مواقف شيوعية قلقة


جورج حزبون
2011 / 10 / 2 - 23:58     


استطاعت الاديان المحافظة على مكانتها ، امام التطورات الحداثية العاصفة في العالم ، بالتأويل ، والاستدلال ، والاجتهاد ، والقياس ، وخاصة الديانة المسيحية والكاثوليكية اكثر تحديدا، وهناك في الاسلام حوار صاخب احيانا بين الدوغماتية والحداثية ، وهي حالات ادرك اصحابها ان عنصر الزمن ، قد جعل الكثير من البدهيات القديمة ، غير ملائمة وتقتضي أعادة الصياغة ، حتى تستمر العقيدة المعينة مقبولة مجتمعياً ومتوافقة زمانيا ، وبالتالي فان الشعارات والمواقف التي كانت صحيحة في مرحلة معينة لم تعد متوافقة مع متغيرات الزمن ، ذلك العنصر الاكثر اهمية من معادلة المتغير والثابت ، وبالتأكيد فان ذلك ينصرف الى كافة العقائد وحتى في البديهيات العلمية ، حتى في الايام الاخيرة خرج بعض العلماء للطعن في النظرية النسبية .
والقول يصح على المبادئ الماركسية ، فمثلاً الكثير من الشعارات لم تعد متناسبة مع الزمن الحداثي ، سواء المركزية الديمقراطية ، وديكتاتورية البروليتاريا وغيرها ، لكن هناك مبادئ اساسية قاعدية لم تتغير بالزمن بل ربما تعززت به مثل حق تقرير المصير وحرية الرأي والتعبير ، والديمقراطية التي هي قاعدة النضال الطبقي للوصول للحرية واقامة المجتمع الاشتراكي ، وان اي نضال من اجل الديمقراطية صحيح في كل زمان ومكان ، فان كانت الاديان قد حافظت على قناعتها الاول بمؤسسة السماء ، فقد حافظ الشيوعيون دائما على مؤسسة الحرية والديمقراطية في الارض ، وحين حذر ( ماركس ) الكومونيون الفرنسيون من خطأ البدء بالثورة الان لم يمتلك الا ان يشاركهم حين انطلقوا ، على قاعدة ان الشعوب دائما على صواب وانها لن تنطلق الا بعد ان انفجرصهريج الغضب، وهي تنفجر وتقوم بالتضحية وتتعرض للذبح ولا يجوز هنا لومها او انتقادها بل التضامن معها ، والوقوف الى جانبها ، دون حذر ، فهي صاحبة المصلحة بالتغير الذي سيكون نحو الافضل بالضرورة ، رغم ان الحذر كان لسبب كثرة التضحيات حيث العدو لا زال يمتلك من اسباب القوة ما يعيق انتصارها الحتمي .
كان هذا موقف الشيوعيون باستمرار ، من مواجهة قوى ( الضواري ) حسب تعبير لينين لاجهاض الثورة البلشفية ، او الصينية وحتى الاسبانية ، والاخيرة كانت تواجه قوة هتلر الى جانب قوات فرانكو ، وقد قدم الشيوعيون نجدات تحت مسمى (الفيالق الاممية ) وكان بينها مجموعة من المقاتلين الشيوعيون الفلسطينين ، وهي تحقق شعار الكفاح الطبقي ( يا عمال العالم اتحدوا ) ثم يا شعوبها المضطهدة اتحدوا .
وبمراجعة مواقف الشيوعيون هذا الايام مع انطلاق الجماهير العربية لمقارعة مضطهديها ، يلاحظ تباين في المواقف ، البعض ثابت ومشارك والبعض الاخر متردد ، واخرين مع الانظمة بذريعة ان لاميركا مصلحة فيما لو اطيح بهذا النظام او ذاك ، خاصة في سوريا واقل حول اليمن ، وهذه الاقوال كان ممكن فهمها من تيارات الاسلام الوهابي صاحب شعار ( حكم غشوم ولا فتنة تدوم ) اما ان تجيء من قوى الثورة وحاضنتها التاريخية ( الاحزاب الشيوعية ) فبلا شك هناك خطأ ما او علة كبيرة ، فحين يصبح الحزب ضمن ملاك المثقفين ( الثورين ) ويتم تغيب العمال والفلاحين الذي لن يخسرون شيئاً سوى قيودهم ، تصبح الاحزاب مجرد مراكز أبحاث المثقفين او مراكز استطلاع للرأي ، وهي حالة اوقعت بالكثير من الاحزاب وحولتها الى مجرد مسميات ، حين تخلت عن الطبقة العاملة فكراً ودوراً وممارسة ، واسترخت الى فذلكات المثقفين الذين عمل عنصر الزمن عمله معهم ، يوم ان انتقلوا من كونهم ابناء الكادحين الى وضع طبقي اجتماعي جديد ، بفعل ما قدمته الاحزاب لهم من تشجيع على التعلم وخاصة في البلدان الاشتراكية ، فعادوا وقد تغير الموقع وتغير الزمن ، واصبح هناك ما يمكن خسرانه ، فكان الانحراف .
