سلسلة وثائق المنظمة الماركسية-اللينينية المغربية -إلى الأمام- مرحلة 1970 – 1980 (الخط الثوري) الحلقة الأولى: - الجزء الثاني


فؤاد الهيلالي
2011 / 9 / 8 - 00:17     

سلسلة وثائق المنظمة الماركسية-اللينينية المغربية "إلى الأمام"
مرحلة 1970 – 1980 (الخط الثوري)

الحلقة الأولى: "حول القضايا الإستراتيجية في فكر منظمة "إلى الأمام" من خلال وثائقها"

الجزء الثاني:
منظمة "إلى الأمام" وإستراتيجية "القواعد الحمراء المتحركة"

تقديم عام:
تشكل وثيقة "مسودة حول الإستراتيجية الثورية" إحدى الوثائق الإستراتيجية الثلاث ("سقطت الأقنعة، لنفتح الطريق الثوري"، "مسودة حول الإستراتيجية الثورية"، "الوضع الراهن والمهام العاجلة للحركة الماركسية اللينينية" – النص الكامل -) لمنظمة "إلى الأمام" في المرحلة الممتدة من 1970 إلى 1980، بل إنها أهم وثيقة إستراتيجية أنتجتها تلك المرحلة (الوثائق السابقة عليها مهدت لها مثال: "إستراتيجية الثورة وإستراتيجية التنظيم"، "الثورة في الغرب العربي في الفترة التاريخية لاندحار الإمبريالية"، أما الوثائق اللاحقة فجلها إما اقتبس منها أو قام بتطوير بعض جوانبها مثال: "الوضع الراهن والمهام العاجلة للحركة الماركسية اللينينية"، "ومن أجل خط ماركسي لينيني لحزب البروليتاريا المغربي"، واهتمت وثائق أخرى بجوانب فرعية مختلفة "بناء الحزب البروليتاري، بناء التحالف العمالي الفلاحي مسيرة واحدة"، "لنبن الحزب الثوري تحت نيران العدو" وغيرها.
تعرف الوثيقة اختصارا باسم "المسودة" وهي من الوثائق التي اطلع عليها القليلون لأسباب تتعلق بظروف القمع والأوضاع الأمنية والنتائج التي سببها للمنظمة إثر حملات القمع المتتالية خلال سنة 72 (انظر تقييم الاعتقالات في وثيقة "عشرة أشهر من كفاح التنظيم: نقد ونقد ذاتي (تقرير 20 نونبر الصادر عن اللجنة الوطنية- 20 نونبر 1972)". ولم تظهر الوثيقة بعد ذلك إلا نادرا. لذلك يجهلها الكثيرون.
كثيرا ما توجه الانتقادات للوثيقة باعتبارها نقلا حرفيا للتجربة الصينية كوصفة جاهزة للتجربة المغربية. والحال ذوو تلك الانتقادات إما عن جهل وإما أنهم تجاهلوا لأسباب سياسية وإيديولوجية تلك الحقائق المتعلقة بإنجاز الوثيقة والتي تشكل هاته الأخيرة عصارة خلاصاتها.
قبل صدور الوثيقة كانت "الأطروحة" (سقطت الأقنعة، فلنفتح الطريق الثوري) هي المرجع الأساسي فيما يخص قضايا الإستراتيجية والحال أن هاته الأخيرة كانت عبارة عن: "الأرضية الموحدة الأولى للتفكير المشترك حول معضلة الإستراتيجية".
فالانفصال عن "حزب التحرر والاشتراكية" كان على مبدأ واحد: "هو ضرورة الكفاح المسلح كطريق للثورة". لم تكن الأرضية كافية وواضحة بما يكفي مما نتج عنه بروز ثلاث مواقف متباينة حول قضية الإستراتيجية.
1- الإستراتيجية الغيفارية وكان أبرز ممثليها الرفيق بلخضر جمال.
2- إستراتيجية الانتفاضة (خاصة النموذج البلشفي) من أبرز ممثليها الرفيق ريموند بن نعيم، أصحاب هذه الإستراتيجية كانوا يراهنون أساسا على انتفاضة مدينية وكانوا يهملون أي دور للفلاحين.
