الدولة و الثورة و بناء الحزب البروليتاري الثوري


امال الحسين
2011 / 11 / 18 - 15:52     


المحتــوى

مقدمـــة

الفصل الأول

الأسس المادية للحركة الثورية المغربية

1 ـ الأسس المادية للصراع السياسي و الطبقي بالمغرب
2 ـ الأسس المادية للحركة الماركسية اللينينية المغربية

الفصل الثاني

بناء الحزب البروليتاري الثوري من منظور منظمة "إلى الأمام"

1 ـ الأطروحة الثورية الأولى لمنظمة "إلى الأمام"
2 ـ من الإنطلاقة الثورية إلى الإستراتيجية الثورية
3 ـ العلاقة بين القيادة البروليتارية و الجبهة الثورية
4 ـ الأسس المادية لتوحيد الماركسيين اللينينيين

الفصل الثالث

الوضع الراهن و بناء الحزب البروليتاري الثوري المغربي

1 ـ الوضع الراهن من منظور الأماميين الثوريين
2 ـ الأسس المادية لبناء الحزب البروليتاري الثوري المغربي

خلاصــــة



مقدمــــــة

تعتبر الماركسية قوانين التطور الإجتماعي تعبيرا عن الضرورة التاريخية لتطور المجتمعات لكون كل قانون علمي مادي انعكاس للعلاقات الضرورية بين الحوادث و حركة التطور التي تجري مستقلة عن إرادة المجتمع.

و هناك قوانين خاصة تصلح لنظام اجتماعي معين إلى جانب وجود بعض القوانين التي تصلح لجميع التكوينات الإجتماعية و هي قوانين مشتركة من بينها :

ـ الوجود الإجتماعي يحدد الإدراك الإجتماعي ، فالأفكار الإجتماعية و السياسية و الحقوقية والفنية والفلسفية هي انعكاس للشروط المادية في الحياة الإجتماعية/في الوجود الإجتماعي.
ـ التوافق الضروري بين علاقات الإنتاج و صفة القوى المنتجة.

و خلافا للمثالية التي ترى أن القوى الأساسية التي تحدد تطور المجتمعات هي الأفكار الإجتماعية و السياسية ، فإن المادية تعتبر أسلوب إنتاج الثروات المادية هي القوة الأساسية التي تحدد تطور المجتمعات البشرية.

و مصادر الأفكار و النظريات الإجتماعية و السياسية و غيرها توجد في الشروط المادية للمجنمع/في شروط الوجود الإجتماعي ، و تعتبر الأفكار و النظريات انعكاس لشروط الحياة المادية للمجتمعات البشرية ، كما تمارس الأفكار و النظريات بدورها تأثيرها على تطور شروط الحياة المادية للمجتمعات البشرية/الوجود الإجتماعي و القاعدة الإقتصادية للمجتمع.

و تقر المادية بالأهمية الكبرى للأفكار الإجتماعية و السياسية في تطور الحياة المادية للمجتمعات/الوجود الإجتماعي و القاعدة الإقتصادية للمجتمع ، لهذا كرس ماركس و إنجلس و لينين حياتهم للدفاع عن مصالح الطبقة العاملة لتحريرها من عبودية البورجوازية.

و يعتبر الدياليكتيك الماركسي الذي طوره لينين عبر النظرية الماركسية اللينينية أداة للتفكير العلمي المادي وأسلوب لتحليل التكوينات و الحركات و الظواهر الإجتماعية ، و هو نظرية علمية مادية لفهم و حسم الصراع الطبقي لصالح البروليتاريا في المجتمعات الرأسمالية ، من أجل تجاوز تناقضات النظام الرأسمالي و الرقي بها إلى مستوى أعلى تنتفي فيه الطبقية و التفاوت الطبقي و الإجتماعي.

و النظرية الماركسية اللينينية باعتبارها جوهر الدياليكتيك الماركسي هي النظرية الناجعة لدراسة النظام الرأسمالي الذي يضم بداخله مكونات متناقضة تتحرك و تتغير و تتحول و تحكمها الجدلية المادية باعتبارها قانون الحركة الإجتماعية.

و الحركة الإجتماعية تتأثر بتناقضاتها الداخلية كما تتأثر بالتناقضات الخارجية فالصراع الطبقي في النظام الرأسمالي ما هو إلا نتاج وجود الطبقات الإجتماعية المتناقضة بداخله و الذي يتجلى في الصراع بين العمل والرأسمال، بين الطبقة العاملة و البورجوازية ، بين القوى المنتجة و علاقات الإنتاج ، بين الصفة الإجتماعية للقوى المنتجة و صفة الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ... و لفهم النظام الرأسمالي لا بد من فهم القوانين المحددة لتناقضات الحركة الإجتماعية و هي :

ـ الوحدة في ظل التناقضات و صراعها.
ـ تحولات الكم و الكيف في ظل الحركة.
ـ النفي و نفي النفي في ظل الصراع داخل الحركة.

و الحركة الإجتماعية يحكمها قانون الجدلية بين العمل و النظر الذي يحيلنا إلى الجدلية بين النظرية الثورية والممارسة الثورية ففي كل حركة اجتماعية عمل و نظر ، و في كل نظر عمل و نظر ، فالمفكرون المبدعون حينما يبدعون فكريا تصبح إبداعاتهم الفكرية عملا ملموسا ، و في كل عمل نظر وعمل ، فالطبقات تعتمد على العمل اليدوي أثناء إبداعها تفكر و تعمل و تضع لعملها نظرا، و النظر في صراع دائم مع العمل الذي يغني النظر و ينفي تناقضاته عبر النفي و نفي النفي في ظل وحدة الحركة ، و لتطور العمل تأثير عظيم على تطور النظر الذي يسعى إلى التوافق مع مستوى تطور العمل في حركة دائمة من أجل تطوير الحركة الاجتماعية عبر الصراع بين تناقضاتها في ظل الوحدة ، و مستوى تطور العمل يحيلنا إلى التراكم الكمي الذي يجد تعبيراته في القوى المنتجة الجديدة و بالتالي التحول الكيفي عبر تدمير علاقات الإنتاج القديمة في ظل تحولات الكم و الكيف.

فوجود الطبقات في النظام الرأسمالي يحتم وجود الصراع الطبقي الضروري في التطور الإجتماعي عبر الصراع بين البروليتاريا و البورجوازية ، و هو صراع تاريخي لن يزول إلا بزوال أسبابه/وجود الطبقات المتناقضة في المجتمعات الرأسمالية.

و الدياليكتيك الماركسي يتناول الحركات الاجتماعية بالدرس و التحليل و يقر بوجود قوانين مشتركة بين مختلف التكوينات الإجتماعية ، تلك القوانين التي يمكن اكتشافها و استخدامها دون القدرة على تعديلها و هدمها ، و من أهم هذه القوانين قانون التوافق الضروري بين علاقات الإنتاج و القوى المنتجة لكون أسلوب الإنتاج القوة الأساسية في تطور الحركة الاجتماعية ، و كل تطور يطرأ على أسلوب الإنتاج ينعكس على النظام الاجتماعي ككل/الأساس الإقتصادي .

وخلافا للمثالية التي تقر بأن تطور المجتمعات يقوم على الأفكار الاجتماعية والإدراك الاجتماعي و السياسي فإن المادية تعتبر أسلوب الإنتاج القوة الأساسية في التطور الاجتماعي ، فإذا توقف الإنتاج مات المجتمع ، وأسلوب إنتاج الخيرات المادية يحدد تركيبات المجتمع وسماته وأفكاره وأوضاعه ومؤسساته وبالتالي تحولاته وتطوراته.

فكل تطور يطرأ في أسلوب الإنتاج ينعكس على النظام الاجتماعي ككل/الأساس الإقتصادي.

ويقول ماركس :

" ... ما أن يتغير الأساس الاقتصادي حتى يطرأ على البنيات الفوقية الواسعة تحول سريع جدا ، وفي دراسة أمثال هذه التحولات ينبغي علينا دائما أن نميز بين التحول المادي في أوضاع المجتمع الإقتصادية الميسور تقريره بمثل دقة العلم الطبيعي ، وبين الأشكال التشريعية والسياسية والجمالية والفلسفية وبكلمة مختصرة الأشكال الإيديولوجية التي يدرك فيها الناس ... التضارب ويقاومونه حتى النهاية ". نقد الإقتصاد السياسي.

و حدد ماركس أسس التطور التاريخي عبر الصراع الطبقي في العلاقة بين :

ـ القوى المنتجة و هي مجمل وسائل الإنتاج والعمال أي علاقات المجتمع بالطبيعة.
ـ علاقات الإنتاج وهي مجمل العلاقات بين الناس أثناء عملية الإنتاج أي مجمل قوانين الدولة.

و علاقات الإنتاج تستمد صفتها من الشكل الذي تتخذه ملكية وسائل الإنتاج و وضع الطبقات الاجتماعية والعلاقات الاجتماعية أثناء عملية الإنتاج وأشكال توزيع الثروات .

و القوى المنتجة تتصف ب"الحركة والثورة" و هي عنصر الإنتاج الذي لا يستقر على صفة معينة لمدة طويلة، و خاصيتي "الحركة و الثورة" تجعل القوى المنتجة تملك القدرة على تحديد صفة علاقات الإنتاج التي يجب أن توافق درجة تطور القوى المنتجة ، حيث لا يمكن اختيار نوع علاقات الإنتاج بين الناس الذين تربطهم صلات/علاقات الإنتاج التي يجب أن توافق بالضرورة طبيعة وصفة ودرجة تطور القوى المنتجة ، كما أن علاقات الإنتاج بدورها تؤثر في تطور القوى المنتجة.

هذا التأثر والتأثير يمكن أن يسرع تطور القوى المنتجة كما يمكن أن يؤخر تطورها ويعرقله ، والقوى المنتجة تسبق علاقات الإنتاج في التطور كما أن علاقات الإنتاج في جميع التكوينات الاجتماعية تتأخر عن تطور القوى المنتجة.

و تاريخ تطور المجتمعات البشرية ما هو إلا تاريخ تطور القوى المنتجة والتحولات التي تلاحق أشكال علاقات الإنتاج وأنواعها وهي مشروطة بتحولات القوى المنتجة في الصراع بين القوى المنتجة الجديدة و علاقات الإنتاج القديمة.

و لا يمكن البحث عن جذور حدث فكري معين و عن مصادره الاجتماعية بالاكتفاء بمعرفة مستوى تطور القوى المنتجة بل بالمعرفة الكاملة للنظام الاقتصادي للمجتمع ككل/الأساس الإقتصادي ، و ذلك بالبحث عن التوافق أو عدم التوافق بين القوى المنتجة و علاقات الإنتاج.

و يتم البحث عن مصادر الأفكار الثورية في الصراع بين القوى المنتجة الجديدة و علاقات الإنتاج القديمة :

ـ فالأفكار الثورية مصدرها القوى المنتجة الجديدة في صراعها مع علاقات الإنتاج القديمة من أجل تدميرها وتغييرها بعلاقات إنتاج جديدة.
ـ التناقضات في النظام الاقتصادي السائد تتجلى في الصراع بين القوى المنتجة الجديدة و علاقات الإنتاج القديمة و هو مصدر الصراع الطبقي و بالتالي مصدر الثورات الإجتماعية.

فبعد القضاء على النظام الإقطاعي و سيطرة البورجوازية على السلطة عرف النظام الرأسمالي تطورا هائلا عبر مراحل تاريخية بدءا بالرأسمالية التنافسية مرورا بالرأسمالية الاحتكارية/الإمبريالية وصولا إلى احتكارية الدولة الإمبرالية/الدولة الإحتكارية ، و عرف الرأسمال في كل مرحلة من هذه المراحل عدة أزمات هيكلية يتم حلها على حساب قوة عمل الطبقة العاملة و قهر الشعوب المضطهدة ، مما جعل النظام الرأسمال يكتسي صفة تناحرية تستمد وجودها من استغلال الطبقة البورجوازية للبروليتاريا مما نتج عنه تراكم رأس المال في أيدي أقلية من البورجوازية بينما جماهير الطبقات الشعبية تعيش الفقر و القهر ، و نتج عن عدم توافق تطور مستوى القوى المنتجة الإجتماعية مع مستوى علاقات الإنتاج الرأسمالية إندلاع الصراعات الإجتماعية و بالتالي الثورات البروليتارية.

و كان لنشر الأفكار الإشتراكية بعد ثورة أكتوبر العظيمة دور هام في التأثير على الإمبريالية التي سارعت إلى إدخال إصلاحات شكلية على علاقات الإنتاج في نظامها الإقتصادي من أجل حماية الرأسمال من الإنهيار و الحفاظ على جوهر النظام الرأسمالي ، و قامت بتشجيع الطبقة العاملة و تحفيزها على العمل و عملت على تشجيع المبادرة الحرة وتقويتها و تحفيز البورجوازية على المزيد من المغامرة من أجل المزيد من الربح و تراكم الأموال ، و كان للصناعة الحربية أثر كبير في تنمية الرأسمال بإشعال بؤر التوتر و تأجيج الصراعات و الحروب خاصة بين الشعوب المضطهدة، من أجل وقف زحف حركات التحرر الوطنية و إسقاط الأنظمة الإشتراكية الناشئة لإضعاف المنتظم الإشتراكي بصفة عامة وعلى رأسه الإتحاد السوفياتي والصين و بالتالي تدميره.

و الإمبريالية باعتبارها نظاما تناحريا لا ترى استمراريتها إلا في استمرار التناحر بين الطبقات الشعبية و على رأسها الطبقة العاملة التي يتم توظيفها في الحروب اللصوصية ، كما نرى اليوم في ظل الإمبريالية الأمريكية التي تستهدف استغلال ثروات الشعوب المضطهدة ، و لا غرابة أن تبدأ الحروب اللصوصية الجديدة بأرض العراق من أجل السيطرة على الطاقة/البترول و الغاز و ضرب الثورة الفلسطينية ، و نرى اليوم الإمبريالية تسارع لاحتواء الإنتفاضات الشعبية المغاربية و العربية لبناء أنظمة جديدة تبعية في دول الكومبرادور قادرة على ضمان السيطرة الإمبريالية على الطاقة بالمنطقة.

لقد أكد إنجلس على أن الدولة نشأت ك"قوة قاهرة فوق المجتمع" الذي انبثقت منه مع تطور الأنظمة الإجتماعية و تطور تناقضاتها ، فبعد تجاوز مرحلة "التنظيم القديم على أساس القبائل أو العشائر" الذي كان يعتمد على "منظمة السكان المسلحة العاملة من تلقاء نفسها" ، أصبحت الدولة تعتمد على "تقسيم رعايا الدولة بموجب تقسيم الأراضي" وأسست الطبقات الظالمة "مؤسسات القسر" التي تعتمدها في قهر الطبقات المضطهدة و ظهرت "السلطة العامة في الدولة" وهي "لا تتألف فقط من رجال مسلحين، بل كذلك من ملاحق مادية ، من السجون ومختلف مؤسسات القسر". كما يقول إنجلس.

و عمل إنجلس على توضيح دور الدولة باعتبارها أداة لقهر الطبقات المضطهدة من طرف الطبقات المسيطرة على السلطة السياسية و الإقتصادية و العسكرية ، فالدولة أداة للإضطهاد الطبقي وليست أداة للتوفيق بين الطبقات كما يدعي الديمقراطيون البورجوازيون الصغار ، فالدولة في ظل الديمقراطية البورجوازية ما هي إلا أداة سيطرة الطبقة البورجوازية على البروليتاريا ، و لا يمكن إزالة هذا الإضطهاد إلا ببناء الديمقراطية البروليتارية أي الديمقراطية الثورية كما سماها لينين.

و قام لينين بتوضيح أهمية الديمقراطية البروليتارية بسيطرة البروليتاريا على السلطة بعد إنجاز الثورة البورجوازية الديمقراطية و الشروع في البناء الإشتراكي ، ذلك ما لم يدركه الديمقراطيون البورجوازيون الصغار الذين يعتقدون أن المسائل المتعلقة بحقوق الإنسان ، و التي خلفتها قرون من "تقاليد القنانة" يمكن حلها ب"روح البورجوازية الديمقراطية".

و أكد لينين على أهمية العلاقة الجدلية بين الثورة البورجوازية الديمقراطية و الثورة البروليتارية الإشتراكية ، على اعتبار أن مهام الأولى لا يمكن إنجازها كاملة إلا في ظل الثانية ، و أنه بدون ديمقراطية كاملة لا يمكن الحديث عن الديمقراطية البروليتارية.

و لهذا ألح لينين على ضرورة بناء الحزب البروليتاري الثوري من أجل تحقيق الثورة البروليتارية الإشتراكية في ظل دولة ديكتاتورية البروليتاريا.

لقد استطاعت منظمة "إلى الأمام" استيعاب المنظور الماركسي الليبيبي للحزب البروليتاري الثوري و بلورة منظورا ثوريا جديدا وفق شروط الحياة المادية لمرحلة الإستعمار الجديد الذي قادته الأوليغارشيا الكومبرادورية المدعومة من طرف الأمبريالية ، هذا المنظور الثوري الجديد الذي يستمد أسسه من المذهب الماركسي اللينيني باعتباره أعلى مراحل الدياليكتيك الماركسي و الذي تجاوز منظور "الإنطلاقة الثورية" المرتكزة على الإنتفاضات العفوية للجماهير ، الذي أسست عبره المنظمة تصورها الأولي لإنجاز الثورية المغربية في علاقتها ببناء الحزب البروليتاري الثوريى المغربي ، إلى بناء منظور جديد يرتكز إلى "الإستراتيجية الثورية" .

و تعتبر هذه القفزة النوعية في العمل السياسي الثوري للمنظمة تطورا هاما في الفكر الماركسي اللينيني داخل الحركة الماركسية اللينينية المغربية ، بعد إبراز العلاقة الضرورية بين العمل السياسي و العمل العسكري كشكلين أساسيين لعمل كل منظمة ماركسية لينينية ثورية تناضل في ظل نظام كومبرادوري ، تشكل فيه الأوليغارشيا الكومبرادورية الطبقة المسيطرة في علاقتها بدول الإقطاعيات و البورجوازيات العربية المدعومة من طرف الإمبرالية في ظل نظام كومبرادوري ، يجب مواجهته وفق إستراتيجية ثورية تستند إلى التحالف العمالي الفلاحي أساسا في علاقته بالمثقفين الثوريين داخل منظمة ثورية نواة الحزب البروليتاري الثوري .

و يعتبر إنجاز الثورية الوطنية الديمقراطية الشعبية الهدف الأساسي لبناء الأستراتيجية الثورية في علاقتها باستراتيجية بناء الحزب البروليتاري الثوري ، و اعتمدت المنظمة على تجربتين ثوريتين أساسيتين هما الثورتين الروسية و الصينية وفق شروط الحياة المادية للواقع الموضوعي بمغرب الإستعمار الجديد ، من أجل بلورة منظور ماركسي لينيني ينسجم و تطورات هذا الواقع الموضوعي في علاقته بتطور الحركة الماركسية اللينينية المغربية ، الذي يشكل بناء الحزب البروليتاري الثوري المغربي في عملها السياسي الثوري مهمة أساسية انطلاقا من العلاقة الجدلية بين العمل السياسي و العمل العسكري للثوريين المحترفين المرتبطين بالجماهيري ، للإرتقاء بالنضلات الجماهيرية من المستوى العفوية إلى المستوى الجماهيري الثوري المنظم و من النضالات الإقتصادية إلى النضالات السياسية .

و أكدت المنظمة على أهمية توحيد الماركسيين اللينينيين المغاربة في منظمة ثورية موحدة تشكل النواة الصلبة لبناء الحزب البروليتاري الثورية ، الأداة الوحيدة الضرورية لإنجاز الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية في علاقتها بالثورة العربية و العالمية.

و في ظل شروط الحياة المادية للمجتمع المغربي اليوم تطرح من جديد أهمية بناء الحزب البروليتاري الثوري المغربي الكفيل بإنجاز الثورة المغربية في علاقتها بالثورة العربية و العالمية ، وفق شروط الحياة المادية التي ركزتها الإنتفاضات الشعبية المغاربية و العربية في علاقتها بالإنتفاضات الشعبية بالدول الإمبريالية ، و ذلك بالتكامل بين الثورة الديمقراطية البروليتارية الإشتراكية بالدول الإمبريالية و الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية بالبلدان المضطهدة في ظل دولة ديكتاتورية البروليتاريا.

و يعتبر بناء الحزب البروليتاري الثوري المغربي أمرا ملحا على الماركسيين اللينينيين لمواجهة هجوم الرأسمالية الإمبريالية على المكتسبات التاريخية للطبقة العاملة و الشعوب المضطهدة ، و في ظل تهديد مصالح البورجوازية المتوسطة و الصغيرة من طرف الرأسماليين الإحتكاريين يطرح بناء التحالف بين الطبقة العاملة و هذه الطبقات من أجل إنجاز الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية بقيادة الحزب البروليتاري الثورية في بلدان الشعوب المضطهدة.

الفصل الأول

الأسس المادية للحركة الثورية المغربية

1 ـ الأسس المادية للصراع السياسي و الطبقي بالمغرب

في ظل الأوضاع الإقتصادية و الأجتماعية و الثقافية المزرية التي تعيشها الطبقات الشعبية يأتي اليسار الماركسي اللينيني في مقدمة المعنيين بالصراع الطبقي ، على اعتبار أن مشروعه في التغيير مرتبط بمصالح الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين التي يمسها بشكل مباشر هجوم الإمبريالية عبر النظام الكومبرادوري ، و هي لا تملك إلى حد الآن حزبها الثوري الذي يستطيع قيادة صراعها ضد الرأسمال ، و لأن جميع الطبقات البورجوازية تملك أحزابها السياسية التي تعبر عن مصالحا فإن بناء الحزب البروليتاري الثوري أساسي في استراتيجية النضال الثوري للحركة الماركسية اللينينية المغربية .

و يعتبر الهجوم الشرس لقوى الاستغلال الجديدة على مصالح الجماهير الشعبية و الذي مس جميع مناحي الحياة بدءا بالقوت اليومي للجماهير الشعبية مرورا بالقمع و الإعتقالات و المحاكمات الصورية والإدانات في حق مناضلي الحركات الإحتجاجية (العمال، الفلاحون، المعطلون، الطلبة، نشطاء حركة 20 فبراير) ، استمرار للسياسات الطبقية للنظام الكومبرادوري التي تهدف إلى اضطهاده الشعب المغربي في ظل انتفاضات الشعوب المغاربية و العربية ضد ديكتاتوريات الدول الكومبرادورية.

فخلال أزيد من نصف قرن من اضطهاد الشعب المغربي وصلت الأوضاع الإقتصادية للطبقات الشعبية إلى أسوأ حالاتها المزرية ، و لعل خطورة أوضاعها الإقتصادية تفند شعارات الأحزاب الإصلاحية المغشوشة حول الديمقراطية و حقوق الإنسان و طي صفحة الماضي...، في الوقت الذي يتم فيه ضرب المكتسبات التاريخية للشعب المغربي و على رأسها الحق في تقرير مصيره بعد سيطرة الكومبرادور و الملاكين العقاريين و بقايا الإقطاع على ثرواته ، في ظل السياسات الطبقية للنظام الكومبرادوري التبعي للإمبريالية من أجل حماية الرأسمال المركزي للدول الإحتكارية الرأسمالية.

