الأرضِيّة التّكتِيكِيّة للأُمَمِيّة الشُّيُوعِيّة ج.4


السموأل راجي
2011 / 11 / 16 - 20:38     

إنتِفَاضة العُمّال والشُّعُوب

تدْفَعُ الحركَة المُتّبعة والمُتواجد فِيها رأس المال إلى مُواصلَة الهُجوم ضدّ الطّبقة العَاملة وشُعوب البُلدان التّابعة. لكنّ تُبَيّن الوَقَائع أنّ الهَجَمات لم تكُن دُون رُدُود في أيّ بلدٍ ، بغضّ النّظَر عنِ الشّكل الذي إتّخذتهُ : تدفَعُ الرّأسماليّة والإمبريَاليّة الشُّعُوبَ إلى الهبَّات والإنتِفاضَة.
عندَما بدَأت الهجَمات ، واتّخذَت شكلَ مَوْجَةٍ عامَّةٍ في منتصف التِّسْعِينات ، وَجَدت الطّبقة العَاملة ومَعنويًّا وتَنظيمِيًّا في أَدنَى مُستَوَيَاتِها ، سواء كان ذلك على النِّطَاق الأمَمِيّ أو الوطَنِيّ . صدّقَت شُعُوب الأقطَار التّابِعَة والقَومِيّات والأقليّات العِرْقِيّة الوَاقِعة تحتَ سِيَاط القَمع في تلك البُلدَان ،مع إستِثنَاءَات قليلة ، الأكَاذِيبَ المَرْوِيّة حولَ مَزايا "نِظامٍ جدِيدِ" و "عَوْلَمَة" فَسَقطُوا في "وهم" التّصحِيح والإصلاح الإمبِريَالِيّ ليُعَدُوا جيرَانَهُم .

بِلاَ جِدالٍ ، كانت أوضاع الشّغِيلَة في تِلك الظَّرْفِيّة أسْوَأ بِكَثِيرٍ من اليوم ، على الرّغم من أنّ الفَترة نفسهَا لا تَزال حَاضِرَةً مِنْ عدّة نَوَاحِي. ليسَ هُناك شَكّ في أنّ الظُّرُوف في العَالَم تَطَوّرَت لِتُلاَئِمَ الحرَكة العُمّالِيّة والشّعبِيّة اليوم ، على الرغم من نقاط الضّعفِ المُستَمرّة والمُغَذِّية للخَسَائِر؛ وبعبارةٍ أخرَى ، تَزَعْزَع الوَهمُ الرّاسِخُ مُنذُ 1985 وأصبَحَ بإمكَان العُمّال الإِسْتِفَادةُ على الأقلّ من بَعض تَجارب السّنواتِ الأخِيرة.
في كُلِّ الأَقْطَار "المُتَقَدّمَة" ، يَجِدُ العُمّال أنفُسَهُم بَعِيدِين عن صِفَة "الوَاثِق والمُرتَاح" التي بشَّرَ بِهَا رُسُلُ اللّيبرَالِيّة ما قَبْلَ سَنوات 1990-1995؛ فإِلَى جَانب خَفض الأُجُور وتدهوُر ظُروف العَمل ، والتّهدِيد المُتزايِد للأَمنِ الوَظِيفِيّ ؛يَتَضَخَّمُ شُعُورٌ من إنْعِدام الثّقَةِ في رأسِ المال بين الشّغِيلَة وفِي "قُوّة" بُلْدَانِهِم بِمَا يُعَمّق قَلَقًا "أصبَحَ سِمَةَ مُمَيِّزَةً" مِحْوَرُهُ أنْ لاشَيْء باقٍ على حالِهِ دُون المسَاسِ بِه وعلى رأسِ القَائِمَة حُقُوقهم، على الرَّغْمِ من إنتَشَار مَسَائِل وإشْكَالِيَّاتٍ بينَ عُمّال هذه البُلدَان تُسْتَخدَم ضِدّ تَطوِير الحَرَكة مثل قضيّة تَزايُد أعْدَادِ العاطلين عن العمل أو مسألة العَمَالة الوَافِدة/المُهَاجِرة.
بالتَّوَازِي مَعَ إمْلاَءاتٍ لا تَنتَهِي مُرْتَبِطَةٌ بتَضَخُّم رأس المال المُتَمَتّع بِرُكُود الحَركة ، تُشِيرُ الوقائِع إلى أنّ الحَركَة العُمّالِيّة مُتَّجِهَةٌ صَوْبَ "الحرارة" في أُورُوبا وفِي المَقام الأَوّل في فرنسَا وإيطَاليا؛وفي حِينِ أنّ التَّصَادُم (10) بين العُمّال وحُكُومَات كِلاَ البَلَدَيْنِ يَتَسَارَع؛ يَتَنامَى في ألمانيا والقَلَقُ وإنعِدامِ الثّقة ؛ وحتّى في الدُّول الإسكَندِنافِيّة حيث يَبْدُو كُلّ شَيْءٍ مُسْتَقِرٍّ ،تنتشِر خيبَة الأمَل وشُعُور القَلق بين العُمّال رَاغِبِين في مَعْرِفَة مَصِيرِهِم و"أين يذهبون".
فَقَدَت الأحزَاب المُحَافِظة (conservateur) والإشتراكيّة الديموقراطيّة مِصداقيّتَها خِلاَلَ هذه الفَترَة الأخِيرَة من الهُجُوم. فالمُناقَشَات حول دُستُور الإتّحَاد الأُورُوبّي بإمْكَانِها أن تتَحَوّل لِمِنْبَر إستِقطابٍ سياسيٍّ جَديد ضِدّ الوِحْدَة الأُورُوبيّة ؛ والوَضعِيّةِ التي سَقَطَ فيها الإشتِراكِيُّون الدّيمُقرَاطِيُّون البريطانيّين والألمَان نَتِيجَة أَكاذِيبِهِم والمَوْقِف المَسؤُول للشّعْبِ الِإسْبَانِيّ ضدّ مُحاوَلةَ التّضْلِيل للحُكُومة اليَمِينِيّة ، هي عَلَامَاتٌ دَالّةٌ عَلَى "المَصلحَة السّياسيّة" للعُمّال.