أن الوقوف الى جانب ثورات الشعوب لا يحتاج الى الكثير من البحث و ان الثورة دائما ما تستطيع تطهير نفسها ، وان كانت أميركا تراهن على تلك الحركات فلا يجوز التشكيك بقدر، ما يستوجب التوضيح ، والشيوعيون اكثر الناس ادراكا ان الصراع مع العدو الطبقي والسياسي يحتاج الى مواجخة فكرية ، اي، شكل اخر من اشكال الصراع ، مزعج أيضا الثقة بقدرة اميركا وعدم ا الثقة بقدرة الشعوب ، مع الادراك ان الثورة قد تطول بالزمن ، لكنها تفسد بغياب ( القومسيار ) بمعنى ذلك التوجيه السياسي والتعبئة الفكرية ، فالجماهير انطلقت وعماد ثورتها العمال والفلاحين ومن في عدادهم ، وهم يتعمدون بالدم يومياً وهذا وحده حافز للوقوف الى جانبهم فقد انطلق الثوار العرب عازمين على هزيمة مشروع الشرق الاوسط الجديد ، ومن لم يستطع رؤية ذلك عليه التدقيق في مواقف الثورة من القضية الفلسطينية، مع عدم اغفال ان معاير الانتفاضة الثورية ، كانت القهر الطبقي ، والنهب والافقار ،و مع الانتباه الى انها وجدت نهج الانظمة هذا، قادم من طبيعة علاقتها بالرأسمال العالمي وقائدته اميركا ، وهكذا فان انتباه الثورة المصرية اتجه نحو صفقات الغاز مع اسرائيل وغيرها من امور لم ينتبه الشيوعيون الى تضامن حزب الله الرجعي مع النظام السوري مع انهم انتبهوا الى دور الاسلام السياسي وبنوا مواقفهم ، على ذلك، وهو ما بدى واضحا انه تنظيمات غير موحدة وتحمل تناقضات ، والاهم انها ليست القوى الاساسية رغم حضورها وصخباها الذي يركز الاعلام عليه ، ربما لتضخيم الدور والترهيب لما يخدم مصلحة اميركا التي تحاول الدخول للمعركة متوافقة مع مطلب تغير النظام عبر استبداله ، وليس دعما للثورة باية حال ، وهنا يصبح دعم اي نظام كان موقف مغترب غير مدرك ان اميركا قادرة على استيعاب المتغير بالزمن والمكان وتعرف مصلحتها ساعية لابقاء الراهن المضمون دون تغيره الا بالشكل ، وتصريحات الوزيرة كلينتون اليوم عن ترحيبها بقيام حكومات اسلامية يقع في هذا السياق، وهي الدولة التي تمارس احتلال فلسطين عير وكيلتها اسرائيل ، وقد عبر الموقف في الامم المتحدة بوضوح عن ذلك ، بما يهدر حقوق الشعب الفلسطيني ويستلب ارضه، وهذا ما تراها الثورات العربية الواعية والقادرة على مواجهته بالسير نحو الديمقراطية والحرية وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها الذي تعاديه اميركا واسرائيل .
تحت اي ظرف تيقى الشعوب على حق ، وتجت كل الظروف فان الانظمة التي تقمع شعيها على باطل وغير قادرة بل غير جاهزة لمقارعة الاحتلال ، فهي مهتمة بالحفاظ على مصالحها بالشعارات الثورية اللفظية ، تلك بديهيات العمل الثوري ، وعلى الشيوعين الحفاظ على ارثهم ومبادئهم ، واعادة صياغة برامجهم واشكال البنى التنظيمية ، ليظل الشيوعيون دائما بوصلة الثورة .