دور الجريدة بالمفهوم اللينيني


محمد نفاع
2011 / 11 / 5 - 13:17     

في ذكرى ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى:
دور الجريدة بالمفهوم اللينيني
أَولى لينين أهمية قصوى لدور الجريدة ليس فقط في تنظيم الحزب الشيوعي الثوري بل قبل ذلك في تأسيسه. ومن بين الكتب الكثيرة التي صدرت عن حياة معلم وقائد البروليتاريا فلاديمير ايلتش لينين، هنالك كتاب هام بعنوان "خالد إلى الأبد" سجله عدد كبير من رفيقات ورفاق ومعارف لينين داخل وخارج روسيا، وأقتبس هنا بعض ما كتبه البعض وباختصار: يقول كرجيجا نوفتكي:
"اقترب النفي من نهايته، وقبل انتهاء مدة النفي حصلت على ترخيص بالعمل في سكة حديد سيبيريا، وأنا أتذكر جيدًا إحدى نُزهاتي الأخيرة مع لينين على شاطئ نهر الينسّي العريض، كانت ليلة صقيعية مقمرة، وقد تلألأ أمامنا كفن ثلوج سيبريا اللانهائي، أخذ لينين يحدثني بعزيمة عن مشاريعه وفروضه بعد العودة إلى روسيا، وكان محور حججه هو تأسيس جريدة حزبية مطبوعة ونقل إصدارها إلى الخارج، وتأسيس حزب بمساعدة هذه الجريدة المركزية التي هي بمثابة دعائم أصيلة يقام عليها كل بناء المنظمة الثورية للبروليتاريا. وأعترف انني للوهلة الأولى قد تصورت انه يبالغ في تقدير دور مثل هذه الجريدة الحزبية، وما سبب ذلك إلا انه قد اضطر هو نفسه خلال إقامته الطويلة في المنفى إلى أن يجنح إلى جانب واحد فقط هو جانب النشاط الكتابي. وأثبتت الحياة صحة الطريق الذي رسمه لينين.
وكان شروع لينين في إصدار جريدة الايسكرا – الشرارة – في الخارج بعد أن أنهى مدة نفيه، وسافر إلى هناك، نقطة انعطاف في مقادير حزبنا. إن الايسكرا القديمة ستظل دائما المثال الصالح للطريقة التي يجب ان تدار بها جريدة الحزب لتكون في آن واحد المنار الهادي الداعي إليه، والمنبّه إلى مواطن الخطر، ونفير الكفاح الموقظ للحماس الثوري وللإرادة في العمل، وتحت رايتها أخذت تتجمع في روسيا تلك القوى التي صار عليها فيما بعد أن توحد التجمعات الأولى لفيلق البلاشفة الحديدي".
وحدد لينين عددًا من الأهداف والوظائف للجريدة ودورها، وأولها تأسيس الحزب، فبدون هذه الجريدة كان من المستحيل تأسيس الحزب الشيوعي ثم تثبيت وتطوير هذا الحزب، إذا للجريدة الدور الحاسم في تأسيس أي حزب شيوعي.
إن إصدار جريدة كان الهاجس الأكبر والهدف الأكبر لدى لينين، وأية مشقّة تعرض لها وهو ملاحق من قبل بوليس القيصر، وبعدها بوليس الحكومة المؤقتة بقيادة كيرنسكي، قام بدور وقّاد في القطار، ومشى على الجليد تحت خطر تكسّره في خليج فنلندا، وفتش أيامًا عن مطبعة وعن رفاق محررين ورفاق يوصلونها إلى الوطن، وأشرف شخصيًا على تحريرها وتزويدها بالمواد. فالحديث لا يجري عن أية جريدة بل عن جريدة حزبية لها هدف محدّد. وعليها أن تقوم بدور المحرّض ضد الاستعمار والرأسمالية معتمدة على الماركسية واستخراج النتائج مما دوّنه كارل ماركس وفريدريك إنجلز، وكان قد درس العديد من المؤلفات للرموز الثورية في العالم وبعدة لغات كان يتقنها.
كانت الجريدة هي المنظّم للحزب كذلك بعد تأسيسه، فكانت همزة الوصل هي والمنشورات بين قواعد الثوريين في تلك البلاد الشاسعة.
