النظام الاقتصادي الرأسمالي على حافة الانهيار


عبد السلام أديب
2011 / 9 / 28 - 08:54     


مقدمة
بعد الإجراءات المتخذة من طرف مجموعة العشرين أواخر سنة 2008 و2009، والآمال العريضة التي غذتها هذه الإجراءات وسط الأوليغارشية العالمية وخدامها من كومبرادوريات العالم الثالث، آمن الجميع بنهاية الأزمة وحتى بإمكانية تحقيق معدلات نمو كبيرة في الاقتصاد العالمي. كما أنعشت الكتلة النقدية الناجمة عن طبع الأوراق النقدية استثمارات مضارباتية، انعشت نتيجة لذلك مؤشرات البورصة. كما دفع انتعاش مؤشرات البورصات العالمية وعودة الانطلاقة الاقتصادية في بعض الدول الصناعية إلى الاعتقاد بنجاح سياسة تدبير الأزمة المعتمدة من طرف الرأس مال المالي الدولي.
لكن هذا التدبير البرجوازي للأزمة تعرض لحادثة سير خلال صيف 2011، فخلال شهر غشت تبخر حوالي 10 مليار دولار أمريكي في البورصة. وفي نفس الوقت الذي اعلنت فيه كبريات الاحتكارات الدولية عن ارباح بالملايير، فقدت مؤشراتها في جميع البورصات العالمية حوالي 30 في المائة. من هنا انطلق الغموض والارتباك. فقد انتهت برامج الأزمة نحو توثرات تضخمية عنيفة على شكل ديون ضخمة.
ما هي إذن طبيعة الأزمة الحالية؟ وكيف تخفي البرجوازية حقيقة هذه الأزمة؟ وما هي آفاق النظام الرأسمالي؟
1 – أحداث صيف 2011
اكدت التحركات المكثفة للحكومات والمسؤولين والأبناك المركزية خلال صيف 2011 على اثر استمرار مؤشرات البورصات في التدهور مدى الهلع الذي اصاب الأوليغارشية المهيمنة. فقد توالت اجتماعات رؤساء الدول ومجموعة الثمانية ومجموعة العشرين والبنكين المركزيين الأمريكي والأوروبي ... كما توالت التصريحات واتخاذ القرارات في ظل انحدار لولبي للازمة الاقتصادية العالمية.
تعددت الافلاسات وتعمق الركود الاقتصادي، وظهر مخطط انقاد الاقتصاد اليوناني متجاوزا. كما مست أزمة مديونية هائلة عدد من دول الاتحاد الأوروبي كإيطاليا واسبانيا. كما عانت القوة الاقتصادية العالمية الأولى نفسها، الولايات المتحدة الأمريكية لأول مرة في تاريخها، من أزمة سياسية خانقة من اجل رفع سقف ديونها من 14.500 مليار دولار إلى 16.600 مليار دولار، في إطار مخطط مواجهة العجز الفيدرالي.

1 – التفسيرات المنافقة للبرجوازية

منذ سنة 2007 وحتى نهاية 2008 بلغ عدد الأبناك الدولية النشاط المفلسة بسبب أزمة ما يعرف بالسوبرايم 150 بنك كان أشهرها بنك ليمان برادرز وتبخر حوالي 50 مليار دولار في البورصات. وتحول النظام المالي بأكمله، إلى شبه قصر من ورق، مهددا بالانهيار في كل لحظة. وتدخلت مجموعة الثمانية في اطار مجموعة العشرين لدفع ميزانيات الدول الى تحمل خسارة الأبناك ومديونيتها والتي تقدر بمبالغ خيالية. وقد دفع تدخل ميزانيات الدول الى بلوغها حافة الافلاس وتعقيد دور الأبناك المركزية.
وقد تولدت عن هذه الأزمة المالية أزمة اقتصادية عميقة شملت جميع دول العالم بشكل متزامن ويمكن الإشارة إلى أهم مظاهرها فيما يلي:


أ - تراجعت مبيعات السيارات بالولايات المتحدة وأوروبا واليابان بالثلث أي حوالي 33 %

ب - إفلاس جنرال موتورز ووقوف طويوطا عند حالة الإفلاس، فقد بلغ مجموع خسارة طويوطا 1,5 مليار أورو

