الدولة و الدين في الصراع بين المادية و المثالية


امال الحسين
2011 / 10 / 31 - 19:13     

الدولة و الدين في الصراع بين المادية و المثالية

نشأ الصراع الطبقي بعد تعدد المصالح و تعارضها بين الطبقات مما ساهم في بروز سيطرة طبقات على المصالح الإقتصادية لطبقات مناقضة لها و هيمنة الأيديولوجية السائدة بالقوة العسكرية بعد نشأة الدولة باعتبارها أداة للسيطرة الطبقية ، مما حتم صياغة قوانين تقر علاقات إنتاج تحمي مصالح الطبقات السائدة و تضمن هيمنتها الأيديولوجية و السياسية تستمد أصولها من التشريعات الدينية التي تستمد قوتها من خارج الواقع الموضوعي بعد صياغة تفسيرات ميتافيزيقية لكل الظواهر الطبيعية ، فأصبح المعتقد الديني جزءا لا يتجزأ من حياة الشعوب و عنصرا أساسيا في بناء الدولة و الذي تطور ليصبح شموليا يتدخل في كل تفاصيل حياة الشعوب اليومية في العالم بأسره.

و عرفت ظاهرة المعتقد تعبيرات متعددة و متنوعة مع تطور الصراع الطبقي و شكلت الكنيسة و الدير و المسجد رموزا مادية للمعتقدات الدينية الأكثر انتشارا في العالم و التي تستمد قوتها من توظيفها أيديولوجيا و سياسيا في الدولة الأوتوقراطية ، و عرفت هذه الأديان صراعات سياسية ما زالت مستمرة إلى يومنا هذا تنبع من عمق الصراع حول السلطة السياسية و الإقتصادية و العسكرية إلى حد سفك دماء الطبقات الشعبية المضطهدة ، خاصة في الوقت الذي أصبح فيه الدين تابعا للدولة الأوتوقراطية باعتباره المرجع الأساس في سلطة الأنظمة السائدة في عصر الإقطاع .

لقد برزت الديانة اليهودية على أنقاض الصراع في ظل العبودية عند الفراعنة بمصر كما جاء في أساطيرها انطلاقا من اعتبار الحاكم/الفرعون قد طغى في الأرض ، و ظهر موسى لمواجهة غطرسة الفرعون لبسط العدل بين الناس و القضاء على استبداده و انتشرت اليهودية عبر أرجاء العالم، و لعبت الديانة اليهودية دورا هاما في توحيد الآلهة بعد نقل مركزها من الأرض إلى السماء و اعتبرت أن حل تناقضات الصراع الطبقي موجود وراء الطبيعة في عالم آخر ، و تم تجاوز منظور تجسيد الآلهة ماديا في الأصنام كرموز مادية إلى توحيدها في إله واحد خارج الواقع الموضوعي من أجل إسقاط نظام الفرعون الإستبدادي و إقامة نظام بديل مكانه تسود فيه العدالة ، و جاءت الديانتان المسيحية و الإسلام في نفس سياق تغيير الأوضاع السياسية و الإقتصادية التي عجزت اليهودية عن تغييرها.

فالدين باعتباره منظومة فكرية ميتافيزيقية تستمد قوتها من خارج الواقع الموضوعي يتم استغلاله لبسط أيديولوجية الطبقات المسيطرة على السلطة السياسية و الإقتصادية و العسكرية لتيسير استغلال الطبقات المضطهدة ، من أجل التحكم في مصير الواقع الموضوعي الذي تدعي أنها ترغب في تغييره للتحكم في مصير الشعوب المادي والمعنوي ، حيث لا يمكن الحديث عن الدين خارج الشعوب التي نشأ في أحضانها بحكم العلاقة الجدلية بين الفكر الديني كنتاج لتطور الشعوب في العصور القديمة ، إذ لا يمكن تصور شعوب قديمة بدون عامل الدين و بالتالي لا يمكن تصور استمرار ديانة معينة دون حمايتها من طرف الدولة الأوتوقراطية ، ف"الديانات السماوية" تعتبر إفرازا طبيعيا لعهد الإقطاع التي ترعرع في أحضانها بحكم أهميته التاريخية الضرورية للسيطرة الطبقية في مراحل تاريخية محددة حيث شيوع سيادة الفكر الميتافيزيقي في مواجهة الفكر المادي.

