اليسار اللبناني بين الإقدام والإحجام


علاء المولى
2011 / 10 / 16 - 19:56     


-عضو لجنة مركزية في الحزب الشيوعي اللبناني

بدلا من إنتشاله من الركود المستمر منذ سقوط الإتحاد السوفياتي منذ عقدين، تفاقم الموجة الثورية من ارتباك اليسار العربي. فتراه يحار بين تمجيد مطلب "الحرية"، وتأييد نضالات الشعوب، وبين القلق الناجم عن غياب البدائل النهضوية، في حين تتقدم الدول الامبريالية للتحالف مع الاسلاميين وبقايا الأنظمة العربية الساقطة أو المعرّضة للسقوط.
وفي ظل هذه الحيرة لا تلقي بعض القوى اليسارية بالا لضرورة الإسراع في إجراء مراجعة نقدية ذاتية تتيح لها التأثير في السياقات الثورية المفتوحة في الزمن والإحتمالات.هذا الواقع سيفسح في المجال امام ظهور تشكيلات سياسية جديدة ومتنوعة واكثر تجاوبا مع الزمن وأكثر تعبيرا عن تطلعات الفئات الأجتماعية الشعبية والتقدمية.
في لبنان يحاول النظام، بألاعيبه المعهودة، الابتعاد عن تأثيرات الموجة الثورية العربية، متلطيا بديمقراطيته المزعومة وكل أنواع الحرية التي يتمتع بها اللبنانيون.ويساعده في ذلك أنه لا يلقى احتجاجات شعبية كالتي شهدتها الدول العربية الأخرى. وهو مما يزيد من عوامل اطمئنانه..فاليسار اللبناني وعموده الفقري، الحزب الشيوعي، لا يبدو انه يعتبر التغيير في لبنان ممكنا في اللحظة الراهنة. .ويتجلى ذلك بالمقاربة التي اعتمدها الشيوعي حيال الحراك الشبابي الواعد لإسقاط النظام الطائفي. وهي مقاربة "مطلبية" بالاجمال اكثر منها سياسية.
نظرا لميزة نظامه وحيوية مجاله السياسي، يجوز الافتراض –مبدئيا – أن الموجة الثورية ستلف دول المنطقة قبل أن تصل الى لبنان، لكن ألا تعطي هذه الفرصة لليسار اللبناني لتجهيزالبديل الثوري؟ "اللحظة الراهنة"، إذن، ليست لحظة انتظار، بل لحظة عمل واجتهاد طالما أنها ليست لحظة ثورة بعد.
لكن التغيير في لبنان لم يعد مطلبا "يساريا" حصريا منذ فترة غير قصيرة. فها هو التيار الوطني الحر،مثلا، يطلق على كتلته النيابية اسم "كتلة الاصلاح والتغيير" تعبيرا عن برنامجه السياسي.كذلك فان النائب عن حزب الله الدكتور علي فياض أشار في مقالة له عن الثورات العربية الى " ضرورة التغيير الديمقراطي لتحصين الموقف الوطني المقاوم" ، في ما يمكن اعتباره تعبيرا عن نقاش داخل حزب الله.من جهته، يكرر رئيس حركة أمل ،نبيه بري، مواقفه الداعية الى البدء بالخطوات الآيلة الى الغاء الطائفية السياسية.والى جانب هذه القوى ذات التكوين الطائفي تتشاطر الاحزاب "الوطنية" الدعوة الى التغيير واسقاط النظام الطائفي وبناء دولة ديمقراطية يتساوى امامها المواطنون. بل وتتسع رقعة القوى المطالبة بالتغيير لتشمل تيارات من "اليمين"الجديد، الليبرالي والمحافظ.
بات النظام السياسي اللبناني ، في الواقع، عاجزا عن استيعاب التناقضات المستجدة لمكوناته. وهي تناقضات ناجمة عن التحولات الكبيرة التي شهدها الواقع السياسي-الإجتماعي خلال العقدين الماضيين خصوصا. التغيير المقبل ستتحدد معالمه، على الأرجح، وفقا طبقا لتصورات ومصالح هذه القوى الوطنية البرجوازية و الليبرالية تحديدا :
إصلاحات سياسية توسع من هامش الديمقراطية شكلا مع الحفاظ على النهج الإقتصادي-الإجتماعي نفسه.ولعل أعلى سقف تغييري مطروح لا يتعدى انتاج قانون انتخاب على اساس النسبية، لكنه لا يتيح واقعيا امكانية احداث تبدلات في تركيبة المجالس النيابية من حيث توسيع قاعدة المشاركة والتمثيل.
إن الموقف المتوقع من اليسارية والتقدمية غير الإنقلابية،هو تأييد تغييرات في النظام السياسي من شأنها أن تكسر حلقة الإحتكار السياسي للقوى القديمة، وتفتح الباب أمام تغييرات في النهج الإقتصادي-الإجتماعي . لكن الميل الدائم للسلطة البورجوازية المسيطرة – مهما كان شكل نظامها- هو تقديم تنازل "شكلي" بعد طول مكابرة وعناد وبعد كر وفر مع المعارضة التقدمية أو الشعبية. ولذلك فإن اليسار اللبناني، بمختلف مكوناته، وبالاستناد إلى الفئات الإجتماعية التي يدافع عن مصالحها، يقف أمام لحظة تاريخية قد لا تتكرر في المدى المنظور، صنعها التزاوج بين كوامن ومظاهر الموجة الثورية العربية من جهة وحاجة النظام السياسي اللبناني إلى تجديد نفسه وفق قواعد جديدة من جهة أخرى.والممكن والضروري في مثل هذه اللحظات هو استجماع القوة ذات الزخم العربي والإنساني التاريخي لفتح باب التغيير على مصراعيه بدل السماح للبورجوازية أن تفتحه مواربة لتمرير ما تريد.
مثل هذه المهمة –الممكنة والضرورية – تتطلب إقداما يمتلك رؤية وخيالا سياسيا يثق بالتاريخ وقدرة الجماهير.