في ظل هذه الشروط يتم التخطيط لإجهاض الثورة المغربية في اتجاهين :

ـ محاولة تلميع وجه النظام الكومبرادوري إرضاء للإمبريالية واطمئنانا لها على مصالحها عبر تمرير دستور استبدادي يؤسس لدولة تحالف الكومبرادور و الملاكين العقاريين و بقايا الإقطاع استعدادا لانتخابات مؤسسات مزورة تحمي مصالح المسيطرين على السلطة السياسية و الإقتصادية و العسكرية.
ـ محاولة تهدئة الأوضاع الداخلية المتسمة بالحركة الإحتجاجية الدائمة عبر تسخير الأحزاب الديمقراطية البورجوازية الصغيرة و النقابات والجمعيات الحقوقية و الثقافية التي تهيمن عليها ، و قمع النضالات الكفاحية لجماهير العمال والفلاحين و الكادحين وحركات المعطلين و الطلبة و حركة 20 فبراير.

و برز في الساحة السياسية و الجماهيرية ثلاث اتجاهات سياسية :

ـ الأحزاب البورجوازية الليبرالية و الديمقراطية البورجوازية الصغيرة و التنظيمات التابعة لها التي تحاول استدراج الطبقات الشعبية للإلتفاف حول المشروع السياسي الطبقي للنظام الكومبرادوري عبر العمل داخل مؤسساته المزورة.
ـ الأحزاب الديمقراطية البورجوازية الصغيرة و التنظيمات التابعة لها التي تسعى إلى الحصول على موقع في السلطة بالمساومة بنضالات الجماهير الشعبية و خاصة نضالات حركة 20 فبراير.
ـ التنظيمات الثورية و المناضلين الثوريين النشطين بالنقابات و الجمعيات الحقوقية و الثقافية و حركات الجماهير الشعبية الإحتجاجية و حركة المعطلين و الحركة الطلابية و حركة 20 فبراير.

إن الوضع السياسي الراهن ليس إلا نتيجة للسياسة الطبقية التي ارتكز عليها النظام الكومبرادوري منذ نشأته وتطوره في مرحلة الإستعمار القديم و تركيزها في مرحلة الإستعمار الجديد ، و الذي يستمد أسسه الأيديولوجية والسياسية من استغلال العمال و الفلاحين و الكادحين في ظل التبعية للرأسمالية الإمبريالية التي ترعاه و تحميه.
و الوضع السياسي الرهن يتطلب من الماركسيين اللينينيين مزيدا من التدقيق في تحليله لتحديد مستقبل الصراع الطبقي بالمغرب ورسم متطلبات المرحلة الراهنة لإنجاز مهمة الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية ، و لهذا فلا بد من الوقوف على الجذور التاريخية للصراع الطبقي بالمغرب و تجارب المقاومة الشعبية و دور اليسار الماركسي اللينيني الثوري.

بعد القضاء على تحالف الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و عزل المدن عن البوادي لم يبق في مواجهة المخططات الإستغمارية الجديدة إلا حركة الشبيبة الثورية التي تجد تعبيراتها في الحركة الطلابية و التلاميذية و على رأسها "الإتحاد الوطني لطلبة المغرب" ، و لم تحدث أية انتفاضة بعد 1965 إلا و كان المحرك الأساسي فيها هو الشبيبة انطلاقا من إضرابات 1970 و 1971 و 1972 و وصولا إلى انتفاضات 1981 و 1984 و 1990 و 2008 وامتداداتها في حركة المعطلين و حركة 20 فبراير ، و لهذا نجد أن النظام الكومبرادوري بعد استنفاذه لجميع وسائل القضاء على الحركة الطلابية الثورية بالجامعات ، لم يجد بدا من فرض الحظر على المنظمة الطلابية الثورية خاصة ما بين 1973 و 1978 ، هذه الفترة التي تعتبر فترة حاسمة في القضاء على قيادات الحركة الماركسية اللينينية المغربية خاصة منظمة "إلى الأمام" ومواجهة كل الحركات الطلابية و التلاميذية بالقمع و الإعتقال ، إلا أنه لم يستطع إخماد الحركة الطلابية الثورية رغم أنه استطاع فصلها عن الحركة الجماهيرية الشعبية بعد سيطرة البورجوازية البيروقراطية على تعبيراتها السياسية و النقابية ، و أصبحت الجامعة منفصلة عن الواقع الموضوعي لحركة الطبقات الشعبية بعد القطيعة بينها و بين تنظيمها الثوري "الإتحاد الوطني لطلبة المغرب" ، إلا أن حركة الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب إستطاعت مد هذا الجسر باعتبارها امتدادا للحركة الطلابية الثورية في أوساط الجماهير الشعبية عبر معاركها النضالية التي تهدف إلى إدماج حملة السواعد في حركتها.

و برزت الحركة الماركسية اللينينية باعتبارها اتجاها سياسيا ثوريا عرف انتعاشا في أوساط الحركة الطلابية التي منحته استمراريته في الوجود مما جعل النظام الكومبرادوري يوجه آلته القمعية ضد المناضلين الماركسية اللينينية بالجامعات ، إلا أن الحركة الطلابية الثورية و الخط الثوري لمنظمة "إلى الأمام" في الحركات الجماهيرية الإحتجاجية واجهته بمزيد من التنظيم و النضال الثوري ، عرفت معه الجامعات المغربية نضالات طلابية عارمة خلال السبعينات و الثمانينات و التسعينات من القرن 20 و التي نمت بشكل كبير في 10 سنوات الماضية ، مما جعل قيادات الحركة الطلابية الثورية تؤطر نضالات الجماهير الطلابية و جعل الجامعات مجالا للصراع الأيديولوجي و السياسي ضد التحريفيين الإنتهازيين و بالتالي تؤطر نضالات المعطلين المرتبطين بقضايا الجماهير ، الشيء الذي ساهم في استمرار الحركة الثورية بالجامعات رغم الحظر العملي للمنظمة الطلابية وهجوم الظلامية الرجعية و الشوفينية ، مما يتطلب ضرورة بناء المنظمة الثورية للثوريين المحترفين الماركسيين اللينينيين من أجل بلورة الشعار الماركسي اللينيني "لكل حركة جماهيرية صدى داخل الجامعة" ، الذي يجب أن يتطور إلى شعار ملموس مؤطر لنضالات الجماهير الطلابية في علاقتها بنضالات حركة المعطلين و الطبقة العاملة في أفق بناء الحزب البروليتاري الثوري من أجل بلورة شعار "لكل حركة نضالية طلابية صدى في أوساط الحركة العمالية الثورية المغربية".

إن الوضع السياسي الراهن في علاقته بالأوضاع الإقتصادية المزرية للطبقات الشعبية في الفترة الراهنة ليس وليد اليوم بل هو نتيجة سيطرة تحالف الكومبرادور و الإقطاع و الاستعمار القديم على مصالح الشعب المغربي (1912 ـ 1956) ، بعد استيلاء المعمرين على المجالات الحيوية في الاقتصاد الوطني كالصناعة و الإنتاج المعدني والمال ، وترك البوادي لصالح الإقطاع الذي استغل بعض الأراضي التي ليس لهم مصلحة في استغلالها ، من أجل كسب حليف يناصرهم في حربهم ضد المقاومة المسلحة للفلاحين الفقراء الذين جابهوا تغلغل الإستعمار القديم بالكفاح المسلح ، وبسقوط جبل صغرو سنة 1934 تم عزل البوادي عن المدن مما مكن تحالف الإستعمار و الكومبرادور و الإقطاع من بسط سيطرته على ثروات الشعب و تركيز أسس النظام الرأسمالي التبعي بقيادة الكومبرادور .

و خلال الثلاثيات و الأربعينات من القرن 20 نهضت المدن التي نشأت بها طبقة عاملة و بورجوازية صغيرة قادتا معا مقاومة الإستعمار القديم بهذه المدن ، وخاضت الطبقة العاملة بنضالات الثورية كان أبرزها انتفاضة 8 دجنبر 1952 تضامنا مع الشعب التونسي بعد اغتيال المناضل النقابي فرحات حشاد مما يعبر عن مستوى الوعي الطبقي لدى الطبقة العاملة المغربية باعتبار التضامن العمالي مغاربيا ضرورة تاريخية في مواجهة الإستعمار القديم .

و في بداية الخمسينات من القرن 20 تحالفت الطبقة العاملة و الفلاحون الفقراء و المثقفون الثوريون وعيا من هذه الطبقات بأن جميع الطبقات الشعبية معنية بمقاومة الإستعمار القديم ، إلا أن تحالف الكومبرادور و الإقطاع الذي استطاع حبك مؤامرة 1956 بدعم من القيادات البورجوازية البيروقراطية بالأحزاب و النقابات أفشل الثورة المغربية ، و أصبحت مصالح الشعب المغربي هدفا لقوى الاستغلال الجديدة التي سيطرت على السلطة لضمان مصالح الرأسمالية الإمبريالية.

و انتقلت السلطة من أيادي الإستعمار القديم إلى أيادي تحالف الكومبرادور و الملاكين العقاريين و بقايا الإقطاع.

فخلال السنوات الأولى للإستعمار الجديد عمل التحالف الطبقي الجديد على تجريد الطبقات الشعبية من تنظيماتها الثورية/جيش التحرير بالبوادي و منظمات المقاومة الوطنية الثورية بالمدن ، بعد اغتيال الشهد عباس المساعدي و قمع انتفاضة الريف في 1958/1959 و تصفية جيش التحرير بالجنوب في 1960 و قمع الحركات الاحتجاجية للفلاحين الفقراء ، و تم فصل البوادي عن المدن من جديد لتمرير المشروع الإستعماري الجديد.

و لم تستطع الطبقة العاملة بواسطة نضالاتها الإقتصادية تجاوز مستوى المطالبة بتحسين ظروف العيش أمام هجوم قوى الاستغلال الجديدة على قوتها اليومي ، و أصبحت القيادات البورجوازية البيروقراطية النقابية تتحكم في مصيرها تحت هيمنة الأحزاب الديمقراطية البورجوازية الصغيرة في ظل غياب الحزب البروليتاري الثوري ، و بقيت مطالبها الإقتصادية مرهونة بأهداف الأحزاب الإصلاحية.

و أدى انفصال هاتين الطبقتين الثوريتين (العمال و الفلاحون) إلى ضياع مصالح الطبقات الشعبية بعد هجوم تحالف الكومبرادور و الملاكين العقاريين و بقايا الإقطاع على مصالحها.

و حولت السياسات الطبقية للنظام الكومبرادوري المدن إلى ملجأ للفلاحين الفقراء الذين دفعهم الفقر و القروض الفلاحية إلى بيع أراضيهم لقوى الاستغلال الجديدة بأبخس الاثمان في أحسن الظروف ، فالبورجوازية الكومبرادورية تسعى إلى تنمية رأسمالها عبر استغلال أراضي الفلاحين الفقراء لعدم قدرتها على منافسة الشركات الإمبريالية العابرة للقارات ، و تعمل على السيطرة على المؤسسات الصناعية و الفلاحية و المالية الوطنية بعد نهبها و طرد العاملات والعمال منها من أجل الاغتناء السريع على حساب نهب ثروات الشعب المغربي .

فبعد أزيد من نصف قرن من سيطرة التحريفية الإنتهازية بالإتحاد السوفييتي التي نتجت عنها تراجع الفكر الماركسي اللينيني نعيش اليوم مرحلة انبعاث الحركة الماركسية اللينينية المغربية ، و هي في حاجة ماسة إلى تطوير أسس الصراع الأيديولوجي و السياسي في ظل هجوم البورجوازية و التحريفية الانتهازية على الماركسيين اللينينيين ، من أجل تركيز أسس الدياليكتيك الماركسي في صفوف الشبيبة الثورية المغربية و العمل على بلورته في صفوف البروليتاريا و الفلاحين الفقراء ببلورة مفهوم الثورة في النضالات الطبقية لهذه الطبقات ، و تركيز المهام الثورية للثوريين المحترفين في صفوف جماهير العمال و الفلاحين.

وكان لا بد من فضح المنطلقات اللاعرفانية للتحريفية الإنتهازية و محاربة أفكار شيعها في صفوف النساء والشبيبة و العمال و الفلاحين الفقراء و البورجوازية الصغيرة ، عبر دعم نضالات الحركات الإحتجاجية المتعددة الأبعاد و المطالب و التي واجهها النظام الكومبرادوري بالحديد و النار و شيع القمع و الرعب في أوساط الطبقات الشعبية.

و شهدت الحركة الثورية المغربية أربع مراحل أساسية :

ـ المرحلة الأولى المتسمة بحمل السلاح من طرف ما تبقي من أعضاء المقاومة و جيش التحرير بعد تصفية قياداتها السياسية و على رأسهم عباس المساعدي و حدو أقشيش بالريف في نهاية الخمسينات من القرن 20 ، و اندلاع الإنتفاضة الريفية التي تم قمعها بالسلاح في 1958/1959 و إبادة الجماهير الشعبية المنتفضة و تصفية ما تبقى من عناصر جيش التحرير المنتفضين بالجنوب ، مما دفع ببعض المجموعات المسلحة بالقيام بعمليات متفرقة بالمدن لتصفية رموز النظام الكومبرادوري خلال النصف الأول من الستينات من القرن 20 ، و تم تتويج هذه المرحلة بالإنتفاضة الشعبية بالدار البيضاء في 23 مارس 1965 بقيادة الشبيبة التلاميذية و الطلابية و تم قمعها بالحديد و النار سقط على إثر العديد من الشهداء ، و عمل النظام الكومبرادوري على حل البرلمان و فرض حالة الإستثناء و اعتقال المناضلين الثوريين و محاكمتهم و إداناتهم.

ـ المرحلة الثانية بعد انتفاضة 1965 المتسمة بنشأة الحركة الماركسية اللينينية المغربية بعد انسحابا الشباب الثوري من الأحزاب التحريفية الإنتهازية مما أثر على الحركة الطلابية الثورية بعد أحداث 1968 بفرنسا بعد تأسيس المنظمات الماركسية اللينينية "إلى الأمام" و "23 مارس" و "لنخدم الشعب" ، و برزت التناقضات الداخلية للنظام الكومبرادوري عبر الإنقلابين العسكريين الفاشليين في 1971 و 1972 و العمليات المسلحة لحركة 03 مارس 1973 البلانكية من طرف الجناح المسلح لحزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية ، و التي واجهها النظام الكومبرادوري بالإعتقالات و المحاكمات والإدانات التي وصلت حد الإعدامات مما نتج عنه مزيد من الإنحلال و التفسخ و الإنبطاح السياسي الحزبي الديمقراطي البورجوازي الصغير ، و تم فتح جبهة الصحراء الغربية في 1974 و إشعال نار الحرب التي استمرت إلى 1991 مما لعب دورا أساسيا في الإستقرار النسبي للنظام الكومبرادوري بعد تحريف الصراع في اتجاه الخارج/الجزائر و البوليزاريو.

ـ المرحلة الثالثة المتسمة بالقمع الأسود ضد الحركة الماركسية اللينينية بعد اعتقالات 1972 و استشهاد الرفيق عبد اللطيف زروال في معتقلات النظام القائم في 1974 ، و بروز الفكر الظلامي بعد اغتيال المناضل عمر بنجلو في 1975 في الوقت الذي سارعت فيه الأحزاب الإصلاحية و النقابات التابعة لها إلى تأييد حرب الصحراء الغربية كمدخل ل"السلم الإجتماعي" و"المسلسل الديمقراطي" على حساب نهب خيرات الشعب المغربي و قمع الحريات باسم "الوحدة الوطنية" ، في الوقت الذي يناضل فيه المناضلون الماركسيون اللينينيون بالمعتقلات السرية من أجل المحاكمة العادلة التي جرت أطوارها في يناير 1977 أسفرت عن إدانات و استشهاد المناضلة الثورية سعيدة المنبهي في دجنبر 1977 و المناضل الثوري جبيهة رحال في 1979 .

و لترقيع الأزمة الإقتصادية عمل النظام الكومبرادوري على الزيادة في الأسعار اندلعت على إثرها الإنتفاضة الشعبية الثانية بالدار البيضاء في يونيو 1981 و التي تم قمعها بالحديد والنار أدى إلى سقوط العديد من الشهداء ، و استمر قمع الحركة الماركسية اللينينية و نشر الرعب في الثانويات و الجامعات و اندلعت انتفاضات شعبية بمراكش و الريف قادتها الحركة التلاميذية و الطلابية في 1984 يقد على إثرها شهداء بمعتقلات النظام الكومبرادوري، و اندلعت انتفاضة شعبية بفاس في دجنبر 1990 إثر الإضراب العام و تم قمعها بالحديد و النار و سقط على إثرها العديد من الشهداء ، ليسود هدوء نسبي بالجامعات بعد بروز الفكر الظلامي الذي سيطر على المنظمة الطلابية بعد اغتيال الطالبين الثوريين المعطي بوملي في 1991 و بنعيسى أيت الجيد في 1991 ، و تم تركيز ما يسمى ب"المسلسل الديمقراطي" بدعم من الأحزاب الإصلاحية استعدادا لما يسمى "التناوب الديمقراطي" بعد إصدار "العفو" عن المعتقلين السياسيين و المنفيين في 1994.

المرحلة الرابعة المتسمة بالتنازلات السياسية الخطير على جميع المستويات من طرف البورجوازية البيروقراطية الحزبية و النقابية بعد ما يسمى باتفاق فاتح غشت 1996 المشؤوم و الذي ضرب في الصميم حقوق الطبقة العاملة ، و كانت الكوفدرالية الديمقراطية للشغل سباقة إلى التوقيع عليه لفتح المجال أمام الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية لرئاسة "حكومة التناوب" ، ليبدأ مسلسل تصفية المؤسسات الوطنية المالية و الصناعية و الفلاحية وتسريح/طرد العاملات و العمال بعد المصادقة على مدونة الشغل الرجعية التي تشرعن استعباد الطبقة العاملة ، و تم التوقيع على اتفاق 30 أبريل 2003 الذي ركز الإجهاز الفعلي على حقوق الطبقة العاملة و تصفية ما تبقى من المؤسسات الوطنية الفلاحية من أراضي صوديا و سوجيطا و معامل التلفيف التابعة لها ، و تم تركيز أسس النظام الكومبرادوري بعد المصادقة على قانون تأسيس الأحزاب الذي حول الأحزاب الديمقراطية البورجوازية الصغيرة إلى كائنات تتنافس على الفوز بتنفيذ البرامج السياسية الطبقية في إطار الخوصصة ، التي نعيش أطوارها الخطيرة و التي تستهدف ضرب ما تبقى من المكتسبات التاريخية للطبقات الشعبية من خدمات اجتماعية في التعليم و الصحة.

المرحلة الخامسة المتسمة بتصاعد الحركة الإجتماعية الإحتجاجية منذ 2005 و التي قادها مناضلات ومناضلون ديمقراطيون و ثوريون عاملون في النقابات و الجمعيات الحقوقية و الثقافية بالمدن و البوادي و الحركة الطلابية و حركة المعطلين بقيادة المناضلين الماركسيين اللينينيين بلغت مداها بعد بروز حركة 20 فبراير.

و تعرف الحركة الماركسية اللينينية المغربية في الآونة الأخيرة دينامية ملحوظة على مستوى الصراع الإيديولوجي و السياسي و النضالي ، بعدما عرفت خلال العقود الثلاث الماضية تناقضات صارخة خاصة داخل منظمة "إلى الأمام" التي تعتبر رمز الصمود الثوري في صفوف الماركسيين اللينينيين المغاربة ، و التي عرفت صراعات أيديولوجية و سياسية ضد التحريفية الإنتهازية سواء داخل المنظمة أو على مستوى العلاقات مع الفضائل الأخرى ، وصمد الخط الثوري بهذه المنظمة العتيدة في وجه التحريفية الإنتهازية و في وجه القمع الشرس للنظام الكومبرادوري خلال سنوات القمع الأسود ، و عرف تطورها أربع مراحل أساسية :

1 ـ مرحلة ما بين 1970 و 1979 المتسمة بالمد الثوري داخل المنظمة و التي راكمت فيها تجارب مهمة على مستوى دقة التصورات و جسامة النضال الثوري ، في جميع المستويات الأيديولوجية و السياسية والتنظيمية و النضالية و بناء الخط و الإستراتيجية الثوريين للحركة الماركسية اللينينية الثورة المغربية.
2 ـ مرحلة ما بين 1980 و 1991 التي اتسمت بالتراجعات الأيديولوجية و السياسية و بروز الإتجاه التحريفي للخط والإستراتيجية الثوريين للمنظمة من داخلها ، الذي تم تركيزه بعد صعود القيادة الثانية في أواسط الثمانينات التي عملت على التخلي عن"الإستراتيجية الثورية" واختيار خط النضال السياسي الديمقراطي البورجوازي الصغير.
3 ـ مرحلة ما بين 1992 و 2004 التي تم خلالها تركز مفهوم العلنية و القطع مع السرية و بلورة خيار النضال السياسي الديمقراطي البورجوازي الصغير لتصفية ما تبقى من الإرث الثوري للمنظمة ، و القطيعة مع التصورات السياسية الثورية للحركة الماركسية اللينينية المغربية في محاولة للسيطرة على الإرث التاريخي للمنظمة و تصفيتها.
4 ـ مرحلة ما بعد المؤتمر الأول لحزب النهج الديمقراطي في يوليوز 2004 الذي تمخض عنه الفرز السياسي بين التيار التحريفي الإنتهازي و المناضلين الثوريين بعد الإعتراف بالنظام الكومرادوري في المؤتمر الإستثنائي ، في الوقت الذي تشكلت خارج حزب النهج الديمقراطي حلقات الماركسيين الينينيين الثوريين داخل الجامعات تتسم بالحركة و الثورية مما أعطى نفسا جديدا وانطلاقة جديدة للحركة الماركسية اللينينية المغربية.