وكانت منبرًا بلشفيًا لفضح الاستعمار والرجعية، كانت منبرًا للتثقيف النظري والسياسي والطبقي والاممي، وتدعو دائما إلى الهدف المنشود، هدف كل حزب شيوعي أي إقامة نظام اشتراكي. وطبعا لا يمكن أن يكون في هذه الجريدة الحزبية أية مواد تتعارض مع جوهرها ومع الهدف الموضوع، أو تصعب الوصول إليه. فقد تحلّت بالوضوح والمبدئية والعناد الثوري، فكل مادة يجب أن تخدم الهدف الأساسي للحزب.
أكثر من ذلك فقد قال لينين: "يجب ان نضع حدودًا حادة بيننا وبين جميع الأحزاب الأخرى". وإلا يفقد الحزب خصوصيته وتفقد الجريدة خصوصيتها.
ساعدني الحظ لأرى العدد الأول من الايسكرا في متحف الثورة، كان حجمها صغيرًا جدًا، فقد كانت سرية وحاملها معرض للقتل والنفي، وكم كانت فرحة لينين وهو يرى العدد الأول المطبوع وهو صاحب الفكرة، نقلت من الخارج إلى روسيا في حقيبة من طبقتين، الطبقة الأولى الكبيرة للملابس والحاجيات النسائية حيث نقلتها رفيقة، والطبقة السفلى الرقيقة لعدد قليل من الجريدة الصغيرة وشعارها: من الشرارة يندلع اللهيب، واندلع هذا اللهيب في ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى سنة 1917، لكن قبل الوصول إلى الثورة، كان لا بدّ من التغلب فكريًا وسياسيًا وتنظيميًا على العديد من الأحزاب والتيارات والطروحات، كله عن طريق الجريدة والمنشورات، كان الرفاق البلاشفة يبدعون في إيصال الجريدة، أو حتى بعض المقالات القصيرة المكثفة والغزيرة إلى العمال في المصانع تحت الرقابة القيصرية أو حكومة كيرنسكي، كان يجب التغلب على المناشفة حول موضوع "العضوية في الحزب الشيوعي"، ودبّ الانشقاق أيضًا بين العاملين في الايسكرا، حيث وقف خمسة من العاملين الستة ضد لينين وفي طليعتهم بليخانوف الذي بدأ نشاطه كثوري عظيم.
كان يجب التغلب على الفوضويين، وجماعة "نضال الشعب" أو الشعبيين الأبطال المخطئين الذين اعتمدوا على النضال الفردي ببطولة، وان اغتيال القيصر يضع حدًا لحكم القياصرة، ونال الشعبيون ثقة الشباب المتحمس بسبب البطولات الفردية والتضحية بالنفس، والتي هي كأسلوب أيضًا التضحية بالثورة. وكان النضال ضد "ماركسية البروفيسورات، الذين لا يستخرجون كل الاستنتاجات من تعاليم ماركس.
ابتعد لينين عن هذر المثقفين هذا، حتى ان مدير مصلحة البوليس قال عن البلاشفة: حفنة صغيرة، وإذا سيحصل شيء فبعد خمسين عامًا.
كان يجب التغلب على كوسكوفا صاحبة "الكريدو" أي العقيدة التي تقول: ان كل نضال ذي طابع سياسي يجب ان يترك إلى عهدة "الدم الأزرق" أي للسادة الليبراليين وضروب المثقفين من غير النبلاء!!
إن هذا لا يعني أبدًا ان لينين كان ضد المثقفين، فهو نفسه مثقف فقد عاش في بيت مثقفين، وكان والده مدير معارف لمنطقة شاسعة، وكان معتزًا بالمثقفين الروس والشعراء والعلماء والكتاب وفي طليعتهم "مكسيم غوركي"وامتدح كثيرًا كتاب "الأم" مع أنه اختلف معه حول قضية "المصالحة" أي التنازل أمام الذين على خطأ برأيه. كان يبتعد عن المثقفين الذين يحتقرون دور العمال والعمال أصحاب: ما شأن العمال بالسياسة!!
كان يجب التغلب على مختلف النِّحل في سوفييت بتروغراد وخاصة "الاشتراكيين الوطنيين" الذين تفهموا حكم كيرنسكي وحربه اللصوصية الذي قال عنه لينين: أخطر عميل للبرجوازية الامبريالية... حتى قال عن تشخييدزة المنحاز إلى الاشتراكية الوطنية وجماعة المرتد كاوتسكي: "حزبنا ملزم على ان يناضل ضد هذين التيارين باصلب الطرق، وأكثرها مبدئية وإصرارًا وخلوًا من الرأفة، وأنا شخصيًا لا أتردد لحظة واحدة في أن أعلن، وأعلن كتابة، بأنني أفضّل حتى الانشقاق الفوري عن أي شخص كان، على التنازلات أمام الاشتراكية الوطنية لكيرنسكي وشركائه...".