من ناحية أخرى ، ودَاخِل الوِلايَات المُتّحِدة ، في مركَز الهُجُوم ذَاتِه ، تُحْرِزُ حركةٌ سياسيّةٌ شعبيّةٌ تَقَدُّمًا وتَشمَل مُختَلف الطّبقَات الإجتِماعِيّة ؛ فَلَقد تَجَاوَزت الحَرَكة ضدّ "القَانُون الوَطَنِيّ" (PATRIOT Act) الدّعْم المُقَدَّمِ فِعْلِيًّا من طَرَفِ مَجْلِسَيْ أَقَالِيم لِتَحْصل على إسْنَادِ 300 مَجْلِس بَلَدِيّ ؛ أمَّا حَرَكة المُعَارضة الفِكريّة ضدّ الحُرُوب والإحْتِلاَل فَقَد جَمَعَت أكثر من 40 ألف توقيعٍ . إثنَان من أكبر الإتّحَادَات العُمّاليّة ، قَامُوا ب"الخُطوة الأُولَى" في مُؤتَمَرِهم بإتّخَاذ قَرَار طَلب إنسِحَاب الوِلايَات الُمتّحدة مِنَ العِراق. بالإِضَافة إلى ذلِك ، فإنّ الوَقَائِع تُشير إلى مَسَارٍ جديدٍ مِن التّدَهوُر الإقتِصَاديّ ، وفي هذه الظروف ، إمكانِيّة التحرُّك العُمّالِيّ على قَاعِدة مَطَالِب إقْتِصَادِيّة وَارِدَةٌ جدًّا .
وعِلَاوة عَلى ذَلك ،لَا جِدال أنّ "مُطَالبَات" رَأس المَال بأُسبُوع عَملٍ يَصل إلَى 50 ساَعة وإمكَانيّة 73 ساعة (11) أو الإعفَاء الضَّرِيبِيّ الكُلِّيّ لِصَاحِب العَمَل والشَّرِكَات ، سَوفَ يُعَمّق الإستِياء العُمّالِيّ . تَبْدُو بُورجوازِيّة الأقطَار "المُتَقَدِّمة" وَاثِقَةً في الكثير من مُنْجَزَاتِهَا مثلَ البطَالة والتّهجير دُون أنْ تَأخُذ على مَحمَل الجِدِّ خَطَر تَفَكُّك البِيرُوقرَاطِيّة النّقَابِيّة و إنْبِعَاث لِجَان النّضَال دَاخِلَ المُؤَسَّسَات وإنْتِقَال النَّقَابَات لمُعَسْكَرات الكِفَاح لِتَبْزُغَ من جَدِيدٍ "إضرَابَاتٍ شَرِسَة". كُلّ المُؤشِّرَات تُؤكِّدُ أنّهُ في تِلك الأقْطَارِ "المُتَقَدّمة" الدَّافِعَة بالعُمّالِ إلى ظروفٍ بدائيّةٍ سَتَحْصُل "مفاجآت" في المُستقبلِ القَرِيب.