ففي ظل التراجعات على المستوى الأيديولوجي و السياسي للقيادات التاريخية لمنظمة "إلى الأمام" التي حملت لواء التحريفية الإنتهازية خاصة داخل حزب النهج الديمقراطي ، تعرفت الحركة الماركسية اللينينية المغربية انتعاشا ملحوظا إن على مستوى المد الثوري داخل الحركة أو على مستوى النضال الأيديولوجي والسياسي ، إلا أن هذا المد لا يجد ما يوازيه من الحركة على مستوى التنظيم/الأداة الكفيلة بتسريع وثيرة الحركة و ضبط مسارها النضالي الثوري .
فإذا كان انبثاق منظمة "إلى الأمام" من صلب الحركة السياسية داخل الحزب الشيوعي المغربي/التحرر والإشتراكية ، فإن المناضلين الماركسيين اللينينيين المغاربة اليوم ينحدرون من تجارب سياسية مختلفة تتسم بضعف التجربة التنظيمية في أغلب الأحيان ، ذلك ما جعل الحركة تعرف عدم الإستقرار و الإنسجام و الإنضباط التنظيمي مما جعل العمل بداخلها يتخذ أشكلا من الإرتجال و العفوية و الإنعزالية و التشرذم مما يفتح المجال أمام سهولة اختراقها ، الشيء الذي جعل سير و ضبط النقاش الأيديولوجي و السياسي صعبا بين الماركسيين اللينينيين الذين يتواجدون على شكل حلقات متناثرة هنا و هناك لم ترق بعد إلى مستوى الفصائل ، مما ساهم في انعدام الوضوح الأيديولوجي والسياسي والضبابية في الخط و الإستراتيجية الثوريين ، و بالتالي بروز الزعاماتية الكارزمائية داخل كل حلقة و سيادة الخلاف والإختلاف و الصراعات الضيقة حول الإنتماء إلى الحركة الماركسية اللينينية ، كما أن تجربة المناضلين الماركسيين اللينينيين بحزب النهج الديمقراطي تطرح اشكالية التوافق بين العلنية و السرية بفعل الممارسات الليبرالية التي حاولت القيادات التحريفية الإنتهازية بالحزب زرعها في صفوفهم.

كل ما تمت الإشارة إليه يهدد كيان الحركة الماركسية اللينينية المغربية بالعصف به نحو مزيد من التشرذم والإنشقاق ، مما يضع على عاتق الماركسيين اللينينيين الصامدين و المنحدرين من صلب تجربة منظمة "إلى الأمام" تحمل هذا العبء الثقيل ، الذي يجعلهم في صدارة المسؤولية التاريخية اتجاه توحيد الماركسيين اللينينيين المغاربة نظرا لما اكتسبوا من تجارب تنظيمية في السرية و العلنية ، كما يضع قيادات باقي الحلقات التي تم بناؤها خلال العقدين الأخيرين خارج حزب النهج الديمقراطي أمام هذه المسؤولية التاريخية الجسيمة التي تتطلبها الحركة في المرحلة الراهنة للمساهمة في البناء التظيمي ، من أجل الخروج من وضع التشرذم والإنشقاق إلى الشكل التنظيمي الثوري الواعي ، و موازاة مع أهمية التنظيم داخل الحركة فإن الشروع في بلورة التحليل السياسي للمرحلة الراهنة و الوضوح الأيديولوجي يعتبران من المهام الجسام المطروحة اليوم من أجل رسم الخط والإستراتيجية السياسيين للثورة المغربية.

و تعتبر أوراق منظمة "إلى الأمام" خلال المرحلة الأولى من نشأتها ذات أهمية قصوى في ضبط معالم الوضع الراهن و التصور السياسي و الأيديولوجي لدى المناضلين الماركسيين اللينينيين المغاربة ، على اعتبار أن هذه الأوراق تشكل الأرضية التي انبثقت منها الحركة الماركسية اللينينية الثورية المغربية و تعتبر ذات أهمية في رسم معالم النضال الثوري بالمغرب ، انطلاقا من أهمية ضبط الصراع بين الطبقات المتناقضة و رسم أسس الصراع الطبقي وفق شروط الحياة المادية للمجتمع المغربي اليوم ، كما أن الإطلاع على مرحلة التراجعات التصفوية لإرث المنظمة يعتبر ذا أهمية قصوى في مسار الحركة الماركسية اللينينية المغربية ، خاصة و أننا نعرف ما تتطلب المرحلة الراهنة من نضال مرير لفضح التحريفية الإنتهازية التي يجب فتح الصراع الأيديولوجي و السياسي ضدها و محاربة تداعياتها في أوساط الحركة.

و يعتبر تفعيل القراءة النقدية لتاريخ و مسار الحركة الماركسية اللينينية المغربية و خاصة منظمة "إلى الأمام" أمرا ضروريا لتوضيح الرؤية لدى المناضلين الثوريين لتجاوز سلبيات تجارب المنظمة ، كما تشكل القراءة النقدية لتجارب الحركات الثورية العالمية الدعامة الأساسية لتجربة الحركة الماركسية اللينينية والمنظمة بصفة خاصة .
لقد بات من الضروري فتح نقاش جاد بين الماركسيين اللينينيين الثوريين حول القضايا الأيديولوجية و السياسية و التنظيمية للحركة ، الشيء الذي يتطلب التحليل الملموس للوضع السياسي الراهن في جميع المستويات السياسية والإقتصادية و الثقافية و تشكل الطبقات الإجتماعية لضبط مسار الصراع الطبقي بالمغرب و الطبقات المتصارعة وبلورة مفهوم النضال الثوري موازاة مع بناء المنظمة الثورية الأداة الكفيلة لضبط الحركة الثورية بالمغرب.

و تشكل الحركة الطلابية الثورية المغربية أحد الروافد الأساسية للحركة الثورية المغربية خاصة بعد نشأة الحركة الماركسية اللينينية المغربية في 1970.

2 ـ الأسس المادية للحركة الماركسية اللينينية المغربية

ظلت المنظمة الطلابية "الإتحاد الوطني لطلبة المغرب" التي تأسست في 1956 في واجهة النضال الثوري رغم تأثير القيادات البورجوازية البيروقراطية الحزبية و النقابية التي سعت إلى ضرب الإتجاه الثوري داخل الحركة الطلابية ، و كانت مقررات المنظمة الطلابية في الفترة الأولى من تأسيسها لا تحمل أي موقف من النظام القائم نظرا لتأثير القيادات البورجوازية البيروقراطية لحزب الإستقلال خاصة فيما بين 1956 إلى 1958 ، و كان للتحولات التي عرفتها الساحة السياسية والجماهيرية بعد الإنشقاقات الحزبية و النقابية و تصفية الحركة الوطنية الثورية و جيش التحرير أثر كبير في التحولات داخل الحركة الطلابية ، و كان لا بد للحركة الطلابية الثورية أن تختار صف الجماهير الشعبية التي أفرزتها أحداث 1958/1959 بالريف و الجنوب ، و انتهازية القيادات البورجوازية البيروقراطية الحزبية و النقابية في حكومة عبد الله إبراهيم ، و حظر الحزب الشيوعي في ظل هذه الحكومة ، و تمرير دستور الحكم المطلق في 1962 و الإنتخابات المزورة في 1963.

كان لهذه التناقضات التي أفرزتها السنوات الأولى للإستعمار الجديد أثير كبير في تحول مواقف الحركة الطلابية التي استمرت في اتجاه الحركة الوطنية الثورية ، ذلك ما تجلى في المؤتمر الرابع للإتحاد الوطني لطلبة المغرب المنعقد في غشت 1959 بآكادير بعدما طالب المؤتمرون بطرد الخبراء الفرنسيين المشرفون على أجهزة الجيش والشرطة ، و طالبوا بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين و إشاعة الحريات الديمقراطية والإصلاح الزراعي، وأعلنوا تضامنهم مع الحزب الشيوعي المغربي و طالبوا برفع الحظر عليه ، و وجهوا انتقادات لاذعة للحسن الثاني الذي كان رئيسا شرفيا للمنظمة الطلابية ، و كان رد فعل النظام الكومبرادوري مواجهة هذه المواقف بالقمع والإعتقالات ، إلا أن الحركة الطلابية الثورية كانت أكثر حزما لما خلعت الرئاسة الشرفية للحسن الثاني في المؤتمر السادس للإتحاد الوطني لطلبة المغربية في يوليوز 1961 و مقاطعة الدستور الإستبدادي لسنة 1962 لتستكمل الحركة الطلابية أسس خطها الثوري.

و كان للدخول الجامعي61/62 أثر كبير في تركيز هذا التوجه و ذلك عبر خوض إضرابات للدفاع عن المطالب المادية و المعنوية للجماهير الطلابية ، كان أروعها إضرابات التعليم الأصيل التي دامت ستة أشهر، وصلت حد رفع شعارات سياسية تطالب باستقلال الجزائر ، و قامت الجماهير الطلابية باحتلال سفارة فرنسا بالرباط في 11 و 12 نونبر 1961 تضامنا مع الحركة التحررية الثورية الجزائرية ، و إدانة حرب المغرب على الجزائر في 1963 مما دفع بالنظام الكومبرادوري إلى محاكمة رئيسها غيابيا و الحكم عليه بالإعدام.

أمام هذا الزخم النضالي و توسيع القاعة الجماهيرية لتشمل صفوف التلاميذ عمل النظام الكومبرادوري في 21 يونيو 1964 بإصدار قراره بمنع التلاميذ من الإنتماء إلى المنظمة الطلابية و المطالبة بحل المنظمة في 15 أكتوبر 1964 بدعوى عدم ملاءمة قانونها الأساسي و مضمون قرار وزير الداخلية ل 21 يونيو 1964 ، و اجهته الجماهير الطلابية بالإضرابات مما أدى إلى إبطال الدعوة المرفوعة ضد المنظمة في دجنبر 1964 في نفس السنة التي صدر فيها ظهير يلغي حق الإتحاد الوطني لطلبة المغرب في المنفعة العامة.

لقد شكلت المؤتمرات المنعقدة بين 1959 إلى 1964 تحولا ملحوظا في تاريخ المنظمة الطلابية و ذلك بإبراز التوجه الثوري داخلها الذي اختار النضال في صف الطبقات الشعبية ، باعتبار الإتحاد الوطني لطلبة المغرب منظمة ثورية لا تناضل فقط من أجل المطالب النقابية للجماهير الطلابي بل تعتبر نفسها العنصر الأساسي في التغيير الثوري ، من أجل استكمال التحرر الوطني الذي تم إجهاضه من طرف القيادات البورجوازية البيروقراطية الحزبية و النقابية ، وكانت هذه المفترة حاسمة في وضع استراتيجية نضال الحركة الطلابية التي لا تنفصل عن نضالات الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين مما له أثر كبير في بروز الحركة الشبيبية خلال الإنتفاضة الشعبية في 23 مارس 1965 بالدار البيضاء.

كان للأوضاع المزرية للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادين و الزخم النضالي الثوري الذي عرفته 10 سنوات من الإستعمار الجديد أثر كبير في اندلاع الإنتفاضة الشعبية في 23 مارس 1965 بالدار البيضاء ، التي واجهها النظام الكومبرادوري بمزيد من إراقة الدماء و الإعتقالات و المحاكمات و الإدانات بالسجن و الإعدامات و لعبت فيها الشبيبة الطلابية و التلاميذية دورا أساسيا ، في الوقت الذي ركنت فيها القيادات البورجوازية البيروقراطية الحزبية والنقابية إلى أساليب المساومة و التراجع عن مطلب الشعب المغربي في تقرير مصيره.

أما الحزب الشيوعي المغربي فما كان عليه إلا هيكلة نفسه من أجل إيجاد مكان لائق به في المشروع السياسي الطبقي الجديد حتى لا يبقى مجالا لتربية الماركسيين اللينينيين، فأصبح حزب التحرر و الإشتراكية التسمية الجديدة المعبرة عن الخط التحريفي الإنتهازي بعد تنكره للمرجعية الأيديولوجية و السياسية الثورية/الماركسية اللينينية.

و بعد الإنتفاضة الشعبية بالدار البيضاء في 23 مارس 1965 و تواطؤ القيادات البورجوازية البيروقراطية الحزبية و النقافية بحزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية و حزب التحرر و الإشتراكية و نقابة الإتحاد المغربي للشغل ، لا بد من الفرز السياسي الثاني داخل هذين الحزبين الديمقراطيين البورجوازيين الصغيرين (حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية و حزب التحرر و الإشتراكية) في أواخر الستينات الذي قاده الجيل الثاني من المناضلين الثوريين الذين أسسوا الحركة الماركسية اللينينية المغربية ، فتم تأسس منظمة "إلى الأمام" المنشقة عن حزب التحرر و الإشتراكية ومنظمة "23 مارس" المنشقة عن حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية ، اللتان تضمان في صفوفهما المثقفون الثوريون والشبيبة الثورية الطلابية و التلامذية و بعض العمال الثوريين ، و ترتكز أسسهما الأيديولوجية و السياسية إلى الماركسية اللينينية من أجل بناء الحزب البروليتاري الثوري ، و لعل الوثيقة الأيديولوجية و السياسية لمنظمة "إلى الأمام" : "سقطت الأقنعة ، فلنفتح الطريق الثوري" التي انطلقت من القراءة النقدية للإتجاه البيرقراطي التحريفي الإنتهازي داخل حزب التحرر و الاشتراكية في علاقته بقيادات حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية و حزب الإستقلال، توضح مدى الصراع القائم حول التوجهات الأيديولوجية و السياسية داخل الحزب و المعبرة عن الصراع بين القيادات البورجوازية البيروقراطية و الطليعة الثورية التي تسعى إلى التغيير الثوري.

و نشأت الحركة الماركسية اللينينية في 1970 و كان أول عمل مشترك بين المناضلين الثوريين المنشقين عن حزب التحرر و الإشتراكية و الإتحاد الوطني للقوات الشعبية هو الإحتجاج في 04 ماي 1970 ضد زيارة وزير الخارجية الإسباني لوبيز برافو للمغرب الذي جاء لزيارة المغرب لعقد صفقة حول استغلال فوسفاط بوكراع، و كان فيها حضور الحركة الطلابية وازنا .

كان لنجاح المؤتمر 13 ل"الإتحاد الوطني لطلبة المغرب" في 1969 دور هام في ترسيخ مباديء المنظمة عبر إعادة الإعتبار لمشاركة الجماهير الطلابية في اتخاذ القرارات و بلورتها ، بعد أن كانت ممركزة في يد اللجنة التنفيذية ، و تم وضع المبايء الأساسية للمنظمة الطلابية و هي : الإستقلالية ـ التقدمية ـ الديمقراطية ـ الجماهيرية ، و تسطير برامج لدفع الجماهير الطلابية في اتجاه حركة نضالية كفاحية للدفاع عن المكتسبات التاريخية للمنظمة الطلابية ، و كان رد فعل النظام الكومبرادوري عقد مناظرة إفران الشهيرة في 1970 من أجل احتواء الحركة الطلابية و التي باءت بالفشل ، و حاول قمع المنظمة عبر استدعاء 15 عضوا من لجنتها التنفيذية للتجنيد العسكري في مايو 1970 الذي واجهته الجماهير الطلابية بالإضرابات.

و كان للتوجه البيرقراطي داخل اللجنة التنفيذية أثر كبير على محاولة كسر المد الجماهيري للحركة الطلابية خدمة للقيادات البورجوازية البيروقراطية الحزبية و النقابية ، لإقصاء "الإتحاد الوطني لطلبة المغرب" من دوره في الصراع الطبقي خاصة بعد النجاح الباهر للمؤتمر 13 في 1969 ، فكانت محطة المؤتمر 14 في 1970 مناسبة لتعرية مخططات المد البورجوازي البيرقراطي داخل المنظمة ، الذي عمل على انتقاء المؤتمرين لإقصاء بعض المؤسسات المعروفة بالمد التقدمي كالمدرسة المحمدية للمهندسين والمعهد الوطني للأحصاء و المدرسة العليا للأساتذة و كلية الآداب بالرباط ، و شكل هذا المؤتمر تحولا خطيرا في الهيكلة التنظيمية للمنظمة الطلابية بعد إلغاء بعض الأجهزة كالفروع و تهميش المجالس الطلابية وبالتالي إلغاء التشكيلة التنظيمية القاعدية لإتحاد الوطنس لطلبة المغرب ، و ذلك من أجل إعادة تركيز القرارات في يد اللجنة التنفيذية مما دفع بالجماهير الطلابية إلى تجاوز قراراتها على المستوى النضالي.

و عرفت سنوات 1970 و 1971 و 1972 إضرابات عارمة لم تشهدها الساحة الطلابية من قبل إن على مستوى القاعدة الجماهيرية الطلابية أو على مستوى الشعارات المرفوعة ، و كانت فروع "الإتحاد الوطني لطلبة المغرب" بالخارج الدعامة الأساسية للخط التقدمي داخل المنظمة.

و كان من بين المكاسب الأساسية التي حققتها الحركة الجماهيرية الطلابية الثورية :

ـ الزيادة في المنح بنسبة 15% .
ـ ضمان حق الثلاميذ في التنظيم النقابي في إطار الوداديات.
ـ إقرار إحترام حرمة الجامعة و استقلاليتها الإدارية و المالية و البيداغوجية.
ـ إقرار مشاركة الطلبة في التسيير الذاتي للأحياء الجامعية.
ـ إلتزام النظام القائم بوعد إصلاح التعليم.
ـ الإفراج عن جميع الطلبة المعتقلين تحت ضغط الإضرابات الطلابية في 17 أبريل 1972.

و في إطار التنسيق مع المنظمات التقدمية ساهمت المنظمة الطلابية الثورية في تأسيس لجنة مناهضة القمع بالمغرب بتنسيق مع الإتحاد الوطني للمهندسين و النقابة الوطنية للتعليم العالي و جمعية المحامين الشباب، و التي لعبت دورا هاما في فضح أشكال القمع المسلط على المناضلين الثوريين و مساندة المعتقلين منهم ، و لعبت الجامعة خلال هذه المرحلة دورا هاما في نشر الفكر الماركسي اللينيني خاصة بعد تأسيس "منظمة إلى الأمام" و منظمة "23 مارس" ومنظمة "لنخدم الشعب".

و يأتي المؤتمر 15 المنعقد في يوليوز 1972 ليضع أسس الخط النضالي الثوري للمنظمة الطلابية ضد مخططات التوجه البورجوازي البيروقراطي داخل اللجنة التنفيذية عبر :

ـ ربط نضالات الجماهير الطلابية بالنضالات الجماهير الشعبية بعد رفع شعار "لكل نضال جماهيري صداه في الجامعة".
ـ ربط نضالات الجماهير الطلابية بنضالات الشعوب عالميا بمساندة حركات التحرر الوطني العالمية وعلى رأسها الثورة الفلسطينية.
ـ التأكيد على النضال من أحل "تعليم شعبي عربي ديمقراطي علماني و موحد ".
ـ العمل على صيانة حرمة الجامعة من خلال استقلالية الجامعة.

و تنفيذا لهذا البرنامج النضالي الثوري أفرز المؤتمر هياكل تنظيمية مرنة لضرب المد البورجوازي البيرقراطي داخل المنظمة من خلال :

ـ إعطاء المجالس الطلابية الصفة القانونية تماشيا مع ما أفرزته الساحة الطلابية قاعديا.
ـ رد الإعتبار للفروع و العمل على تأسيسها من جديد.
ـ رد الإعتبار للجنة التنسيق الوطنية و منحها الصفة التقريرية و تمكينها من وضع المعارك النضالية و قيادتها وتقييمها.

و بعد أسبوع من انتهاء أشغال المؤتمر أعاد النظام الكومبرادوري هجومه من جديد على قيادة "الإتحاد الوطني لطلبة المغرب" ، و ذلك باختطاف رئيسها و نائبه في 02 غشت 1972 ومحاكمتهما غيابيا و الحكم عليهما بالسجن المؤبد للتمويه على الجماهير الطلابية ، و في يناير 1973 أصدر قراره بحظر المنظمة الطلابية بعد عجزه عن إخضاعها و قمع مناضليها الثوريين.

و تزامن حظر المنظمة الطلابية مع بروز الخط التحريفي الإنتهازي داخل منظمة "23 مارس" و الذي امتد إلى منظمة "إلى الأمام" في نهاية 1979 مما جعل القيادات التحريفية الإنتهازية لمنظمة "إلى الأمام" تتخلى عن الحركة الطلابية ، الشيء الذي شكل تحولا خطيرا في تاريخ "الإتحاد الوطني لطلبة المغرب" و فتح الباب لسيطرة البورجوازية البيروقراطية الحزبية و النقابية من جديد على المنظمة بعد رفع الحظر القانوني عنها في 1978 ، ذلك ما تبلور خلال أشغال المؤتمرين 16 و 17 اللذان يشكلان محطتين خطيرتين في هذا التحول ، نتج عنه تقديم دعم مجاني لمخطط النظام الكومبرادوري لتصفية الإتحاد الوطني لطلبة المغرب بعد تسخير المنظمات الظلامية الرجعية بالجامعات للسيطرة على المنظمة الطلابية و فرض الحظر العملي عليها ، بعد اغتيال المناضلين الثوريين المعطي بوملي في 1991 و بنعيسى أيت الجيد في 1993 من طرف العصابات الظلامية الرجعية ، و بقيت فصائل الحركة الطلابية الثورية تقاوم قمع النظام الكومبرادوري و سيطرة الظلامية الرجعية على المنظمة الطلابية مما ساهم في بروز المد الشوفيني ل"الحركة الثقافية الأمازيغية" التي عملت على اغتيال المناضلين الثوريين عبد الرحمان الحسناوي و محمد الطاهر الساسوي في 2007 ، ليكتمل الهجوم المزدوج الظلامي ـ الشوفيني على الحركة الماركسية اللينينية داخل الجامعات خدمة للمخطط التصفوي للنظام الكومبرادوري.

و رغم أن منظمة "إلى الأمام" لم تستطع إنجاز جميع المهام الأيديولوجية و السياسية و التنظيمية والنضالية التي سطرتها إلا أنها استطاعت طبع الحياة السياسية المغربية بالإتجاه اليساري الماركسي اللينيني ، و كانت الجامعات المغربية الفضاء الذي منحها النفس الطويل في مواجهة آلة القمع البوليسية الشرس المسلط عليها من طرف النظام الكومبرادوري ، و تبقى المهمة الأساسية/تغلغل فكر المنظمة في أوساط البروليتاريا و الجماهير الشعبية مهمة لم يتم إنجازها حتى الآن ، نظرا لانتشار الفكر التحريفي الإنتهازي في أوساط الماركسيين بزعامة القيادة الثانية للمنظمة منذ 1980 بعد التراجع عن الخط و الإستراتيجية اللينينيين ، و الذي تم تركيزه منذ بداية التسعينات بعد انبهار التحريفية الإنتهازية بسقوط التجربة الإشتراكية بالإتحاد السوفييتي و الترويج لمقولة "نهاية التاريخ" ، و الدعاية بأن الدياليكتيك الماركسي قد تم تجاوزه من طرف الفكر البورجوازي ، و نشر المقولات الليبرالية كالعولمة و الديمقراطية وحقوق الإنسان لمواجهة المفاهيم الماركسية كالصراع الطبقي و ديكتاتورية البروليتاريا و الحزب الثوري و الثورة الديمقراطية البروليتارية.

