لا خلاص لشعوب المنطقة إلا في الاشتراكية ... وفي وجود قيادات ثورية وتنظيمات ماركسية


محمد بودواهي
2011 / 10 / 29 - 20:53     

نمط الإنتاج السائد في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط هو نمط إنتاج رأسمالي تابع للرأسمال الإمبريالي العالمي مبني على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج واستغلال العمل المأجور . فهده الدول توجد اليوم عرضة لنهب القوى الأجنبية والشركات المتعددة الجنسيات وتلعب الأنظمة القائمة فيها دورالدركي و الحليف الاستراتيجي للإمبريالية التي يعمل لصالحها في ضمان الاستقرار في المنطقة وتقوم بجميع الأعمال القدرة عوضا عنها . فالسيطرة العسكرية والإدارية المباشرة التي كانت تمارسها الإمبريالية الاستعمارية استبدلت بسيطرة فعلية اقتصادية ومالية عبر آليات التبادل التجاري الغير متكافئ ، تدخل الشركات العابرة للقارات والديون الخارجية الخانقة والمدلة .
في هده المنطقة من العالم يتخد شكل الحكم طابعا ديكتاتوريا متسلطا حيث كل السلطات والقرارات الهامة بيد الملك أو السلطان أو الرئيس الدي لا تنتهي ولايته إلا بالموت أو الانقلاب ، والاصلاحات التي يقومون بها من حين لآخر لا تعدو أن تكون سوى زخارف قروسطوية ومحاولات يائسة لإدخال تحسينات على نقاط ارتكاز الديكتاتورية وإعادة هيكلتها من جديد تفاديا للسقوط المدوي الدي قد يأتي في كل لحظة وحين .
فالطبقة البرجوازية الموجودة في المنطقة هي طبقة رجعية بالمطلق ومرتبطة كليا بالإمبريالية كما أنها طبقة جد طفيلية وريعية ، وهي عاجزة عن لعب الدور الدي لعبته البرجوازية الفرنسية في ثورة 1789 في النضال ضد الفيودالية والحكم الفردي . وهناك جزء منها يستعمل النزعة القومية لخداع الجماهير للفت انتباههم عن دورها الاستغلالي الدي لا يخدم إلا مصالحها ومخططاتها ، وبدلك هي لا تمارس فقط الاضطهاد الطبقي بل تمارس الاضطهاد القومي أيضا .
الأحزاب الإسلاموية التي تنضح بها المنطقة ضربت أطنابها في جدور المجتمعات وأسست الفكر السياسي على كره الآخر ، وعلى منطق الإيمان والكفر والشعوبية البغيضة التي - مند أن بدأت في عهد العباسيين والأمويين - كانت وبالا على شعوب المنطقة ، ولنا في خطاب بعض المشايخ الكبار كالقرضاوي وزغلول النجار وفقهاء السعودية المتخلفين ما يدل على هده الخطورة . فهؤلاء لا يؤمنون بالخيار الديموقراطي وبالعلمانية والحداثة وبالدولة المدنية ، الدولة التي تستوعب جميع مواطنيها ، بل هم يريدون ديموقراطية متحكم فيها أو يسمح لهم في ظلها بالوصول إلى السلطة وبعد دلك الانقلاب عليها . إن الضرورة تستدعي النضال ضد رجال الدين ومكافحة التيارات الإسلاموية والاتجاهات المماثلة التي تسعى إلى الدمج بين حركة التحرر الوطني ضد الإمبريالية الغربية وعملائهم الحاكمين وبين محاولة تقوية مواقف الزعماء القبليين وكبار ملاك الأراضي وأرباب المصانع البرجوازيين وما إلى دلك .
