الأحزاب الشيوعية ومهام الحاضر


محمد بودواهي
2011 / 10 / 15 - 18:56     

كلما تحرك التاريخ إلى الأمام وزادت البشرية في خطواتها نحو المستقبل كلما ارتفعت وتيرة التناقضات في صيرورة النظام الرأسمالي وتطوراته الامبريالية وأصبح المجتمع الإنساني في أمس الحاجة إلى البديل الاشتراكي المنتظر .
ورغم أن ماركس اكتشف أن نهاية النظام الرأسمالي سوف لن تكون في المستقبل القريب أو حتى المتوسط من خلال مجلديه الثاني والثالث من رأس المال مما سبب له إحباطا شديدا كان سببا في عدم نشره لهما إبان حياته حيث كشف عن كيفية نجاح النظام الرأسمالي في التغلب على التنقضات التي تتعامل فيه ، وكيف أن الثورة لن تحدث إلا عندما يتوحد العالم كله تحت ظل الرأسمالية ، ولما تستنفد إمكاناتها الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية ويصبح العالم منغلقا أمامها ، وأن تتشبع تماما وكليا من علاقاتها بحيث لا تصبح أمامه أية فرصة جديدة للتوسع ، وأن تتمكن قوى الثورة من تقوية صفوفها إلى الحد الدي تستطيع فيه إحداث التغيير المنظم والناجح . يقول ماركس في مقدمة كتابه ( مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي ) : ( لا ينهار نظام اجتماعي قبل أن تتطور كل القوى الإنتاجية المناسبة له ( أو التي يوجدها ) ، ولا تحل علاقات إنتاج جديدة أعلى محل الأقدم ما لم تنضج الشروط المادية لوجودها في رحم المجتمع القديم . وهكدا لا تضع البشرية أمامها سوى المهام التي يمكنها أن تنجزها ، بما أن الفحص الأدق يرينا دائما أن المهمة داتها لا تنشأ إلا عندما تكون شروط حلها حاضرة أو على الأقل في طريقها إلى التكون .) ورغم دلك فليس هناك من شيء يمكن اعتباره الأزمة الأخيرة أو النهائية للرأسمالية . فقد شكلت دورة الركود والازدهار المتتالية والمتناوبة سمة ثابتة للرأسمالية مند ما يزيد عن 200 سنة . وسوف يبقى النظام الرأسمالي على هدا الحال قادرا على الخروج في النهاية حتى من أعمق أزماته الاقتصادية إلى أن تتمكن البروليتاريا بقيادة الطبقة العاملة من إسقاطه .
ولإسقاط الأنظمة الرأسمالية والإمبريالية في ظل هده الأزمة الاقتصادية المستفحلة لابد من توفر آلية التنظيم الصلبة والفعالة وإرادة النضال القوية والمبدئية والرؤية السياسية الثاقبة والواعية والمنهجية العلمية في التخطيط والتدبير المحكم لكل مراحل السيرورة النضالية . إن الأحزاب الشيوعية تواجهها في الوقت الحاضر مهمة وضع حد لكل تشتت في صفوفها وكل تدبدب في أوساطها والعمل على رصها بمزيد من الوثوق والالتفاف تنظيميا تحت راية الماركسية الثورية ، وتوجيه جميع الجهود نحو توحيد جميع الاشتراكيين الديموقراطيين المناضلين فعلا وحقيقة وتوسيع نشاطهم وتعيق نضالياتهم .
ونظرا لكون الشيوعيين يناضلون من أجل تحقيق الأهداف والمصالح المباشرة للبروليتاريا والطبقة العاملة والمتمثلة في الثورة ، فمن المفروض عليهم تجاوز تلك الحلقة الضيقة التي يتقوقعون داخلها والتي تجعلهم في معزل عن قوى الإصلاح والتنظيمات الاشتراكية الديموقراطية بالمفهوم الفرنسي للكلمة حيث من المفروض مساندة الأحزاب التي تجعل من الثورة الزراعية شرطا أساسيا للتحرر الوطني ، والنضال بجانب البرجوازية كلما قامت بالمقاومة الثورية على الملكية العقارية الإقطاعية وعلى نظام الحكم المطلق وعلى البرجوازية الصغيرة الضيقة الأفق . كما يجب على الشيوعيين مساندة كل حركة ثورية ضد الأوضاع الاجتماعية والسياسية القائمة ، وإقامة العلاقات وتحقيق التفاهم والانسجام بين كل الأحزاب الديموقراطية في جميع البلدان والعمل معهم من أجل تحقيق الثورة البرجوازية التي لا يمكنها أن تكون إلا مقدمة أو استهلالا مباشرا لتحقيق الثورة البروليتارية ، ويتراجعوا عن إخفاء أفكارهم وأرائهم وأهدافهم ليعلنوا بأن لا سبيل لبلوغ مقاصدهم إلا بإسقاط الأنظمة المجتمعية القائمة عن طريق العنف الثوري .
إن الاستعاضة عن الدولة البرجوازية بدولة بروليتارية لا يمكن بدون ثورة عنيفة . والقضاء على الدولة البروليتارية ، أي على الدولة بشكل عام ، لا يمكن عن غير طريق الاضمحلال . ولقد شرح ماركس وإنجلز هده الأراء بصورة مفصلة وملموسة عند دراستهما لكل موقف ثوري على حدة ودلك عندما حللا المستفادة من خبرة كل ثورة بالدات .