و انطلاقا من العلاقة بين الديانة اليهودية و الحضارة الفرعونية التي عرفت قبل ذلك تعدد الأديان وفق قاعدة لكل ظواهر طبيعية إله حيث تعدد الآلهة و تنوعها بتعدد الظواهر الطبيعية وتنوعها، فإن هذه الحضارة كانت قائمة على أساس الممارسة العملية لكونها يغلب فيها اتجاه العمل اليدوي على العمل الفكري ذلك ما يتجلى في عظمة الأهرامات و الكتابة الهيروغليفية و التحنيط و الزراعة و الري ... مقارنة بالحضارة الإغريقية التي خلفت فلاسفة كبار ماديين و مثاليين و رياضيين و سياسيين أعطوا انطلاقة أولى لفكرة الدولة الديمقراطية.

إن بروز الدين في علاقته بالسماء في المجتمع الفرعوني جاء نتيجة فقر هذا المجتمع للصراع بين الفلسفة المادية و الفلسفة المثالية مما ساهم في ضعفه أمام عظمة الظواهر الطبيعية المتنوعة التي لم يستطع تفسيرها ماديا ، و هذا لا يعني أن المجتمع الإغريقي خال من الديانات إلا أن بروز الفلاسفة المعلمين الأوائل بالمجتمع الإغريقي واهتمامهم البالغ بالفكر العلمي مبكرا ساهم في محاولة التخلص من طابوهات الدين في الدولة الأوتوقراطية التي كان المعلم سقراط أحد ضحاياها بعد انتقاده للديانة الأثينية ، و مع بروز المسيحية كديانة سماوية ثانية بعد اليهودية و بناء الدولة الرومانية كدولة استعمارية أصبح للدين شأن كبير في حياة الدولة الأوتوقراطية ، و أصبحت الكنيسة مؤسسة ذات نفوذ أيديولوجي لها تأثير مباشر على الإتجاهات السياسية في الدولة الأوتوقراطية و الذي بلغ أوجه في الأنظمة الإستبدادية بأوربا ، بعد تحالف الإقطاع والكنيسة في ظل أنظمة مطلقة للحكم الفردي للملك الذي يسخر الدين لاستغلال خيرات الشعوب و السيطرة الطبقية على الطبقات المستعبدة ، وأصبح الدين أداة أيديولوجية في يد الحكام الذين سخروه لبسط سيطرتهم السياسية و هيمنتهم الأيديولوجية بالقوة العسكرية من أجل التحكم في الإقتصاد.

في هذه الظروف المأساوية التي وصلت إليها الديانة المسيحية كمعطى أيديولوجي و سياسي ظهر الإسلام في الجزيرة العربية كنقيض لليهودية و المسيحية اللتان فشلتا في بناء دولة ديمقراطية ودخل في صراع دائم معهما بدعوى نشر العدالة ، و سرعان ما تحول إلى أداة أيديولوجية في أيدي الحكام منذ الدولة الأوتوقراطية الأموية و العباسية و العثمانية و امتداداتها بشمال إفريقيا و الأندلس وصول إلى الدولة الأوتوقراطية العثمانية ، ذلك التوظيف الأيديولوجي الذي استمر إلى يومنا هذا من أجل مزيد من استغلال ثروات الشعوب من طرف الطبقات المسيطرة على السلطة السياسية والإقتصادية و العسكرية.

ففي كل مرحلة من المراحل التاريخية من الصراع الطبقي يتم توظيف الأديان في الدول الأوتوقراطية ليتم تجديد أساليب الفكر الميتافيزيقي في مواجهة الفكر المادي في صراع دائم رافق تطور تاريخ الشعوب ، و تقلصت أهمية الدين بعد تطور الفكر المادي مع انتقادات ابن رشد لفلسفة أرسطو التي كانت تهيمن على الثقافة الأوربية إلا أن انتقادات ابن رشد تمت مواجهتها بفلسفة طوماس الأكويني على عمل على تأويل استنتاجات أرسطو تأويلا مثاليا عكس تأويلات ابن رشد المادية ، و تم استغلال أفكار الأكويني في اللاهوت المسيحي حتى أصبحت فلسفة رسمية للكنيسة الكاتوليكية ضد الإتجاه الفلسفي المادي لابن رشد ، و نشأ الصراع من جديد بين المادية و المثالية قبل النهضة الأوربية لكن في اتجاه انتصار المادية نظرا لشروط الحياة المادية للحركة الإجتماعية و المعرفية بأوربا ، نتيجة ما عرفته القوى المنتجة الجديدة من تطور في القرن 14 التي مهدت الطريق لعصر النهضة بعد بروز العمل المأجور و تطور الرأسمال التجاري و ظهور الرأسمال الصناعي وبالتالي ظهور الأنظمة الرأسمالية ، و أصبحت البورجوازية في حاجة ماسة إلى بلورة مفاهيمها ومنظومتها الفلسفية التي ارتكزت على المادية من أجل بناء علاقات إنتاج جديدة تتوافق و مستوى تطور القوى المنتجة الجديدة في الدولة الأوتوقراطية ، و لم يجد المفكرون البورجوازيون في عصر النهضة إلا المنظومة الفلسفية لابن رشد في مواجهة الكنيسة الكاتوليكية التي سيطرت عليها أفكار طوماس الأكويني في ظل الأنظمة الفيودالية لبناء منظومة فكرية بورجوازية تقود الثورات الديمقراطية البورجوازية.