و لعبت التحريفية الإنتهازية دورا هاما في عرقلة تغلغل الفكر الماركسي اللينيني في أوساط البروليتاريا والجماهير الشعبية بمعاداة الخط و الإستراتيجية اللينينيين و التنكر للتضحيات الجسام للماركسيين اللينينيين في مرحلة القمع الأسود ، و أصبحت التنظيمات السياسية الديمقراطية البورجوازية الصغيرة التي تقودها هذه القيادات عائقا أمام تغلغل الفكر الماركسي اللينيني في أوساط البروليتاريا و الجماهير الشعبية ، بعد تبنيها للفكر الديمقراطي البورجوازي الصغير و الترويج للنضال السياسي الديمقراطي و ثقافة حقوق الإنسان التي تنشرها في أوساط مناضلي أحزابها الذين يتنافسون حول قيادات النقابات و الجمعيات الحقوقية و التنموية والثقافية ، مما وضع أمام المناضلين الماركسيين اللينينيين اليوم مهام جساما تتجلى في بناء الخط و الإستراتيجية اللينينيين وفق شروط الحياة المادية في المرحلة الراهنة ، وبلورتها في أوساط البروليتاريا و الفلاحين الفقراء والبورجوازية الصغيرة الثورية من أجل بناء الحزب البروليناري الكفيل بتحقيق الثورة الديمقراطية البروليتارية.

و تعتبر القراءة النقدية للسيرورة التاريخية للحركة الماركسية اللينينية المغربية و خاصة منظمة "إلى الأمام" وفق منهج الدياليكتيك الماركسي أمرا ضروريا لتوضيح الرؤية لدى الماركسيين اللينينيين، من أجل بناء إستراتيجية الثورة المغربية في علاقتها بإستراتيجية بناء الحزب البروليتاري الثوري المغربي.

الفصل الثاني

بناء الحزب البروليتاري الثوري من منظور منظمة "إلى الأمام"

1 ـ الأطروحة الثورية الأولى لمنظمة "إلى الأمام"

يعتبر حدث تأسيس منظمة "إلى الأمام" بداية بلورة مفهوم الإنظلاقة الثورية في الحركة الماركسية اللينينية المغربية إلى جانب منظمة "23 مارس" باعتبارهما تيارين سياسيين ثوريين ، تأسسا انسجاما مع نضج الحركة الثورية وطنيا و عربيا و عالميا بعد هزيمة "الإقطاعيات والبرجوازيات العربية" في 1967 و اندلاع انتفاضة 1968 بفرنسا وامتداداتها في أوساط المناضلين الثوريين بحزب التحرر و الإشتراكية و حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية.

و تعتبر وثائق منظمة "إلى الأمام" الصادرة ما بين 1970 و 1980 ذات أهمية قصوى في ضبط أسس التصورات الأيديولوجية و السياسية للحركة الماركسية اللينينية الثورية المغربية ، لكونها تشكل الأساس النظري الثوري الذي انبثقت منه الحركة الثورية المغربية و امتداداتها في أوساط الماركسيين اللينينيين لرسم معالم النضال الثوري اليوم ، انطلاقا من ضبط الصراع بين الطبقات المتناقضة و رسم أسس الصراع الطبقي وفق شروط الحياة المادية للمجتمع المغربي اليوم.

و يعتبر الإطلاع على وثائق مرحلة التراجعات التصفوية للمنظمة ذا أهمية قصوى في مسار الحركة الماركسية اللينينية المغربية ، لما لها من أهمية في فضح التحريفية الإنتهازية و فتح الصراع الأيديولوجي والسياسي ضدها ومحاربة تداعيات توجهات الديمقراطية البورجوازية الصغيرة في أوساط الحركة الماركسية اللينينية المغربية.
و تعتبر القراءة النقدية العلمية المادية لتاريخ منظمة "إلى الأمام" أمرا ضروريا لتوضيح الرؤية لدى المناضلين الثوريين المغاربة لتجاوز مرحلة اللاتنظيم التي تعيشها الحركة ، مما يتطلب فتح نقاش جاد بين الماركسيين اللينينيين الثوريين حول القضايا الأيديولوجية و السياسية و التنظيمية للحركة ، الشيء الذي يتطلب التحليل الملموس للوضع السياسي الراهن في جميع المستويات السياسية والإقتصادية و الثقافية و تشكل الطبقات الإجتماعية ، لضبط مسار الصراع الطبقي بالمغرب والطبقات الحاسم في الصراع و بلورة مفهوم النضال الثوري في الواقع الموضوعي موازاة مع بناء منظمتهم الثورية الأداة الكفيلة بضبط الحركة الثورية بالمغرب.

و مع حلول الذكرى الأربعون لتأسيس منظمة "إلى الأمام" نمت الدينامية الثورية في صفوف الماركسيين اللينينيين المغاربة خاصة في أوساط الشباب ، و التي يؤطرها الطموح في التغيير الثوري بعد 30 سنة من سيادة الخط التحريفي الإنتهازي ، الذي عمل منذ نشأته في نهاية 1979 على محاربة الخط الثوري للمنظمة بعد اغتيال الشهيد القائد عبد اللطيف زروال في نونبر 1974 ، الذي كرس جهده لبناء الخط الأيديولوجي و السياسي للحزب الثوري المغربي تلعب فيه منظمة "إلى الأمام" دورا هاما باعتبارها منظمة الثوريين المحترقين ، و كان اختياره من طرف اللجنة الوطنية أول أمين عام لهذه المنظمة في 1974 حدثا تاريخيا عظيما قام بالحد بين الخط الثوري الذي يستوجب "نظام الطاعة الحديدي" الذي يتطلبه بناء الحزب البروليتاري " ... حزب ثوري كفء حقا ليكون حزب الطبقة المتقدمة المدعوة إلى إسقاط البورجوازية و تحويل المجتمع كله" كما يقول لينين ، و بين الخط التحريفي الإنتهازي الذي نما بسرعة فائق في منظمة "23 مارس" و امتد إلى منظمة "إلى الأمام" ليبرز بعد عشر سنوات من النضال الثوري للمنظمة ، مما حدا بالنظام الكومبرادوري بالمغرب إلى اغتال الشهيد القائد عبد اللطيف زروال قبل أيام من انعقاد المؤتمر الأول للمنظمة بعد وضع الأسس التنظيمية للحركة الماركسية اللينينية الثورية المغربية.

لقد استعان النظام الكومبرادوري بالخطط الإمبريالية و الصهيونية لقمع منظمة "إلى الأمام" بعد انهيار مناضلي منظمة "23 مارس" أمام القمع الشرس الذي لحق الماركسيين اللينينيين المغاربة ، مما ساهم في ضرب أسس الحركة الماركسية اللينينية الثورية المغربية التي تعتبر نفسها جزءا لا يتجزأ من الحركة العمالية الثورية العالمية ، و كان من بين خطط النظام الكومبرادوري محاولة اختراق المنظمة من الداخل عبر دعم الخط التحريفي الإنتهازي لتدميرها بواسطة أعضائها بعدما عجز عن ذلك بوسائل القمع المختلفة ، و اشتعل الصراع الأيديولوجي والسياسي من داخل السجن و بالمنفى قادته أروستقراطية عمالية ضد مناصري الخط الثوري للمنظمة الذين وضعوا شعار "بناء الحزب الثوري تحت نيران العدو" ، و أصبحت منظمة "إلى الأمام" منذ بداية 1980 في قبضة الخط التحريفي الإنتهازي الذي أطلق شعار "إعادة بناء المنظمة" أو ما سمي ب"القيادة الثانية" من 1980 إلى 1985 ، داخل السجن و خارجه بالداخل و الخارج في مساومة انتهازية لحل الإصلاحية محل المنظمة الثورية و الإشتراكية الشوفينية محل الديمقراطية البروليتارية.

لقد ساهم غياب شرط "نظام الطاعة الحديدي" للمنظمة في سنوات التأسيس قبل اغتيال الشهيد عبد اللطيف زروال على انهيار أعضاء منظمة "إلى الأمام" أمام آلة القمع البوليسي ، مما سهل بروز الخط التحريفي الإنتهازي داخل السجن و الذي قادته الديمقراطية البورجوازية الصغيرة لكون جل مناضليها لم تتشبعوا بعد بالفكر الماركسي اللينيني .

خلال عشر سنوات الأولى لتأسيس منظمة "إلى الأمام" تم بلورة النظرية الماركسية اللينينية في صفوف مناضليها باعتبارها هوية أيديولوجية و سياسية للمنظمة في مواجهة الفكر البورجوازي و التحريفية الإنتهازية للديمقراطية البورجوازية الصغيرة داخل الأحزاب الإصلاحية ، و شكلت وثيقة "سقطت الأقنعة ، فلنفتح الطريق الثوري" الأرضية الايديولوجية و السياسية التي تم اعتمادها بعد الانسحاب من حزب التحرر و الاشتراكية من طرف مجموعة من المناضلين الماركسيين اللينينية الثوريين ، و التي ترتكز إلى أهمية بناء الحزب البروليتاري الثوري الضروري لبلورة مفهوم "الإنطلاقة الثورية".

تضمنت وثيقة "سقطت الأقنعة، فلنفتح الطريق الثوري!" في ديباجتها نقدا صريحا للإصلاحية الحزبية التي تقودها الديمقراطية البورجوازية الصغيرة بجميع الأحزاب الإصلاحية ، و شنت هجوما صريحا على التكتل الحزبي الإصلاحي لما سمته "إعادة تكتل الأحزاب البرجوازية الوطنية" داخل ما سمته هذه الأحزاب "الكتلة الوطنية" ، الشيء الذي اعتبرته منظمة "إلى الأمام" منظورا انتهازيا للنضال البرلماني البورجوازي في مواجهة "برلمانية الحكم الفردي المزيفة" في تجاهل تام لدور الشعب في تقرير مصيره السياسي و الإقتصادي ، معتبرة ممارسة السياسيين المحترفين البورجوازيين الصغار خيانة للثورة المغربية و العربية و الثورة الفلسطينية مما يتطلب توضيح الخط الأيديولوجي ل"الطريق الثوري" للمناضلين الثوريين المغاربة ، الذي يشكل فيه "الحزب الماركسي ـ اللينيني" أداة ضرورية لبلورة مفهومة الثورة المغربية في علاقتها بالثورة العربية المرتبة بالثورة العالمية مما يتطلب تحديد أسس الصراع الطبقي بالمغرب.

و عملت الوثيقة على دراسة التشكيلة الإجتماعية بالمغرب بتحديدها للطبقات المتصارعة والتي تشكل فيها الطبقة العاملة بتحالف مع الفلاحين القوة الأساسية في مواجهة "الأوليغارشيا الكمبرادورية" لحسم الصراع لصالح الثورة المغربية ، كما حددت التناقضات الثانوية داخل الكتلة الطبقية المسيطرة في علاقتها بتناقضات الرأسمالية العالمية باعتبارها السند الرئيسي للنظام الكومبرادوري و تقول الوثيقة :

"السند الرئيسي لهذه الأوليغارشيا هو الرأسمالية العالمية. فوراء الخلافات السطحية والتي تصبح مجرد تغطية لتوزيع العمل وتقسيمه، نجد أن الوحدة العالمية الإمبريالية ما فتئت تتقوى وتتعمق تحت قيادة الإمبريالية الأمريكية."

لهذا عملت "الأوليغارشيا الكمبرادورية" على مواجهة الإنتفاضة الشعبية في 23 مارس 1965 بالحديد والنار وبالتالي مواجهة جميع الإنتفاضات الشعبية بنفس الحدة من القمع الشرس ، و أكدت الوثيقة على دور الجيش في الصراع داخل الكتلة الطبقية المسيطرة و دور الحزب الثوري في بلورة المنظور الثوري للصراع في صفوف الجنود ، نظرا لأهمية ارتباط الحزب الثوري بالجيش في الصراع ضد الإمبريالية في حسم هذا الصراع لصالح الديمقراطية البروليتارية ، لذلك وضعت المنظمة أمامها مهمة بناء الحزب البروليتاري الثوري كمهمة مركزية لمنظمة الثوريين المحترفين في علاقتها ب"المعركة الثورية" التي تشكل فيها "الأطر العسكرية الوطنية" سندا للحزب ، إلا أن غياب الحزب الثوري و التكوين الأيديولوجي البورجوازي الصغير لهؤلاء حال دون إدماج هذه الأطر في المعركة الثورية وفقط الحزب الثوري كفيل بتحقيق هذه المهمة الضرورية في تحقيق الثورة المغربية و تقول الوثيقة :

" ويبدو أن هذا التناقض امتد إلى داخل الجيش الذي يشعر بالسياسة التي تقوم على خيانة المصالح الوطنية من طرف الأوليغارشيا الكمبرادورية التي تنتمي إليها جماعة كبار الضباط الذين أنتجتهم الجيوش الاستعمارية ... سوف يكون لنمو هذه المعركة و تجذيرها العضوي والإيديولوجي في البلاد نتائج إيجابية على هذه الأطر وعلى جماهير الجنود المنبثقة من الشعب شريطة أن يهدف كفاح الجماهير بقيادة الحزب الثوري وأن تهدف استراتيجيته وتكتيكه وتنظيمه إلى عزل الأوليغارشيا الكمبرادورية."

و بما أن الطبقة العاملة هي الطبقة الأساسية في الصراع الطبقي من منظور منظمة "إلى الأمام" فإن البورجوازية الصغيرة داخل النقابات تشكل عائقا أمام بلورة منظور الحركة العمالية الثورية في أوساط جماهير العمال ، عكس ما كانت عليه النقابات و الحزب الشيوعي المغربي في عهد الإستعمار المباشر من نضالية مكافحة سواء الإقتصادية منها أو السياسية بالعمل على بلورة الوعي الطبقي لدى هذه الطبقة الثورية ، و تراجع المد الثوري في أوساط الطبقة العاملة بسيطرة الديمقراطية البورجوازية الصغيرة على النقابات بعد الإستقلال الشكلي يعتبر عائقا أمام نمو المد الثوري في أوساط البروليتاريا المغربية ، مما جعل إنجاز الثورة أمرا صعبا بعد عزل البروليتاريا بالإدماج السياسي للقيادات النقابية في الدولة الكومبرادورية مما كرس مفهوم البيروقراطية النقابية، التي سخرت نضالات الجماهير العمالية في المساومات الحزبية الإصلاحية ، و حول النقابات إلى أدوات لعرقلة تطور الوعي الطبقي لدى الطبقة العاملة المغربية بعد بلورة مفهوم النضال الإقتصادي الضيق الأفق في أوساط العمال بواسطة البيروقراطية النقابية ، و تقول الوثيقة :

"وبعد الاستقلال استطاعت الأطر النقابية المندمجة في الأجهزة السياسية للبرجوازية والبرجوازية الصغرى تكوين بيروقراطية خاصة ... كانت تواجه التناقضات بالديماغوجية الناتجة عن البرجوازية بتجربتها المكتسبة على صعيد المعارك النقابية والاقتصادية، وبإيديولوجية توفر للطبقة العاملة إمكانية الانطواء على نفسها في الإطار النقابي وحده."

كل هذه العوامل جعلت بناء الحزب البروليتاري مهمة صعبة وضعت على عاتق منظمة "إلى الأمام" التي تعرضت منذ نشأتها إلى قمع شرس من طرف الأوليغارشيا الكمبرادورية بتحالف مع الإمبريالية العالمية والرجعية العربية و دعم من الإصلاحية الحزبية و البيروقراطية النقابية.

كان للتناقضات الجديدة التي أفرزها الصراع الطبقي في ظل دولة الأوليغارشيا الكومبرادورية أثر كبير في عجز الحزب الشيوعي المغربي/التحرر و الإشتراكية عن بلورة الوعي الطبقي في صفوف الجماهير العمالية، نظرا لتبعيته للبيروقراطية التحريفية للحزب الشيوعي السوفييتي مما عمق التناقضات بين المناضلين الثوريين والتحريفية الإنتهازية بالحزب و دفع الماركسيين اللينينيين الثوريين إلى تحديد موقفهم من البيروقراطية النقابية والإصلاحية الحزبية ، التي عملت على التخلي عن المعركة الأيديولوجية و تحول الحزب الشيوعي المغربي إلى حزب ديمقراطي بورجوازي صغير يدافع عن الإصلاحية خدمة للأوليغارسيا الكومبرادورية ، و تقول الوثيقة :

" وبذلك قادوا هذا الحزب إلى التخلي الكلي عن المعركة الإيديولوجية وإدخالها إلى صفوف الطبقة العاملة، والتخلي عن الدور السياسي الذي يتحتم على كل حزب يقول بانتمائه إلى الماركسية – اللينينية القيام به من أجل بلورة الوعي الثوري للبروليتاريا، وذلك نظرا لاكتفاء مناضلي هذا الحزب بالقيام بالعمل النقابي المحدود في الإطار النقابي. وبدت هذه الخيانة أكثر وضوحا بعد التوجه الذي أعطي لحزب التحرر والاشتراكية الذي ما فتئ أن سقط في أفظع أنواع الانتهازية التي لا تعرف لها مبادئ."

و تعتبر البيروقراطية النقابية أخطر ما يهدد مصالح الطبقة العاملة المغربية التي انطوت على نفسها خاضعة للإستغلال البشع للأوليغارشيا الكومبرادورية و أرباب العمل الإستعماريين بعد فقدانها للدعم السياسي للحزب الشيوعي المغربي ، الذي تحول إلى حزب بورجوازي صغير يتبنى النضال البرلماني الليبرالي في صراعه مع الحكم الفردي الإستبدادي للنظام الكومبرادوري مع تعاظم خياناته يوما عن يوم ، و تقول الوثيقة :

"إلا أن الخيانة التي تتضح يوما بعد يوم هي خيانة البيروقراطية النقابية التي تلعب بطريقة مباشرة، ليس لعبة البرجوازية الصغيرة الانتهازية فحسب، ولكن كذلك وبدون تهاون، لعبة الأوليغارشيا الكمبرادورية ولعبة أرباب العمل الاستعماريين، متخلية حتى عن المعارك النقابية المحضة، والتي تحرف بواسطة جريدتها وبقلم منظرها الرسمي إلى التلميح بشعار تفوق ما يسمى بالنخبة."

و إنطلاقا من قراءة المنظمة للوضع الثوري المأزوم بالمغرب نتيجة تفشي الفكر الديمقراطي البورجوازي الصغير في أوساط السياسيين المحترفين الإنتهازيين و سيطرة هذا الفكر على مضمون النضال النقابي ، كان لزاما على المنظمة تحديد "الطريق الثوري" الذي يستوجبه إنجاز الثورة المغربية في علاقتها بالثورة العربية والتجارب الثورية العالمية بعد هزيمة 1967 التي كشفت زيف شعارات دول "الإقطاعيات والبرجوازيات العربية"، المتشدقة بالإشتراكية والتي فشلت في بلورة مفهوم الأنظمة الوطنية في هذه الدول نتيجة سيطرة أيديولوجية الديمقراطية البورجوازية الصغيرة عليها بدعم من التحريفية الإنتهازية ، مما جعل هذه الأنظمة عرقلة أمام إنجاز الثورات العربية بعد تحويلها إلى ديكتاتوريات تحارب الفكر الماركسي اللينيني و بالتالي فقدان دعم الثورة المغربية ، و تقول الوثيقة :

"إلا أن تأثيرات الفكر البرجوازي الصغير الذي لا زال قويا داخل الوطن العربي والمدعم من طرف الإيديولوجية التحريفية قد استطاع أن يشل نضالات الشعوب العربية حائلا دونها وتقديم دعم ملموس للثورة الفلسطينية خاصة ضد تطبيع مؤامرة التصفية التي خطتها الإمبريالية والتحريفية والحاملة اسم "مشروع روجرز."

و قد تطلب هذا الوضع من المنظمة مواجهة الإصلاحية و التحريفية الإنتهازية و النضال ضد الأوليغارشيا الكومبرادورية في علاقتها بالدول الكومبرادورية المغاربية و العربية و مساندة الثورة الفلسطينية حاملة مشعل الثورة العربية ، و لن يتأتى ذلك إلا ببناء الحزب البروليتاري الثوري الذي وضعت المنظمة أسسه الأيديولوجية والسياسية و التنظيمية عبر تحديد "قضايا الإستراتيجية الثورية" للثورة المغربية باعتبارها جزءا لا يتجزأ من الثورية العربية المرتبطة بالتجارب الثورية العالمية ، فاعتبرت أن المغرب يتوفر على مأهلات الإنطلاقة الثورية نظرا لاحتداد الصراع الطبقي مما يفرض على المناضلين الثوريين الماركسيين اللينينيين العمل في اتجاه بلورة مفهوم "الإنطلاقة الثورية" في الواقع الملموس في علاقتها ببناء الحزب الثوري المغربي ، و تقول الوثيقة:

" وهذا الواجب يتجسد في تحقيق هذا الإمكان، وتحقيق الانطلاقة الثورية لمواجهة حرب العدوان الإمبريالي على أشقائنا الفلسطينيين من الخلف وإبقاء الشعلة الثورية في هذا الجزء الغربي من الوطن العربي."

و قد حتم ذلك على المنظمة وضع تصور أولي لهذا الحزب " حزب العمال والفلاحين الفقراء والمثقفين الثوريين" كما جاء في الوثيقة ، الذي يستمد أيديولوجيته من النظرية الماركسية اللينينية في ارتباطها بالواقع الملموس للوضع السياسي و الإقتصادي بالمغرب في علاقته بالثورة العربية المرتبطة بالثورة العالمية و حددت نقطتين أساسيتين في هياكله التنظيمية :

1 ـ على التطبيق العملي لمبدأ المركزية الديمقراطية وهذا يعني التحضير الجماعي والمتمركز من القاعدة إلى القمة ومن القمة إلى القاعدة ، من التطبيق إلى النظرية ومن النظرية إلى التطبيق للتوجيه الايديولوجي والعملي للتيار الثوري.
2 ـ على التطبيق الفعلي للمركزية فيما يخص المسؤوليات. إن واجب المناضل هو أن يلتزم بصرامة بمبادئ السرية التامة وبالاختيار الدقيق لمناضلي الحزب على أساس الممارسة النضالية الملموسة وعلى تهييء الثوريين الذين يكرسون حياتهم وكل مشاغلهم لخدمة الثورة.

هكذا حددت "الأطروحة الثورية الأولى" الأسس النظرية لبناء الحزب الثوري و يبقى بلورة هذا المنظور في الواقع الملموس مهمة أساسية لمناضلي المنظمة الثورية "إلى الأمام" ، التي تعتبر منظمة الثوريين المحترفين كمنظمة ضرورية لبلورة مفهوم الحزب البروليتاري الثوري في أوساط الطبقة العاملة المغربية وقف منظور البناء الحزبي في النظرية الماركسية اللينينية.

لقد اعتمدت الوثيقة الأطروحة في تصورها للثورة على مفهوم "الإنطلاقة الثورية" التي اعتبرتها ممكنة لتوفر شروط الحياة المادية للإنتفاضة الشعبية ، مما يستوجب بناء الحزب الثوري المغربي من خلال الصراع بين القوى المتناقضة و التي تعتبر فيها البروليتاريا الصناعية والمعدنية القوة الأساسية في حسم الصراع لصالح الجماهير الشعبية ، غير أن الحركة الثورية المتنامية في أوساط الجماهير الشعبية عبر انتفاضاتها الشعبية قد أفرزت "تيارات تلقائية" غير مسلحة بالأيديولوجية العلمية الثورية في أوساط الكاحدين و البورجوازية الصغيرة، مما يستوجب الإرتباط بها في البوادي و المدن من أجل بلورة الفكر الماركسي اللينيني في أوساطها لدعم الإنطلاقة الثورية، و تقول الوثيقة :

" ويمكن في أول الأمر الارتباط بالتيارات التي تنبع في غمرة النضالات التلقائية للجماهير، هذه التيارات المنبثة من خلال تاريخ البلاد نفسه والذي يتجلى في الانتفاضات التي قام بها الفلاحون والحركة التمردية للجماهير في المدن."