إن حركة الجماهير الرائعة في تونس ومصر وليبيا ليست سوى البداية . لقد صارت تطورات الثورة على رأس جدول أعمال الشعوب ولا يمكن لأي بلد أن يعتبر نفسه في منأى عن السيرورات النضالية الثورية . فالجماهير الشعبية هي التي قامت بالدور المركزي وهي التي كانت القوة المحركة للأحداث من البداية حتى النهاية . وحتى وجود أجهزة قوية للقمع لم تشكل ضمانة ضد الثورة التي اتخدت شكلا جدريا على الفور ولم يكن في مستطاع أنظمة مبارك ولا بن علي ولا القدافي إيقاف الشعار الأكثر ثورية ( الشعب يريد إسقاط النظام ) من التردد عاليا . فخلال العقود الأربعة أو الخمسة الماضية انطبع مزاج الجماهير في المنطقة بخيبة الأمل والإدلال والهزائم ، لكن الآن تحولت الأمور وتغير كل شيء . إن فكرة الثورة لها معنى ملموسا جدا في المنطقة اليوم . إنها تستولي على عقول الملايين وصارت قوة مادية فاعلة . والأفكار التي كانت ترتبط ببضعة أشخاص فقط صارت تقنع الآن وتعبئ الملايين . إن الثورة ترفع الوعي إلى مستوى أعلى . إنها تسحب البساط من تحت أقدام الرجعيين الدين خدعوا الجماهير وأربكوا وعيها بسموم الفكر البرجوازي والفكر الخرافي على السواء .
لقد جاءت الثورة في بلدان المنطقة من تحت . فهي لم تكن منظمة من قبل أي من الأحزاب السياسية ولا من قياديين معروفين ، بل نظمت من طرف مجموعات من الناس معظمهم من الشباب وفروا القيادة التي عجزت أحزاب المعارضة عن توفيرها . مجموعات فضفاضة بدون إيديولوجية محددة استجابت لها الجماهير على حين غرة وبأعداد هائلة وهي شهادة بليغة على الإمكانات الثورية الهائلة التي تختزنها الطبقة العاملة وعموم جماهير الشعب في جميع البلدان .
إن الثورة تحدث عندما تتوفر كل الشروط الموضوعية . فلا يمكن للجماهير أن تنتظر حتى يتم بناء الأداة الثورية . لكن وبمجرد ما تتوفر هده الشروط تصير مسألة القيادة مسألة حاسمة جدا وتفرض نفسها ، فهي التي تحدد في غالب الحالات الفرق بين الهزيمة والنصر . فالجماهير تتعلم من خلال النضال ولا تكون لديها خطة جاهزة في بداية الثورة ولدلك فعنصر القيادة هام جدا في الصراع . وهدا لا يعني بالطبع أنها العنصر الوحيد والحاسم . فحتى أبرع القادة السياسيين لا يمكنهم أن يضمنوا الانتصار إن لم تكن الشروط الموضوعية للثورة مواتية .
ففي غياب القيادة الثورية غالبا ما ينتهي الصراع إلى الهزيمة . فحتى لو نجحت الثورة في إسقاط النظام الحاكم فإنه لن يكون كافيا لضمان النصر حتى نهاية المطاف . فالعدو الطبقي سوف يعيد تجميع صفوفه من جديد ويعيد تنظيم نفسه وتعديل تكتيكاته من أجل القيام بهجوم مضاد . وانعدام وجود قيادة ملائمة وكفؤة في مثل هده الحالات سوف يكون نقطة ضعف قاتلة .
إن أكبر نقطة ضعف يواجهها الماركسيون اليوم هو كون الأفكار الماركسية ، التي هي الأفكار الوحيدة التي يمكن أن تعطي الحل للجماهير المضطهدة وتقودها نحو حسم السلطة وبناء الاشتراكية ، لا يزال انتشارها ضعيفا . إن الماركسيين لا زالوا مجموعات صغيرة وعدد الكوادر الماركسية لا يزال محدودا ، وتتمثل المهمة الأكثر استعجالية في بناء منظمة ماركسية للكوادر ستكسب الحق في اعتبارها القيادة الثورية من طرف الجماهير . إن هدا العمل يتطلب وقتا ليس بيسير ، يتطلب سنوات بل حتى عقود . والتحول إلى قيادة ثورية لا يتم عبر إعلان دلك بل يتم اكتسابه على المستوى النظري والسياسي وكدلك على مستوى الممارسة الدي يوضح للجماهير الطريق نحو الاشتراكية وطرق النضال الملائمة .