3- إستراتيجية حرب التحرير الشعبية: وهي تصور عام تطور من طرح ضبابي إلى طرح واضح مع بروز "إستراتيجية القواعد الحمراء المتحركة"، ومن أبرز منظريها الشهيد عبد اللطيف زروال والرفيق أبراهام السرفاتي آنذاك وكانت تحظى على الأقل في مبادئها العامة بانتشار واسع وسط الشبيبة الثورية الطلابية والتلاميذية للمنظمة. وأبرز الكتابات المنتشرة آنذاك وسط المناضلين والرفاق: "الكتابات العسكرية لماو تسي تونغ"، "كتابات الثورة الفيتنامية" وخاصة مقالات "جياب"...
I- "المسودة" و"نقد مفهوم الانطلاقة الثورية":
اعتبرت "المسودة" أن إنجاز الثورة يتطلب بناء إستراتيجية ثورية لحسم مسألة السلطة "المهمة المركزية للثورة وشكلها الأسمى" وربطت ذلك ببناء التنظيم الثوري وتقدم الممارسة الجماعية والتفكير الجماعي داخل الحركة الثورية للجماهير.
1- من الندوة الوطنية 1972 إلى اجتماع اللجنة الوطنية يناير 1972 انتهاء باجتماع اللجنة الوطنية ماي 1972 ستحقق "إستراتيجية القواعد الحمراء المتحركة" انتصارها على باقي الإستراتيجيات الأخرى.
2- كانت "إلى الأمام" أو تنظيم "أ" في البداية لا تتوفر على إستراتيجية متكاملة ذلك أن الوضع داخل "حزب التحرر والاشتراكية" لم يكن يوفر أية إمكانية للنقاش وذلك تحت مبرر انتظار "نضج الظروف" في الوقت الذي كان فيه الحزب في العمق متبنيا إستراتيجية برلمانية بورجوازية من طبيعة الخط الإصلاحي الانتظاري لأحزاب البورجوازية. ولذلك كما قلنا كان الانفصال على مبدإ واحد: "هو ضرورة الكفاح المسلح كطريق للثورة"، وجاءت وثيقة "سقطت الأقنعة" كأرضية موحدة أولى للتفكير المشترك في معضلة الإستراتيجية.
3- خلاصات مايو 1972:
عقدت اللجنة الوطنية للمنظمة أحد أهم اجتماعاتها وحسمت في عدة قضايا منها قضية الإستراتيجية الثورية حيث تم تبني "إستراتيجية القواعد الحمراء المتحركة".
فبعد استحضار مفهوم "الانطلاقة الثورية" التي تستند على التقدم الهائل لكفاحات الجماهير، ذلك التقدم الذي سيزيد من تفكك وتفسخ الجهاز الحاكم، ويؤدي بالتالي إلى تدخل الإمبريالية لإنقاذ نظام عملائها الملاكين الكبار والأوليغارشيا الكمبرادورية، وستدخل حينئذ الجماهير في حرب شعبية طويلة الأمد لدحر العدوان الإمبريالي وانتصار الثورة. هذه "الانطلاقة الثورية" التي لابد أن تدخل ضمن تقدم كفاحات شعوب غرب البحر المتوسط حيث ستقوم المنطقة بفتح جبهة واسعة تمكن من ضرب الإمبريالية في المنطقة التي تشكل إحدى المناطق الرئيسية لتمركزها".
كان مفهوم "الانطلاقة الثورية" يشكو من غياب جواب حول كيفية نمو هاته الانطلاقة. فجاءت وثيقة "إستراتيجية الثورة وإستراتيجية التنظيم" كمحاولة للإجابة عن سؤال الكيف « le comment » كشفت هاته الوثيقة الصادرة في مايو 1971 عن الإمكانيات التي تسمح بهذه "الانطلاقة الثورية" فارتأت أن تلك الانطلاقة يجب ان تتخذ شكل انتفاضة 1905 الروسية، أي انتفاضة لا تؤدي إلى السلطة وتؤدي إلى تفسخ الجهاز الحاكم وتفككه ويتم حينئذ شن حرب شعبية في جدلية متواصلة بين كفاح المدينة وكفاح البادية.