و رفضت منظمة "إلى الأمام" أشكال الأيديولوجية الإنقلابية التي يستغلها السياسيون المحترفون/البورجوازيون الصغار في الأحزاب الإصلاحية ، و التي بلورتها الأنظمة الإنقلابية العربية في دول الإقطاعيات و البورجوازيات العربية التي أبعدت المناضلين الثوريين عن الأيديولوجية الثورية/الماركسية اللينينية ، و يعتبر بناء حزب العمال و الفلاحين/الحزب البروليتاري الثوري المهمة الأساسية لإنجاح مهام "الإنطلاقة الثورية" ، و ذلك بالتحالف بين البروليتاريا و الفلاحين الفقراء بالمدن و البوادي اعتمادا على الأيديولوجية الماركسية ـ اللينينية المنغرسة في صفوف البروليتاريا التي يجب أن تقود الثورة بقيادة الحزب الثوري المغربي ، إنسجاما مع مضمون الثورة البلشفية حول تحالف العمال و الفلاحين ضد منظور الديمقراطية البورجوازية الصغيرة التي تدعو إلى إبعاد الفلاحين و دعم الملاكين العقاريين ، و تقول الوثيقة :

" إن قيادة الثورة تتمثل في حزب العمال والفلاحين المبني على الإيديولوجية الماركسية-اللينينية والمنغرس في البروليتاريا، وبواسطة أداة الدكتاتورية الديمقراطية للعمال والفلاحين الفقراء المباشرة عن طريق مجالس العمال والفلاحين الفقراء وجماعات النضال الشعبي للفلاحين ولسكان الأحياء الشعبية."

2 ـ من الإنطلاقة الثورية إلى الإستراتيجية الثورية

أكدت الوثيقة الأطروحة على ارتباط الثورة المغربية بالثورة العربية في علاقتها بالثورة العالمية التي تعتبر فيها الثورة الفلسطينية المحرك الأساس ، التي أصبحت " قوة ثورية لا تقهر" عبر الكفاح المسلح ضد الإمبريالية والصهيونية و الرجعية العربية ، مما فضح الأيديولوجية الإنتهازية للبورجوازية الصغيرة و ساهم في نمو الأيديولوجية الثورية العربية في اتجاه الأيديولوجية الماركسية ـ اللينينية ، و لقي هذا التوجه في الثورة العربية صدى واسعا في بعض الأقطار العربية التي عرفت مدا ثوريا متقدما ، و يقول الوثيقة :

" إن هذا الإشعاع ما فتئ يتجسد في ثورة اليمن الجنوبي وفي نمو الحركة الثورية والتحررية في ظفار والخليج العربي وإريتريا." كما أكدت الوثيقة. إلا أن التيارات التحريفية الإنتهازية و البورجوازية الصغيرة تحول دون نمو الأيديولوجية الثورية في الوطن العربي مما يستلزم محاربتها بمحاربة السياسيين المحترفين داخل الأحزاب الإصلاحية "هؤلاء السياسيون المحترفون المحكوم عليهم بالانقراض المخزي، كما كان الشأن بالنسبة للأحزاب التحريفية في مصر والجزائر وتونس."

و في علاقتهما بالثورة العالمية تواجه الثورتين المغربية و العربية الثورة المضادة العالمية التي تقودها الإمبريالية عبر "الإستعمار الجديد" بدعم من التحريفية الإنتهازية بالإتحاد السوفييتي لمواجهة "إنطلاقة التحرر للشعوب" ، مما يتطلب دعم "الثورة الجديدة" عبر العالم التي برزت انطلاقا من الثورة الكوبية و امتداداتها بأمريكا اللاتينية مرورا بالثورات الأسيوية الأفريقية والأوربية و انتهاء بمحاولات الثوار الأمريكان و التي تكبلهما التحريفية الإنتهازية السوفييتية ، وتعتبر التجربتين الصينية و الألبانية أهم هذه الثورات الجديدة اللتان أنجزتا مهام ثورية حقيقية عبر الثورة الثقافية ، و تقول الوثيقة :

" وإن تطور وانتصار الثورة الثقافية في الصين وألبانيا قد بعث الصورة الحية للاشتراكية وزود النضالات الثورية العالمية بمد ثوري جديد."

إنطلاقا من عناصر الإنطلاقة الثورية المغربية و العربية و العالمية التي ساهم فيها تداخل الصراع الطبقي بين الطبقات المسيطرة و البروليتاريا و حلفائها ، ترى منظمة "إلى الأمام" أهمية بناء الحزب الثوري المغربي أساسيا لما له من أهمية في بلورة "الثورة الجديدة" ضد "الإستعمار الجديد".

و أكدت منظمة "إلى الأمام" في وثيقة "مسودة حول الإستراتيجية الثورية" على أهمية الإستراتيجية الثورية في تحقيق الثورة المغربية في علاقتها بالثورة العربية و العالمية، و اعتبرت أنه يستحيل إنجاز الثورة بدون تنظيم ثوري يجسد العلاقة الجدلية بين النظرية الثورية و الممارسة الثورية للمناضلين الثوريين ، إنطلاقا من أن الهدف الأسمى لكل ثورة هو الإستيلاء على السلطة مما يوجب على المنظمة بلورة مفهوم العمل الجماعي و التفكير الجماعي " داخل الحركة الثورية للجماهير" ، ذلك ما تم بلورته في مسألة الإستراتيجية الثورية مما أعطى للتنظيم ، إنطلاقا من المنظور الجديد للمنظمة ، بعدا أدق و أشمل ، بدءا بالنقاش حول مضمون "الكفاح المسلح كطريق للثورة" الذي تباينت حوله الآراء مما ساهم في بلورة منظور جديد لمسار الثورة المغربية ، وتقول الوثيقة :

" هذا الانفصال الذي كان على مبدأ واحد : هو ضرورة الكفاح المسلح كطريق للثورة. وهكذا تواجدت خلال تلك المرحلة مواقف متباينة حول قضية الإستراتيجية من الغيفارية، إلى الانتفاضة البلشفية ، إلى حرب التحرير الشعبية." كما جاء في الوثيقة، و انتهاء بوضع أسس الممارسة الثورية الجديدة عبر مفهوم "حرب التحرير الشعبية".

و هكذا بدأ يتضح مسار بناء الحزب الثوري المغربي ببروز العلاقة الجدلية بين "الإنطلاقة الثورية" التي تستند إلى " التقدم الهائل لكفاحات الجماهير" و "الإستراتيجية الثورية" التي أوضحت "طريق الثورة" عبر "حرب التحرير الشعبية" .

و اتخذت المنظمة من التجربتين الثوريتين بروسيا و الصين السند الأساس لأطروحاتها حول الإستراتيجية الثورية في علاقتها بالتنظيم الثوري ، فكانت ثورة 1905 بروسيا السند النظري لتحقيق "الإنطلاقة الثورية" في علاقتها بتفكيك نظام الأوليغارشيا الكومبرادورية و هي انتفاضة شعبية تعبد الطريق الثوري للحرب الشعبية التي بدونها لا يمكن السيطرة على السلطة ، و كان لفشل الأيديولوجية الإنقلابية في 10 يوليوز 1971 التي سبق للمنظمة أن انتقدت منطلقاتها في تجارب دول الإقطاعيات البورجوازيات العربية ، أثر كبير في تعزيز مبدأ "حرب التحرير الشعبية" في الإستراتيجية الثورية لمنظمة "إلى الأمام" انطلاقا من انتقاد النظرة الميكانيكية التي تحكم مفهوم "الإنطلاقة الثورية" ، مما جعلها تتخذ من تجربة الثورة الصينية السند الأساس لاستراتيجية الحزب الثوري المغربي ، الذي يجب أن يتجاوز مسار بنائه العلاقة الجدلية بين العمل السياسي و عفوية الجماهير إلى العلاقة الجدلية بين العمل السياسي و العمل المسلح . فبعد سنة من التأسيس شرعت منظمة "إلى الأمام" في تغيير منطلقات بناء الحزب الثوري المغربي بالتخلي عن مفهوم "الإنطلاقة الثورية" ، هذا البناء الذي يجب أن يتخذ مسارا جديدا مناقضا تماما للمسار الأول يستند إلى "حرب التحرير الشعبية" ، الذي تجاوز عفوية الجماهير عبر انتفاضاتها الشعبية إلى تنظيم الجماهير المسلحة ، مما يضع أمام الحزب مهمة تهييء الجماهير إلى الكفاح المسلح ، و شكل بناء "القواعد الحمراء المتحركة" في منظور المنظمة للإستراتيجية الثورية منطلقا أساسيا للحزب في تهييء الجماهير المسلحة ، انطلاقا من انتقادات المنظور الميكانيكي لمفهوم "الإنطلاقة الثورية" بعد دراسة التجارب الثورية الوطنية و العالمية ، وتقول الوثيقة :

"هذه الانتقادات التي تبلورت بشكل متكامل خلال نقاشات الندوة الوطنية التي شكلت حدا فاصلا في تطور تنظيمنا، بفعل الممارسة النقدية الشاملة لممارساتنا السابقة. هذه الانتقادات مكنتنا من استخلاص آفاق استراتيجية جديدة تمكن من رؤية أوضح للطريق الثوري لكفاح الجماهير والتخلي نهائيا عن مفهوم "الانطلاقة الثورية" في اجتماع يناير للجنة الوطنية. وهكذا برزت فكرة القواعد الحمراء المتحركة باعتبارها الاستراتيجية التي تنبع من التحليل الملموس لواقعنا الوطني والدولي ومن دراسة التاريخ النضالي للشعب المغربي والتجربة الغنية لثورات الشعوب."

و اعتبرت منظمة "إلى الأمام" أن فكرة القواعد الحمراء المتحركة لا يكفي لتحقيق الثورة المغربية حيث طرح أمامها كيفية إشراك الشعب كله في حرب التحرير الشعبية ، و أمام نظام رجعي مستبد تسانده الإمبريالية العالمية يعمل على سحق الإنتفاضات الشعبية بالحديد و النار وانطلاقا من دراسة تجارب الإنتفاضات الشعبية الفاشلة بالمدن و البوادي المغربية ، و أكدت المنظمة على أن فكرة "حرب العصابات" غير ناجعة في ظل الشروط الذاتية و الموضوعية للثورة المغربية ، حيث لا يمكن لتاكتيك هذه الصيغة من التنظيم العسكري أن تصمد أمام هجوم قوات نظامية مسلحة بأحدث الأسلحة و مدعومة من طرف الإمبريالية ، و تقول الوثيقة :

"ففي مثل هذه الشروط فإن تكتيك حرب العصابات المتنقلة يفتقد الظروف الموضوعية لنجاحه، فوجود حكم رجعي مركزي من جهة واستعداد الإمبريالية للتدخل للدفاع عن مصالحها من جهة أخرى سيحد من فعاليتها"

و استندت المنظمة في ذلك إلى تجرب الثورة الصينية التي اعتمدت في استيلائها على السلطة على تاكتيك القواعد الحمراء المتحركة في دفع الجماهير نحو الحرب الشعبية الشاملة ، وعبر هذه القواعد يتم تأسيس الجيش الأحمر من الفلاحين و العمال و الجنود الثوريين بعد تدمير أجهزة النظام العسكرية و الإستيلاء على السلطة ، و كانت التجربة الصينية لتأسيس الكتائب العسكرية الأولى اعتمادا على انتفاضة الفلاحين سندا لنظرية الإستراتيجية الثورية للمنظمة من أجل تأسيس الجيش الأحمر ، و تقول الوثيقة :

" ولا ننسى أن اتنفاضات الفلاحين في الصين في السنوات 27 – 1928 هي التي خلقت الكتائب الأولى للجيش الأحمر في الصين. إن هذه القواعد الحمراء المتحركة تختلف عن مناطق السلطة السياسية الحمراء في الصين، تلك التي تحدث ماوتسي تونغ عن إمكانية استقرارها واستمرارها في مقال "لماذا يمكن أن تبقى السلطة السياسية الحمراء في الصين؟".

و تشكل العلاقة الجدلية بين الإنتفاضة الشعبية بالمدن و حرب التحرير الشعبية بالبوادي السند الأساسي لتغيير منظور منظمة "إلى الأمام" للإستراتيجية الثورية ، انطلاقا من العلاقة الجدلية بين التجربتين الروسية والصينية في العلاقة بين الإنتفاضة الشعبية و حرب التحرير الشعبية ، باعتبارهما شكلين لثورتين عالميتين متناقضتين متكاملتين ، في العلاقة بين الحرب النظامية و حرب القواعد الحمراء المتحركة ، في العلاقة بين السرية في العمل السياسي و العلنية في العمل الجماهيري ، في العلاقة بين العمل السياسي و العمل العسكري ، في العلاقة بين الإستراتيجية الثورية و بناء الحزب الثوري المغربي. لقد استطاعت منظمة "إلى الأمام" بعد سنة من تأسيسها تحديد الطريق الثوري للثورة المغربية التي يشكل فيها بناء الحزب الثوري المغربي مهمة أساسية لمنظمة الثوريين المحترفين ، و لم تغفل المنظمة قوة العدو الطبقي المتمثل في الأوليغارشيا الكومبرادورية والمدعوم من طرف الإمبريالية عالميا مما جعلها تغير استراتيجيتها الثورية بسرعة فائقة حتى يتخذ البناء الحزبي الثوري مساره الصحيح ، و التي طرحتها للنقاش مع تيارات الحركة الماركسية اللينينية المغربية الأخرى كشكل من أشكال العمل السياسي الجماعي بين الفصائل ، إلا أن الإعتقالات التي مست منظمة "23 مارس" حالت دون تحقيق النقاش الجماعي و بلورة الخلاصات الجماعية ، و ساهم انهيار مناضليها أمام آلة القمع البوليسية على امتداد الإعتقالات إلى صفوف منظمة "إلى الأمام" بعد بروز الإستراتيجية الثورية الجديدة، مما وضع أمام المنظمة و بإلحاح شديد مهمة بناء الحزب الثوري المغربي الكفيل ببلورة الإستراتيجية الثورية الجديدة في أرض الواقع.

3 ـ العلاقة بين القيادة البروليتارية و الجبهة الثورية

في الوقت الذي شن فيه نظام الأوليغارشيا الكومبرادوري حربه العشواء ضد الماركسيين اللينينيين من أجل تدمير منظماتهم الثورية ، قامت المنظمة بمراجعة عملها في السرية عبر إصدار وثيقة "لنبني الحزب الثوري تحت نيران العدو" التي اشتملت على قواعد مواجهة القمع البوليسي الشرس ، و اختلفت آراء المناضلين حول مواجهة هذا الوضع الخطير على منظمتهم الثورية مما جعلها تستند في موقفها الجديد للممارسة السياسية على دراسة تجارب المنظمات الماركسية عالميا ، بدءا بموقف الحزب البلشفي خلال فترة الأزمة من 1907 إلى 1910 الذي اعتبر ارتباط الحزب بالجيش أمرا لا مناص منه في كل الظروف و في أقصاها قسوة ، مرورا بموقف الحزب في أزمة 1921 بعد الحرب الأهلية الذي يرتكز إلى "قيادة المعارك الدفاعية للبروليتاريا" وتطويرها لرفعها إلى مستوى "معارك سياسية من أجل الهدف النهائي" في مواجهة الإمبريالية ، و موقف المناضلين الثوريين الصينيين المرتبطين بالجيش من موقف الحزب الشيوعي الصيني في 1929 ضدهم ، وموقف الحزب الشيوعي الألباني في 1941 الذي أكد على أهيمة الإلتحام بالجماهير في ظل الأزمة ، وصولا إلى تجربة الحزب الشيوعي الفيتنامي في مواجهة القمع و الإعتقالات و القتل خلال الحرب ضد الإمبريالية. وتشكل دراسة هذه التجارب الثورية العالمية سند منظمة "إلى الأمام" في بلورة مفهوم البناء الثوري للحزب الماركسي ـ اللينيني "تحت نيران العدو" الذي يرتكز إلى محاربة الإنطواء في صفوف مناضليها والإنعزال عن الجماهير، إنسجاما مع أسس بلورة الإستراتيجية الثورية الجديدة في أوساط الجماهير في علاقتها ببناء الحزب الثوري المغربي وحددت لذلك مبدأين أساسيين :

1 ـ أن الجماهير هي التي تصنع تحت القيادة السياسية و الإديولوجية للبروليتاريا.
2 ـ هذه القيادة يحققها الحزب الماركسي-اللينيني, كنواة قائدة للطبقة العاملة والجماهير الثورية.

و خلصت المنظمة إلى أهمية العلاقة الجدلية بين القيادة السياسية و الممارسة البروليتارية في العلاقة بين القيادة و الجماهير الشعبية التي تنبثق منها هذه القيادة و باستمرار، و تقول الوثيقة :

" ليس هناك "قادة" يمتازون بامتلاك المعرفة ويقدمونها للمناضلين ونستنتج أيضا أن تكوين منظمة ماركسية-لينينية في قلب نضال الجماهير وفي قلب ممارستها الثورية هو وحده الذي يسمح, حتى من خلال هجمات العدو, بإعداد خط سياسي صحيح يدفع بدوره إلى بروز مقاتلين جدد وكوادر ثورية جديدة من وسط هذه الجماهير."

و أكدت منظمة "إلى الأمام" على أن تحقيق الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية لا يمكن أن يتم إلا عبر الديمقراطية البروليتارية التي تقودها دولة ديكتاتورية البروليتاريا ، ففي ظل الأزمة لا يمكن فقط ممارسة الهجوم على العدو بل يجب كذلك تعلم علم "التراجع الصحيح" كما قال لينين عن دور الحزب البولشيفي بعد أزمة 1907، مما طرح أمام المنظمة كيفية بلورة "التراجع الصحيح" في ظل وجوب استمرار المعركة خاصة و أن المنظمة في طور التكوين والتأسيس في الوقت الذي يجب عليها الإلتحام بالجماهير الشعبية ، و اعتمادا على انتقاد لينين لتجربة الحزب البولشيفي في لحظة الأزمة في علاقته بالجماهير الشعبية الثائرة غير القادرة على قيادة الثورة و استمراريتها بدون الحزب الثوري، تقول الوثيقة :

" و لكن هل يمكن أن نتصور أن تتراجع قيادة أركان حرب تاركة الجيش يتدبر أمره وحده؟ هل نتصور قيادة أركان حرب لا تنظم التراجع؟ إن هكذا لا يعني معرفة وإتقان التراجع, ولكنه وبكل بساطة عدم تحمل مسؤولياتها."

و أكدت المنظمة أن التخلي عن النضال في أوساط الجماهير الشعبية بدعوى الأزمة لا يمكن اعتباره إلا خيانة تاريخية للثورة المغربية ، و استندت المنظمة إلى تجربة الحزب الشيوعي الصيني في مسألتي "التراجع الإستراتيجي" و "الدفاع و الهجوم الإستراتيجي" التي أوضحهما ماو تسي تونغ.

و استخلصت المنظمة قواعد النضال الثوري من خلال دراسة التجربتين الروسية و الصينية بأسلوب الدياليكتيك الماركسي المنافي للتصور الميكانيكي للعمل بتجارب الشعوب ، مما يتطلب دراسة الواقع الموضوعي السياسي و الإقتصادي للثورة المغربية لاستخلاص استراتيجية العمل السياسي في علاقته بالعمل العسكري لتجاوز الأزمة ، في العلاقة الجدلية بين استراتيجية الثورة و استراتيجية التنظيم التي حددتها المنظمة في مباديء التنظيم الثوري كما يلي :

- المبادئ اللينينية للحزب الثوري.
ـ كيف ترتبط الإستراتيجية الثورية في المغرب باستراتيجية التنظيم.
- كيف ترتبط استراتيجية التنظيم بمبادئ الدفاع الإستراتيجي المذكورة سابقا.

و أكدت المنظمة على المباديء اللينينية للحزب :

- تنظيم الثوريين المحترفين والمتجذرين داخل نضال الجماهير, هي الدعامة التي يقوم عليها الحزب.
- إن منظمة الثوريين المحترفين تتكون من مناضلين انبثقوا من نضال الجماهير في سيرورة مرتبطة جدليا بإعداد الخط السياسي للحزب وانطلاقا من هذه الممارسة الثورية الجماهيرية نفسها لا من خلال تكوين إيديولوجي داخل حلقة مغلقة.
- إن الحزب ليس منظمة الثوريين المحترفين المتفوقين على الجماهير, كما يدعي تقديم ما العمل في الطبعة الفرنسية لسلسلة كتاب الجيب Livre de poche بل إن الحزب مجموعة مكونة من منظمة الثوريين المحترفين إضافة إلى المناضلين الماركسيين اللينينيين في المنظمات الثورية الجماهيرية.
- من هنا بالذات, ومن خلال هؤلاء المناضلين, فإن الحزب يرتبط ويندمج(...) بالمنظمات الجماهيرية, في نفس الوقت الذي يقودها على مستويات مختلفة من الوعي الثوري, ويتغذى منها.

و ارتكزت المنظمة في منظورها لبناء الحزب البروليتاري على المنظور الماركسي اللينيني انطلاقا من أعمال ماركس في نقده لفيورباخ في الأطروحة الثالثة و ما أضافه لينين لها من توضيحات في أطروحته خطوتان، و ركزت المنظمة على أهمية توسيع الحزب الثوري الذي يجب أن لا يبقى محصورا على المناضلين الثوريين المحترفين انطلاقا من تأكيد لينين على حاجة الحزب للمنظمات الأكثر و الأقل توسعا على السواء ، في ظل بلورة العلاقة بين السرية والعلنية في العمل داخل :

ـ منظمات الثوريين المحترفين.
ـ منظمات عمالية موسعة.
ـ منظمات عمالية مرتبطة بالحزب.
ـ منظمات غير مرتبطة بالحزب.

و اعتمدت المنظمة في تحليلاتها لاستراتيجة الثورة المغربية على النظرية الماركسية اللينينية التي تؤكد على ضرورة "تحريك كل طبقات الشعب" من أجل رفع الوعي الثوري لدى الطبقة العاملة ، ذلك ما يتطلبه بناء الحزبي الثوري المغربي في بلد تشكل فيه الطبقة العاملة أقلية من سكان المدن مما يستوجب طريق "حرب التحرير الشعبية" كطريق للثورة المغربية ، الشيء الذي يتطلب إنطلاق النضال الثوري بالبوادي و المدن مما يساهم في تنمية الوعي البروليتاري من خلال بناء "الجبهة الثورية للعمال و الفلاحين" التي تساهم في بناء قيادة ثورية بروليتارية ، إعتمادا على الدياليكتيك الماركسي في العلاقة بين الثوريين المحترفين و جبهة العمال والفلاحين بانتقال الوعي من المثقفين إلى العمال و من العمال إلى الفلاحين ، تقول الوثيقة :

" ومرة أخرى فإن بناء جبهة ثورية كهذه وبناء قيادة بروليتارية, ليس بناء آليا, أكاديميا : إعطاء العلم من المثقفين إلى العمال ومن جماهير العمال إلى جماهير الفلاحين, هذا البناء هو تحريك دياليكتيكي للعناصر المتقدمة أكثر التي تتأصل و تتجذر اليوم موضوعيا داخل قوى الشباب وداخل مجموع الجماهير الثورية في البلاد, أي داخل جماهير الفلاحين وفي نفس الوقت داخل الطبقة العاملة."

