الأرضِيّة التّكتِيكِيّة للأُمَمِيّة الشُّيُوعِيّة ج.2


السموأل راجي
2011 / 11 / 14 - 19:09     

إعادة غزو العالم

بيَّنَت الوَقَائِع أنّ مُحاولات الهَيْمَنة على العالم من قبل الدُّوَل الكبرى والمجموعات الإحتكاريّة يعني إندلاع قتال جديد تَعَمَّم وتَطَوَّر في إتِّجاهيْن ، بِطَبِيعة الحال على حِساب الطّبقات العاملة والشعوب؛ فَمِن جهة ، صراع بين الاحتكارات "الجَدِيدَة" على حصة من السوق مع نِيَّةِ ضَرب المنافسين بما في ذلك فوق مجالاتِ نُفُوذِهم وتدميرهِم وتحقِيقِ نُمُوّهم الخاصّ بشكل أسرع. من ناحية أخرى ، في اتصال مع هذه المعركة ، منطقة قتال "جديدة" حول المجال الحَيَوِيّ (أرض) ، بِمَا يُؤدِّي مع إتِّسَاع النِّطاق إلى زيادة القوة ،هدَفُهَا الموادّ الخام ، وإحتكار الطّاقة على مُستَوى الأسواق السّلطة وتَحويل هذه المناطق المُستَوْلَى عليها لِرأس حَرْبَة مُستَقْبَلِيّة.

أ) أعراض الإنهيار والتّفكُّك السّريع للإتّحاد السُّوفياتِيّ و"الكُتلة الشَّرقِيّة" ، قد خلقت أوْضَاعًا "جديدةً" في العالم. وإتّسَم هذا الوضع "الجديد" على الصّعيدَين الوَطنِيّ والدُّولِيّ (1)،مع اندلاع حركة صَهْر جديدة، بعمليّات دمج وتحديد مَوَاقع نُفُوذ في السُّوق العالميّة ، إلى درجة لم تتحقّق من قبل بين مجموعات رأس المال المُنتمِيَة إلى "البُلدان المُتقدّمة". الحقيقة هي : إن مجموعات رأس المال الأمريكيّة (2) والأوروبيّة واليابانيّة قد بدأت الصراع مع الجماعات الرّأسمَالِيّة الصَّاعِدة في أقطارِها ، وبطبيعة الحال وعلى وجه الخُصُوص، مع تلك الدُّوَل المُنَافِسَة عَلَى الأسْواق المَحليّة والمراكِز الرّئيسيّة (3) .

والواضح أنّ هذا التّطَاحُن والتّجاذُب والإنْدمَاج و"إبتِلاَع مُؤسّسات لتبرُزَ أُخرى"، لم يكُن نتيجة خياراتٍ إعْتِبَاطِيّة؛ فَإِضافةً لأنّ إحتِمال التوسُّع والهَيمنة يُذْكِي جِذْوَةَ حالة الدَّمْج والإستِيعاب ، فهُوَ مُرتَبِطٌ بشكل وثيق بإمْتِداد و شُمُولِيّة الحركة (4) في جميع القطاعات مع تكثيفٍ مُعَمَّمٍ لِرأس المال: صِرَاعٌ جَدِيدٌ-قديم بدأ بغضّ النّظر عن الصّلابَة الإقتِصَادِيّة لهذه اللّحظة،الغرضُ منه الإستيعاب للحَيْلُولَة دُون الإنهيَار،والنُّمُوّ بِهَدَفِ الصُّمُود في السّوق.

ب) كانت القُوى الكُبرى "مُوحّدَةً إلى الأبد!" في صُلْب الثّمانِية الكِبَار G8 ومَجلس الأمن التّابع للأُمم المُتّحِدة. لكنّ إنْهِيَار وتفكُّك المُعَسكِر الشّرقِيّ سَلَّطَ الضّوء على التّناحُر بين الجماعات الرأسماليّة والتّفاوُت في الحِصَصِ بينها؛وأصبَح من العَبَث القوْلُ أنّ الثّمانِية الكِبار G8 لا يزالُون في وِئَامٍ، فَفِي الإنتاج العالميّ ، كانت حصّة الإتّحَاد الأورُوبِّيّ الثُّلُث (1/3) رُبْعُهُ مُتَأَتٍّ من ألمانِيا ، واليابان 17 ٪؛أمّا رُوسِيا المُنهَارة، فلَديْها قاعدة واسعة للصّناعة والتّكنُولوجيا وجيش قوي؛ورغم هذه المُعطَيَات،فإنّ الوِلايات المُتّحدة الأمريكية تفرِضُ "الحلّ" الخاصّ بِها في كُلّ الأُمُور ،ولم تترُك لِبَقِيّة القُوى إلاّ الحقّ في العُوَاء الرّسمِي كُلّما تعلّق جدول الأعمال بإعادة توزيع الأسواق ومناطِق النُّفُوذ.
ومَثّل النِّزاع حول "وَضْعِيّة الشّرق الأوْسط" المُتَفَجِّر بعد الحرْب الأُولى على العِراق سنة 1991 ، مُؤشِّرًا حادًّا على عُمق التّضارُب بِشكْلٍ لا رِجعَةَ فيه ؛ومُنذُ ذلك الوقت ، أصبحت هذه الصّراعات المُتضَاعِفة بإرتِباط مع تطوّر موازين القِوى، إشْكَاليّاتٍ كُبْرى تُحدِّدُ على الدّوام جدول الأعمال.