حالة البلدان التّابِعَة مَعْرُوفة ؛ فَلِمُوَاجهة عبء الأزمة و تَكَالِيفَ بَرامِج صُندُوق النّقد الدُّوَلِيّ وَقَعَ حِرَاكٌ هَامٌّ تصَاعُدِيٌّ وَصَل لمُستَوى إنتِفَاضَاتٍ جُزئِيّة. لكن هذه الأقطَار تَشْهَدُ رُكُودًا نِسْبِيًّا مَرَدُّهُ الإنْهَاكَ القَمْعِيَّ حِينًا، أو سِيَاسَة الإسْتِرضَاء المُتَّبَعَة من بعض الحُكُومَات الإصْلاَحِيّة الواصِلَة للسُّلطة حِينًا آخر .
ومعَ ذَلك ،لقد إستَمَرّ التّدهوُر الإقتِصَادِيّ وسَاءَت الظُّرُوف المَعِيشِيّة خلال السّنَوات الخَمس عشرَة المَاضِية. في هذِه الأَثْنَاء ، تَرْفُضُ الطّبقَات الُبرجوَازيّة المُتَعَاوِنَة/المافيَاوِيّة في هذِه الدُّوَل الإعتِرَافَ بأيّ حُقُوقٍ للعُمّال. فَعَلى سَبيل المِثال ، أخَذَ الهُجُوم على الطّبقة العَامِلة وجماهير الشَّغِيلَة في التّزَايُد حتّى في أَقْطَارٍ مثل المِكسيك والبَرازيل وتُركيا التي تَشْهَدُ نَوْعًا مِن "النُّمُوّ" الإقتِصَادِيّ : تُبَيِّنُ الإمْلَاءَات المَفْرُضَة علَيْهَا من رأسِ المَال العَالَمِيّ أنّ ظُرُوف المَعيشَة سوفَ تَزدَاد سُوءَا أكثر فَأَكثَر .
تُشِير المُعْطَيَات إلى أنّ هذِه البُلدَان ، لَا سِيّمَا الأَكثَر نُمُوًّا بَيْنَها ، قَد فقَدَت مَا يَقرُب مِن نِصفِ "الأُصُول الوَطَنِيّة"(national assets) وتَتَجَاوَز دُيُونها أَلْفَيْ مِليار من الدُّولاَرات. وعلاوة على ذلك ، فإن هذا الصِّنْفَ من الأقطار التَّابِعة ؛ الفَاقِد لأصُولِهِ والمُرتَمِيّ في مُستَنْقَعِ المديُونِيّة و"الأكثَر نُمُوًّا !"؛ وكمَا تَبَيَّنَ جُزْئِيًّا خلال الأَزمة الآسيوِيّة وتركيا (12) وأثنَاء الإنهِيَار الأرجُنتِينِيّ في أوَاخِر 2001 ،مُعظَم النّقَاط الأكْثَرَ إستراتيجيّةَ فِي إقتِصاديّاتهِ التَّابِعة و"الغنية !" مَمْسُوكَة مِن قِبَلِ مجموعاتِ رأسِ مالٍ إمبرياليٍّ ؛ وتَلْعَبُ هذِهِ المجمُوعات الرّأسمَالِيّة وحُكُومَاتها مع تِلكَ الأقطَار عبر التّلْوِيح ب"عَصَا الأزْمَة".
ما يَقْرُب مِن نِصف سُكّان البُلدَان التّابِعة "الغَنِيّة" ، وأكثر من نِصفِ سُكّان البلدان التّابِعَة "الفَقيرَة" يَعِيشُونَ تَحت خَطّ الفَقْر؛ ومُعْظَم الأقطَار الإفرِيقِيّة دُمِّرَت ومُسِحَت ؛ بَعض الدُّول الآسيويّة مِثل فيتنَام أو أمرِيكا اللاّتِينيّة أُنْهِكَت من الفَقرِ المُزمِن النَّاتِج عن إمْلاَءَاتٍ إنْتِقَامِيّة للإمبِريَاليّة. في معظم هذه الدُّوَل،فَاضَت الكُؤُوس أو كَادَت.
بِغَضِّ النَّظَرِ عن واقِع الخُضُوع الكُلِّيِّ والإصطِفَاف الطَّبَقِيٍّ،فإنّ "النّظام العَالَمِيّ" الرّاهن بِخُطّة "التّحرِير الإقتِصَادِيّ" المَطلُوبَة مِن قِبَل القُوَى الكُبْرَى ، لا تَتْرُك فُرصةً لتَحسِين الأوضاعِ (13) وتَنْمِيَةِ الشُّرُوط المَعيشِيّة لِشَغِيلَة هذه البُلدَان التَّابِعة المُحْتَضِنَة لِطَبَقَةٍ عَامِلةٍ أكبَر وأكثَر خِبرَة ، وليس هناك من سبب لتأجُّجِ حَرَكاتٍ عَفوِيّةٍ وإضرَابَاتٍ كُبرَى وأُخْرَى عَامّة وحتى إنتِفَاضَاتٍ شَعبِيّةٍ كما حَدَثَ في بُولِيفِيَا ( تشرين الأول/أكتوبر 2003).
ولكن من الخطأ تَوَقُّع أنّ كُلّ حِرَاكٍ عُمّالِيٍّ سَيَتَحَوّل بالضّرُورَة وفي أيِّ ظَرْفٍ لِحَركةِ مُقَاوَمة ؛ فَبِاستِطَاعة طَبَقاتِ رأس المال والحُكُومَات دَفْعَ التّحرُّكَات الجارية عَبْرَ التَّهْدِئة أو القَمع. يُمْكن أَن تَظهَر الحَرَكَة بِشَكلٍ أو بِآخَرَ في بلدٍ واحدٍ ، بينما في حالات أخرى تُخَدَّرُ عن طريق الإنتِخَابَات أو غير ذلك قَبْلَ حَتّى تَشكُّلِهَا ؛ ولا يُمْكِنُ إستِبعَاد هَذه الإحتِمَالاَت خُصُوصًا في الظُّرُوف الحاليّة.