ساهمت الانتقادات الصائبة للوثيقة "إستراتيجية الثورة وإستراتيجية التنظيم" من طرف الرفاق داخل التنظيم ومن طرف التنظيمات الماركسية اللينينية، وفي سياق تطور النضالات الجماهيرية وأحداث 10 يوليوز 1971 (الانقلاب العسكري ضد الحسن الثاني) وما أعقبها من مراجعة نقدية لممارستنا وإستراتيجيتنا، ساهم كل هذا في بناء نقد صحيح لمفهوم "الانطلاقة الثورية". وهكذا اعتمد التصور الاستراتيجي الجديد على نقد مفهوم "الانطلاقة الثورية" حيث تم توجيه الانتقادات التالية له:
أ‌- كونه يستند على عفوية الجماهير المطلقة، فالجماهير بتقدم نضالاتها العفوية ستزيد من تفسخ الحكم وتفككه وتؤدي إلى الكفاح المسلح في مرحلة عليا.
ب‌- حمله لتصور ميكانيكي لمراحل الثورة: فالدفع بكفاحات الجماهير في المرحلة الأولى إلى انتفاضة فاشلة تؤدي إلى الحرب الشعبية في المرحلة التالية.
ج‌- لحمله العفوية والميكانيكية يغفل دور عامل التهييء العسكري من قبل الحزب الثوري للحرب الشعبية.
إن الجماهير الشعبية بعفويتها، لا تصل إلى تنظيم نفسها عسكريا، بل لابد من تهييء الأطر العسكرية القيادية.
د- اعتبار الخطأ الأساسي للمفهوم تغييبه لجدلية العمل السياسي والعمل المسلح "فالانطلاقة الثورية" تستند على تقدم النضالات السياسية للجماهير في مرحلة أولى، ثم تتوج هذه النضالات السياسية في مرحلة أعلى بالنضال المسلح.
إن جدلية العمل السياسي والعمل المسلح تفرض نفسها في ممارسة الجماهير الثورية ذاتها.
هـ- إن كفاح الجماهير يستلزم بطبيعة المرحلة الأولى للثورة، قيام جبهة ثورية عريضة تضم كل قوى الشعب من أجل النضال ضد الإمبريالية وعملائها المحليين.
هكذا سمحت النقاشات التي دارت في الندوة الوطنية سنة 1972، بعدما وضعت حدا فاصلا في تطور منظمة "إلى الأمام" بحكم الممارسة النقدية الشاملة للتجربة، باستخلاص آفاق إستراتيجية جديدة.
وانتهى اجتماع اللجنة الوطنية للمنظمة في يناير 1972 إلى التخلي النهائي عن مفهوم "الانطلاقة الثورية" كطرح استراتيجي. فإذا كانت الندوة الوطنية قد أوصت بفتح نقاش حول "إستراتيجية القواعد الحمراء المتحركة" وتعميق هذا النقاش داخل كل الفصائل الماركسية اللينينية. وترجم اجتماع اللجنة الوطنية (يناير 1972) توصية فتح نقاش حول الموضوع بعدما تخلى نهائيا عن مفهوم "الانطلاقة الثورية". وهكذا وفي ظروف تزايد ممارسة التنظيم داخل نضالات الجماهير تم التوصل إلى رؤية أوضح للشكل الاستراتيجي فتم التبني الكامل "لإستراتيجية القواعد الحمراء المتحركة" باعتبارها المرحلة الأولى من الكفاح الثوري للشعب نحو حرب التحرير الشعبية. فكانت توصيات اجتماع اللجنة الوطنية للمنظمة المنعقدة في مايو 1972 بمثابة القرار النهائي المتبني لهاته الإستراتيجية الجديدة.
II- الطريق إلى إستراتيجية "القواعد الحمراء المتحركة":
1- تذكير:
إن المبادئ العامة التي ارتكزت عليها هاته الإستراتيجية هي نفسها التي تبنتها المنظمة بعد معارك إيديولوجية ضد تيارات بورجوازية صغيرة وسط الحركة الماركسية اللينينية المغربية وداخل المنظمة، معارك أرخت لها مجموعة من الوثائق الشيء الذي أدى إلى تبني الماركسية اللينينية –إسهامات ماو. كان مجال الإستراتيجية هو أحد ميادين الصراع نظرا لراهنيتها آنذاك وإلحاحيتها.
لم تتوصل المنظمة إلى تبني هاته الإستراتيجية إلا بعدما تم التمهيد لها بكتابات مختلفة نذكر منها:
- "دور العنف في التحول الثوري" (سنة 1972).