ج - تراجع مبيعات الشاحنات في العالم ب 30 %

د - تراجع انتاج سيارات فولزفاكن في العالم ب 20 %

ه - تراجعت صناعات التعدين والصناعات الكميائية والمناجم في العالم بحوالي 50 %

و - تراجعت نسبة استهلاك البترول بكميات هائلة لم يشهدها العالم منذ 26 سنة

ز - بقيت حوالي 50 % من حاويات البواخر مخزنة لعدم استعمالها في نقل البضائع

ح - انهارت التجارة الخارجية خلال أربعة أشهر الأولى للأزمة ب 20 %

ط - انخفض الإنتاج العالمي ب 30 %

ي - تراجع الطلب العالمي خلال أربعة أشهر الأولى للأزمة الى نحو الصفر
ص - انخفضت الملاحة التجارية ب 50 %

ع - وحسب دراسة للبنك الدولي، فإن النمو الاقتصادي انهار سريعا بسبب الأزمة في 94 من اصل 116 دولة من دول العالم الثالث، خصوصا عقب الانخفاض الدرامي للطلب على المواد الأولية وانهيار أسعارها.
ف - فقدان المهاجرون القادمون من الدول الخاضعة للاستعمار الجديد لعملهم، على الخصوص في اليابان والولايات المتحدة وأوروبا. كما تناقصت تحويلاتهم والتي تعد بالملايير في ميزانيات دولهم الأصلية.
ض تفاقم جديد لأزمة المديونية الدولية ،سيكون لها انعكاسات غير منتظرة على ظروف العيش والعمل لعدة ملايين من الناس.
ق - في الولايات المتحدة تم تسريح أربعة ملايين عاملة وعامل، حيث بلغت التسريحات شهريا حوالي نصف مليون نسمة؛
ر – في الصين تم تسريح حوالي 20 مليون عاملة وعامل؛
س – بلغ عدد التسريحات حتى نهاية سنة 2009 حوالي 60 مليون نسمة.

وطيلة هذا الوقت ظلت البرجوازية تكذب حول حقيقة الأزمة وتسخر بخبث من الجميع. فالبرجوازية تخاف من انتشار الوعي بحقيقة الأزمة الرأسمالية وسيرها الحثيث نحو الانهيار وصيرورتها المتزايدة نحو تدمير ما تبقى من مفاهيم سياسية ديمقراطية لتدبير جهاز الدولة وتشديد الاستغلال وتدمير البيئة وتحطيم ما تبقى من مرافق عمومية وشن الحروب المتواصلة للاستعانة بريعها على الاستمرار في البقاء. فالوعي بهذه الحقائق سيدفع قدما التنظيمات الذاتية للبروليتارية لرفع وثيرة نضالاتها وإمكانية التحاق باقي الطبقات بالصراع الطبقي الهادف الى تدمير النظام.
ففي بداية سنة 2008، بعد انهيار مؤشرات البورصات بحوالي 20 % وتراجع النمو العالمي، كانت البرجوازية تعد الجميع بإمكانية الخروج سريعا من الأزمة. كما تم اعتبار الأزمة بكونها عابرة ودورية؛ لكن الوقائع كذبت خطابات البرجوازية.
كما لجأت البرجوازية الى اتهام الفقراء الأمريكيين الذين لجئوا الى اقتراضات تفوق إمكاناتهم لاقتناء البيوت مما تسبب في أزمة السوبرايم.
لكن عندما انتقلت الأزمة الى منطقة الأورو ثبت بأن مبرر أزمة السوبرايم لا مصداقية له، وحيث ظهر بأن دولة اليونان غير قادرة على تفادي الإفلاس. ولتفسير إفلاس اليونان لجأت البرجوازية الى مبرر اعتبار العمال اليونانيين بكونهم كسالى انتفاعيين، وبأن الأزمة اليونانية خاصة بهذا البلد. نفس الشيء تردد بالنسبة لايرلندا واسلندا واسبانيا والبرتغال وايطاليا.
تلجأ البرجوازية أيضا في جميع وسائل الإعلام إلى نفث سمومها باعتبار الكادحين يعيشون وينفقون فوق إمكانياتهم كما لو كانوا يعيشون كالأمراء.
لكن في مواجهة الغضب الجماهيري الذي تطور في مختلف الدول المقبلة على الإفلاس بدأت البرجوازية تغير خطاباتها فتتهم مسئولين سياسيين كبرلسكوني مثلا بإتباع سياسات اقتصادية خاطئة.
كما بدأت البرجوازية مؤخرا تلجأ إلى اتهام المدراء الماليين الكبار بسوء التدبير كما هو الشأن بالنسبة لاتهام مادوف المسير السابق لنازداك الذي أصبح بين ليلة وضحاها من أكبر المحتالين في العالم.