و ألحت المنظمة على أهمية "المنظمات الثورية للشباب المدرسي" من طلبة و تلاميذ المرتبطين بالطبقة العاملة بالمدن و البوادي ، في رفع الوعي الثوري لدى جماهير العمال والفلاحين ، مما يجعل منظمة الثوريين المحترفين تستمد نموها من نضالات هذه المنظمات الثورية الجماهيرية التي يتم توجيهها من طرف الماركسيين اللينينيين للمساهمة في فرز العمال و الفلاحين و البورجوازية الصغيرة المتقدمة ، و من خلالها يتم تغذية منظمة الثوريين المحترفين في إطار الإستراتيجية الثورية لبناء الحزب الثوري في علاقته بإنجاز الثورة المغربية ، إذ ليس فقط بالتكوين النظري يمكن فرز العمال و الفلاحين المتقدمين بل كذلك باندفاع النضال الجماهيري العفوي في العلاقة بين النظرية و الممارسة ، إذ لا يجب على الثوريين المحترفين اعتبار أنفسهم فوق الجماهير و تحويل أنفسهم إلى معلمي و مربي جماهير العمال والفلاحين بل يجب كذلك أن يتعلموا من النضالات الجماهيرية العفوية كما يقول لينين ، و اعتبرت المنظمة الجريدة ذات أهمية قصوى باعتبارها "المنظم الجماعي" كما يقول لينين بجعلها أداة تربط العلاقة بين منظمة الثوريين المحترفين والمنظمات الثورية الشبابية و العمالية ، تقول الوثيقة :

" وضرورة جعلها أداة لتوجيه نضالات الجماهير , ولتكوين الكوادر البروليتارية في نفس الوقت, وذلك بالاندماج في الحركة الماركسية اللينينية, بالوصول إلى منظمة الثوريين المحترفين والمناضلين العمال والمناضلين المنحدرين من الشبيبة المدرسية."

و بعد هجوم الأوليغارشيا الكومبرادوية على مناضلي الحركة الماركسية اللينينية المغربية بالقمع والإعتقالات التي مست بعض قياداتها ، ركزت منظمة "إلى الأمام" على بلورة هذا المنظور الجديد لبناء الحزب الثوري المغربي وقف إستراتيجية ثورية جديدة تعتمد العمل السري في علاقته بالعمل العلني ، بالصمود أمام آلة القمع البوليسية من طرف المناضلين الماركسيين اللينينين بالعمل على بلورة المنطلقات الثورية في أوساط جماهير العمال و الفلاحين ، وحددت المنظمة أسس العمل السياسي الثوري في ظل القمع الشرس للنظام الكومبرادوري فيما يلي :

1- بأنه في الوقت الذي نركز فيه مجهوداتنا لبناء حركة ثورية صلبة, فإن من المستحيل تجنب على الدوام أي اعتقال في صفوف المنظمات الماركسية اللينينية كيفما كانت درجة إثقان هيكلتها العضوية.
2 - بأن قدرة الرفاق على الصمود , كشرط أساسي لكي تكون الضربات التي يوجهها العدو محدودة, متعلقة مباشرة بتجذرهم داخل الجماهير, المصدر الوحيد والعميق للقوة وللثقة في الإيديولوجية الثورية.
3- بأنه بقدر ما تكون المنظمات الماركسية- اللينينية متجذرة داخل الجماهير؛ حتى إن كانت هذه الجماهير في المرحلة الراهنة- متكونة من الشباب الثوري؛ بقدر ما يتكون مكافحون ثوريون جدد وكوادر ثورية جديدة, والتي تأتي لتخلف الرفاق الذين سقطوا في المعركة, ولتقدم هذه المعركة إلى الأمام رغم ضربات العدو.
4 - بأن الرفاق الذين اعتقلهم العدو ليسوا لهذا السبب ضائعين من المعركة؛ ففي سجون العدو تنصهر كما كتب هو شي منه نفسه من سجنه سنة 1931, الطليعة التي يمنحها الشعب ثقته, ففي يوم ما سيخرج نضال الشعب هؤلاء الرفاق من السجن, وأن الخمس سنوات من سجن الأشغال الشاقة التي قضاها معظم كوادر الحزب الشيوعي الفيتنامي من سنة 1931 إلى سنة 1936 تظهر اليوم جد قصيرة بالنسبة للتاريخ المظفر للثورة الفيتنامية.

4 ـ الأسس المادية لتوحيد الماركسيين اللينينيين

و كان توحيد الماركسيين اللينينين من المشاغل الأساسية لمنظمة "إلى الأمام" على اعتبار أن المنظمة الثورية الموحدة هي الكفيلة ببناء الحزب الثوري المغربي ، و سلكت في ذلك أسلوب النقاش مع المنظمتين الماركسيين اللينينيتين "23 مارس" و "لنخدم الشعب" سعيا إلى بناء استراتيجية ثورية موحدة في علاقتها باستراتيجية بناء الحزب الثوري .

و تشكل وثيقة "من أجل بناء خط ماركسي لينيني لحزب البروليتاريا المغربي" أهم الوثائق التي تناولت علاقة المنظمة بالفصائل الثالث من أجل ضبط الخلافات الأيديولوجية و السياسية و تجاوز وضعية التشرذم للإرتقاء بالحركة إلى مستوى التوحيد ، و ركزت المنظمة على الصراع المنظم الديمقراطي بين الفصائل الثلاثة إلا أن الإنتهازية اليمينية لقيادة "23 مارس" دفعتها إلى طرح هذا الصراع جماهيريا من أجل الوضوح الأيديولوجي والسياسي ، من لكشف الخط التحريفي اليميني داخل الحركة الماركسية اللينينية و محاربته للمساهمة في بناء الخط الثوري للحركة الماركسية اللينينية المغربية ، و اعتبرت المنظمة أن الصراع الأيديولوجي والسياسي ليس مع منظمة "23 مارس" نفسها إنما ضد الخط التحريفي اليميني داخلها ، مما يستوجب ربط العلاقة مع قواعدها المرتبطين بالخط الماركسي اللينيني و جرهم إلى النضال المشترك جماهيريا ، من أجل عزل الخط الإنتهازي اليميني داخل الحركة الماركسية اللينينية و وضع أسس توحيد الماركسيين اللينينيين بتوضيح الخط الثوري للثورة المغربية في العلاقة بين الإستراتيجية الثورية و استراتيجية بناء الحزب الثوري.

و وضعت منظمة "إلى الأمام" المباديء الأساسية للنقاش المنظم الديمقراطي كما يلي :

1 ـ النقاش النزيه والهادف وتجنب كافة الأساليب الخاطئة والحلقية، النقاش الذي ينطلق من المفاهيم الأساسية ليصل إلى القضايا العملية.
2ـ إشراك مجموع قواعد المنظمتين بصورة فعالة في هذا النقاش مع حق إبداء آرائها بدون التقيد بالمواقف الرسمية.
3ـ إحترام الإلتزامات المشتركة والعمل على الحفاظ على روح الوحدة والإتفاق وعدم اللجوء إلى الابتزاز والتزييف.
4 ـ الإنطلاق من التجارب العملية لكل منظمة في النقاش الجاري وفي تدعيم المواقف.
5 ـ النقد الذاتي كسلاح فعال بيد الماركسيين اللينينيين في تجاوز الأفكار والممارسات الخاطئة .
6 ـ خلق الشروط لتدعيم الممارسة المشتركة، وهذا العمل يمكن أن يتم في مجرى النقاش، وليس بعده، على أساس التحاليل السياسية الموحدة ومهام محددة، وعلى الرفاق أن يعيروا هذه المسألة الإهتمام الكافي، إذ تسمح بتوفيــر مناخ نضالي ورفاقي يساهم في تطوير النقاش الديمقراطي المنظم، ويسمح بممارسة القناعات والمواقف، ويخدم مهمة النضال ضد الحكم.
7 ـ ضرورة توفر برنامج متكامل للتوحيد حالما يتم قطع الشوط الأساسي في النقاش الديمقراطي المنظم، يحدد المراحل المتتالية لعملية التوحيد بشكل علمي.

و تشكل النقاط الثماني عشرة الواردة في مسألة الحزب بهذه الوثيقة الأطروحة المتكاملة لبناء حزب بروليتاري ثوري مغربي ، باعتبار أن بناء الحزب البروليتاري الماركسي اللينيني يشكل مهمة مركزية داخل الحركة الماركسية اللينينية المغربية مما يتطلب تحديد الخط السياسي الثوري للماركسيين اللينينيين المغاربة ، وكانت الأطروحة المقدمة في وثيقة "لنبني الحزب الثوري تحت نيران العدو" المرتكز الأساسي للمنظمة في ظل القمع الشرس المسلط على الماركسيين اللينينيين ، و المناقض لنظرية منظمة "23 مارس" التي تدعو إلى "بناء الحزب في السلم" و"نظرية الأطر" و"الخط الداخلي" التي اعتبرتها المنظمة نظرية بورجوازية ، و بناء الحزب الثوري يتطلب النضال الكفاحي الثوري في أوساط جماهير العمال و الفلاحين المنسجم مع الأطروحة الماركسية اللينينية ، و تقول الوثيقة :

"هذا الحزب الثوري المنشود هو حزب البروليتاريا الطبقي، يضم الفصيل الطليعي من البروليتاريا، الفصيل المنظم والمسلح بعلم الماركسية اللينينية، ويقود التحالف العمالي الفلاحي ومجموع الجماهير الكادحة في جميع مراحل النضال، في الهجوم والتراجع، وقد أكدنا على النضال الدفاعي في حالة هجوم العدو المتواصل الذي ينهج نظام الحسن- عبد الله- اللدليمي ببلادنا، لأن الانحراف اليميني يقوم بتنظير انكماش الثوريين في حلقات التكوين النظري في حالة هجوم العدو وتراجع الجماهير الغير المنظم، إن على الحزب الثوري أن يحتفظ بارتباطه بالجماهير في جميع مراحل النضال وفي أحلك الشروط و أشدها قسوة، وان يكون هيأة الأركان العامة التي تقود العمليات الحربية لجيشها، ولا تنفصل عنه لحظة، مهما كان هذا الجيش صغيرا، ومهما كانت الظروف التي يقاتل فيها."

و أكدت المنظمة على دور الطبقة العاملة في القيادة الطليعية للحزب الثوري المغربي مما يتطلب التركيز في بناء الحزب البروليتاري الثوري أولا على تأسيس نواة حزبية بروليتارية تستند إلى العمال الصناعيين والمنجميين بالمدن و البوادي ، و أكدت الوثيقة على أسس الهوية الطبقية للحزب البروليتاري الثوري باعتبار الماركسية اللينينية أيديولوجية الطليعة الثورية و وضعت المباديء الأساسية لذلك كما يلي :

ـ لأن الحزب الثوري هو حزب البروليتاريا الطبقي، هو الفصيل الطليعي المنظم من البروليتاريا ومسلح بالماركسية اللينينية، وقيادة البروليتاريا ليست مسالة نظرية فقط ، بل هي مسألة عملية، فلا يمكن تصور الحزب الثوري بدون هوية طبقية فعلية.
ـ لأن البروليتاريا هي الطبقة الثورية حتى النهاية، التي يؤهلها واقعها الموضوعي لقيادة الثورة، في مرحلة النضال ضد الامبريالية، إلى النهاية وانتصار الثورة الوطنية - الديمقراطية- الشعبية والسير بها بخطى ثابتة نحو الاشتراكية.
ـ لأن البروليتاريا المغربية بما تملك من تقاليد نضالية راسخة ما يقرب من أربعين سنة قد أظهرت جدارتها واستحقاقها لقيادة الثورة، سواء في معركة التحرر الوطني ضد الاستعمار المباشر أو في النضال الوطني الديمقراطي ضد الاستعمار الجديد.

و انطلاقا من تجربة النضال الثوري للفلاحين ضد الإستعمار المباشر و النضال الثوري للطبقة العاملة المغربية بالمدن المنحدرة أصلا من البوادي في علاقتهما بانتصارت المقاومة و جيش التحرير ، فإن المد الثوري للجماهير الشعبية بعد الإستقلال الشكلي/الإستعمار الجديد لم يتوقف إلا بعد انحراف الحزب الشيوعي المغربي الذي ترك الطبقة العاملة المغربية تحت رحمة الأوليغارشيا الكومبرادورية و البورجوازية الوطنية ، و رغم التحريفية الإنتهازية نمت شرورط الإنطلاقة الثورية للجماهير الشعبية من جديد في ظل الإستعمار الجديد في المدن منذ 1963 ، و حددت المنظمة أسس العمل الثوري في أوساط الجماهير العمالية كما يلي :

ـ الاندماج بنضالات الطبقة العاملة العفوية والاقتصادية والعمل على قيادتها، ووضعها في اتجاه جذري.
ـ التركيز على المراكز البروليتارية الأساسية التي تؤهلها شروطها الموضوعية لبلورة نواة البروليتارية صلبة.
ـ القيام بالتحقيقات في أوضاع الطبقة العاملة و نضالاتها، واستخراج الدروس منها.
ـ دمج الماركسية اللينينية بنضالات الطبقة العاملة ونشرها على أوسع نطاق.
ـ تكوين أطر البروليتاريا صلبة و ثوريين محترفين يشكلون النواة البروليتارية.
ـ بناء اللجان العمالية كإحدى أدوات إنجاز هذه المهام.

و اعتبرت المنظمة أن بناء الحزب الثوري لا ينتهي عند تأسيس نواة بروليتارية بل يتعدى ذلك إلى بناء تحالف العمل و الفلاحين إذ يعتبر الفلاحون القوة الثورية الأساسية في الثورة المغربية ، و تعتبر القيادة البروليتارية ذات أهمية قصوى في جعل قوة الفلاحين جبارة و بدون الطليعة البروليتارية الثورية تكون هذه القوة الجبارة فارغة من مضمونها الطبقي ، كما لا يمكن للأطر الثورية تحقيق هذا العمل بالإرتباط الميكانيكي بالطبقة العاملة إنما في العلاقة الجدلية بين العمل بالمدن و البوادي بالإرتباط بجماهير العمال و الفلاحين ل"خلق نقاط ارتكاز تشكل انطلاق العمل الثوري في الفلاحين وفي البادية عموما" كما جاء في الوثيقة ، التي اعتبرت المثقفون الثوريون أساس تغذية الأطر الثورية لبناء نواة طليعة ثورية ، و تقول الوثيقة :

" إن المصدر الأساسي للأطر في الشروط الراهنة وللحركة الماركسية اللينينيية هم المثقفين الثوريين، من حركة الشبيبة المدرسية بدرجة أولى ، و يشكلون الوسيلة الأولى مرحليا في عملية بناء الطليعة البروليتارية، إن الشبيبة المدرسية هي المعبر عن الوعي الحسي للجماهير الكادحة، وتشكل أداة حاسمة في نشر الماركسية اللينينية، و انحدار أوسع جماهير الشبيبة المدرسية من العمال و الفلاحين يشكل ميزة هامة في هذا المجال، ولهذا فهي تفرز المثقفين الثوريين المرتبطين عضويا بالجماهير الكادحة. لكن الأمر يقتضي بلترة سائر المثقفين الثوريين، الذين يبقون من الرغم من ذلك معرضين لتأثير الإيديولوجيات الرجعية و البرجوازية السائدة في المجتمع، بواسطة الاندماج بنضالات الجماهير الكادحة و التشبع بخط الجماهير و بالماركسية اللينينيية، ذلك هو ما نقصده بمفهوم إعادة التربية."

و أكدت المنظمة على دور المثقفين الثوريين في بلورة الفكر الماركسي اللينيني في أوساط جماهير العمال والفلاحين ، إنطلاقا من الممارسة البروليتارية التي يجب أن ترتكز إلى التصور الماركسي اللينيني للممارسة العملية في علاقتها بالنظرية الثورية ، التي تحث على الإنصهار في أوساط الجماهير و التعلم من تجاربها الخاصة التي تبنيها انطلاقا من حركاتها العفوية التي يجب توجيهها من داخل الطبقتين ، دون اعتبار المثقفين الثوريين فوق الطبقات و لعب دور المعلم المربي بل توجيهها من صلب هاتين الطبقتين بقيادتها الطليعية ، و تقول الوثيقة :

" إن دور المثقفين الثوريين لا زال كبيرا، لكنه بغية عدم السقوط في النخبوية و التحريفية، ينبغي عليهم الانخراط في الممارسة مع الجماهير الكادحة و التعلم منها، من أجل التخلص من رواسب المعرفة الرجعية والبرجوازية والتربية التي يتلقونها في مجتمع الاستعمار الجديد، وينبغي إعادة تربيتهم في سياق نضالهم من أجل بلورة الطليعة البروليتارية، ذلك أن المربي هو نفسه في حاجة إلى تربية."

و أكدت المنظمة على أهمية توحيد الماركسيين اللينينين في إنجاز مهمة بناء الحزب البروليتاري الثوري إنطلاقا من تحدي الخط السياسي الثوري عبر التحليل الملموس للوضع السياسي الراهن ، و الذي يرتكزا إلى العمل المشترك بين الفصائل في أرض الواقع و قيادة المعارك الجماهيرية في الوقت الذي يشكل فيه النقاش المنظم الديمقراطي بينها المرتكز الأساسي للوضوح الأيديولوجي و السياسي و التنظيمي ، و تقول الوثيقة :

" في مسألة التوحيد توجد بيننا اتفاقات باستثناء ما أشرنا إليه ، بالإضافة إلى عدم إعطاء الرفاق الأهمية البالغة لمسألة بناء علاقات نضالية مشاركة ، على أساس رؤية موحدة للوضع السياسي في كل مرحلة وللمهام التي يتطلبها ، إن ذلك سيشكل وسيلة أساسية لتحقيق المزيد من التقارب الإيديولوجي و السياسي وممارسة القناعات الموحدة وتدعيمها ، وتمتين جبهة النضال ضد الحكم الرجعي ، ولهذا ندعو الرفاق إلى إعطاء هذه المسألة أهميتها البالغة ، وذلك ما ننهجه حتى مع رفاق "23 مارس" لمصلحة النضال ضد الانحراف اليميني ذاته وتصفيته."

و نظرا لأهمية إستراتيجية بناء الحزب البروليتاري الثوري المغربي في علاقته بالإستراتيجية الثورية وتوضيح الطريق الثوري ، عملت المنظمة على وضع المباديء الأساسية لعمل الحزب البروليتاري الثوري المغربي كما يلي :

ـ المركزية الديمقراطية : القائمة على جدلية الطليعة والجماهير، و توفير منظمة حديدية وموحدة الإرادة والفكر والممارسة ، وتفتتح مجال الانتقاد و الابتكار ، ومتدفقة الحيوية ، على أساس وحدة الانضباط على جميع المستويات ، وينبغي ممارسة المركزية الديمقراطية مع الجماهير وذلك من خلال جدلية المنظمة و التنظيمات الثورية الشبه جماهيرية و المنظمات الجماهيرية.
ـ النقد والنقد الذاتي داخل المنظمة و أمام الجماهير.
ـ القيادة الجماعية : عبر ضرب كافة أشكال تسلط الفرد و المبادرات الفردية اللامسؤولة ، إن هذا المبدأ يجسد مفهوم البروليتاريا للعالم على صعيد الممارسة التنظيمية.
ـ الانضباط البروليتاري الصارم والموحد على كافة المستويات.

يتطلب تطبيق هذه المبادئ الشروط التالية :

ـ تعزيز الطابع البروليتاري للمنظمة و بلترة الأطر.
ـ تشديد التثقيف النظري والصراع الإيديولوجي الهادف، التطبيق المتواصل لخطها و انتقاده و إنمائه، التطهير المستمر للمنظمة من كافة العناصر المنحرفة والمتفسخة والمرتدة وتجديد دمائها باستمرار.

و حددت منظمة "إلى الأمام" أساليب العمل السياسي الثوري في علاقته بالعمل العسكري في نقطتين أساسيتين في هذه الوثيقة و هما "الجبهة الثورية الموحدة" و "العنف الثوري" ، اللتان سطرت فيهما المهام الثورية للحزب البروليتاري الثوري المغربي التي ترتكز إلى السيطرة على السلطة السياسية و الإقتصادية والعسكرية ، إنطلاقا من تحقيق الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية في ظل الديمقراطية البروليتارية كمرتكز أساسي للبناء الإشتراكي في ظل دولة ديكتاتورية البروليتاريا.

و أكدت المنظمة في وثيقة " الوضع الراهن والمهام العاجلة للحركة الماركسية اللينينية" على اختياراتها الثورية التي بلورتها في وثيقة "مسودة حول الإستراتيجية الثورية" ، فبعد تحليل الوضع السياسي و الطبقات المتصارعة في علاقتها بالثورة المغربية المرتبطة بالثورة العربية والعالمية ، تمت بلورة مفهوم العلاقة بين "الإستراتيجية الثورية" و "العنف الثوري" في النقطة المتعلقة ب"الإستراتيجية الثورية و العنف الثوري" إنطلاقا من "برنامج الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية" ، المرتكزة على "الحرب الشعبية الطويلة المدى" التي تم وضع أسسها في وثيقة المسودة عبر دور "القواعد الحمراء المتحركة" المنبثقة من "التحالف العمالي الفلاحي" المرتبط ب"القيادة البروليتارية الثورية" ، مما يطرح أمام الحركة الماركسية اللينينية المغربية مهمة توحيد فصائلها في منظمة موحدة تشكل نواة الحزب البروليتاري الثوري في علاقتها بالعمل السياسي الثوري في أوساط الجماهير ، و تقول الوثيقة :

"وإذا لم تستطع تحقيق هذه القفزة المطلوبة بشكل حاسم، في الشروط الجديدة للوضع الراهن، الذي يتطلب تحولا جديدا في مختلف مستويات العمل الثوري، السياسية والإيديولوجية والتنظيمية، فإنها تعجز عن القيام بدورها في عملية انبثاق الأداة الثورية، التي هي بالدرجة الأولى عملية اندماج الطليعة الثورية المنظمة بحركة الطبقة العاملة أولا، ومجموع الجماهير الكادحة، وهي عملية كفاحية شاملة، تتطلب خطا إيديولوجيا وسياسيا وتنظيميا سديدا. إن الحزب الثوري هو حصيلة هذا الاندماج، فهو يتأسس و يتدعم كقيادة عامة لكفاح الجماهير، من خلال تقدم هذا الكفاح نفسه وتعمقه. ليس بناء الحزب الثوري عملية تتم خارج كفاح الجماهير بشكل سلمي وهادئ، وليس الحزب الثوري معطى سابقا على الحركة الجماهيرية أو نتيجة لها، إنه منتج ونتيجة لها في نفس الوقت، يتصلب وينصهر في عنف الكفاحات الشاقة للجماهير الكادحة."

