حول الحزب الشيوعي في فلسطين


جورج حزبون
2011 / 9 / 9 - 18:35     

مبكراً ظهر دور الشيوعيون في فلسطين ، ومبكراً أيضا ظهرت الحركة النقابية العمالية في فلسطين ، منذ بداية عشرينات القرن الماضي ، وبقيت العلاقة عضوية بين الطرفين المناضلين ، السياسي والعمالي ، وان كان الشيوعيون يعتنقون فكر الطبقة العاملة ، باعتبارها الأكثر ثورية ، والقادرة على انجاز المهمة التاريخية . في العدالة الاجتماعية والديمقراطية ، فان الحركة النقابية هي الوعاء العمالي الواسع لإنضاج وعي طبقي ، ومتراس كفاحي للعمال لانتزاع حقوقهم الاجتماعية .
يمكن القول أن الحركة الشيوعية الفلسطينية ،نمت في حاضنة الحركة النقابية ، وعصبة التحرر الوطني ولدت في رحم الحركة النقابية ، وقيادة الشيوعيين هم أبناء الطبقة العاملة النقابين ، وبالتالي لم يكن من الطبيعي فصل إي منهما عن الأخر ، بل إن إي انحراف أو إي نجاح أو فكر أو مشروع سياسي كان يمكن استخلاصه من التأثير والتأثر داخل النقابات ، حيث إلى جانب الشيوعيين كانت تضم الآلاف العمال وتمثل جمهور الطبقة العاملة ، وهي بذلك معياراً لمدى صحة نهج الشيوعيين سلباً أو إيجابا .
ويوم خاض الشيوعيون الانتخابات عام 1976 بدعم من الحركة النقابية ، نجح كافة المرشحين ، مع ان قيادة الحزب واغلب قواعده كانت معتقلة أو مطاردة ، وقد دعم بيان تاريخي لاتحاد النقابات المرشحين طالباً تأيدهم من كافة أبناء شعبنا عمالا وفلاحين ، لكنه حين خاض ( الشيوعيين ) بعد تغير الاسم والنهج انتخابات عام 1996 لم يفلح إي منهم ، فقد تخلوا عن النقابات، وعن الانتماء للطبقة العملة وعوموا توجهاتهم .
أن مسيرة طويلة ناجحة ، لم يكن ضرورياً ، البحث في إعادة تسميتها او تغير نهجها ، مهما كانت الذرائع على شاكلة التغير الحاصل في الاتحاد السوفيتي ، ومحاولة التلاؤم لإحداث بريسترويكا محلية وهي / حسب رأي / ذاتيه ، لقد احترم شعبنا الشيوعيين دائماً ، فكراً وممارسة ، وهم احترموا أنفسهم فلم يخوضوا يوماً صراعاً مع اي جهة دينية او نقداً للأديان او المذاهب ، بل احترمتها باعتبار الجادين عقيدة فيهم ،ا ناس طيبين ومستقيمين ، وكان التخلي عن الامتداد تراثاً ومنهجا ، تخلياً عن انتماء وأخلاقيات وصلت بالبعض لان يواجه المثول إمام محكمة الفساد اليوم .