باختصار ، كان لا بد لِعمليّة غزو العالم التي أشْعَلَها رأس المال العالَمِيّ أنْ تُؤدّي أولا إلى نِزَاعٍ من أجل إعادة توزيع حصَص السُّوق ومجالات النّفُوذ؛ وبعد ذلك إلى تَعَمُّقِهِ وتطوُّرِه لِخِلاَفاتٍ وتناقُضَاتٍ أشدَّ بين:-المجمُوعات الرّأسمالِيّة الإحتِكَاريّة
-الأقطار الإمْبِريَالِيّة.
أوّلاً ، التّفَاوُت (الذي يتجدّد بإستمرار مع تطوُّرٍ لامُتكَافِئ) المَوْجُود بين حَجم القُوى الفِعْلِيّ للمَجمُوعُات الإحتِكاريّة والأقطار وحصَصِها في الأسواق ومناطِق النُّفُوذ يَجُرُّ هذه الدُّول للدُّخُول في صِرَاع. ثَانِيًا ، الأزَمَات "الغير المُتوقَّعَة" ،القلق حول حُدُود القُوّة (الإقتصاديّة) الأمرِيكِيّة ،إستِبداد الولايات المُتّحدة وتَفَرُّدِهَا بالقرَار إستِنادًا لإفراطِها في العَسْكَرة:كُلُّها عَوَامِل تُؤدِّي إلى تسريع الصّراع المُتَجَدِّد حول التّقاسُم و التّوزِيع.


نِضَال الشُّعُوب المَقهُورة والطّبقَة العَامِلة

كان إعْتِبَار إنهِيار الإتّحاد السُّوفِيَاتِيّ و"الكُتلة الشّرقيّة" هَزِيمةً كبيرةً ، ذريعة لرأس المال العَالمِيّ للتّحرُّك ، ضدّ الطّبقة العاملة والشُّعُوب التّابِعة ، في هجوم إزداد بعد ذلك تدريجيا ليَأخُذ شكل مَوجَة عامّة. الأزمات المُتتالية التي بدت في البداية مُقْتَصِرَةً على المجالات الإقتصاديّة والإجتماعيّة ، وفواتير نزَاعات التّقاسُم بين الأقطَار والإحتِكارَات الإمبريَاليّة ، جَعَلَت من هذا الهُجُوم واسِع النِّطَاق ،يتّخِذُ خُصُوصِيّاتٍ سِيَاسِيّة في بعض البُلدان المُستَقِلّة والمناطق المُضطَرِبة. وتطلَّبَت الأوضَاع عملاً إرْهَابِيًّا ، مثل 11 سبتمبر 2001 ، لتكثيف الهَجَمات السّياسِيّة في كافّة أنحَاء العالَم، وعلى الفور، شكّلت هذِه الهَجَمَات "اللّيبرَالِيّة" حَافزًا للنّضال والمُقَاومة في أوساطِ العُمّال والشُّعُوب.

إستمرّ نِضَال الطّبقة العاملة والعُمّال والشُّعُوب التّابِعة بإعتِمادِ وَتيرَة الهَجَمات ، وتبلور بوصفه مُعادَلَة جَمْعٍ بين حَرَكَتيْن "مختلفتين" مرتبطتيْن إرتباطًا وثيقًا ، ولكن من وجهات مختلفة : أ) نضال (نقابيّ) العُمّال ضدّ الهجَمات الإقتصاديّة والإجتماعيّة ، وحماية المكاسب وإفتِكاك المَزِيدِ رُبَّمَا. ب) حركات من أجل السّلام والمُقاوَمة ذات طَابع وَطَنيّ (5) للدّفاع عن السّلام والإستِقلال والحُريّة ، ضد الحرب والتدخّلات الإمبرياليّة.

تَوَجّهَت النِّضَالات ضدّ الهَجمات الإجتِماعيّة والإقتِصادِيّة أكثر وأكثر في إتّجاه صِرَاع مع الحكومات ، و في بعض الحالات تمّ إستِهدَافُها رَأْسًا وأخذت طابعًا سياسيًّا إلى حدٍّ كبيرٍ(6)؛ نضالٍ نَاتِجٍ عن التدخُّل الإمبريالِيّ والإضطهَاد القَومِيّ. وعلى الرغم من المَحْدُودِيّة ، كانت أعراضَ "عودة" كِفَاحٍ للشُّعُوب المقهُورة والتّابعَة. وحقيقَة أنّ الجَمَاهِير في الأقطَار "المُتَقدّمة" قد إحْتَجّت بمئات الآلاف والملايين ، ضدّ التّدخُّل الأمريكيّ في العراق هُو أكثر إثارة للاهتمام. فهذه الإحتِجَاجَات ،من جهة، مَثّلَت خُطوَةً لتُوجِّه شُعُوب الأقطار التّابِعة أنظارَهَا نحو الطّبقة العامِلة في الأقطار "المُتَقَدِّمَة" ونحو طبَقَاتِها العامِلَة أيْضًا،ومن جِهةٍ أُخرى ، طَوّرَت ونَشَرت فَائِدة الخَوْض في مَسائِل الحَرب والتّدخُّل الإمبرياليّ في الأقطار "المُتقدِّمة".