- "مختلف أشكال العنف الثوري" (سنة 1972).
كانت الوثيقة الأولى تأسيسا نظريا لمسألة العنف الثوري بينما كانت الثانية دراسة للأشكال المختلفة للعنف الثوري وخاصة نماذج أمريكا اللاتينية التي قام ريجيس ديبري في كتابه "الثورة في الثورة" بالتنظير لها وتعميمها. وقد قامت هاته الوثيقتين بإبراز الطابع البورجوازي الصغير والمثقفي المحتقر لدور الجماهير وحزبها الثوري في صنع الثورة.
أما الوثيقة الثالثة المساهمة في هذا التوضيح هي "الوحدة الجدلية لبناء الحزب الثوري والتنظيم الثوري للجماهير" (29 مايو 1972) وقد شكلت وثائق أخرى منها: "إستراتيجية الثورة وإستراتيجية التنظيم" (مايو1971) و"الثورة في الغرب العربي في الفترة التاريخية لاندحار الإمبريالية" (4 مايو 1971) حلقات في نقاش قضايا إستراتيجية قبل صدور وثيقة "مسودة حول الإستراتيجية الثورية" (30 يونيو 1972).
كثيرا ما يقدم مؤرخوا منظمة "إلى الأمام تاريخا مشوها حين ينعتونها "بالمونوليتزمية" « monolithisme » والحال أن هاته الفترة كانت تكذب هذا الادعاء فقد عرفت صراعا بين عدة خطوط داخل المنظمة مما يكذب كل أقاويل بعض المؤرخين غير ذي معرفة وإلمام بتاريخ المنظمة ولنا عودة في الموضوع فيما بعد.
إن الخلاف حول قضايا استراتيجية كان يعكس الى حد كبير راهنية حل معضلتها ولأن تطور الخط السياسي لم يكن يسير في خط مستقيم بل عبر تعرجات مختلفة بارتباط بالوضع السياسي العام بالبلاد،وبالوضع الذاتي للمنظمة ،فان حقيقة الصراع حول الإستراتيجية كان يخفي خلافا عميقا حول التصور التنظيمي وحول علاقة ذلك بمهمة التجدر وسط الطبقة العاملة والجماهير الكادحة من فلاحين وغيرها وحول اشكالية بناء الحزب الثوري والجبهة الثورية الشعبية.وبعد حسم اجتماع اللجنة الوطنية في مايو 1972 لإستراتيجية المنظمة عادت المسألة التنظيمية لتحتل الأولوية في خط المنظمة كما سيظهر ذلك ابتداء من نهاية سبتمبر 1972 وكما حسمها اجتماع اللجنة الوطنية الذي اصدر تقرير عشرين نونبر تحت عنوان"عشرة أشهر من كفاح التنظيم نقد ونقد ذاتي.
2- الندوة الوطنية الأولى لمنظمة "إلى الأمام" وأهميتها التاريخية:
تقرر عقد هاته الندوة في سبتمبر 1971 من طرف اللجنة الوطنية للتنسيق في أحد اجتماعاتها آنذاك.وكانت الندوة ذات طبيعة تقريرية بل شبيهة بمِؤتمر اول للمنظمة.قبل ذلك وفي اطار تهييئها انعقدت ندوات تهييئية على مستوى القطاعات والنواحي(الناحية بالمفهوم التنظيمي آنذاك هي الفرع المحلي تقريبا بالمعنى المتعارف عليه الآن).قامت هاته الندوات بتعميق النقاش حول الخط السياسي ومعضلة بناء تنظيم ثوري.وقد ساهمت هاته النقاشات في انبثاق وفرز مناضلين بروليتاريين منحدرين فعلا من الجماهير الكادحة مما دعم الصراع حول الخط في اتجاه ثوري حيث اصبح التعارض ينمو بين مثقفين من اصول بورجوازية وبورجوازية صغيرة ومناضلين ذوي جذور بروليتارية او كادحة مما ساهم في تغيير البنية السائدة داخل المنظمة.قبل الندوة وفي منتصف 1971 انسحب ممثل التيار الغيفاري من لجنة التنسيق الوطنية على ان يحتفظ بافكاره ويدافع عنها بينما سبق ان تقدم الإتجاه الإصلاحي بتحليل سياسي (نونبر 1971) الى لجنة التنسيق الوطنية.