مَا لاَ تَجَاوُزَهُ هُو الآتِي : إنّ الرّأسماليّة والإمبرياليّة تضتَوَرَّطُ أكثر فأكثَر فِي مُواصَلة هجَمَاتهم ؛ في المُقابِل، لا تَمْنَحَهُمَا الطّبقة العامِلة والشّعُوب التّابِعة على طَبَقٍ من ذَهَبٍ ما تحتاجَانِ إليهِ ،غَيْرَ قَابِلِين بالظُّرُوف المَعيشيّة المُقَدّمَةِ لهُم. لا يُمْكِن أنْ يَرقَى الشّكُّ لتنامِي الحركة الشّعبِيّة للطّبَقَة العامِلة لِتَتّخِذَ أَشكَالًا أكثَر تَطوُّرًا ، بَعِيدًا عن التَّمَشّي والمَسَار الذي ستتَّبِعُهُ.
في الختام ، فإنه لا يُمكِن بأيّ شَكلٍ مِن الأشكَالِ مَنْع نِضالاَت عُمّال الأقطَارِ "المُتقدّمة" و"المُتخلّفة" ، وكِفَاح شُعُوب البُلدَان التّابِعَة من التّطَوُّر لتُصْبِح ، في ظروف مُعَيَّنة ، تَصْفِيَةٍ نِهائيّةٍ للحِسَاب. لكن لا يمكنُ التّحدِيدُ والمَعرِفةُ سَلَفًا أين ستضَع الأزمَة أوزَارَهَا، وماهِيّة مَسَار الهُجُوم وتَمَشِّيهِ في كُلّ بَلَدٍ ، وكَيْفِيّة مُراكَمة ولأيّ درَجَةٍ من التّراكُم تُعْتَمَدُ لِتَشْكِيلِ عَنَاصر إنفِجَارٍ مُحتَمَلٍ ، ومكَان وآلِيّات تَمَظْهُرَات الإنتِفَاضة ؛ كَمَا لا يُمْكِنُ "التّكهُّن" بشأن مُمْكِنَات المُقاوَمة أو الخُضُوع في مُواجَهة الهجَمَات الأُولَى. ما هو أسَاسيٌّ يَكْمُنُ فِي حَقِيقَةٍ ثَابِتَةٍ هي: لا يمكنُ منع الفَصْل بين العُمّال ورأسِ المَال ،بين البُلدَان والإمبِريَاليّة ، وإن كان ذَلِك بِمَشَقَّةٍ كُبرى تكُونُ مَوْضِعَ تَرْحِيبٍ كُلِّيٍّ في النّضَالَات والمَعَارك.