الفصل الثالث

الوضع الراهن و بناء الحزب البروليتاري الثوري المغربي

1 ـ الوضع الراهن من منظور الأماميين الثوريين

يتميز الوضع السياسي و الإقتصادي عالميا بما يلي :

ـ تصاعد الهجوم الإمبريالي في ظل تداعيات الأزمة المالية الحالية و سقوط الشعارات الكاذبة للإمبريالية من قبيل " العولمة و الديمقراطية و حقوق الإنسان " و تخليص العالم من الفقر و القهر ...
ـ فرض أشكال استعمارية جديدة على البلدان التابعة و ضمنها البلدان العربية و المغاربية (العراق، لبنان، فلسطين).
ـ دور الشركات الإمبريالية العابرة للقارات و البنك العالمي و صندوق النقد الدولي في السيطرة على ثروات الشعوب المضطهدة و الإستغلال المكثفة للطبقة العاملة تحت شعار "تحرير التجارة العالمية" و إنشاء "المناطق التجارية الحرة".
ـ تزايد تناقضات الدول الإمبريالية فيما بينها خاصة بعد صعود الصين كدولة اشتراكية إمبريالية و روسيا والهند.
ـ تصاعد وثيرة الإنتفاضات الشعبية المغاربية و العربية رغم محاولات الإمبريالية و الرجعبية العربية لاحتوائها.
ـ تصاعد الرفض الشعبي بالدول الإمبريالية إلى حد بروز إنتفاضات شعبية بالمراكز الإمبريالية العالمية و على رأسها أمريكا.

إن السيرورات الرئيسية لتطور نمط الإنتاج الرأسمالي في مرحلته الإحتكارية (الإمبريالية) يحددها قانون :

ـ ضمان أقصى حد من الريع المالي عن طريق استغلال الطبقة العاملة في المراكز الرأسمالية و استعباد و نهب منهجي لثروات الشعوب المضطهدة و إطلاق الحروب و عسكرة الإقتصادات الوطنية للبلدان الرأسمالية.

و النتيجة إمتداد التناقضات بين الإمبرياليات و بين مختلف المجموعات المالية و البنكية و الشركات الإمبريالية العابرة للقارات.

إن قانون التطور اللامتكافيء للرأسمالية (القانون العلمي الذي اكتشفه لينين) يعمل باستمرار على تعميق هذه التناقضات المتجلية في الصراع الدائم بين الإحتكارات و الإمبرياليات المختلفة من أجل اقتسام العالم و الأسواق وخيرات الشعوب و الدول التابعة ، و من نتائج هذا الصراع :

ـ إحتداد دائم للتناقضات الإقتصادية و السياسية للدول الإمبريالية و تنامي النزاعات الشوفينية و العنصرية والفاشية و معاداة السامية و بث النزاعات العدوانية ضد الشعوب الأخرى ، و صعود اليمين الفاشي و البورجوازيات الإمبريالية و تنامي عسكرة الإقتصاد الوطني ، و الدخول في حروب ضد الشعوب و احتلال بلدان و بروز أشكال استعمارية جديدة.

ـ إحتداد التناقضات الطبقية و الوطنية و القومية ، و يتجلى ذلك من خلال :

ـ تزايد الإستغلال المكثف لقوة العمل و تراكم القيمة الزائدة و الأرباح الفاحشة في أيدي الطغمة المالية الإمبريالية التي أحكمت هيمنتها المطلقة على الرأسمال الصناعي و التجاري.
ـ هيمنة المضاربات المالية الطفيلية على حساب الإنتاج الصناعي و الزراعي.
ـ التحكم في سوق العمل و تحديد قيمة الأجور و الأسعار و نشر العطالة و حماية الرأسمال بفرض سياسات الخوصصة و قوانين رجعية تضرب في الصميم كل المكتسبات التاريخية التي حققتها الطبقة العاملة بكفاحاتها المريرة ضد استغلال الرأسمال.
ـ تصاعد النهب الإمبريالي بدعم من البورجوازيات الكومبرادورية و البيروقراطية للدول التابعة على خيرات الشعوب المضطهدة و الإستغلال المكثف للطبقة العاملة في هذه البلدان ، مما يساهم في تنامي الفقر و البلترة المستمرة للفلاحين و فئات واسعة من الجماهير الشعبية.

مع انفضاح الأوهام و الأكاذيب التي تسوقها الدوائر الإمبريالية حول "الأعمال الصغرى الحرة" و "المنافسة الحرة الجالبة للرخاء و الديمقراطية للجميع" في ظل "العولمة و الديمقراطية و حقوق الإنسان" ، بعدما تم القضاء على الإشتراكية حسب زعما ليصبح العالم يسير في اتجاه وحيد : "إتجاه الرأسمالية المنتصرة"، إلا أن الوقائع العنيدة تكفلت بتكذيب هذا الخطاب "النيوليبرالي" الرجعي ، و ما بروز الأزمة المالية العالمية نتيجة المضاربات العقارية و الهيمنة الإمبريالية على الرأسمال المالي العالمي إلا دليل ساطع على صحة الأطروحات الماركسية اللينينية حول الرأسمالية وتناقضاتها و مستقبلها.

إن التناقض الأساسي في ظل الرأسمالية الإحتكارية (الإمبريالية) هو تناقض جوهري بين الطابع الإجتماعي للإنتاج و الشكل الرأسمالي الخاص للإمتلاك (appropriation) ، و يصل هذا التناقض مداه في ظل المرحلة الإمبريالية تحت وقع قانون الإنخفاض الميولي للربح (la loi de la baisse tendoncielle du taux de profit) .

إن تنامي التناقضات الإمبريالية و احتداد التناقض بينها و بين شعوب الأرض المضطهدة يثبت صحة الأطروحة اللينينية حول إمكانية نجاح الثورات في إحدى الحلقات الضعيفة للسلسلة الإمبريالية ، و ذلك تحت تأثير قانون التطور اللامتكافيء للرأسمالية الشيء الذي أثبت صحة ثورة أكتوبر 1917 المجيدة و الثورة الصينية بقيادة الرفيق ماو تسي تونغ و ثورات القرن 20 الإشتراكية.

إن الإمبريالية بالفعل كما أكد لينين هي عشية الثورة الإشتراكية و الثورات الوطنية الديمقراطية في البلدان التابعة ، و لذلك يظل الإتجاه العام (رغم فترات الجزر النسبي) هو الثورة كما أكد ذلك ماو تسي تونغ.

إن ما يعرفه العالم الآن من تحولات اقتصادية و سياسية يؤكد الدور الحاسم للطبقة العاملة و أحزابها الشيوعية الثورية (في البلدان الرأسمالية و البلدان التابعة) في الصراع الدائر الآن من أجل القضاء على الإستغلال و الإضطهاد الإمبرياليبن و تحقيق الإشتراكية و الإستقلال الوطني و بناء الديمقراطية الشعبية.

و على المستوى الوطني

ـ إتساع دائرة التراكم الرأسمالي الكومبرادوري المرتبط عضوا بالرأسمال الإمبريالي و ظهور طغمة مالية قوية تعمل باستمرار على تنمية الطابع الطفيلي للإقتصاد الوطني ، عن طريق المضاربات العقارية و استنفاذ استغلال الثروات الطبيعية من مناجم و صيد بحري و تصفية المؤسسات الوطنية المالية و الصناعية و الفلاحية و الإستحواذ على المال العام و تبذيره ، و السيطرة على أجود الأراضي و الغابات و أراضي الجماعات السلالية عن طريق الأجهزة الإدارية للكومبرادور و السماسرة و المجالس القروية ، مما حول الأراضي الجماعية إلى ضيعات و محميات خاصة بالبوادي و مجموعات سكنية بضواحي المدن.
ـ إستمرار تطبيق السيايات الإقتصادية و الإجتماعية و المالية المملاة من صندوق النقد الدولي و البنك العالمي وتنامي أزمة التعليم الطبقي و الصحة و الشغل و السكن ، و اكتواء الجماهير الشعبية بنار الأسعار المرتفعة باستمرار وضعف الأجور و أزمة التنقل و تنامي الرشوة.

و من نتائج هذه السياسات اللاوطنية و اللاديمقراطية و اللاشعبية :

ـ الطرد المستمر للعمال و العاملات بالمدن (لاسمير ، صوماكا ، السكر و الشاي ، التبغ ...) بعد تصفية جل المعامل الوطنية و تفويتها إلى الرأسمال الإمبريالي و حليفه الكومبرادوري.
ـ طرد العمال المنجميين و تصفية جل المناجم (جبل عوام ، جرادة ، إيميني ، خريبكة ...) و تفويت استغلالها للشركات الإمبريالية و الكومبرادورية.
ـ تهميش المشاريع الإنتاجية و التركيز على رأسمال الريع و انتعاش المضاربات العقارية و تصفية المكاتب الوطنية (البريد ، المحافظة العقارية ، الكهرباء ، الماء ...) و خوصصتها.
ـ إحداث وكالات و شركات لنهب الأموال (وكالة المحافظة العقارية ، وكالة مياه الري ، وكالات و شركات التعمير و الإتصالات ...).
ـ تفويت أراضي صوديا و سوجيطا و تسليمها لكبار الرأسماليين الكمبرادوريين و الملاكين العقاريين الكبار والسياسيين الإنتهازيين من خدام الكمبرادور و حاشيته ، و القيام بطرد العاملات و العمال الزراعيين و ذلك جنبا إلى جنب مع الإستيلاء على أراضي الفلاحين الذين تحولوا إلى عبيد الرأسمال الكمبرادوري فوق أراضيهم ، كما يقوم النظام الكمبرادوري بتأسيس تعاونيات فلاحية و جمعيات السقي لذر الأموال لصالح الرأسمال و السماح بانتشار شركات القروض الصغرى لاستنزاف قوة عمل ما تبقى من الطبقات الشعبية و خصوصا المرأة بالبوادي و المدن.
ـ تفويت قطاع الخدمات للشركات الإمبريالية (النقل الحضري ، الصرف الصحي ، الماء ، الكهرباء ...) و طرد العمال و العاملات و حرمانهم من حقوقهم الإقتصادية و الإجتماعية.
ـ إتساع دائرة القمع المسلط على الحركات الجماهيرية بكل فصائلها (عمال ، فلاحون ، طلبة ، معطلون ، نساء ...) و تزايد المحاكمات التي تقام للمناضلين الطلبة و الحقوقيين و المعطلين و الصحافيين و الفلاحين و النساء و الزج بالعديد منهم في سجون النظام الكمبرادوري.
ـ رغم خيانة القيادات النقابية البيروقراطية المساهمة في ضرب الكفاحات العمالية (توقيع إتفاق فاتح غشت 1996 ، إتفاق 30 أبريل 2003 ) تمرير سياسة "السلم الإجتماعي" على حساب المكتسبات التاريخية للطبقة العاملة وذلك بعد مصادقتها على مدونة الشغل الرجعية و تلاقي الرشاوى على ذلك ، و مناورات و ديماغوجية القوى الإصلاحية التي التحقت بما يسمى "حكومة التناوب" في 1998 و قامت على إثرها بتنفيذ كل بنود سياسات النظام الكمبرادوري بما فيها المصادقة على قوانين من قبيل "قانون الأحزاب" و قانون "مكافحة الإرهاب" ... تنامت الحركات الجماهيرية على امتداد السنوات الأخيرة في مختلف مناطق البلاد دفاعا عن حقوقها المشروعة و عن مكتسباتها التاريخية و عن أراضيها و عن حقها في التعليم و الصحة و الشغل و السكن و غيرها من الحقوق الإقتصادية والإجتماعية.

و من أبرز هذه النضالات :

ـ النضالات العمالية بمناجم إيميني و جبل عوام و جرادة و خريبكة ضد الإغلاق و طرد العمال.
ـ نضالات العمال الزراعيين خاصة بعد تصفية صوديا و سوجتا و طرد العمال و العاملات (أولاد تايمة ...) ونضالات العمال الزراعيين بشتوكة أيت بها ضد الطرد و الإضطهاد ...
ـ الإنتفاضات الشعبية الثورية (الحركة الطلابية بقيادة الطلائع الثورية في كل من مراكش ، أكادير ، فاس ، وجدة و غيرها) و النضالات المتقدمة التي تخوضها جماهير المعطلين في مختلف مناطق البلاد بقيادة الجمعية الوطنية لحاملي الشهادات المعطلين بالمغرب(ANDCM) .
ـ نضالات حركة 20 فبراير رغم محاولة الديمقراطية البورجوازية الصغيرة لاحتوائها و عرقلة تحقيق الإنتفاضة الشعبية.

إن الإستغلال و القمع و الطرد و الإضطهاد و كل سياسيات النظام اللاوطني و اللاديمقراطي و اللاشعبي تؤجج النضالات و تزيدها اتساعا ، إلا أن اتساع هذه النضالات الجماهيرية و تعدد أساليبها النضالية تظهر مدى استعداد الجماهير للنضال و تلقي على عاتق الثوريين مهاما جسيمة للنهوض بالدور التاريخي الملقى على عاتقهم.

فالحركة الجماهيرية رغم حجمها و اتساع رقعتها تظل تجتر معها العديد من النواقص و السلبيات منها :

ـ بقاء وعيها حسيا رغم حجم تطور الصراع الطبقي الدائر بالبلاد.
ـ ضعف التنسيق فيما بينها مما يجعلها عاجزة عن تحقيق مطالبها رغم جسامة التضحيات.
ـ في ظل غياب حزبها الطبقي الثوري (الحزب اللبروليتاري الثوري) تظل عاجزة عن بلورة ممارسة نضالية ثورية لعدم قدرتها على التحليل و التأطير و التنظير و التركيب للتجارب النضالية و دروسها ، مما يؤكد أهمية أداتها الإعلامية ومنبرها الدعائي التحريضي.
ـ إنتشار السلوكات ما قبل الرأسمالية في أوساط الطبقة العاملة و الفلاحين و المسلكيات الليبرالية في أوساط البورجوازية الصغيرة (الإنتهازية ، الإرتزاق ، الوصولية ) و خصوصا لدى الفئات المثقفة.

إن هذه العراقيل و غيرها تضع الماركسيين اللينينيين المغاربة أمام مسؤولياتهم التاريخية في العمل من أجل إنجاز المهمة المركزية المتمثلة في بناء الحزب الشيوعي الثوري ، و ذلك عبر انغراسهم داخل الفصائل المتقدمة للحركة الجماهيرية (طبقة عاملة ، شبيبة مدرسية ، فلاحون ، معطللون ...) و العمل على فرز قيادات مناضلة ثورية من صلب الطبقة العاملة و ترسيخ التحالف العمالي الفلاحي و المساهمة في بلورة الوعي الطبقي في صفوف الجماهير الكادحة ، عبر تحديد و تدقيق مصالحها الطبقية و حلفائها و أعدائها الطبقيين و تسطير البرنامج النضالي وفق استراتيجية ثورية ، مما يطرح في الواجهة إشكالية النظرية الثورية التي تتقدم من و بموازاة مع تقدم نضالات الطبقة العاملة و حلفائها و يعمل الماركسيين اللينينيين على بلورتها.

إن فشل الأحزاب الديمقراطية البورجوازية الصغير في مواجهة تحالف البورجوازية الكومبرادورية والملاكين العقاريين و بقايا الإقطاع ما هو إلا نتيجة طبيعتها الإصلاحية و ممارساتها الإنتهازية ، التي نتج عنها خلق بيروقراطية نقابية تستغل النضالات العمالية خدمة للإصلاحية الإنتهازية مما أدى إلى شتات الطبقة العاملة و حصر نضالاتها في المستوى الإقتصادي ، فبعد انشقاق حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية عن حزب الإستقلال في 1959 الذي أدى إلى الإنشقاق النقابي توالت الإنشقاقات الحزبية الإصلاحية و توالت معها الإنشقاقات النقابية التي تهدف إلى كسر القوة النضالية الكفاحية للطبقة العاملة.

و أمام الأوضاع السياسية و الاقتصادية المزرية للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء والكادحين تطرح الضرورة التاريخية لبناء مقاومة شعبية ضد الرأسمالية الإمبريالية و حلفائها بالمغرب ، و لن يتأتى ذلك إلا عبر نضال الطليعة الثورية في صفوف الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و البورجوازية الصغيرة الثورية ، و الذي يوازيه الصراع الأيديولوجي و السياسي داخل الحركة الماركسية اللينينية من أجل توحيد الماركسيين اللينينيين و بناء منظمتهم الثورية في أفق بناء الحزب البروليتاري الثوري.

2 ـ الأسس المادية لبناء الحزب البروليتاري الثوري المغربي

إن الوقوف على الشروط المادية لتأسيس الحزب البروليتاري الثوري المغربي يتطلب تناول القضايا السياسية والجماهيرية المطروحة في الساحة السياسية والجماهيرية بارتباطها بتغيير الوضع السياسي و الجماهيري على المدى القريب و المتوسط و البعيد إنطلاقا من:

ـ النضال الثوري و بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الشعبية.
ـ الممارسة الديمقراطية البروليتارية المرتبطة بتقرير مصير الشعب المغربي.
ـ النضال ضد هجوم الرأسمالية الإمبريالية على الثروات الطبيعية والتراث التاريخي والحضاري و الثقافي للشعب المغربي.
ـ محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة السياسية والإقتصادية و الإجتماعية.
ـ إقرار الحقوق المشروعة للطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين وخاصة منها الحق في الشغل القار والحق في الأرض والماء و استغلال الثروات الطبيعية والحق في الصحة والتعليم والسكن.
ـ إقرار الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية ودسترة الأمازيغية كلغة رسمية.
ـ النضال من أجل الوحدة السياسية والاقتصادية للشعوب المغاربية.
ـ مساندة الشعب الفلسطيني و الشعوب المضطهدة و النضال من أجل تحريرها من الامبريالية و الصهيونية والرجعية العربية.
ـ دعم الإنتفاضات الشعبية المغاربية و العربية و ترسيخ الروابط بينها و بين الحركة الإجتماعية الإحتجاجية العالمية.

إن السياسات الطبقية في الهيكلة الجديدة للنظام الكومبرادوري قد أفرزت الأحزاب و الطبقات التي تعبر عنها كالتالي :

ـ الأحزاب الإدارية البورجوازية الليبرالية ذات الارتباط الوثيق بالمشروع السياسي للنظام الكومبرادوري وهي وليدة حقبة القمع الأسود وتعبر عن مصالح البورجوازية اللبرالية و الملاكين العقاريين.و البورجوازية البيروقراطية.
ـ الأحزاب الإصلاحية المنحدرة من الحركة الوطنية ذات الارتباط بالنظام الكومبرادوري وهي وليدة النضال الثوري من أجل الاستقلال في مرحلة الاستعمار القديم ، و التي تخلت عن مصالح الطبقات الشعبية التي كانت تعبر عنها ، وتلعب اليوم دور الوسيط في استمرار النظام الكومبرادوري وتضم في صفوفها طبقة البورجوازية البيروقراطية و الملاكين العقاريين و البورجوازية المتوسطة.و الصغيرة.
ـ الأحزاب المنشقة عن أحزاب الحركة الوطنية ذات الارتباط النسبي بمصالح طبقة البورجوازية المتوسطة والصغيرة وهي تعترف بالنظام الكومبرادوري كضرورة تاريخية و تتبنى الاشتراكية الشوفينية.
ـ أحزاب الديمقراطية البورجوازية الصغيرة و هي أحزاب صغيرة ذات الارتباط بالنظام الكومبرادوري بشكل من الأشكال ، وهي إصلاحية الطبع و انتهازية الممارسة ، و هي لا تملك خطا سياسيا واضحا واستراتيجية واضحة ، وتضم في صفوفها البورجوازية المتوسطة والصغيرة و تتبنى الماركسية في مرجعيتها و تتنكر للماركسية اللينينية.
ـ الأحزاب الإسلاموية التي تحمل المشاريع الأصولية ذات الارتباط بالنظام الكومبرادوري وهي تلعب دورها في تكريس الوضع السائد ، و تعمل على تكريس الوضع بنشر الفكر الأصولي المعادي للتحرر و الديمقراطية في أوساط الجماهير.
ـ فصائل و حلقات الماركسيين اللينينيين في الحركة الطلابية و حركات المعطلين و الحركات الإجتماعية الإحتجاجية الجماهيرية و ضمنها حركة 20 فبراير.

إن المطلع على الخط والاستراتيجية السياسيين للأحزاب الديمقراطية البورجوازية الصغيرة يلاحظ أنها تذهب في اتجاه الاعتراف المطلق أو الضمني بمشروع النظام الكومبرادوري خاصة في القضايا المركزية (النظام ، الرأسمالية، الصحراء، الأمازيغية) ، و الذي يتناقض ومصالح الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين ، مما يضعها في تناقض مع مشروع بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الشعبية ، ذلك ما يتجلى في الشعارات التي تروج لها في حركة 20 فبراير.

إنطلاقا مما سبق ذكره يعتبر بناء الحزب البروليتاري الثوري المغربي التعبير السياسي الناجع الذي تتطلبه المرحلة وذلك لعدة اعتبارات منها :

ـ إحتواء النظام الكومبرادوري للأحزاب البورجوازية الليبرالية و الديمقراطية البورجوازية الصغيرة و تسخيرها لبلورة مشروعه السياسي و الإقتصادي الطبقي.
ـ حاجة الجماهير الشعبية لبناء الحزب البروليتاري الثوري الذي يعبر عن مصالحها في ظل هجوم الرأسمالية الإمبريالية على مكتسباتها التاريخية.
ـ جميع الطبقات البورجوازية لديها أحزابها التي تعبر عنها وعن مصالحها إلا الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين.
ـ الديمقراطية البروليتارية هي الكفيلة بالقضاء على الفوارق الطبقية و لا يمكن تحقيقها إلا في ظل الحزب البروليتاري الثوري.
ـ اليسار الماركسي اللينيني الثوري المغربي باعتباره امتدادا للحركة الماركسية اللينينية الثورية المغربية وخاصة منظمة "إلى الأمام" لا تنسجم تصوراته و مرجعياته الأيديولوجية والسياسية إلا مع ما تطمح إليه الطبقات الشعبية من تغيير لأوضاعها المزرية.

لذا على اليسار الماركسي اللينيني الثوري المغربي ، وبالانسجام مع ظروف نشأته والأهداف التي تأسس من أجلها و باعتباره متشبثا بالإمتداد التاريخي للحركة الماركسية اللينينية و خاصة منظمة "إلى الأمام" فكرا وممارسة ، أن يأخذ ما تم ذكره بعين الاعتبار في اتخاذ القرار السياسي المناسب للمرحلة التاريخية ، والذي يجب أن يشكل فيه بناء الحزب البروليتاري الثوري المهمة المركزية باعتباره تنظيما سياسيا جماهيريا كفيلا بتحقيق الديمقراطية البروليتارية.