و استمر الصراع بين المادية و المثالية من جديد بقيادة الفلاسفة الفرنسيين و حققت الفلسفة المادية الفرنسية نجاحا باهرا في مجال الطبيعية دون القدرة على حسم مسألة التاريخ ، حيث لم يستطع الفلاسفة الفرنسيون إعطاء أجوبة حول علاقة الإنسان بالمجتمع و علاقته بالفكر ، مما جعل فلسفتهم المادية ناقصة حيث لم تستطع التوصل إلى العلاقة الجدلية بين تطور القوى المنتجة و علاقات الإنتاج الشيء الذي وضع أمامهم عوائق تغيير الأوضاع الإقتصادية ، حيث اعتبروا الإنسان نتاج ظروفه الإجتماعية و ليس هو صانع هذه الظروف نظرا لعدم قدرتهم على التخلص من النظرة المثالية للتاريخ و تطور الشعوب.

و كان لظهور مفاهيم البوبرجوازية و انتصارها على مصالح الإقطاع في أوربا بعد الثورات الديمقراطية البرجوازية أثر كبير في تحطيم تحالف الإقطاع و الكنيسة و الأنظمة الملكية و بناء دول ديمقراطية بورجوازية ، بعدما تمت محاكمة العقل بأوربا و تبني البورجوازية كنمط الحكم للتخلص من الأحكام الميتافيزيقية للدولة الأوتوقراطية بسن القوانين الوضعية التي تتماشى و تطور مفهوم الدولة في ظل الديمقراطية البورجوازية ، بعد بروز مفهوم العلمانية نسبة إلى العلم في علاقته بالعالم لأول مرة مع توقيع صلح وستفاليا عام 1648 الذي أنهى الحروب الدينية في أوربا من أجل بناء الدولة القومية الديمقراطية البورجوازية ، و أصبحت الكنيسة مجردة من سلطتها على السياسة و بالتالي إبعاد الدين عن الدولة للحيلولة دون استغلاله أيديولوجيا .

و تطور مفهوم العلمانية ليتعدى فصل الدين عن الدولة و السياسة إلى فصل الدين عن جميع مناحي الحياة مع تطور مفهوم المادية ، و كان لتطور الرأسمالية و بروز الصراع الطبقي بين الرأسمال و العمل و ظهور المفاهيم الإشتراكية أثر كبير في تطور مفهوم العلمانية.

لقد عاشت الفلسفة المادية و الفلسفة المثالية في صراع دائم باعتبارهما مذهبين متناقضين حتى أصبحتا حزبين متناقضين يخدم كل منهما مصلحة طبقة متناقضة للأخرى ، فالمثالية تخدم مصالح الطبقة البورجوازية لاستغلال الطبقة العاملة و تعتبر الفلسفة المادية نقيض الأيديولوجية البورجوازية والأساس النظري للصراع الطبقي بين الرأسمال و العمل .

