الثورات العربية والشمال إفريقية : حجمها وأفقها....


محمد بودواهي
2011 / 10 / 23 - 16:36     

خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر عرفت فرنسا وغيرها من البلدان الاوربية ثورات سياسية واجتماعية متعددة انتقلت على إثرها تلك المجتمعات من أنظمة سياسية ملكية شمولية مطلقة استبدادية تجمع فيها الطبقة الحاكمة الارستقراطية أو لنقل الفرد ( الملك ) كل السلط التنفيدية والتشريعية والقضائية والدينية بين ايديها معتمدة في دلك على الدور الهام والحاسم الدي كانت تلعبه الكنيسة ونظرتها القائمة على نظرية الحق الإلهي حيث كان الإمبراطور أو الملك يدعي أن له كامل الحق في حكم الناس وفق مشيئته ويخضعهم لهواه ، وكان البابا يبارك خطواته ويلزم الشعب بإطاعته لأن دلك يأمر به الله وتمليه السماء . فظلت عروش أوربا تتوارثها سلالات وعائلات معينة لا يجرؤ أحد أن ينتقدهم أو ينافسهم إد أن الرعاع كلهم مقتنعون تماما بأنهم يستمدون حكمهم من الله مباشرة ¨، وبدلك كان الحكام الطغاة الدين يتبجحون بنظرية الحق الإلهي هم الدين يمثلون أسوأ النمادج للجبروت والاستبداد . .. قلت انتقلت إلى أنظمة سياسية اعتمدت على نظرية العقد الاجتماعي التي ترجع نشأة كل من المجتمع والسلطة إلى فعل التعاقد بين الناس من ( عقد ) ينص على توفير الحماية لهم والمساواة بينهم ، على الرغم من أن الغرض الحقيقي من دلك هو تكريس اللامساواة التي نتجت عن الملكية الخاصة ، وعلى الرغم كدلك من أنه يقوم على أساس افتراضي خيالي لا أساس له من الواقع إد أن الأفراد لم يبرموا هدا العقد قط ؟؟ وقد أخدت نظرية العقد الاجتماعي في كتابات روسو منحى ديموقراطي حيث أكد أن السيادة للشعب في حين أنها كانت سابقا - في كتابات هوبز مثلا - تأخد منحى شبه استبدادي قائم على السلطة المطلقة . ورغم دلك فقد لاقت نظرية العقد الاجتماعي ترحيبا حارا ونجاحا ملحوظا وكان لها تأثيرها على الثورة الفرنسية .... وساهمت بشكل كبير في التطور الديموقراطي في أوربا .
وبعد القيام بسلسلة من الثورات الاجتماعية الإصلاحية المتتالية أصبحت مجمل الدول الغربية تعيش في ظل أنظمة ديموقراطية ليبرالية قائمة بالإجمال على مبادئ التداول السلمي للسلطة ، وعلى حماية القانون والحقوق والحريات للأفراد والجماعات والمواطنين أغلبية كانوا أو أقليات ، وعلى ضمان الحق في الاختلاف والتعدد ، وعلى المساواة بين المرأة والرجل ، وعلى تنظيم العلاقات والمسؤوليات بين المؤسسات التشريعية والتنفيدية والقضائية وإيجاد التوازن بينها بحيث لا تستبد إحداها بأمور الدولة ، ودلك عن طريق تثبيت قوانين بهدا الخصوص في الدستور .
في العالم المسمى بالعربي ، وفي ظل الثورات الشعبية المتتالية التي أتت على أنظمة استبدادية قهرية متخلفة ، يتساءل الجميع عن طبيعة الأنظمة السياسية التي ستخرج من رحم هده الثورات وعن التوجهات التي ستنهحها السلطات المقبلة في الحكم ، وعن المبادئ والأفكار والأحكام والبنود التي ستتضمنها الدساتير المتفاوض بشأنها ، وعن الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والبيئية.... التي ستؤسس لها ، وعما إن كانت ستسعى بكل إمكاناتها المادية والمالية لأن تبني اقتصادا وطنيا مستقلا يستجيب لتطلعات الشعب المشروعة في الحياة الكريمة ....؟؟؟
فرغم أن الثورات أظهرت شكلا من التنظيم قل نظيره إد هي جاءت بصفة تلقائية ولا قيادات لها إلا أنها كانت منظمة ومنظبطة إلى حد كبير حيث أنها لم تعرف خرقا واحدا للنظام وأفلحت في التوصل إلى طرح الشعار الأوحد إسقاط النظام رغم اختلاف الفئات والطبقات الاجتماعية وتنوعها ورغم تعدد الطوائف والإثنيات ورغم تفاوت الأعمار ... إنها ثورات جاءت بفعل جماهير الشعوب وتميزت باستماتاتها البطولية في وجه آلة القمع والتقتيل والتصفية الجهنمية البشعة التي مارستها مختلف الأجهزة البوليسية والمخابراتية وحتى العسكرية في بعض البلدان ، وبإصرارها القوي وعزمها الأكيد على تحقيق التغيير - مهما كلفها دلك من ثمن - من أجل مجتمع أفضل ينعم فيه المواطنون بالديموقراطية والحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية ، وتحترم فيه حقوق الإنسان ، وتتوزع فيه خيرات الوطن بين جميع أفراد المجتمع بشكل عادل يضمن الكرامة لجميع المواطنين بدون إقصاء أو تهميش ....إلا أنها تبقى رغم دلك ثورات ناقصة وقابلة للإحتواء والإرتداد في كل لحظة وحين من قبل عصابات البرجوازية المتعفنة الخائنة واغتصاب السلطة من جديد لتصبح الدولة في يد الخونة المتحالفين مع أسيادهم الإمبرياليين فيرتكز برنامجها على الاستغلال المكثف لمختلف طبقات المجتمع وهو ما يعني تفويت الفرصة على قوى سياسية هي المؤهلة حقيقة لقيادة المرحلة ، وهي قوى تتبنى في أجندتها منظورا سياسيا مختلفا لما دأب عليه النظام العربي والشمال إفريقي الرسمي ، لكونها تولي أهمية كبيرة للبلاد والعباد ولها رؤية ترمي أهدافها إلى خلق ظروف تحتم التغيير الجدري على مستوى البنية الاقتصادية وتفرز سياسة وطنية تراعي المصالح الاستراتيجية للوطن قبل غيره كما تحتم النظر في البنية المعقدة للعلاقات الدولية مما يفترض حتما قطع بنية العلاقات الكولونيالية التبعية المتحكمة في مصير هده الشعوب في اتجاه يخدم أمنها القومي والغدائي ويحقق لها تلك الانتقالات المجتمعية المتتابعة نحو الديموقراطية الفعلية ومن تم نحو الاشتراكية .
إن الثورات الشعبية التي عرفتها منطقة الشمال الإفريقي هي - على كل حال - قفزة نوعية قد تنتقل بها مجتمعاتها من مرحلة الحكم الشمولي السافر إلى مرحلة الحكم الديموقراطي النسبي على مقاس الكيانات الأوربية عندما ثارت ثوراتها الأولى ضد الحكم المطلق المدعم من قبل الكنيسة ، هي نوعية لأنها بالضرورة ستفسح المجال واسعا لمقاربات سياسية جديدة ستفرز مستقبلا مسارا آخر متقدما من نضال الجماهير ......