ما حدث في تونس ومصر وليبيا ... هل هو ثورات ؟


محمد بودواهي
2011 / 11 / 12 - 03:46     

الثورة تعني تنقل السلطة من أيدي طبقة أنهكت إلى أيدي طبقة أخرى صاعدة لإحداث تغيير في النظام الاجتماعي . وتشكل الانتفاضة اللحظة الأكثر حرجا وحدة في صراع الطبقتين من أجل السلطة. ولا يمكن للانتفاضة أن تؤدي إلى انتصار الثورة الحقيقي والى انتصاب نظام جديد إلا في حالة استنادها إلى طبقة تقدمية قادرة على أن تجمع حولها أغلبية الشعب الساحقة.
في الثورة يتصرف الناس تحت تأثير ظروف اجتماعية لم يختاروها بحرية، ولكنها موروثة عن الماضي وتدلهم على الطريق دونما خيار. ولهذا السبب بالضبط، ولهذا السبب وحده، للثورة قوانينها الخاصة . فالتدخل الفعال للجماهير في الأحداث هو بالضبط ما يشكل العنصر الأكثر أساسية في الثورة. ولكي تقوم بتكنيس النظام المتعيش، على الطبقة التقدمية أن تفهم أن ساعتها قددقت، وأن تطرح كمهمة على نفسها استلام السلطة. هنا يفتح حقل العمل الثوري الواعي حيث يتحد التوقع والحساب بالإرادة والإقدام. وبتعبير آخر: هنا يفتح مجال فعل الحزب.
فالثورة تبدأ فكرية ، وهذا ما نلمسه من " فلسفة القرن الثامن عشر وما قبله- فلسفة التنوير- والتي طرحت مبادئ مناقضة للواقع السائد سياسيا واجتماعيا واقتصاديا في فرنسا " ، فكانت أهم العوامل التي أدت إلي الثورة الفرنسية لتكون مؤسسة علي أيديولوجية المساواة والحرية في مواجهة النظام القديم المؤسس علي الامتياز وسلطة الملك المطلقة.
وإلي جانب الفكر نحتاج إلي قيادة ثورية ، تقوم بتوعية الجماهير ، التي لم تصل إلي هذه الدرجة من الوعي لأسباب عدة ، فتتوسع قاعدة الوعي ، وتقوم القيادة الثورية المثقفة ، بإقناع الجماهير بأن الوضع الحالي لا يمكن احتماله واستمراره وتعمل علي نقده وتحطيم شرعيته في عقولهم ، وتطرح البديل الذي يحل محله ، وتوضحه وتفهمه للجماهير ، لاستيعابه وتكوين صورة مسبقة له ، لضمان انحياز الجماهير للثورة . فالجماهير لا تثور إلا إذا عرفت علي ماذا تثور ، فالثورة ليست هدف في حد ذاته إنما هي وسيلة لتحقيق الأهداف ، بفعل واعي وإرادة حرة ، من أجل حرية الإنسان وسعادته واحترامه ، فهو مشروع حضاري متكامل سياسي واجتماعي واقتصادي ، يخرج عن كونه انقلاب سياسي أو تمرد أو هيجان.
والثورة بهذا تتكون من قيادة وجماهير ونظرية ثورية – البديل – والتغيير الثوري يحدث عن طريق الجماهير بقيادة ثورية تؤمن بنظرية ثورية ، وتعمل علي تغيير ثوري في زمن أقصر من الزمن الاعتيادي ، وعمليات الثورة هي هدم وبناء ، هدم العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الظالمة ، وبناء مجتمع جديد بناءاً علي النظرية الثورية والتي ترسخ الحرية والمساواة والعدالة ، وتضمن حياة سعيدة للمجتمع خالي من علاقات الظلم والاستغلال والعبودية ، ولهذا الثورة هي علم تغيير المجتمع ، أي تغييراً جذرياً في جوانب الحياة المختلفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
يضم الحزب الثوري خيرة الطبقة التقدمية. وفي غياب حزب قادر على تحديد توجهها حسب الظروف وعلى تقييم سير الأحداث ووتيرتها وعلى اكتساب ثقة الجماهير
خلال الوقت المناسب، يستحيل على الثورة البروليتارية أن تنتصر. هذه هي علاقة العوامل الموضوعية للثورة والانتفاضة بعواملها الذاتية . ولكن بين الطبيعة والدولة يوجد الإقتصاد . لقد حررت التقنية الإنسان من استبداد العناصر القديمة: التراب والماء والنار والهواء، لتخضعه حالا لإستبدادها الخاص. ولم يعد الإنسان عبدا للطبيعة ليصبح عبدا للآلة، والأسوأ من ذلك، عبدا للعرض والطلب . ان المهمة التاريخية لعصرنا تكمن في إحلال مخطط معقول محل السوق الهوجاء، وتطويع القوى المنتجة، إرغامها على الفعل بانسجام والإمتثال لخدمة حاجيات الإنسان. ففيما ناضل الإنسان بنجاح ضد الطبيعة، فإنه شيد بعمى علاقته مع البشر الآخرين، تقريبا كالنحل أو النمل. وتطرق بتأخر وبالكثير من التردد إلى مشاكل المجتمع الإنساني. فبدأ بالدين لينتقل من ثم إلى السياسة. ومثلت حركة الإصلاح أول انتصار للفردية والعقلانية البورجوازيتين في ميدان سادت فيه تقاليد ميتة. ثم انتقل الفكر النقدي من الكنيسة إلى الدولة. وكبرت عقيدة السيادة الشعبية وحقوق الإنسان والمواطن، التي ولدت في النضال ضد الحكم المطلق والظروف القروسطية .وهكذا تشكل نظام البرلمانية، ودخلت النظرة النقدية إلى ميدان إدارة الدولة. وكانت العقلانية السياسية للديموقراطية تعني أعلى مكتسب للبورجوازية الثورية.