و حاول كانط التخلص من الصراع بين المادية و المثالية و طرح إشكالية المنهج العلمي واعتبر أن دور الفلسفة هو البحث عن الظواهر و أكد على مفهوم "اللامعقول" مما جعله يقع في التناقض الذي وقع فيه أرسطو الذي اعتبر أن الجوهر هو "اللامعقول" ، و انتقد هيكل فلسفة كانط انطلاقا من مفهوم التناقض الذي اعتبره الجوهر النهائي الذي يتم البحث عنه مما أحدث تحولا كبيرا في الفلسفة المادية بتأسيسه لمفهوم الصيرورة الجدلية ، باعتبار العلاقة بين الأشياء علاقة تناقض داخلي و الذي يعتبر جوهر كل شيء و هذه العلاقة في تناقض دائم فيما سماه الصيرورة الجدلية في ظل وحدة الأضداد ، وصاغ هيكل مفهوم "الملموس" الذي يعتبر نقيض "المجرد" و اعتبر أن الحقيقة المجردة غير موجودة و أن الحقيقة لا يمكن أن تكون إلا ملموسة ، و أسس منهج الجدلية و اعتبر أن تاريخ البشرية ينطلق من "الفكرة" انطلاقا من الفكر الخالص و وصولا إلى "الفكرة المطلقة" ، و انتقد فويرباخ مفهوم "الفكرة المطلقة" عند هيكل و رأى أنه لا يمكن للتطور التاريخي أن يكون مجرد تطور فكرة مطلقة ، و اعتبر المنظومة الفلسفة لهيكل ذات اتجاه فلسفي مثالي ، معتبرا أن الإنسان هو أساس حركة التاريخ و ليس الفكرة المطلقة متجاوزا بذلك فلسفة هيكل المثالية بوضع الإنسان الملموس مكانها.
و اعتبر كارل ماركس أعمال هيكل مهمة لكونه وضع الجدلية التي تشكل علاقة التناقض ومحرك الصيرورة الجدلية لكن الفكرة المطلقة أفقدته مضمونه المادي ، مما جعل نظرية هيكل نظرية مثالية في حاجة إلى التطوير عبر إخراج جدلية هيكل من الفكر إلى الواقع ، و أقر ماركس أن الجدلية يجب أن تنطلق من الواقع الملموس الذي تتحرك فيه من أجل تحويل جدلية هيكل من الجدلية المثالية إلى الجدلية المادية ، مما دفعه إلى المراجعة الكاملة لفلسفة هيكل بدءا بمفهوم الدولة التي رآها هيكل طرفا ثالثا في التناقض بين الطبقات المتصارعة و جعلها حلا لهذا لتناقض ، و اعتبر ماركس الدولة أداة لخدمة مصالح أحد المتصارعين عكس تناقض هيكل الذي يعتبر تناقضا تصالحيا كنتاج لفلسفته المثالية .

و عمل ماركس على البحث عن التناقض التناحري و اعتبر التناقض بين الطبقات المتصارعة جوهر الصيرورة الجدلية ، و مصير هذا التناقض ينتهي بالقضاء على أحد المتصارعين و في نفس الوقت يتم فرز تناقض تناحري جديد في ظل صيرورة جدلية جديدة تفرز علاقة تناقض جديدة ، واعتبر إن الجوهر ليس شيئا ثابتا بل هو معطى متحرك لأن الحل الجديد قد ينفي التناقض القديم كما يمكن أن يؤدي إلى فرز متناقضين جديدين أو عدم تحقيق النفي ، لأن قوانين التطور الإجتماعي هي التي تحدد التطور التاريخي لكن دون تحديد شكل الحل النهائي للتناقض الذي قد يتضمن مجموعة من الحلول وليس حلا واحدا ، و اعتبر ماركس أن الصيرورة الجدلية تسير وفق الحلول الممكنة إذ يمكن أن تكون وفق نفي النفي أو عكسه ، و أكد أن "إنسان" فويرباخ لا يختلف عن "الفكرة المطلقة" عند هيكل لأن الإنسان هو الفاعل في التاريخ إلا أن فويرباخ لم يقم إلا بتعويض "الفكرة المطلقة" عند هيكل ب"الإنسان الملموس" خارج الواقع الملموس نظرا لشوائب المثالية في فكره.

