الانتخابات و خطأ الاستعجال الثوري

مصطفى عمر
2011 / 10 / 23 - 10:32     

يستعد 10 مليون مصرى فى الأسابيع القادمة للتوجه إلى صناديق الإقتراع للإدلاء بأصواتهم فى أول إنتخابات برلمانية يعتقد فيها الناخبين أن أصواتهم لن تزور فيها وأن إرادتهم لن تزيف.
و سيخرج ملايين من العمال و الفلاحين الفقراء و الموظفين و بكثافة عالية من المحلة إلى شبين إلى القاهرة الي الإسكندرية و بنى سويف للمشاركة فى الإنتخابات.
سيخرج عمال يقودون أكبر موجة إضرابات في تاريخ البلاد للتصويت و سيدفع العمال بمرشحين عماليين للدفاع عن مصالح الطبقة العاملة فى هذة الإنتخابات و التعبير عن رغبة العمال في تغيير الأولويات الإجتماعية في مصر لمصلحة المنتجين و الفقراء.
و ستكون معركة الإنتخابات البرلمانية مسرحا للنقاش السياسى الحامى و الجدل الحاد بين كل التيارات السياسة لطرح أفكارها و برامجها الأقتصادية و السياسية.
سيخرج الليبراليون فى الكتلة المصرية ببرنامج يعرف الحرية على أنها حرية السوق ويعرف العدالة الإجتماعية على أنها مجرد موافقة الرأسماليين المستغلين على دفع أجور للعمال لا تكفي لحياة أدمية بناء على قاعدة: العقد شريعة المتعاقدين.
و ستتنافس التيارات الدينية بين السلفيين و الجهاديين و الإخوان على من سيقنع ملايين العمال بشكل أفضل أن شعار "الأسلام هو الحل" و معاداة الأقباط و مساندة المجلس العسكري هى الطريق لمستقبل أفضل للفقراء.
و ستنتظر الطبقة الحاكمة المصرية التى تنهب قوت العمال و الفقراء و معها المجلس العسكرى القائم بإدارة شئونها بعد أن أطاحت ثورة الشعب بمبارك، سيجلس المستغلون و مجلسهم ينتظرون أن تأتى الإنتخابات ببرلمان منتخب يهدئ من غضب الشعب و يمتص رغبة الجماهير فى النضال و إستمرار الثورة.
وفى هذا السياق نجد أن عدداً صغيراً من الثوار -الذين يريدون وعن حق سلطة الشعب التي تتوج نضالات الثورة- ينظرون بريبة لموضوع الإنتخابات، و يعتبرونها مجرد "لعبة" أو "خديعة" أو "كمين" للعمال و الثوار حتي ينشغلوا و يتوهوا في منتقعات القوائم الأنتخابية و يجروا بعيدا عن النضال من أجل استكمال الثورة.
و ترى هذه الأقلية أيضا أن "الوقوع" فى هذا "الكمين" سيعنى اعطاء الجماهير "أوهام" فى البرلمان كوسيلة لتغيير المجتمع و اضفاء "شرعيـة" علي حكم المجلس العسكرى.
وبناء علي هذا المنطق، يستنتج هؤلاء الثوار المناضلين أن الموقف "الثورى" فى هذة اللحظة "يفرض" أن نقاطع الإنتخابات و نفضحها كمجرد مسرحية هزلية و مسخرة.
و يضيف هؤلاء الثوار الذين نؤيد حماسهم الثوري الغير محدود أن الاشتراك في الإنتخابات سيعطي "شرعية" للمجلس العسكري في أعين الجماهير مما سيصعب مشوار التخلص من قمعه و حكمه.
و عند سؤال هؤلاء الثوار عن ما ينون طرحه على الشعب و العمال كمؤسسات سلطة بديلة تستطيع أن تتخلص من مؤسسات سلطة الطبقة الحاكمة بما أننا سنقاطع البرلمان (و بالطبع سنطلب أيضا من الجماهير أن تقاطع هي الأخري) كأحدي مؤسسات سلطة الثورة المضادة، يرد هؤلاء الرفاق الثوار أن البديل موجود فى النضال فى الشوارع و المصانع فى المظاهرات و دعم الإضرابات العمالية.
و يبدو للوهلة الأولي هذا الرد بأن نضال الجماهيرفي الإضراب و الاعتصام هو البديل ل "كمين" البرلمان هو الفعل "الثوري جدا".
و لم لا؟ فالثوريين يؤمنون (وهم محقون100%) بأن نضال الجماهيرالاقتصادي في الإضراب و الاعتصام هو دائما أهم و أول خطوة للتغيير، و في حالتنا الآن بالذات فهذا النضال هو الشئ الرئيسي الذي سيسمح للعمال و المستغلين باستكمال الثورة و القضاء علي الطبقة الحاكمة.
ويحتوى رفض بعض الثوار "للمشاركة" فى هذه الإنتخابات على موقف استعجالى و متسرع يرى أن رفض المشاركة فى الإنتخابات سيسرع فى إنتصار الثورة و إسقاط الطبقة الحاكمة.
إلا أن العكس هو الصحيح، فالمواقف الاستعجالية مثل عدم وقوف الثوار جنبا إلى جنب مع القطاع الواسع من الجماهير الشعبية و العمالية فى الإنتخابات هو الذى سيؤخر فرص تطور الوعي الثوري بين الجماهير و بناء تنظيمات ثورية تستطيع أن تحل محل البرلمان.
و يكمن السبب الرئيسي وراء اتخاذ هذا الموقف الاستعجالي في ضعف و خطأ فهم العملية المركبة لتطور الوعي الطبقي و الثوري عند العمال و نظرية مبتذلة لدور الثوريين في الصراع الأجتماعي.