يظل الانحراف حالة بشرية ، وينطلق من نزاعات ذاتية ، ثم تتم عملية التوليف من خلال مقولات وفذلاكات معينة ، لكن الحقيقة دائما عنيدة ، وليست عملية تغليب الذاتي على الموضوعي ناجحة ، لأنها حالة منكفئة ، ولن تغطيها نعوت الآخرين في محاولة لإبعادهم ، لان التاريخ له له منطوق صارم قطعي ، فالتخلي عن النقابات لتحسين علاقات خاصة كانت او عامة ، تتضح من خلال الثمن الذي دفع ، وفضحته الأيام ، ولقد حفزني للكتابة حول هذا الموضوع الذي كنت أشرت حوله في كتابات سابقة أكثر تفصيلاً ، هي تلك الكتابات التي صدرت خلال العامين الماضين ، احدها لشيوعي أردني ، وآخرين فلسطينيون ، والملفت ان الإجماع كان إن لكل شخص منهم ، فضلاً و بطولات ومآثر غير مسبوقة ، بل والبعض افتراء على التاريخ ونسب لنفسه دوراً لم تكن له حينها علاقة بالشيوعيين بل ربما كان معارضا لهم ، والكاتب من الأردن نسب لنفسه أكثر مما يمكن تحمله ، فهو يقول انه انتقل من صفوف الحركة الطلابية إلى الدراسة في الخارج ثم انتدب للإقامة في إحدى العواصم العربية ، وباقترابه من قيادات الحزب وتقديم خدمات لهم ، قفز الى عضوية اللجنة المركزية ، وبدء بالحديث عن علاقاته الأممية ، وهكذا دون تجربة إنما فهلوة ، ثم نتساءل لماذا تغير الحزب ؟؟ لقد وصل الى غياب الروح الكفاحية ونشوء نزعات بيروقراطية .
لقد شكل غياب الحزب فراغاً فكرياً وسياسياً مهماً في الساحة الفلسطينية ، كذلك فقد شكل قاعدة فكرية لقيامه بصيغة جديدة ، تلك النزعة الذاتية الاستقلالية ، فقد دخل الحزب معارك ومناكفات وجهداً كبيراً على دوره في الأرض المحتلة قبل اوسلوا وقبل الانتفاضة الأولى ، وانه القوة الثانية وفرض صراعا عاتيا مع الجهتين الديمقراطية الشعبية واللتين ،كونهما أعلنتا اعتناق الماركسية، والجبهة الديمقراطية سعت لاعتراف الحركة الشيوعية بها كحزب شيوعي فلسطيني ، وبدل الدخول في مفاوضات لتكوين على الأقل جبهة يسار عريضة ، تم إهدار وقت ثمين على أمور ثانوية ، كان يمكن ان يتكون قطاع وطني يساري كقوة أولى وأساسية ذات تأثير جذري لتكون صورة اليوم أفضل مما هو كائن ، لقد كتب الحزب وأرسل وفوداً للمعسكر الاشتراكي طعناً بيسارية وماركسية الآخرين ، لصالح من وماذا ؟! ، ولكنه وجد سبيلاً للاتفاق مع حركة ( فتح ) والتخلي عن دوره في قيادة الحركة النقابية مقابل دعم مالي ومراكز سياسية وصلت حد الوزارة ، على حساب إنهاء الحزب والتحول إلى حزب عام ، ليس له ما يعيق حركته من فكر محدد او انتماء طبقي واضح .
ولعل الوضع السياسي الفلسطيني الراهن ،قد حسم خطاء تلك المواقف، والساحة ألان تحتاج إلى حزب ثوري في نوع جديد ، وتحديداً بعد فشل كافة محاولات تكوين قطب يساري ، الذي عطله كل تلك الفترة عدم الوصول إلى صيغة عمل مشتركة قيادية ، مما يؤكد مرة أخرى تقدم الذاتي على الموضوعي ، وليس للقواعد إشكاليات ، وهذا ما يسهل الأمر بحيث تتشكل لجنة مؤقتة وتستقيل كافة القيادات ليتم عقد مؤتمر شيوعي ينتخب قيادة ويلتزم نهج ويحدد طريق .
وسيظل الماضي في كل الأحول خلفنا ، نقراء منه ونستخلص ونقوم ما اعوج ، بالديمقراطية المركزية ، فنحن ندرك إن المركزية الديمقراطية لم تعد تصلح اليوم حيث غاية الشعوب هو الديمقراطية والتي يتربى بها كوادر الحزب ، لتكون نهجاً وأسلوبا في التعامل مع الجمهور والحياة العامة ، مع التذكير هنا إن الشيوعيون هم أول من طرح دولة علمانية في فلسطين ، قبل أن تتشابك الأمور ويوافق على التقسيم ، تم مع شعار دولتين لشعبين ، حيث استطاع الشيوعيون ن فهم المتغيرات الحاصلة واستنتاج مواقف تحفظ حق شعبنا في وطنه وإدراك اللحظة التاريخية ، في حين انتقل الجميع من اعلي الشجرة إلى حالة سياسية نطلب بها اعتراف الأمم المتحدة ، التي استخفت . القيادة الوطنية بدورها منذ اللجنة العليا ، على حساب دور .أمريكي منفرد ترحب به الأنظمة العربية المترنحة اليوم تحت ضربات شعوبها المطالبة بالديمقراطية وفك تحالفاتها مع الامبريالية بأي شكل كانت ، وفي هذا المقام من حق الشيوعيون ان يعتزوا يدروهم وحزبهم ويفاخروا بتضحياتهم ، وبأطروحاتهم تاريخيا ومدى صحتها ، وان الذين خدعتهم مرحلة ضبابية لهم وحدتهم الفشل وان الحزب يجب ان يعود الى موقعه القيادي كبوصلة لنضالات شعبنا .