كان المعيار الأساسي للينين موقف كل شخص، وكل حزب، وكل تيار من الامبريالية.
لولا هذه الوريقات الصغيرة القليلة لجريدة الايسكرا، لما نشأ حزب شيوعي مركزي ومنظّم، استطاع ان يطور ثورة شباط 1917، إلى الثورة الاشتراكية، حلفاء الأمس من المناشفة، والشعبيين، والاشتراكيين الوطنيين انقلبوا ضد الثورة، والبعض تحت شعار عدم التنازل أمام الزحف الألماني، واستمرار الحرب، اغتالوا السفير الألماني، لكن لينين كان قد أصدر أول مرسومين، مرسوم السلام ومرسوم الأرض، وخاض نضالا عنيدًا على ضرورة وقف الحرب من أجل إنقاذ الثورة الاشتراكية، وعقد مع الألمان "صلح بريست" المهين والذي ألغي بعد ثورة ألمانيا. وطُبع مرسوم الأرض بعشرات آلاف النسخ على شكل منشور ليصل إلى الفلاحين حتى سيبيريا.
وكانت الامبريالية بالمرصاد، حيث دخلت جيوش هؤلاء الاستعماريين الـ14، إلى روسيا من الشمال والغرب والشرق، تساندهم فلول النظام القيصري والقوميين الروس، الذين حرقوا ودمّروا، وفتك الجوع والبرد والمرض بأعداد هائلة من الناس، ورفض موظفو وزارات كيرنسكي التعامل مع البلاشفة في البريد والبنوك ودعا المناشفة إلى إضرابات العمال في المصانع وكأنهم يدافعون عن حقوق العمال، وثار الفلاحون الأغنياء – الكولاك – ضد الثورة ورفضوا تقديم الحبوب المكدسة لديهم إلى العمال الجائعين في بتروغراد وموسكو، وكانت عصابات اللصوص تسرق البذار وتقتل، لكن لينين كان متأكدا من أن الشعب الروسي بقيادة البلاشفة والعمال والفلاحين والجنود سيهزم المتدخلين الاستعماريين والرجعية الداخلية، وحملت صحف ومنشورات الشيوعيين الشعارات والمقالات والصور الكاريكاتورية إلى أقاصي البلاد. يومها قال ونستون تشرتشل الامبريالي جملته القذرة المشهورة: يجب القضاء على الدّجاجة الشيوعية الحمراء قبل أن تفرّخ. وقال لينين أيضًا جملته المشهورة: الباشا المصري الذي يدافع عن بلاده ضد الاستعمار أفضل من العامل البريطاني الذي يصنع السلاح ضد الثورة الاشتراكية.
العديد من العصابات في الداخل ظلت مرتبطة بالاستعمار، الذي يزودها بالمال والسلاح، وكانت محاولة اغتيال لينين في باحة أحد المصانع على يد المسمّاة براون.
لم يكن بالإمكان تجنيد الشعب الروسي ضد المتدخلين بدون الكلمة المطبوعة، وخاصة الجريدة الحزبية التي لعبت دورًا هائلا في التجنيد والتحريض وبمنتهى الوضوح، بلا تأتأة لأن الكلمة هي الغلاف المادي للفكرة، فإذا كانت فكرتك واضحة ثابتة راسخة فإن كلامك أيضًا سيكون واضحًا راسخًا.
وكم سخر لينين من ذوي المواقف الرخوة المتذبذبين المتسامحين، الداعين إلى الإصلاح وإمكانية التعايش مع النظام الرأسمالي شرط ألا يكون هذا النظام بهذه القسوة، وعليه ان يقدّم بعض الفُتات للعمال.
وعادة تتصدر الصحف الشيوعية الكلمات المأخوذة من البيان الشيوعي: يا عمال العالم اتحدوا! هذا الشعار الذي صاغه فريدريك إنجلز، بعدما كان الشعار المطروح في البداية: الناس كلهم اخوة، وتتصدر العديد من الصحف الشيوعية أيضًا صور ماركس وإنجلز ولينين وشعار المطرقة والمنجل أي تحالف ووحدة العمال والفلاحين.