و أكد ماركس أن الفكر جانب من الجوانب المتعددة التي تؤثر في التطور التاريخي وفق قوانين التطور الإجتماعي ، و سعى إلى تغيير الواقع الملموس انطلاقا من اكتشاف قوانين التطور الإجتماعي التي تتحكم في الصيرورة الجدلية للتناقض التناحري بين الطبقات المتصارعة و اعتبر أن الصراع الطبقي هو المحرك الأساسي للتاريخ ، فالفلاسفة في نظره لم يعيروا اهتماما للعلاقات الإجتماعية الملموسة في تفسيرهم للتاريخ بقدر ما قاموا بتفسير ظواهره مما عكس مسار تفسير التاريخ لديهم بانطلاقهم من الظواهر للوصول إلى الجوهر ، و بذلك قاموا بقلب العلاقات الموجودة في الواقع الملموس/الأيديولوجية ، و أسس ماركس نظريته المشهورة المادية التاريخية و المادية الجدلية و انتقل من الإيديولوجية إلى علم التاريخ ، و اعتبر أن المحرك الأساسي للتاريخ هو التناقض الجوهري بين القوى المنتجة الجديدة و علاقات الإنتاج القديمة ، و على أساس هذا التناقض الجوهري يقوم الصراع الطبقي الذي يعتبر المحرك الأساسي للتاريخ ، و المادية التاريخية ليست فقط علما للتاريخ و لكنها كذلك أيديولوجية الطبقة العاملة و قام بتفسير التاريخ تفسيرا علميا عبر المادية الجدلية التي تعتبر الطبقة العاملة الطبقة المؤهلة لإنجاز الثورة ، و لم يقتصر عمل ماركس على نقد الأسس النظرية للمنظومة الفلسفية لهيكل وفويرباخ بل حقق إنجازا عظيما على مستوى علم الإقتصاد ، و ذلك بنقد الإقتصاد السياسي عند ريكاردو و أوضح أن الرأسمالية نظام تناحري و يتجلى ذلك في استغلالها لقوة عمل الطبقة العاملة من طرف الطبقة البورجوازية ، فوجود الطبقات في النظام الرأسمالي يحتم وجود الصراع الطبقي بين الطبقة العاملة و البورجوازية ، و هو صراع تاريخي لا يزول إلا بزوال أسبابه/وجود الطبقات المتناقضة في المجتمع الرأسمالي التي لن تزول إلا بتحقيق الشيوعية.

و بقي الصراع مستمرا بين المادية و المثالية و تداعياتهما على بناء الدولة في الصراع بين الدولة الأوتوقراطية و الدولة الديمقراطية البورجوازية بينما ماركس يرى الحل في زوال الدولة عبر المرور من الدولة الديمقراطية البروليتارية ، و شن المتشبثون بالمنظور الديني للحياة هجومهم على المذهب الماركسي خاصة بالدول العربية التي ما زالت تعيش في مرحلة ما قبل فصل الدين عن الحياة و على رأسها دول الإقطاعيات و البورجوازيات العربية ، وتنامى هذا الهجوم من طرف الأنظمة العربية الرجعية التي تسعى إلى مزيد من استغلال الدين لبسط سيطرة الديكتاتوريات الكومبرادورية على الشعوب ، و تم استغلال الصراع بين المنظومة الإشتراكية والرأسمالية خلال ما يسمى بالحرب الباردة لتوظيف الدين ضد حركات التحرر الوطنية .

و قامت الصهيونية ببناء دولة عنصرية على أنقاض اليهودية ضد وجود الديانتين المسيحية والإسلام بفلسطين مما ركز توظيف الدين أيديولوجيا في العصر الحديث من أجل أهداف سياسية واقتصادية ، و ركز الصراع بين الديانات تحريف الصراع الطبقي عن مساره الحقيقي المتجلي في التناقض بين الرأسمال و العمل و بين الإمبريالية والشعوب المضطهدة و على رأسها الشعب الفلسطيني، و بالتالي الهجوم على الحركة الماركسية اللينينية التي تم تأسيسها من طرف المناضلين الثوريين خاصة بالمغرب بعد تأسيس منظمة "إلى الأمام" و منظمة "23 مارس" في 1970 ، و الذي تم تركيزه في افتعال حرب أكتوبر في 1973 و الدعاية لانتصار الجيوش العربية باعتبار هذه الحرب ذات منطلقات دينية/الإسلام عكس حرب 1967 ذات المنطلقات المادية/دول الإقطاعيات و البورجوازيات العربية التي انهزمت في الحرب ، و كان اختيار شهر رمضان لإجراء أطوار هذه الحرب المفتعلة واضحا في استغلال الإسلام أيديولوجيا و سياسيا لضرب عمق البعد التقدمي للثورة الفلسطينية التي كانت تعتبر رمز الثورة العربية.