ولجأت البرجوازية أيضا إلى اتهام وكالات التنقيط العالمية، فبينما كانت تتهمها بعدم الكفاءة سنة 2007 لإهمالها اخذ ثقل الديون السيادية الأمريكية بعين الاعتبار في تقييماتها، عادت اليوم الى اتهام هذه الوكالات بالمبالغة في اتهام نفس الديون السيادية في منطقة الأورو (مووديس) وفي الولايات المتحدة الأمريكية (ستاندارد آند بوور).
لكن اعتبارا لعدم مصداقية كذب البورجوازية المفضوح، لجأت مؤخرا الى اعتبار المديونية العمومية غير القابلة للتحمل هي سبب الأزمة. علما أن هذه المديونية الهائلة عقب تحمل ميزانيات الدول لكلفة انهيار المنشآت المالية الكبرى والمضاربين الكبار. وقد شكل هذا الخطاب محور الخطابات البرجوازية التي تغزوا منذ بداية الصيف وسائل الاعلام البرجوازية.
ميل البرجوازية للكذب على دقون الكادحين للحفاظ على هيمنتها، سلوك لن يتغير للحفاظ على بقائها. والملاحظ أن فصائل من البرجوازية الصغرى وسط الأحزاب المسماة "باليسارية" بدأت تروج لأكاذيب متطورة كاتهام "الرأسمال المالي" وليس الرأسمالية كنظام بحد ذاته هي المسئولة عن تعمق الأزمة.
بطبيعة الحال أن الاقتصاد الرأسمالي ينهار اليوم تحت ثقل المديونية التي لا يمكن لا سدادها ولا تحملها مما أخل قيمة النقود في أزمة. وقد أدى هذا التضخم في المديونية وأزمة النقد إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات، فأصبحت مقاولات الخواص والأبناك ومؤسسات التأمين والدول مهددة بالإفلاس، كما أصاب الأبناك المركزية بالجمود.
وتؤكد دراسة تطور الاقتصاد الرأسمالي أن هذه المديونية الضخمة ليست نتيجة مباشرة لجشع البرجوازية المالية وباقي المضاربين، بل شكلت هذه المديونية العمومية ضرورة حيوية لبقاء النظام لأزيد من نصف قرن لتفادي الإنتاج الزائد الأكثر فأكثر كثافة. فالتطور التدريجي للمضاربة لم تكن هي السبب المباشر في الأزمة، بل شكلت نتيجة للإجراءات المتخذة من طرف الدولة من أجل مواجهة الأزمة منذ أزيد من خمسين سنة. وبدون اتباع سياسة استدانة سهلة ومديونية متزايدة الى درجة أصبح من الصعب التحكم فيها، لم يكن بمستطاع البرجوازية بيع سلعها بكميات دائما متزايدة.
وقد مكنت هذه المديونية المتزايدة الرأسمالية، خلال مدة طويلة، من دعم نموها. بينما أدى النمو الوحشي للرأسمال المضارباتي، الذي يقتات من المديونية، الى أن يصبح سرطانا حقيقيا، تطور نتيجة الصعوبات المتزايدة أمام الرأسمالية للاستثمار ةتحقيق الأرباح. وأمام التراجع التاريخي لهذه القدرة على تصريف الانتاج الزائد منذ نهاية سنة 2007 وبداية سنة 2008 انفتح الباب واسعا أمام الركود والافلاسات.