وعادة تحمل الصحف الشيوعية أسماء ذات دلالة نضالية مثل الايسكرا، نجمة الصبح، نضال العمال، صوت الجماهير، الجماهير، الاتحاد، نضال الشعب، إلى الأمام، الوحدة، جريدة الشعب، صوت العامل، الطليعة، الطريق، الثورة...
إن شعار يا عمال العالم اتحدوا المقصود به أممية ووحدة كفاح الطبقة العاملة العالمية ضد الرأسمالية وطوره الأخير الاستعمار كما قال لينين: الاستعمار أعلى مراحل الرأسمالية وآخرها.
وعندما نستعرض مؤلفات ماركس وانجلز ولينين نرى المواضيع الجوهرية التي تعالجها مثل: رأس المال، الدولة والثورة، ما العمل، ضد دوهرينغ، أصل العائلة والملكية الخاصة، الثامن عشر من برومير لويس بونابرت، المرض الطفولي اليساري في الشيوعية، خطوتان إلى أمام خطوة إلى الوراء، المرتدّ كاوتسكي، حول الشعارات، موضوعات نيسان، وقد جمعت هذه المؤلفات والمقالات في مولفات آباء الماركسية.
إن محور الماركسية هو رؤية الرأسمالية والملكية الخاصة والقيمة الزائدة هي أساس البلاء، وان الاستعمار هو العدو الأساسي للعمال والبشرية، وفي مجال الفلسفة كان المنطلق: أيهما الأصل المادة أو الوعي، وقضية الحركة، والقوانين الجدلية – الديالكتيك وأهمها – قانون نفي النفي، والتراكمات الكمية وتحولها إلى تغيرات كيفية، وقانون وحدة وصراع الأضداد الذي هو جوهر الديالكتيك، كما ان المركزية الدمقراطية هي جوهر التنظيم الحزبي كما اسماه لينين حزب من نوع جديد، ومعروف ان قوانين الديالكتيك توصل إليها الفيلسوف هيغل ولكن على أساس مثالي، فجاء آباء الماركسية ونظروا إليها على أساس المادة وبرهنوا لأول مرة بشكل واضح: لا توجد مادة بلا حركة، ولا توجد حركة خارج حدود المادّة، وهذا هو الأمر الحاسم في الفلسفة، هذه هي المسألة الأساسية في الفلسفة.
لقد ناضل لينين بلا هوادة ضد تيارات الانتهازية والتحريفية والليبرالية الإصلاحية، وسخر من دمقراطية الاستعمار ورأس المال.
وقد كان هنالك ولا يزال تفاعل متبادل بين الماركسية والعلم، فقد اعتمدت الماركسية نظريا على فلاسفة اليونان القدماء، والعديد من المفكرين الألمان والفرنسيين بشكل خاص.
واليوم وبعد الانهيار يزداد دور الصحف الشيوعية أهمية، في الوضوح والمبدئية في خضم هذه الأحزاب الليبرالية والإصلاحية والاشتراكية الدمقراطية، واليوم يجب وأكثر من أي وقت مضى، ألا تكون الصحف الشيوعية مسبّبة للبلبلة تحت حجة الانفتاح وحرية التعبير، هذا إذا كانت هذه المواد معارضة للفكر الماركسي، فالصحف الشيوعية ليست صحفًا سياسية فقط، بل هي طبقية وفكرية وأممية وثورية.
وحبذا لو نعود إلى فتح صفوف دراسية ونثقف أنفسنا فكريًا وبعمق، بلا تردد، خاصة ونحن مقبلون على انعقاد المؤتمر السادس والعشرين لحزبنا الشيوعي، إن الوعي الايديولوجي هو المفتاح للوعي السياسي، والا نقع في أخطاء جسيمة فيما يجري حولنا وخاصة في العالم العربي، فإذا كانت اللينينية ضد تصدير الثورة، فكم بالحال يجب أن يكون موقفنا تجاه تصدير الاحتلال والغزو وتغيير النظم من قبل الاستعمار وخدمة له.
ملاحظة: هنالك العديد من الكتب والقصص التي تصف نشاط عصابات البيض ضد البناء الاشتراكي وعصيان الكولاك المدعومين مثل: طلقة في الجبال، ابن حرام، مضيق الثلوج والدماء، الشيوعي، الدم المقدس، الفولاذ سقيناه أو كيف سقينا الفولاذ، أرض الأم، المعلم الأول، الشامان الأبيض... والقائمة طويلة جدًا.