و قد تطور توظيف الدين أيديولوجيا و سياسيا في ظل الإمبريالية بعد سقوط التجربة الإشتراكية بالإتحاد السوفييتي مع بروز ما يسمى بالمحافظين الجدد بأمريكا و الدول الأوربية ، بعد نشر ما يسمى ب"صراع الحضارات" المرتكز على الصراع بين المسيحية و الإسلام من طرف الإمبريالية لمواجهة الثورة العربية و دعم الصهيونية في مشروعها العنصري المرتكز على الصراع بين اليهودية والإسلام، و برز دور المحافظين الجدد بأمريكا و الذين وظفوا الدين في كل خطاباتهم و طقوسهم السياسية الممتزجة بالطقوس الدينية بزعامة بوش بعد الحرب الإمبريالية على العراق في 1991 ، مما ساعد تركيز عامل الدين من جديد في الصراع القائم اليوم على السلطة السياسية و الإقتصادية بعد توظيفه أيديولوجيا في الحروب اللصوصية الإمبريالية في أفغانستان و العراق و فلسطين و لبنان ... استمرارا للمشروع الإمبريالي الصهيوني بعد سقوط الدولة البوليسية بإيران في 1979 و قيام دولة أوتوقراطية تدعي الثورة باسم الدين مما أشعل نار الحرب بين إيران و العراق باسم الدفاع عن الإسلام و الوطن الإسلامي ، بعد تركيز نيران الحرب الأهلية بلبنان باسم الصراع بين المسيحبين و المسلمين لضرب مفهوم الدولة الوطنية التي جعلت من لبنان مركزا لانطلاق الثوار الفلسطينيين ضد الدولة البوليسية الصهيونية العنصرية ، تمهيدا للتحضير للهجوم على الثورة الفلسطينية بعد اتفاقية كامب ديفيد و عقد الصلح بين مصر والصهيونية و بالتالي طرد المقاومة الفلسطينية من جنوب لبنان.

و كان توظيف الإسلام بارزا من طرف الإمبريالية خلال مرحلة الحرب الباردة ضد المد الإشتراكي في الدول العربية بزعامة المذهب الوهابي بالسعودية ، و كانت الحرب الأولى بأفغانستان ضد البيروقراطية التحريفية بالإتحاد السوفييتي مسرحا لتوظيف الإسلام من طرف الإمبريالية في علاقته بتوظيف اليهودية من طرف الصهيونية في الصراع بفلسطين لبسط السيطرة الإمبريالية على الخيرات الطبيعية بالمنطقة ، وكان لا بد من بروز الصراع السياسي و الإقتصادي اللذان يطفو على سطحهما توظيف الدين في الصراع الذي اتخذ عدة أشكال في الحرب الثانية بأفغانستان ، فمن جهة يتم تأسيس منظمات ذات توجهات إسلاموية (طالبان، القاعدة، حزب الله، حماس، الجهاد ...) باسم مقاومة الغطرسة الإمبريالية و الصهيونية ، و من جهة ثانية يتم إعلان الحرب على هذه المنظمات من طرف الإمبريالية و الصهيونية و الرجعية العربية بدعوى الحرب على الإرهاب ، و هكذا أصبح الدين مسخرا من جديد أيديولوجيا و سياسيا في الصراعات السياسية حول القضايا الإقتصادية عبر الوسائل العسكرية بعدما كان مبعدا عن أيديولوجية الدولة الديمقراطية البورجوازية.

و مع اندلاع الثورات المغاربية و العربية على ديكتاتوريات الإقطاعيات و البورجوازيات العربية تم توظيف الدين لعرقلة مسارها الصحيح في اتجاه بناء دول أوتوقراطية تابعة للإمبريالية ، فبعد نجاح المحافظين بتركيا في إقحام عامل الدين في الدولة الديمقراطية البورجوازية التي بناها كمال أتاتورك و إسقاط ديكتاتوريات تونس و مصر و ليبيا ، يتم التهييء لبناء النموذج التركي الأوتوقراطي في مواجهة النموذج الإيراني الأوتوقراطي بدعم التنظيمات الإسلاموية المعتدلة الطيعة لإملاءات الإمبريالية و الصهيونية ، من أجل ضمان استمرار استغلال ثروات الشعوب و على رأسها تدفق البترول و الغاز على الدول الإمبريالية بتعاون مع المذهب الوهابي الذي ترعاه الدولة الأوتوقراطية السعودية و حلفائها بالخليج ، و هكذا أصبحت كل الإنتفاضات الشعبية المغاربية و العربية تهيمن عليها الحركات الإسلاموية المدعومة من طرف الإمبريالية و الوهابية التي تفرض سيطرتها على الأحزاب الإصلاحية و التحريفية ، و قد بلغت حد بناء تحالفات لا مبدئية بين الظلامية و الإصلاحية و التحريفية من أجل الوصول إلى السلطة عبر الركوب على انتفاضات الجماهير الشعبية.