في ذكرى ثورة أكتوبر


صادق البلادي
2011 / 11 / 7 - 00:38     

في ذكرى ثورة أكتوبر
لينين قائد الثورة و قلبها النابض
حمدان يوسف / صادق البلادي
نشرت هذه المقالة في الفكر الجديد العدد 265/ 5 تشرين ثاني 1977

ستون عاما من الآمجاد والآعمال الطليعية، أول بلد إنتصرت فيه الثورة الأشتراكية .... قائمة الانتصارات الرائدة في كل المجالات لا تعد ولا تحصى، المعجزات والأعمال الخوارق تصبح عادية ومألوفة من فرط تكرارها، وتطويرها الدائب.
قبل عشرين عاما ، وقبل أن يكمل الآتحاد السوفييتي عامه الأربعين ، اهتزت دول العالم كله، لا دوله المتخلفة وحدها ، بل بما فيها أرقى الدول الإمبريالية تقدما، اهتزت مُجبَرة وهي تَنصت لاشارات " بيب – بيب – بيب " التي كان يرسلها (سبوتـنيك ) ، أول قمر صناعي، المركبة الفضائية الأولى في العالم، وكانت تلك الاشارات كأنها كلمات المتنبي تسمع من به صمم ،كانت تلك الاشارت تقول :إنظروا أيها البشر، هاهو الموجيك، الفلاح الروسي المتخلف ، كما تصرون على تسمية السوفييتي باستهانة، يصنع معجزة أخرى ، فاسمعوا الاشارات وعوا !!وأرهف العالم سمعه ، حابسا أنفاسه، لا يكاد يصدق .... واليوم لم يعد حتى إطلاق مركبة سيارة (لونوخود) تسير على القمر ، وتبعث بعينات من تربة القمر تثير الاهتمام الكبرى . هذه هي المعجزة العظمى :تحويل المعجزات الى أشياء مألوفة.
معجزة خلق مجتمع بلا مُستغلِين، مجتمع السعادة والأمان وكرامة الانسان. مجتمع تآخي أكثر من مائة أمة وقومية، مجتمع العلم والتكنولوجيا، مجتمع لا يستغل جبروته العسكري في سبيل البغي والعدوان، بل يناضل في سبيل سلام عادل ووطيد.

كيف تحققت هذه المعجزة؟ وما السر الكامن وراء هذا التقدم الحثيث المتواصل نحو الشيوعية، حيث يقوم الانسان بمبادرته طواعية، وبوعي تام ، يقدم أقصى طاقته، ويأخذ حسب حاجته دون طمع ولا أثرة.؟

أين السر في هذه المعجزة، ومن وراؤه؟ إنه الحزب المسترشد بالماركسية-اللنينية، حزب من طراز جديد نظمه لينين وتركزت فيه الطاقة الثورية لأكثر طبقات العصر تقدما ، وهي الطبقة العاملة.