2 – في زمن الركود الاقتصادي والافلاسات
شبه الكثير من المسؤولين الكبار ومن بينهم رئيس البنك المركزي الأوروبي تريشيه الازمة المتفاقمة في صيف 2011 والمتسمة بالركود الاقتصادي وبافلاسات الدول، بكونها شبيهة بأزمة 1930. وقد ظهر أنه منذ تعمق هذه الازمة أواخر سنة 2007 أن مصير الاقتصاد العالمي أصبح متوقفا على الخلق المتسرع والهائل للنقود من طرف الأبناك المركزية.


فالبنك المركزي الفدرالي الأمريكي لجأ إلى إغراق الاقتصاد والأبناك والدولة الأمريكية بدولارات جديدة، كما فعل نفس الشيء بالنسبة لمجموع الاقتصاد العالمي. النتيجة كانت هي ضمان بقاء النظام البنكي والحفاظ على نمو عالمي بواسطة حقنات دائمة. إذن فالركود الحاصل منذ أربع سنوات تم تخفيفه بواسطة القروض وخلق النقود. لكن هذا الركود الكبير عاد إلى المسرح الدولي خلال صيف 2011.
التباطؤ العنيف للانشطة الاقتصادية هو ما يخيف حاليا البرجوازية. فقد انهار نمو نهاية سنة 2009 وسنة 2010. في الولايات المتحدة الأمريكية بلغت قيمة الناتج الداخلي الإجمالي لثلاثة أشهر الثالثة من سنة 2010 مبلغ 14.730 مليار دولار. فلم يتزايد سوى بنسبة 3,5 % مقارنة بالنقطة الأكثر انخفاضا من سنة 2009. كما يظل اقل من 0,8 % مقارنة بمستواه قبل سنة 2007.
وبينما كانت نسبة النمو المتوقعة في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2011 هي 1,5 % في الثلاثة أشهر الأولى من سنة 2011، إلا أن النسبة الحقيقية سقطت، ولم تتجاوز 0,4 %. أما بالنسبة لستة أشهر الثانية فقد تم تقدير نسبة النمو في نهايتها في 1,3 %، لكنها اغلب الملاحظين يؤكدون أنها ستكون أقرب من 0 %. نفس الظاهرة تتكرر في بريطانيا وفي منطقة اليورو، فالاقتصاد العالمي يتجه نحو معدلات نمو في تراجع مستمر.


وفي ظل هذا السياق التراجعي، لم يتوقف التضخم عن التزايد، فقد بلغ رسميا 2,985 % في الولايات المتحدة الأمريكية لكنه يصل الى نسبة 10 % حسب طريقة حساب المدير السابق للبنك المركزي الفدرالي بول فولكر Paul Volcker. أما بالنسبة للصين، والتي تمثل إحدى البلدان الناهضة، فيرتفع المعدل سنويا الى أكثر من 9 %.

ان الرعب الذي احدثه انهيار الاسواق المالية خلال شهر غشت 2011 أكد بأن الأموال التي سبق ضخها منذ سنة 2007 لم تحقق انطلاقة جديدة للاقتصاد الدولي وبالتالي لم تؤدي الى الخروج من الأزمة. لكن هذه الأموال اشعلت خلال اربع سنوات لهيب المديونية العالمية الى درجة انهيار النظام المالي الذي عاد من جديد الى الواجهة وفي ظل ظرفية اكثر تدهورا من نهاية 2007. حاليا، أصبحت الوضعية الاقتصادية في حاجة إلى ضخ سيولات يومية من جديد ولو بأحجام منخفضة ضرورية وحيوية.


البنك المركزي الأوروبي أصبح مجبرا على شراء يومي للمديونية الايطالية والاسبانية بمبلغ يصل الى حوالي 2 مليار أورو تحت طائلة انهيار هذين البلدين. وإذا كانت هذه الأموال الجديدة تعتبر ضرورية للحفاظ على حياة النظام يوما بيوم، فإن النظام لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يتحمل انعكاسات ولو قليلة، من آثار خلق الأوراق المالية التي كانت متبعة منذ نهاية سنة 2007. وعليه فإن الأمر يتطلب الكثير من أجل مسح الديون والتي تبلغ بالنسبة لاسبانيا وايطاليا مئات الملايير من الأورو.