أولا، يستخلص شريحة من الثوار أن الإضرابات العمالية في حد ذاتها تعني أن العمال ماضون في طريق ذي اتجاه واحد و إجباري، يرتفع فيه الوعي مع كل إضراب، و نهايته المحتومة هي الوصول الي إضراب عام سيسقط الرأسمالية.
ثانيا، وبالتوازي مع الوصفة الجهنمية أعلاه، يصبح دور الثوار مجرد القيام بدور "حلق حوش" علي الأخرين لمنعهم من الإستماع للأصوات الإصلاحية التي قد تفسد مزاجهم الثوري و تشوش علي تركيزهم في الإضرابات.

الا أن نقطة انطلاق الثوار لابد أن تكون في تفهم أن الوعي الثوري لا يتطور فقط من خلال الإضراب و مظاهرات الشارع ، و إلا لكنا وجدنا مئات الألاف من العمال المعتصمين في أنحاء البلاد في كل المظاهرات الصغيرة في الفترة الماضية و التي طالبت بأن يسلم المجلس العسكري السطة لحكومة مدنية.

فالوعي السياسي السائد في هذه اللحظة وسط جموع العمال هو رغبة عارمة في الإصلاح و اعتقاد أن الديمقراطية و العدالة الأجتماعية ممكن أن يتحققا في ظل النظام الرأسمالي الحالي أذا استمر العمال في النضال و الضغط للتخلص من كل رموز الفساد في الشركات و المؤسسات, و بالتالي فإن المعركة علي البرلمان قد تكون محطة في هذا المشوار الإصلاحي نحو التغيير الجذرى.

وهنا يجد الثوار الذين يتفهمون أن إصلاح النظام الرأسمالي غير ممكن ، كالعادة في معظم لحظات التاريخ، يجدون أنفسهم في الأقلية داخل صفوف الجماهير.
أي أن الثوريين يجدون أنفسهم، مرة أخري، متقدمين نظريا عن معظم أقرانهم من العمال رغم أن العمال بشكل عام يقودون نضالات رائعة.

و تصبح المشكلة: ما العمل للمساعدة في تطور الوعي الثوري لجموع العمال؟

إذا تفهمنا كثوريين أن نضال العمال من أجل الإصلاح سيصطدم حتميا باستحالة الإصلاح، فوجود الثوريين إلي جانب العمال، حتي في النضالات الإصلاحية و طرحهم للأفكار الثورية في كل خطوة، سيساعد العمال علي تخطي الإصلاحية ذاتها و تطور أفكار العمال نحو ضرورة القضاء علي الرأسمالية و ضرورة أن يؤسس العمال منظمات تفرض سلطتهم و قيادتهم للمجتمع، و سيعطي الثوار و أفكارهم مصداقية داخل صفوف العمال.
و معركة البرلمان، نعم البرلمان البرجوازي الإصلاحي، هي واحدة من عشرات المعارك التي سيخوضها العمال و الفلاحين و المستغلين، و التي لا مفر منها في هذه اللحظة، حتي يكتشف العمال لأنفسهم و بأنفسهم استحالة اصلاح الرأسمالية.
و اذا أيدنا الآن كل افكار و برامج المرشحيين الذين يدافعون عن حق العمال في النضال، فأننا سندفع الوعي الجماهيري نحو استكمال الثورة.
إذا استخدمنا زخم النقاش الفكري الذي سيسيطر علي الشهر القادم لطرح مواقف الثوريين في مواجهة الإسلاميين و الليبراليين ، سنلعب دوراً صغيراً، و لكنه مهم، في بناء ثقة العمال بقدرتهم علي المضي في مشروع ضرورة سلطة العمال لتحقيق مصالح كل المستغلين.