لقد تأسس الحزب البلشفي 14 عاما قبل تحقيقه الانتصار التاريخي بإقامة أول دولة ظافرة لدكتاتورية البروليتاريا. ففي تموز 1913 افتتح المؤتمر الثاني لحزب العمال الاشتراكي الديمقراطي في روسيا، افتتح في بروكسل وأتم اجتماعه في لندن. ورغم كونه المؤتمر الثاني، إلا أن مهمته الرئيسية كانت " تشكيل حزب فعلي وفق تلك الأسس المبدئية والتنظيمية التي وضعتها صحيفة " إيسكرا" ( الشرارة ) و طرحتها " ، وذلك لأن الحزب بعد المؤتمر الأول لم يكن قد أصبح بعد منظمة مركزية موحدة.
إذ انعقد المؤتمر الأول في أوائل عام 1898 وشارك فيه تسعة مندوبين.وقرر المؤتمر تأسيس حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي في روسيا، وأصدر بيانا، وانتخب لجنة مركزية ضمت رفاقا ثلاثة فقط، سرعان ما جرى اعتقالهم بعيد المؤتر، فبقيت المنظمات
الاشتراكية الديمقراطية ،والحلقات دون مركز قيادي الا انها أخذت تسمي نفسها لجان الحزب الاشتراكي الديمقراطي، كما وتأسست لجان الحزب في مدن جديدة. كانت في روسيا قبل الاعلان عن تأسيس الحزب عام 1898 العديد من المحاولات لتأسيس تنظيمات ماركسية، وكانت بداياتها في سبعينات القرن التاسع عشر.ففي عام 1875 تأسست "رابطة العمال في جنوب روسيا" وبعد أعوام ثلاثة تشكلت " الرابطة الشمالية للعمال الروس"، وأعلنت الرابطتان تضامنهما مع الاممية الأولى، والتي كانت تضم في صفوفها منذ بداية عام 1870 فرعا روسيا ضم المهاجرين الروس في الخارج ، والذي كان مركزه في جنيف. وتكونت في عام 1883 أول منظمة ماركسية روسية ، هي مجموعة بليخانوف " تحرير العمل "، والتي تأسست في جنيف أيضا، وشهد أواخر العام تأسيس " حزب الاشتراكيين الديمقراطيين الروس في بيتروغراد، وفي عام 1895 تأسست في بيتروغراد رابطة النضال لتحرير الطبقة العاملة " ، وحدت جميع الحلقات الماركسية الموجودة في بيتروغراد في منظمة مركزية موحدة، سرية. وكان في هذه الرابطة لينين ، وكروبسكايا ورادجينكو، عضو اللجنة المركزية الأولى ، المنتخبة عام 1898 ، ومارتوف. كانت هذه الرابطة هي البذرة المهمة الأولى لتأسيس الحزب البروليتاري الثوري، وأثرت تأثيرا كبيرا على تطور الحركة الاشتراكية في روسيا، وما أن حل عام 1898 حتى كانت تنظيمات " رابطة النضال لتحرير الطبقة العاملة " منتشرة في 50 مدينة الى جانب غيرها من المنظمات والجماعات الماركسية.عندما انعقد المؤتمر الأول عام 1898 كان لينين منفيا الى سيبيريا، وأبدى موافقته علىالعديد من موضوعات بيان الحزب ، غير أن المؤتمر لم يفلح في توحيد كل المنظمات الاشتراكية الديمقراطية، ليس فقط بسبب اعتقال قادته ، بل لعدم تحقيق الوحدة الفكرية، والتي سارعت الفرق الانتهازية لاستغلالها.وانبرى لينين للنضال ضد الانتهازية وفي سبيل خلق الحزب البروليتاري من طراز جديد.
ولعبت " إيسكرا" الجريدة التي بدأت الصدور في المنفى دورها الكبير كداعية ومحرض ومنظم. وساهم نشاطها في وضع برنامج الحزب الاشتراكي وأسس تكتيكه، وفي الدفاع عن الروح الكفاحية للحزب والانطلاق في كل النضالات من زاوية الصراع الطبقي ، زاوية مصلحة البروليتاريا.
وفي مجرى الصراعات التي استمرت من 14 عاما، قبل ثورة أكتوبر خبر الحزب البلشفي نضالا متنوعا، متعدد الأشكال وكان في نضالاته يستند الى أرسخ قناعة نظرية، الى الماركسية التي أثبتت صحتها الخبرة العالمية طوال النصف الثاني من القرن التاسع عشر،
وأيقنت القوى الثورية في روسيا من صحتها عبر تجربتها الخاصة طوال نصف قرن، عرفت فيها العديد من النشاطات و القوى الثورية، أيقنت أن لا خيار غير الماركسية الثورية ، وأنه " يستحيل قيام حركة ثورية بدون نظرية ثورية .. وإن الحزب الذي يسترشد بنظرية طليعية هو وحده القادر على القيام بدور المناضل الطليعي "(لينين)
فكان هذا الحزب الذي بدأت حلقاته ببضعة أنفار ، إزدادت لبضعة عشرات ولم يزد أعضاؤه في بدء الثورة الروسية الأولى عام 1905 عن 8,400 ، ارتفع عددهم خلال عامي تلك الثورة الى 46000 عضوا، لكنه بعد سنوات الردة أخذ ينخفض فكان عدد أعضاء الحزب بعد شهر على ثورة شباط 1917 فقط 24000 عضوا لا غير من مجموع شعب تجاوز الـ 150 مليونا من السكان، لكن في بضعة أشهر فقط وصل عدده في أكتوبر 1917 الى 350 ألف عضوا، وسادت في هذا الجيش من المناضلين الثوريين : المركزية المطلقة والانضباط البروليتاري الصارم للغاية، وكسب تأييد جميع جماهير الطبقة العاملة أتم التأييد و أوفاه، واستطاع أن يؤمن قيادة الفئات الكادحة ، وأن يؤمن توحيد أربع حركات في تيار ثوري موحد :الحركة البروليتارية، والحركة الفلاحية، وحركة التحرر الوطني، والحركة الديمقراطية.
بهذا الحزب أمكن خلال بضعة أشهر تحقيق تحول الثورة الديمقراطية الى ثورة اشتراكية، ولعبت عبقرية لينين دورا أساسيا في ضمان هذا التحول، فقد وقف ضد من أسموا أنفسهم" البلاشفة القدماء"، الذين لم يريدوا أن يدركوا أن الثورة البرجوازية الديمقراطية قد انتهت في روسيا، وبدأ عهد الاستعداد للثورة الاشتراكية.ونعت لينين "البلاشفة القدماء" بأنهم قد قاموا بدور مشؤوم في تاريخ الحزب، أكثر من مرة، بترديدهم صيغا محفوظة غيبا ودون وعي، بدلا من دراسة أصالة الواقع الجديد، الحي."