ويصر لينين علي أن انتقال سلطة الدولة من طبقة لطبقة هي العلامة الأساسية والجوهرية للثورة بالمعنى العلمي المحدد والمعنى العلمي السياسي العملي للتعبير معاً ، ونجد تعريفات تتصف بالعمومية كما عند شاتوبريان الذي يرى الثورة علي أنها انقطاع في التاريخ " خط يشطر الزمان نصفين ومعه الأفكار ، الأخلاق القوانين اللغة نفسها ، نصف ما بعد ونصف ما قبل ، متضادين لا يمكن التوفيق بينهما" ، أن الثورة تعني كشف العلاقات الظالمة ، وتهديمها وبناء علاقات جديدة ، و يعرف كلا من بيتي هنتنجتون و نيومان أن الثورة إبدال القيم .
فالثورة تحدث في مجتمع تسوده علاقات ظالمة ويعم فيه فساد يكاد يكون شامل ، بحيث تكون حرية السواد الأعظم من أفراده غير مصانة ، ضائعة ، أو أن تكون
مجرد شعار يرفعه من يقمع هذه الحرية ، وليس الظلم عندما يعم يكون عدل كما يشيعه الظالمون ، إنما يكون أحد أسباب ثورة هذه الجماعة لرفع هذا الظلم . رفض الإنسان للظلم والاستغلال وقمع الحرية هو ثورة علي هذا الواقع الذي يتجسد في العلاقات التي تنظم حياته ، ولا تكون هذه الثورة إلا بعد اكتشاف هذه العلاقات وإيجاد البديل المثالي والذي يمكن تطبيقه واقعيا ، ولا نصل إلي نقطة الصفر التي تعلن فيها الثورة ، علي الوضع الظالم ، إلا بعد أن يقرر الإنسان الثائر الثورة ، لأن قرار الثورة من خصوصيات الإنسان المظلوم الذي يعيش تحت حر العلاقات الظالمة و يلعق مرارة الحرمان.
مدخل الثورة يختلف حسب البيئة التي يعيش فيها أفراد المجتمع ، من مستوى وعي ومعيشة ، و الحريات السياسية والحالة الاقتصادية والمشاكل الاجتماعية ، وكذلك حسب البيئة الخارجية المحيطة بالمجتمع ، والمتمثلة في العلاقات الخارجية مع مكونات المجتمع الدولي ، فالاستبداد والدكتاتورية وما تصاحبه من مظاهر قمع ، تجهض الأعمال الجماعية ، وتكون مبادرة الثورة ، محصورة في أفراد ، تكون محاولتهم محكوم عليها بالموت قبل أن تولد ، ولذلك يلجأ الثوار إلى الانخراط في الحزب الثوري كمؤسسة قائمة ومؤثرة في عملية تغيير النظام السياسي الدكتاتاتوري وإنشاء الدولة الاشتراكية .
إن الحزب الثوري الصحيح لا يمكن أن ينجح في مهامه النضالية والثورية إلا إدا توفرت فيه شروط أساسية كالسلامة في التفكير وفي الوضوح الفكري والتنظيمي وفي تبني الديموقراطية الصحيحة التي تسمح دائما بالتجدد وتصحيح الخطأوالتغلب على نقط الضعف والتي لا تترك مكانا للوصولية والانتهازية والتخريب والفوضى ، وأن يكون قادرا على التغلب على اليأس والتشتت وعلى مؤامرات الأعداء .... وبعد نجاحه في الوصول إلى السلطة يعمل على إحداث تغييرات جوهرية في هياكل الدولة حتى يقطع مع كل ما له صلة بالنظام الرأسمالي وبالتالي تثبيث دولة ديكتاتورية البروليتاريا .
من كل دلك وجبت الملاحظة إلى أن الدي حدث في مصر وتونس وليبيا ليس هو ثورات بالمفهوم الدي سقناه مقدما بل هو في الدرجة الأولى انتفاضات شعبية خرج فيها الشباب يشكل عفوي إلى الشارع للتعبير عن سخطهم القوي على السياسة اللاشعبية واللاديموقراطية التي نهجتها الطبقات الحاكمة اتجاه شعوبها لعقود من الزمن ، فاستشهد فيها أعداد كبيرة منهم ، وهو ما أدى إلى تأجيج الأوضاع والتسبب في سقوط الطبقة الحاكمة لكن لتخلفها طبقة حاكمة آخرى من نفس الطينة الطبيقية وهو الشرط الأساسي الدي لا بديل له كي تبقى الدول الإمبريالية تتابع استغلالها لشعوب المنطقة عبر شركاتها المتعددة الاستيطان .