احتمال تدهور النقطة الثلاثية AAA لفرنسا ستكون الخطوة الأخطر في منطقة الأورو. فالدول التي تتوفر على هذا التنقيط الثلاثي هي فقط من يستطع تمويل صندوق الدعم الأوروبي. وإذ لم تصبح فرنسا قادرة على ذلك، فإن كامل منطقة الأورو ستنهار. حالة الهلع خلال الخمسة عشرة يوما الأولى من شهر غشت لم تنتهي بعد ! هناك حاليا وعيا لدى للبرجوازية ومسؤوليها بأن الدعم الضروري والمتواصل لنمو الانشطة الإقتصادية – حتى بشكل معتدل – أصبح مستحيلا.
لقد كان ذلك أحد الأسباب العميقة لتمزق البرجوازية الأمريكية حول قضية رفع سقف المديونية. نفس الشيء حدث بالنسبة للاتفاقات – المعلن عنها– بين المسؤولين بمنطقة الأورو حول مخطط انقاد اليونان، وهو المخطط الذي تراجعت عنه بعض الحكومات الأوروبية. الصراع بين الجمهوريين والديموقراطيين حول رفع سقف الدين ليس مجرد صراع بسيط كما تحاول الصحافة البرجوازية تقديمها والتي تقابل بين أشخاص مسؤولين مقابل أشخاص غير مسؤولين من اليمين المتطرف الأمريكي، حتى وإن كان سوء التقدير الذي تمثله المطالب الدوغمائية التي لا معنى لها– خصوصا تلك المقدمة من طرف حزب الشاي Tea Party عمقت المشاكل التي تعترض الطبقة المهيمنة الأمريكية.
عدم قدرة المسؤولين بمنطقة الأورو على الاتفاق حول سياسة منسقة ومتوافق عليها لدعم البلدان الأوروبية التي هي في وضعية عدم القدرة على سداد مديونيتها، لا يعود فقط الى تناقضات المصالح البئيسة للمسؤولين لكل رأسمال وطني. بل إن ذلك يترجم في الواقع حقيقة أكثر عمقا وأكثر مأساوية بالنسبة للرأسمالية. فالبرجوازية التي تتطلع الى دعم جديد مكثف للاقتصاد كما كان الحال بالنسبة للفترة المتراوحة ما بين 2008 و 2010 تعي أنها عملية محفوفة بالمخاطر. ذلك لأنها تهدد باحداث الكثير من الانهيارات لقيم سندات الخزينة لمختلف الدول وكذا قيم عملات نفس هذه الدول، بما في ذلك الأورو؛ وهو الانهيار الذي أعلن عنه تطور التضخم خلال الشهور الأخيرة،

3 – الآفاق المسدودة أمام الاقتصاد الرأسمالي العالمي
الركود الاقتصادي حاضر إذن، ولا يمكن للبرجوازية أن تمنع تطوره. ذلك ما فضحه هذا الصيف. فالعاصفة انفجرت والقوة العالمية الأولى التي ينتظم حولها الاقتصاد العالمي منذ سنة 1945 توجد على طريق العجز عن السداد يستحيل تصوره منذ زمن قصير، هذه الحقيقة التاريخية تطبع بقوة عملية إفلاس كامل للاقتصاد العالمي. كما أن الدور الذي صنع الولايات المتحدة الأمريكية كقوة اقتصادية أولى منذ أكثر من ستين سنة أصبح حاليا منتهيا.
وقد أكدت الولايات المتحدة ذلك علنا، فلا يمكنها أن تستمر كما كان الشأن في السابق، كيفما كان مبلغ شراء جزء من مديونيتها من طرف الدول الأخرى كالصين والعربية السعودية، كما أن تمويلها الذاتي أصبح مشكلة رئيسية ونتيجة لذلك ستصبح عاجزة عن تمويل الطلب العالمي.
من سيحل مكان الولايات المتحدة؟ لا أحد يمكنه ذلك !
منطقة الأورو لا يمكنها إلا أن تنتقل من أزمة إلى أخرى سواء على مستوى الدين العمومي أو الخاص، وتتوجه نحو تفجير الشكل الحالي لهذه المنطقة.
بالنسبة للبلدان "الصاعدة" والتي يوجد من بينها الصين ترتبط بشكل كامل بالسوق الأمريكية والأوروبية واليابانية. فرغم كلفة إنتاجها المنخفضة جدا، أكدت خلال السنوات الأخيرة ان الأمر يتعلق باقتصاديات تتطور من خلال ما أمكن تسميته من طرف وسائل الإعلام "باقتصاد الفقاعة"، بمعنى انجاز استثمارات هائل لا يمكنها أبدا تحصيل عائداتها. إنها نفس الظاهرة المماثلة لازمة العقار في الولايات المتحدة وللاقتصاد الجديد قبل بضعة سنوات. وفي الحالتين فإن النتيجة كانت هي الركود.