ولدلك فإن المهمة المباشرة التي يحددها الماركسيون لأنفسهم لتغيير هده الأنظمة الفاسدة وهدا الواقع المرير هي بناء قيادة عمالية ثورية قادرة على قلب النظام الرأسمالي التبعي السائد ، واستبدال الديكتاتورية الرأسمالية بجمهورية اشتراكية تضمن لجميع المضطهدين والفقراء حياة كريمة خالية من الاستغلال والقمع والفقر . وهدا بالطبع ليس ممكنا إلا بالقضاء على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ، وهو ما سيتم عبر مصادرة الشركات المالية والصناعية الرأسمالية المحلية منها لوالعالمية وتأميمها ووضعها تحت الرقابة والتسيير الديموقراطي للعمال وفق مخطط اشتراكي للإنتاج ، سيتبدل ما يسمى اقتصاد السوق بتخطيط النشاط الاقتصادي لخدمة الحاجيات الاجتماعية للأغلبية الساحقة من العمال والفلاحين وليس مصالح حفنة من الأغنياء .
إن مصادرة الأراضي الكبرى وتأميمها هو الشرط الأساسي لتقسيمه على الفلاحين وتشكيل التعاونيات الفلاحية الاختيارية ، بارتباط مع الصناعة الغدائية المؤممة والموضوعة تحت رقابة العمال . إن الفلاحين لا يمكن أن يستفيدوا من إيجابيات أشغال البنية التحتية ( الطرق ، الموانئ ، الكهربة ، الآليات ، النقل .... ) إلا في إطار مخطط اشتراكي للإنتاج . كما أن تأميم النظام المالي هو الدي سوف يضمن لهم الحصول على قروض بفوائد منخفضة لتمويل مشاريعهم .
إن أجهزة الدول الفاسدة في المنطقة يجب أن تستبدل بأجهزة دول عمالية ، دول ديكتاتورية البروليتاريا التي ستقوم على أساس وقاعدة مجالس جماهير العمال والفلاحين الفقراء والتي ستأخد على كاهلها مهمة تسيير وإدارة الدولة عبر الانتخابات الديموقراطية . إن الديموقراطية العمالية لا تعني نظام الحزب الوحيد . فالاشتراكية تتضمن وجود وتطور أحزاب متعددة مع استثناء الكيانات الفاشية ، جميع الأحزاب التي تقبل بالعمل في ظل نظام الاقتصاد المخطط والمؤمم . والاشتراكية لا تعني تقليص الحريات والحقوق الديموقراطية ، بل توسيعها مقارنة مع ما هو موجود في ظل الأنظمة البرجوازية الأكثر " ديموقراطية " . إن الحقوق الديموقراطية المتوفرة في ظل النظام الرأسمالي هي قبل كل شيء ثمرة لنضال العمال ومنظماتهم وليس هي من طبيعة النظام نفسه .
ففقط عندما يصبح الاقتصاد ملكية جماعية ومسيرا بطريقة ديموقراطية ستصبح مسألة صنع القرار بشكل جماعي مسألة واقعية ، وسيصبح بإمكان جميع أفراد المجتمع أن يناقشوا ويتحاوروا حول أي طريق يمكن اتباعه ويقرروا في الحياة السياسية من خلال التصويت الديموقراطي .
إن الاشتراكية لا تعني سوى أن الأغلبية تحكم لصالح الأغلبية .
لقد قال ماركس دات يوم : إن الخيار أمام الإنسانية هو إما الاشتراكية أو الهمجية .