياسي للشعوب لا تقف أبدا عند أي حد .