وسعى الحزب البلشفي لانتصار الثورة الاشتراكية عبر الطريق السلمي، عبر نقل كل السلطة للسوفييتات، وكسب الأغلبية فيها، غير أن الرجعية قطعت طريق التطور السلمي، فتوجه الحزب نحو طريق الانتفاضة المسلحة، وأثبتت ثورة أكتوبر الاشتراكية أن الإنتفاضة المسلحة للبروليتاريا و القوى الثورية، إن جرى توقيتها توقيتا صائبا ودقيقا،لا يجب أن تقترن بالضرورة بالدماء وبالدمار، فقد انتصرت الآنتفاضة المسلحة بأقل عدد من القتلى في أيام ثورة أكتوبر.

ولم يحقق الحزب الانتصار السريع للثورة الاشتراكية فحسب، بل حقق توطدها وتعميقها وقيادتها من نصر الى نصر، ....وأثبتت الستون عاما صحة وصف لينين للحزب البلشفي بأنه : " ضمير وشرف وعقل عصرنا."*


المسألـة الـقــــو مــيــــــــــة و تــنـــــظــيـــــــم ا لــــحـــز ب

منذ تأسيس الحزب البلشفي انعكست فيه الروح الأممية التي تربط بين بروليتاريا العالم، تلك الروح التي جسدها الشعار ، الذي رفعه البيان الشيوعي " يا عمال العالم إتحـدوا" ، فالحوب عندما تأسس عام 1898 في روسيا التي كانت سجنا للشعوب، تضطهد فيها أمم وقوميات عديدة، لم يتشكل على أساس قومي، حزبا للروس فقط، بل تأسس لكل القوميات الموجودة ضمن الدولة الروسية. وانعكس هذا التوجه في الاسم الذي اختير للحزب عام 1898 ، فلم يصبح إسمه " حزب الاشتراكيين الديمقراطيين الروس" أو الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي" بل أصبح إسمه: " الحزب الاشتراكي الديمقراطي في روسيا"، والى هذا يشير لينين بقوله: " كان الحزب، لكي يقضي على أي تفكير في اعتباره حزبا قوميا، قد اختار لنفسه اسم حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي في روسيا، وليس الروسي ."

وكان لينين ينطلق في ذلك من الترابط الوثيق بين المهام القومية والأممية للحركة الثورية، وإن فهم الكرامة القومية فهما ثوريا ليس لا يتعارض البتة مع مصالح الشغيلة في البلدان الأخرى فحسب، بل ويتفق أيضا مع المصلحة الاشتراكية للبروليتاريا الروسية وغير الروسية على السواء.

وحارب لينين الدعوة لمبدأ الفدرالية داخل الحزب الاشتركي الديمقراطي في روسيا على أساس القوميات، وناضل من أجل أن يكون الحزب حزبا موحدا يعتمد المركزية الديمقراطية. وكان البوند يعارض الحزب الموحد مطالبا بتحويل الحزب الى "اتحاد فيدرالي للأحزاب القومية الاشتراكية الديمقراطية".
ولقيت هذه الفكرة قبولا لدى بعض ممثلي القوميات البولونية واللاتفية، وانحاز الحزب الاشتراكي الديمقراطي الأرمني الى فكرة الأساس القومي لبناء الحزب، واعتبر لينين هذا الحزب صنيعة للبوند، وفضح لينين تبني البوند للأفكار الصهيونية.
وانتصر المبدأ اللينيني في تنظيم الحزب: الوحدة الأممية للحزب ومنظماته المحلية، مع مراعاة الخصائص القومية في نشاطه، وكان لينين يرى أن على " الحزب أن يلبي في واقع الأمر جميع المصالح والاحتياجات الحزبية للبروليتاريا الاشتراكية الديمقراطية لكل قومية مع مراعة خصائصها الثقافية والمعيشية."