الصّراع من أجل الهيمنة والتّشكُّل الحَتْمِيّ للكُتَل

كُتلة رأسِ المَال تَرَاكَمَت وتَرَكّزَت في البُلدان المُتَقَدّمَة بأحْجَامٍ هائلةٍ ، وتتَوَزَّعُ بين إقتِصَادِيّاتِها الكُبرى بِشَكْلٍ لامُتكَافِئ. في منتصف التّسعِينات وأوئل الألفِيّة الثّانِية، يُمكن القَوْل أنّ حركَة الرّسامِيل كَانت أكبَر في أقطَار الإتّحاد الأورُوبي ؛ فَوِفْقًا للأرقام المُصَرَّحِ بِها ، إستثمَرت الأقطَاب الإحتِكارِيّة الأورُوبيّة 1,218 مِليَار دولار في عَمَلِيّات شِراءٍ و "إعادة هيكلةٍ" للمُؤسَّسات. الأهم من ذلك ، وصلت إستِثْمَارَات المجمُوعات الأوروبيّة الإحتكاريّة في عَمَلِيّات إندِماج مُستَوى 1,478 مِليَار دولار ، وهُو ما يُعادِل في ذلك الوقت ، نِصف إجمَالي المَبَالغ المُستَثمَرة في العالم لعَمليّات الدّمْج . وَمَثّلت الرّسَامِيل المُصدّرة من الفضاء الجغرافِيّ الأورُوبّيّ للوِلايات المُتّحِدة بهَدَفِ التّوظِيف في عمليّات إندِمَاجٍ ما مجمُوعُهُ 265 مِليَار دُولار في الفترة 1999-2000، أي ثلاثة أضعاف أكثر ممّا كَان فِي الإتّجَاه المُعَاكس. وعلاوة على ذلك ،وإذَا ما تمّ إحْتِسَاب أكبر خمسة عمليّات دمجٍ، يُشكّلُ المُشترُون الأورُوبيُّون ثلاث مرّاتٍ العدد الإجماليّ للمُشترِين (14) .
هذا لا يعنِي بطَبيعَة الحَال تراجعًا حقيقيًّا لرُؤُوس الأموال الأمرِيكِيّة ؛ في المُقابِل، تمكّنت المجمُوعات الرّأسمالِيّة اليَابانِيّة على الرغم من الخسائر القليلة والأقطاب الإحتِكارِيّة الأوروبيّة مِن إستغلال ظَرْفِيّة الأزمة والرّكُود ، لتحقِيقِ نُمُوٍّ سَريعٍ. بالفعل في عام 1995 ، وفي حين أن عددا من الشركات الأميركية لم تُسَجِّل إرتِقَاءًا يُذْكَر مقارنة مع الوضع في عام 1990 ، حَقَّقت المجموعات اليابانية (37) والأُورُوبيّة (38) إختِرَاقًا كَبيرًا في قائمة أكبر 100 شركة في العالم.

كان لا بد للصّرَاع بين الدُّوَل والمَجمُوعات الإحتِكاريّة حَول الأسوَاق ومنَاطِق النُّفُوذ أن يَحْتَدّ ويتَعَمّق خاصّة مَعَ الخَلَل المُترَاكم (disproportionate market) سابقا ، ولكن أيضا بسبب التّكثُّف الرّأسمالِيّ (intensification) وهُوَ ما حَدَث فِعْلاً .



(يتبع)