الصين زادت من تكلفة ديونها، ولم يحدث شيئا، لكن انهيارات تتهددها على نفس الشاكلة في الغرب. الصين، الهند، البرازيل ، بعيدا عن الأقطاب المستقبلية لنمو الإقتصاد، لا يمكنها سوى أن تأخذ مكانها في صيرورة الركود العالمية. مجموع هذه التصدعات الرئيسية في الاقتصاد ستشكل عاملا قويا لزعزعة الاستقرار وتفكيك هذه الأخيرة.
ما يحدث الآن في الولايات المتحدة الأمريكية وفي منطقة الأورو يدفع العالم نحو الركود والإفلاس والتي تغذي بعضها البعض بطريقة أكثر فأكثر سرعة وعمقا. التوقف النسبي الذي حدث منذ أواسط سنة 2009 انتهى الآن. صيرورة إفلاس الرأسمالية والتي دخلها الاقتصاد العالمي الآن لا يطرح فقط على البروليتارية ومضطهدي العالم اجمع ضرورة رفض السداد اليومي لفاتورة هذه الأزمة الرئيسية للنظام.
ولا يتعلق الأمر فقط بالتسريحات الجماعية أو بتقليص الأجور الحقيقية. إن الأمر يتعلق بتعميم البؤس، وعدم قدرة متزايدة للبروليتارية عن تلبية حاجياتها الأكثر أساسية.
يؤكد هذا الأفق الدرامي على أن ما ينهار حاليا ليس فقط الرأسمال المالي مثلا أو واجهة خاصة من الرأسمالية، لكن الأمر يتعلق بانهيار كامل للنظام الرأسمالي، فالمجتمع الرأسمالي بكامله يندفع حاليا نحو الهاوية ومعه البروليتارية إذا ما تركت نفسها تنساق معه.
ليس هناك من بديل آخر سوى قلب النظام الرأسمالي، عبر تطوير صراع طبقي جماهيري مكثف ضد هذا النظام المتعفن القاتل والذي لا مستقبل له. وفي مقابل إفلاس الرأسمالية تطرح ضرورة بناء مجتمع جديد حيث لا ينتج الإنسان من أجل أرباح يستأثر بها البعض فقط، وإنما ينتج من اجل إشباع الحاجيات الإنسانية، مجتمع إنساني حقيقي جماعي ومتضامن.

مراجع:
شكل هذا الموضوع محور عمل دراسي في أواخر شهر شتنبر بباريز حول تقدم الأزمة في العالم وانعكاسها على أوضاع الطبقة العاملة في إفريقيا، وقد استعنت في كتابته بورقة معروضة خلال نفس العمل الدراسي عنوانها Crise économique mondiale : un été meurtrier، كتبت من طرف: TX (14/08/2011)، وقد وجدتها فيما بعد منشورة في الموقع التالي:
http://fr.internationalism.org/ri425/crise_economique_mondiale_un_ete_meurtrier.html
كما اعتمدت خلال العرض على موضوع سابق كتبته تحت عنوان: السياسات الاقتصادية والاجتماعية في ظل الأزمة العالمية وانعكاساتها على أوضاع الطبقة العاملة، صادر بتاريخ 16 مايو 2010 في الحوار المتمدن موجود في الرابط التالي:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=215563
وقد طرحت هذه الورقة في الحوار المتمدن بتاريخ 28 شتنبر 2011 على أمل تفتح نقاشا حول طبيعة الأزمة الحالية وآفاق النظام الرأسمالي المشرف على الانهيار وأشكال مواجهة تداعياتها على البروليتارية.