وبعد انتصار الثورة الاشتراكية ووضعها حق تقرير المصير بما فيه حق الانفصال موضع التطبيق، ظهرت جمهوريات سوفييتية مستقلة جرى فيها التمسك بضرورة مراعاة الخصائص القومية في البناء الحزبي على أساس طبقي وأممي صارم. وحججت قرارات المؤتمر الثامن للحزب الأسس الرئيسية لتكوين الأحزاب الشيوعية للقوميا ت، مع تأكيد الحزب من جديد رفضه لمبدأ الفدرالية أساسا لبناء الحزب، مؤيدا استمرار المبدأ الأممي في بنية الحزب الموحد، وبيَّن أن إقامة أول دولة متعددة القوميات على أساس فدرالي لا يعني الإقرار ببناء الحزب أيضا على أساس فدرالي من أحزاب مستقلة، بل يتكون الحزب الشيوعي على أساس المبادئ اللينينية، على أساس المركزية الديمقراطية والأممية البروليتارية وليس على الأساس الفدرالي، وأقر المؤتمر الثامن حق اللجان المركزية للأحزاب الشيوعية في الجمهوريات السوفييتية بصلاحية اللجان المنطقية للحزب، وأكد الاجتماع العام الثاني عشر للحزب
الشيوعي البلشفي أن هذا المبدأ لا يشمل فقط المنظمات الشيوعية لمناطق القوميات الداخلة في نطاق جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية بل جميع الأحزاب الشيوعية التي تمثل الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية والمرتبطة مع جمهورية روسيا الاشتراكية بعلاقات تعاقدية.

وبفضل اتباع هذا المبدأ الأممي، الذي لم يتم تطبيقه دون صعوبات ، قد تحقق في الاتحاد السوفييتي مبدأ حق تقرير المصير.، وتحقق تعاون الأمم والقوميات وتقاربها وتكوينها للشعب السوفييتي، وهنا أيضا تحقق قول لينين عام 1902 : اعطونا منظمة من الثوريين....نقلب لكم روسيا من الجذور." فهذه روسيا قد تحولت من سجن الشعوب الى دولة الشعب اسوفييتي متعدد القوميات.

** يوم ذاك كنت ما زلت في وهم أن الحزب بعد ستين عاما هو نفس الحزب
الثوري الذي قاد الثورة بزعامة لينين، وعبرت عن هذا القصور بالقول في الذكرى الخمسين لتأسيس الحزب الشوعي العراقي، آذار 1984 :
" في سنوات مضت نَسينا واُنسينا ، سهوا وسذاجة ، قصدا و دراية ،وإن أدركنا فلم نجهر بذلك خِشيةً على وحدة الحزب أن تتصدع ، خشية أثبت الواقع ضررها ، اذ أن وحدة على خطأ تميت . نَسينا وأُنسينا أن الوجود يحدد الوعي ، وأن الانسان في تبدل وتحول بيولوجيا ونفسيا ، واجتماعيا. فالفتى اليافع ، المندفع ، المتحمس ، المستعد للتضحية بحياته في سبيل مُثُله العليا ليس بالضرورة أن يبقى بنفس الخصال وهو يرتقي في المركز والوظيفة والمكانة الاجتماعية والعمر.
فنَسينا و أُنسينا أنه مثلما داخل نفس الطبقة فئات اجتماعية متعددة ذات مصالح متنوعة ، فان ثمة ذات الشئ داخل أي تنظيم. ففي الطبقة العاملة تبرز فئة الارستقراطية العمالية ، وفي تنظيمها تبرز فئة البيروقراطية ، نقابيا وحزبيا ، نَسينا وأُنسينا أن من يحترف العمل السياسي، والعمل الحزبي جزء منه، يَتَسَيس، يصبح سياسيا ممتهنا، محترفا،العمل السياسي مصدر رزقه. والبعد بين الاحتراف والارتزاق ليس كبيرا ، وأن من يتسيس يصبح عرضة سهلة للتسوس، وللاصابة بأيدز الفساد السياسي."
وما كنت قد أدركت أن النظام السوفييتي صار لخدمة برجوازية طفيلية هي جزء من المجمع الحزبي العسكري ، الذي يقابل المجمع الصناعي العسكري في أمريكا، الذي حذرآيزنهازر من مخاطره عام 1957 عند مغادرته البيت الأبيض.