إنّ الدّرسِ الرّئيسيّ من هذه النّضالات المُحْتَدِمة على مُسْتَوَيَيْن:معركة ضدّ الهجمات الإقتصاديّة والإجتماعيّة وأُخرى ضدّ الحُرُوب والتدخّلات ، هُو الآتِي : على عكسِ مَا قِيلَ ، مع انهيار الإتّحاد السُّوفياتيّ و"الكُتْلة الشّرقيّة" ، لم يُصبِح العالم "جزيرة سلام" للشّعُوب والأفراد والطّبقات؛ ولنْ يَستطيع البقاء أيْضًا ،فَقط، مَسرحًا للنّزاع داخِل الإمبرياليّة وساحةً للهَجمَات ضدّ الطّبقة العَاملة والشُّعُوب. فلَقَد كانت نضالات ومُقاوَمة الشّعُوب والطّبقة العاملة ضدّ الإمبرياليّة ورأسِ المال ،واحدة من الحقائق المُمَيِّزة له دون شك ،خاصّةً أنّها لمْ تكُن تَسير في خَطٍّ مُتَقَطِّعٍ.

نِظام رأسِ المَال

كانَت هذه الفَترة مِن الإستِغلال المُكثّف والقًمع على الصّعِيد الدُّولِيّ ، ومِن إعادة تَمَوْقُع الأَقطاب المُختَلفة المُتَصَارِعة داخل العالم الرّأسمالِيّ، مرحلةً جديدةَ من التّناقُض البارِز بعُمْقٍ مُتَنَامٍ ، سواء بين المجموعات الرّأسمالِيّة والأقطار الإمبرياليّة أوَّلاً ، أو ثانيًا بين الإمبرياليّة والرأسماليّة في مُواجهة الطّبقة العاملة والشُّعُوب؛ وبلا شكّ، كانت مرتبطةً بشكل وثيقٍ بالوضع الذي أفْرَز الصِّرَاعيْن ، وتَصَلّبَت مع إنهيار الإتّحاد السُّوفيَاتيّ و"الكُتلة الشّرقِيّة" ، لِيَتَّخِذَ رأس المَال زِمامَ المُبَادَرة بِسُرعةٍ.

وإن كانَ هُنَاك بَعض مَن يَعتَقِدُ بأنّ "العالمَ قد تَغيّر " فإنّهُ في الواقِع،لم يَكُن هُنَاك شَيءٌ غَير عَاديّ لإِثَارة الدّهشَة فِي مَا حدَثَ؛فالعالم الذي يلهَثُون لِتَقدِيمِه في ثَوْبٍ جَديدٍ هُو نفسُه المُعاش في القرنِ الماضِي المُرتكِز على الإنقِسَام وعلى التّناقُضِ بين رأس المال والعمَل ، وبيْن الأقطار "المُتقدّمَة" والتّابِعَة ، وتناقُضٍ بين الأقطار "المُتَقَدِّمة" ذاتها. وسَوَاءً كان ذلك في ما أُشِيرَ إليه في البداية أو ما إنْبَثَق عن هذا الواقِع،فإنّ مُرتَكَزَهُ يَكْمُنُ في هذه الإنقِسامَات والتّنَاقُضَات.

عالَمٌ مُعوْلَم ، وسياسَات كَوْنِيّة ، ولا معنى القَوْمِيّات،ومافوق الأمّة (supranation)،الخ الخ...؛ لقد أظهرت التّناقضات دَاخِل هذا العَالم ، بِما يَنْجَرُّ عنها ، أنَّ هَذِه الطُّرُوحات هي مجرّدُ غَوْغَائِيّة مَحْضَة، إذ كانت الخمس عشرة سَنَةً الأولى من وَهْمِ "العالم المُعَوْلم" كافِيَةً لإظهار أنّ الرّأسمَاليّة فِي تَنَاقُضٍ عِدَائِيٍّ مع تَيّار "العولمة" و "تجاوُز الأُمّة" ، والتغلّب على الإنقِسامات الطّبقيّة والوطنيّة : إنّ تَشجِيع التقدُّم الشّامل للإنسَان لن يتحقَّق إلاّ مع إمكانِيّة وحيدة بِتَصفِية رَأس المَال مِنْ قِبَل العُمّال.

(يتبع)