لقد وضع لينين الأسس النظرية للحزب الثوري الضروري في إنجاز الثورة الديمقراطية البروليتارية كضرورة تاريخية في عصر الإمبريالية ، لكون الإضرابات الجماهيرية الذي أكدت عليها روزا لكسمبورغ قد تم تجاوزها خلال الثورة الديمقراطية البورجوازية الروسية في 1905 كتمهيد للثورة الديمقراطية البروليتارية في 1917 ، و أن إخفاق الثورة الروسية الأولى ناتج عن ضعف الحزب البروليتاري الثوري ، لهذا لا يجب الخلط بين منظمة الثوريين المحترفين و منظمة العمال ، و ذلك للفرق الشاسع بين النضال السياسي و النضال الإقتصادي ، باختلاف منظمة الثوريين المحترفين عن منظمة العمال كمنظمة مهنية واسعة و علنية ، بينما منظمة الثوريين تضم فقط الثوريين المحترفين الذين يتخذون في المهام السياسية الثورية مهمتهم الأساسية.

و يقول لينين :

" ينبغي لمنظمة الثوريين أن تضم بالدرجة الأولى وبصورة رئيسية أناسا يكون النشاط الثوري مهنتهم (ولذلك أتحدث عن منظمة الثوريين، وأنا أعني الثوريين-الاشتراكيين-الديموقراطيين). و حيال هذه الصفة المشتركة بين أعضاء مثل هذه المنظمة ينبغي أن يمحى بصورة تامة كل فرق بين العمال والمثقفين فضلا عن الفروق بين مهن هؤلاء وأولئك على اختلافها. ينبغي لهذه المنظمة بالضرورة أن لا تكون واسعة جدا، وأن تكون على أكثر ما يمكن من السرية ". كتاب : ما العمل ؟

انطلاقا مما سبق ذكره يتضح الجواب عن سؤال المرحلة : أي تنظيم سياسي نطمح إليه؟

والجواب واضح بطبيعة الحالة بالانسجام مع المرجعية الأيديولوجية و السياسية للماركسيين اللينينيين الثوريين المغاربة المرتبطين بمصالح الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين ، إذ إن جميع الطبقات سواء منها البورجوازية الليبرالية و الملاكين العقاريين و البورجوازية المتوسطة و الصغيرة لديها أحزابها التي تعبر عنها وعن مصالحها إلا الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين، فإلى متى ستبقى هذه الطبقات بدون حزبها البروليتاري الثوري الذي يقود الثورة المغربية ؟

سؤال مشروع يفرض نفسه اليوم وبإلحاح على اليسار الماركسي اللينيني الثوري باعتباره الإستمرار التاريخي للحركة الماركسية اللينينية و خاصة منظمة "إلى الأمام" التي وضعت أسس بناء الحزب الثوري المغربي ، بعد اختيار "طريق الثورة" عبر "حرب التحرير الشعبية" لإنجاز "الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية" ، و نحن اليوم نعيش في ظل ما تحقق من مكاسب بفضل نضال هذه الحركة العتيدة والذي يتجلى في الحق في الوجود والتعبير الحر عن هذا الوجود ، وينتظرنا مزيد من النضال من أجل بناء الحزب البروليتاري الثوري.

و بالارتكاز إلى الشروط الأساسية لبناء الحزب البروليتاري الثوري التي وضعها لينين يمكن بلورة تصور حول البناء التنظيمي الجماهيري للحزب البروليتاري الثوري الذي نطمح إليه و الذي يجب أن يرتكز إلى المحددات الأساسية التالية :


1 ـ وعي الطليعة الثورية ووفاؤها لمبادئ الثورة

إن الحديث عن الوعي خارج التحديد الماركسي اللينيني لمفهوم الوعي لا يمكن أن يكون إلا ضربا من الكلام ، وخارج المفهوم الطبقي للوعي لا يمكن الحديث عن الطليعة الثورية ، لذا فالصراع الطبقي مرهون بامتلاك الوعي الطبقي الذي يتم بلورته عبر التحليل الملموس لواقع الطبقات الاجتماعية ومعوقات بروز الوعي الطبقي لدى الطبقات الشعبية.

و تعتبر الطبقة العاملة من الطبقات الاجتماعية الأساسية التي تشكلها خاصة في المدن باعتبار نمط الانتاج السائد نمط إنتاج رأسمالي تبعي للإمبريالية ، وهو تبعي لأنه يخدم مصالح الرأسمال المركزي و يحمل في علاقاته سمات ما قبل- الرأسمالية ولا توجد بداخله طبقة بورجوازية وطنية ، لكون المتحكمين في الاقتصاد تحكمهم عقلية كومبرادورية تتعارض مصالحها ومفاهيم البورجوازية التي قطعت مع مصالح الإقطاع منذ زمن طويل.

وتشكل طبقة الفلاحين الفقراء والعمال الزراعيين بالبوادي الحليف التاريخي للطبقة العاملة المستقرة بالمدن والمنحدرة من البوادي ، والتي تربطها علاقات اجتماعية بالفلاحين الفقراء مما يجعل من البوادي السند النضالي للمدن.

وتعتبر تجربة النضال الثوري ضد الاستعمار القديم والذي تحالفت فيه البوادي والمدن بعد زمن من الفصل بينهما بعد القضاء على مقاومة الفلاحين الفقراء ، وتفكيك الملكية الجماعية للأراضي وتركيز الملكية الفردية الرأسمالية وبالتالي تفكيك نمط الإنتاج الجماعي وتركيز نمط الإنتاج الرأسمالي وسيادة علاقات الإنتاج الرأسمالية التبعية ، تعتبر تجربة تحالف المدن والقرى/الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء ضد تحالف الاستعمار والكومبرادور و الإقطاع من بين التجارب الرائدة والناجحة في تاريخ الصراع الطبقي بالمغرب.

لذا فالصراع القائم اليوم هو صراع طبقي على الرغم من أنه يحمل بداخله صراعات اجتماعية ذات صبغة ما قبل-طبقية ، نظرا لكون العلاقات الاجتماعية السائدة ليست بعلاقات اجتماعية رأسمالية محضة لكونها تحمل بداخلها علاقات اجتماعية ما قبل- رأسمالية وما يصاحبها من علاقات التبعية للرأسمال المركزي ، والتي تبرز تجلياتها أساسا لدى الطبقة العاملة والكادحين بالمدن مع الرأسماليين و لدى الفلاحين الفقراء والعمال الزراعيين في الصراع مع الملاكين العقاريين بالبوادي ، لكن بناء التحالف بين الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين سيقدم بشكل إيجابي الصراع الطبقي والذي يتطلب بناء الحزب الثوري .

2 ـ الإرتباط الثوري بالطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين

إن امتلاك الوعي الطبقي لدى الطليعة الثورية لا يكفي عندما يفتقد للممارسة العملية للمحترفين الثوريين المرتبطين جذريا بالطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين :

أولا عبر تنظيماتهم الذاتية للدفاع عن المصالح الطبقية لهذه الطبقات في إطار بناء تحالف بين هذه التنظيمات ، من أجل مواجهة الهجوم على مصالحها ومناهضة الانحرافات ومفاهيم البورجوازية والممارسات ما قبل-طبقية التي تبرز في الأوساط الشعبية ، و من أجل تطوير الوعي لديها للمرور إلى مرحلة الوعي السياسي والممارسة السياسية من الموقع الطبقي الذي تنتمي إليه هذه الطبقات.
ثانيا عبر الممارسة السياسية و المساهمة في بناء الحزب البروليتاري الثوري ، و تحمل المسؤوليات السياسية في هياكله لتطوير الوعي السياسي لديها من أجل امتلاك الوعي الطبقي الآداة الوحيدة الكفيلة لحسم الصراع لصالحها.

ولن يتم ذلك إلا في ظل سيرورة بناء الحزب البروليتاري الثوري التي يجب أن ترتكز إلى :

أولا النضال الثوري ، الذي تعتبر فيه الطليعة الثورية قائدة للصراع الطبقي في ظل وضوح الخط السياسي الذي يجب أن يهدف إلى إشراك أوسع الجماهير لبناء تحالف سياسي و جماهيري.
ثانيا استراتيجية الأفق الثوري لبناء المجتمع الاشتراكي بالارتباط الجذري بمصالح الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء والكادحين داخل حزبهم الثوري.

3 ـ سداد القيادة السياسية والخط و الإستراتيجية السياسيين

لبناء الحزب البروليتاري الثوري لابد من قيادة سياسية ثورية تملك الوعي الطبقي والنظرية الثورية اللذان يستمدان أسسهما من الماركسية اللينينية كفكر وممارسة ، واللذان يجب أن يرتكزا إلى العلاقة الأفقية العمودية بالجماهير بالارتباط اليومي بأوضاعهم وفق القراءة النظرية و الممارسة العملية للوضع السياسي و الإقتصادي القائم ، من اجل وضع الخط و الإستراتيجية السياسيين السديدين للنضال الثوري ، وذلك بالممارسة الديمقراطية البروليتارية الإطار الأساسي لفلسفة الحزب البروليتاري الثوري، لفتح المجال أمام الجماهير الشعبية للتعبير عن آرائهم وبلورة أفكارهم التي يجب أن يرتكز عليها بناء الخط و الإستراتيجية السياسيين للحزب البروليتاري الثوري.

وتعتبر حرية النقد و النقد الذاتي التي تعتمدها النظرية الماركسية اللينينية في الممارسة السياسية وفي التعامل مع قضايا الجماهير الشعبية والنضال من أجلها ، وبلورة الخط السياسي الثوري من أجل تحقيق الأهداف الإستراتيجية الثورية لبناء تحالف أوسع الجماهير الشعبية ، لحشد أوسع الجماهير للالتفاف حول الخط و الإستراتيجية السياسيين للحزب البروليتاري الثوري ، ولن يتم ذلك إلا باقتناع الجماهير بصحة الخط و الإستراتيجية السياسيين وبتجربتها الخاصة.

4 ـ اقتناع الجماهير بالخط والإستراتيجية السياسيين

تعتبر التنظيمات الذاتية للجماهير (النقابات و الجمعيات و التعاونيات) الحلقة الوسطى بين الحزب البروليتاري الثوري وأوسع الجماهير التي تناضل من أجل الدفاع عن مصالحها ضد الإمبريالية و تحالف الكومبرادور و الملاكين العقاريين ، و التي يجب أن يرتكز داخلها النضال الجماهريذي الأفق الثوري الذي يهدف إلى بناء تحالف جماهيري للطبقات الشعبية عبر هذه التنظيمات.

ويعتبر تواجد المناضلين الثوريين المحترفين المتشبعين بالنظرية الثورية والممارسة العملية أساسيا داخل هذه التنظيمات لبلورة الفكر الماركسي اللينيني في أوساط أوسع الجماهير ، و ذلك من أجل تنمية الوعي الطبقي لديهم و تحفيزهم لتبني الخط و الإستراتيجية السياسيين للحزب البروليتاري الثوري ، وذلك عبر النضالات الجماهيرية والحركات الاحتجاجية التي يجب أن يشارك في إقرارها وتنفيذها أوسع الجماهير لتعميق الوعي الطبقي لديهم ، و الذي يجب إدراكه من طرفهم وبتجربتهم الخاصة ، للانتقال من درجة النضال الجماهيري اليومي إلى الممارسة السياسية اليومية في أفق تحقيق الثورة المغربية في إطار الممارسة الديمقراطية البروليتارية.

ولن يتأتى ذلك إلا عندما تستطيع الطليعة الثورية أن تتغلغل في أوساط أوسع الجماهير وعلى رأسها الطبقة العاملة والفلاحون الفقراء ، والتي يجب أن تفرز قيادات ثورية تشارك في صنع القرار السياسي وبلورة الخط السياسي والاستراتيجية السياسية في أفق بناء المجتمع الاشتراكي.

5 ـ حشد أوسع الجماهير حول البرنامج العام الثوري

يعتبر البرنامج العام للحزب البروليتاري الثوري أهم المراحل التي يجب الانطلاق منها بعد التحليل السياسي الدقيقة للوضع العام ، ووضع الأهداف الأساسية ذات الأولوية السياسية و الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية انسجاما مع الخط و الاستراتيجية الثوريين ، بهدف حشد أوسع الجماهير للنضال من أجل تحقيق المطالب السياسية و الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية الملحة التي يجب أن تكون في صالح القوى الجماهيرية المتحالفة ، عبر التنظيمات الذاتية للجماهير بمختلف فئاتها في إطار تحالف سياسي ثوري .

إن النضال من أجل الدفاع عن القضايا الجماهيرية المطروحة في الساحة النضالية يجب أن يكون ذا أهداف واضحة تلامس معاناة أوسع الجماهير ، والتي يمكن أن ترتكز على قضايا الطبقة العاملة في شقها الاقتصادي والاجتماعي وقضايا الفلاحين الفقراء في حقهم في الأرض والماء والقضايا الثقافية واللغوية الأمازيغية...، إن بلورة البرنامج العام بالارتكاز إلى القضايا ذات الأولوية والتي تهم مصالح أوسع الجماهير يساعد على حشد تأييد قوى الجماهير الواسعة من أجل تبنيه والدفاع عنه والنضال من أجل تحقيقه ، مما يفتح المجال أمام الصراع الطبقي في ظل الديمقراطية البروليتارية بالانضمام إلى صفوف الحزب البروليتاري الثوري.

6 ـ المركزية الديمقراطية و الاستقلالية

إن الحزب البروليتاري الثوري لا يمكن أن يقوم بمهامه خارج النظرية الثورية التي ترتكز إلى الماركسية اللينينية فكرا و ممارسة ، وانطلاقا من الديمقراطية البروليتارية التي ترتكز إلى حرية النقد و النقد الذاتي ، عبر الممارسة العملية التي تحكمها العلاقات الاجتماعية الاشتراكية بقيادة الطليعة الثورية التي تمتلك صحة الخط والاستراتيجة الثوريين ، لفتح المجال أمام المركزية الديمقراطية لبلورة القرارات المصيرية شريطة أن تكون القيادة جماعية وتستجيب للتمثيلية القاعدية.

والديمقراطية الحقيقية ليست فقط مجرد انتخابات بل هي أيضا إمكانية التأثير الفعلي في السلطة ومراقبتها والمساهمة في القرار السياسي ، والديمقراطية البروليتارية هي سلطة الشعب الحقيقية التي يجب أن تؤطر العلاقات الاجتماعية وتحكمها المركزية الديمقراطية بعيدا عن الفهم البورجوازي للديمقراطية التي ترتكز إلى "المبادرة الفردية" و "الانتخابات" ، بل هي سيطرة الحزب البروليتاري الثوري على السلطة و بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الشعبية وبقيادة البروليتاريا ، في العلاقة الأفقية- العمودية أثناء اتخاذ القرارات السياسية في القضايا العامة والمصيرية التي تلعب فيها الأجهزة القاعدية دورا أساسيا في إقرارها و بلورتها ، وفي إطار استقلالية القواعد في إطار التوجهات العامة للحزب البروليتاري الثوري ، الذي تلعب فيه الهياكل القاعدية الحلقة الأساس لمتابعة وبلورة القرارات التي تم صياغتها وطنيا انطلاقا من العلاقة الأفقية- العمودية بين الأجهزة الوطنية و القاعدية ، و فتح المجال أمام الأجهزة القاعدية في علاقاتها مع الأجهزة المناضلين الثوريين المحترفين في اتخاذ القرارات السياسية في القضايا الجهوية و المحلية ، وفق البرنامج الجهوي و المحلي الخاص في ظل الأستقلالية النسبية التي تمنح القواعد قوة التأثير الفعلي في السلطة ومراقبتها والمساهمة في الإدارة الجهوية و المحلية في أفق منح سلطة الحكم الذاتي للمناطق و الجهات ، في إطار التكامل السياسي و الاقتصادي بين الجهات حيث تلعب الجهة الغنية دور السند للجهة الفقيرة.

خلاصـــــــة

تعتبر الماركسية اللينينية جوهر الدياليكتيك الماركسي و النظرية الحاسمة في فهم العناصر الأساسية للتناقضات التي تميز عصر الرأسمالية الإمبريالية ، و لا يمكن الوقوف عند حد هذه التناقضات إلا بفهم جوهر الدياليكتيك الماركسي ، الذي يبرز الأسس النظرية للمعرفة المادية لتطور الحركة الاجتماعية و تحديد أساسها الإقتصادي وفق قوانين التطور الاجتماعي ، هذه القوانين التي لا يمكن حذفها و تغييرا و هي تستمد وجودها من تطور الحركة الاجتماعية و التي استخلصها ماركس و انجلس في دراستهما لتطور المجتمعات البشرية و التكوينات الاجتماعية وبلورها لينين وفق شروط الحياة المادية في عصر الإمبريالية عبر تطوير الدياليكتيك الماركسي ، و التي ترتكز إلى مفهوم تاريخ البشرية الذي يرتكز في تطوره إلى الصراع بين القوى المنتجة الجديدة و علاقات الإنتاج البائدة باعتبار أسلوب الإنتاج الأساس المادي للتطور.
و يعتبر الاستعمار و الحرب الركيزتان الأساسيتان الملازمان للإمبريالية و لا يمكن لأي تطور هائل لوسائل الإنتاج أن يحقق الديمقراطية لأن الإمبريالية تسخر هذه الوسائل لاضطهاد الشعوب ، هذا ما نراه اليوم في "الحرب الإمبريالية الثالثة" التي بدأت منذ الحرب على العراق و التي تقودها الإمبريالية الأمريكية ضد جميع الشعوب بما فيها الشعب الأمريكي.

و ما يميز الإمبريالية اليوم عن الإمبريالية في عصر لينين هو الشكل أما المضمون فهو قائم لم يتغير و هو صفتا الحرب و الاستعمار الملازمتان لها ، فإذا كانت بريطانيا قائدة الإمبرياليات في عصر لينين فإن الإمبرياليات اليوم تقودها أمريكا منذ نهاية الحرب الإمبريالية الثانية ، أما من ناحية الشكل فإذا كانت السكك الحديدية هي وسيلة الإنتاج التي استعملتها الإمبريالية منذ سنوات 1890 و 1913 عبر العالم للسيطرة على الشعوب ، فإن وسائل الإنتاج التي تعتمدها الإمبريالية اليوم في بسط سيطرتها الاقتصادية و العسكرية هي الأسطولين الجوي و البحري و الطاقة النووية ، أما علوم الإعلاميات فما هي إلا أداة لخدمة وسائل الإنتاج المعتمة في السيطرة الإمبريالية على الشعوب ، أما إمكانيات الاستفادة من الإعلاميات من طرف الشعوب من أجل تطوير الديمقراطية فما هو إلا ضرب من الخيال لا يغدو إلا أن يكون تعبيرا عن أزمة الفكر لدى التحريفيين الإنتهازيين الجدد ، حيث أن المنطلق من الفكرة للوصول إلى الواقع ما هو إلى مسار الاتجاه المثالي للمعرفة التي لعبت دورا هاما في ركود المعرفة البشرية لعدة قرون خلت ، ذلك ما يتجلى في القول بأن الفتات التيكنولوجي في مجال الإعلاميات الذي تجود به الإمبريالية على الشعوب المضطهدة باستطاعته إسقاط الإمبريالية و بناء المجتمعات الديمقراطية البروليتارية.

و تعرف الحركة الاجتماعية في العصر الحالي تصاعدا ملحوظا خاصة بعد سقوط التجربة الاشتراكية بالإتحاد السوفييتي و هيمنة الرأسمالية الإمبريالية الأمريكية على العالم و فرض سيطرتها الأيديولوجية و هيمنتها السياسية والإقتصادية بالقوة العسكرية ، كما تعرف الحركة العمالية الثورية تصاعدا بعد الهيمنة على الاقتصاد العالمي من طرف الإمبريالية الأمريكية و حلفائها بفرض الاتفاقيات الدولية الرجعية على مستوى التجارة العالمية ، و ذلك بتركيز هيمنة الرأسمال المالي على الرأسمال الصناعي على المستوى العالمي و فرض علاقات إنتاج رجعية تضرب في الصميم المكتسبات التاريخية للثورة البروليتارية و إعادة تقسيم العمل ، و ترويج المفاهيم البورجوازية الرجعية للتمويه على أن الاشتراكية نظام لا يصلح للتطبيق و أن الرأسمالية طبيعة العلاقات الاجتماعية.

و انبهر التحريفيون الانتهازيون بمقولة "نهاية التاريخ" مشككين في النظرية الماركسية اللينينية التي تقر بالصراع الطبقي في ظل الإمبريالية باعتبار النظام الرأسمالي نظاما تناحريا لن تزول تناقضاته إلا بزوال التناقضات الاجتماعية و الطبقية ، و أخذوا يروجون لمفاهيم البورجوازية محاولين دحض الماركسية اللينينية محملين إياها أسباب سقوط التجربة الاشتراكية مدعين أنهم ماركسيين يجددون الماركسية ، و في انتقاداتهم العفوية يحاولون إسقاط فشلهم في فهم اللينينية على النظرية الماركسية اللينينية التي تهدف إلى تحطيم الإمبريالية و بناء المجتمعات الاشتراكية في طريق تحقيق الهدف الأسمى وهو المجتمعات الشيوعية ، محاولين تلفيق نتائج التحريفية الإنتهازية بالإتحاد السوفياتي للنظرية الماركسية اللينينية متنكرين لمبادئها الثورية ، و كذلك يفعل أنقاض تجربة الحركة الماركسية اللينينية المغربية الذين تملكتهم التحريفية الإنتهازية و انهاروا أمام الاكتشافات التيكنولوجية الحديثة مقرين أن ما يسمى بالعولمة قد تجاوز المنظور الماركسي اللينيني لعصر الإمبريالية.

إن ما تعرفه الحركة الماركسية اللينينة المغربية من دينامية يجعل أهمية تطوير مفهوم بناء الحزب البروليتاري الثوري المغربي ، بدءا بلورة الدياليكتيك الماركسي في أوساط الماركسيين اللينينيين خاصة منهم الشباب لرد الإعتبار للمادية التاريخية التي تتعرض اليوم لهجوم البورجوازية و التحريفية الإنتهازية ، عبر الأحزاب البورجوازية الليبرالية و الديمقراطية البورجوازية الصغيرة خدمة للرأسمالية الإمبرسيالية ضدا على مصالح البروليتاريا لوقف النضالات الجماهيرية و الحركات الإحتجاجية المتنامية و زحف الجماهير نحو التغيير ، مما يطرح على الماركسيين اللينينيين ضرورة النضال الجماهيري الثوري غير المنفصل عن النضال الأيديولوجي و السياسي لبلورة مفهوم التغيير في أوساط أوسع القواعد الجماهيرية ، التي يجب أنتنخرط في النضال الثوري الواعي لتقرير مصيرها انطلاقا من تجربتها الخاصة عبر تنمية وعيها الحسي مرورا بالوعي السياسي وضولا إلى الوعي الطبقي الأداة الوحيدة الحاسمة في التغيير ، و لن يتأتى ذلك بمعزل عن أهمية التنظيم الثوري الذي يجب أن تساهم في بنائه الجماهير بنفسها و بتجربتها الخاصة بقيادة الطليعة الثورية.