كان الإصلاحيون يقودهم ريموند بن نعيم لا يرون اية امكانية لإنبثاق مد ثوري في الشروط الراهنة وقد كان ممثلوا هذا التيار يدعون الى تحالف فوقي مع القوى الإصلاحية كما ظهر ذلك في النقاشات التي جرت في سبتمبر 1971 على اثر انقلاب يوليوز 1971.كان التيار الإصلاحي. كان التيار الإصلاحي متمركزا في مدينة الرباط مستغلا البنية التنظيمية اللاممركزة وانعدام المراقبة المركزية مما سمح له بايجاد بعض المرتكزات التنظيمية كانت قوتها بارزة داخل اللجنة المحلية للناحية أي ناحية الرباط. لكن مقابل هذا التيار نما تيار ثوري معارض داخل الناحية من داخل خلايا الأحياء الشعبية ومن داخل الثانويات اساسا وهو التيار الذي شكل السند الرئيسي في انتصار الخط الثوري عموما وعلى مستوى الناحية خصوصا(منهم فؤاد الهيلالي وإدريس بن زكري وحميد بن زكري وزهير عبد الرحيم وآخرون) إضافة إلى القواعد الطلابية (ومن أبرزها الشهيد عبد اللطيف زروال وعبد العزيز المنبهي وآخرون) إضافة إلى أبراهام السرفاتي الذي كان فعلا قائدا ثوريا ومهندسا حقيقيا للخط الثوري ورفاق آخرون من امثال عبد الحميد أمين نذكرهم على سبيل المثال.(سنعود للمزيد من التفاصيل والتدقيقات حول حقيقة الصراع في الحلقة المخصصة للتنظيم). قبل انعقاد الندوة الوطنية الأولى التي جرت على يومين (31 دجنبر 71 و1يناير 1972) والتي حضرها العديد من الرفاق (أبرهام السرفاتي، عبد اللطيف اللعبي، عبد الله المنصوري، زعزاع عبد الله، محمد الموساوي، عبد الفتاح الفاكهاني، عبد اللطيف زروال، فؤاد الهيلالي، المشتري بلعباس، عبد الحميد أمين، ريموند بنعيم، ايت غنو المحجوب، العربي، الحاج ناصر، بناصر(فلاح مقاوم سابق)، رفيق من ازرو، (بينما تغيب إدريس بن زكري عن اللقاء لخطأ في الموعد...).
ناقشت الندوة الوطنية التقرير السياسي المقدم إليها من طرف لجنة التنسيق الوطني ومجموعة من الملتمسات تقدمت بها اللجان وكان النقاش حادا وقويا انتهى باندحار الخط الإصلاحي ومفاهيمه وتدعم الخط الثوري الجماهيري على حساب المفاهيم العفوية للتنظيم التي كانت سائدة والتي روجت لها وثيقة "استراتيجية الثورة واستراتيجية التنظيم" التي كانت تعتمد في جوابها على إشكالية بلترة التنظيم بالدعوة إلى اللامركزية وتشتيت التنظيم عبر قطاعات الجماهير في محاولة إلى قلب البنية البورجوازية الصغيرة للتنظيم والتجدر وسط الجماهير. كانت الأطروحات الغيفارية بدورها تكرس فكرة التنظيم الشبكي الإرهابي ولا ترى الاعتماد على الجماهير في فتح الطريق الثوري. عموما الطرح الغيفاري للرفيق بلخضر جمال الذي كان يعمل من داخل المنظمة وخارجها في سياق مشروع بناء تنظيم شبكي مسلح، ينهل من تجارب مختلفة ومتأثرة أساسا بتجربة وكتابات "اليسار البروليتاري" (La gauche prolétarienne) التنظيم الثوري الفرنسي وكتابات كارلوس ماريغيلا (قائد حركة التحرير الوطني البرازيلية) وخاصة كراسه "موجز حرب العصابات المدينية "، إضافة إلى التأثر بتجربة "حركة التحرير الوطني توباماروس" بأوروغواي وكتابات إرنيستو تشي غيفارا. كان تصور بلخضر جمال أقرب إلى استراتيجية مدينية لحرب العصابات ولذلك تميز مناضلوا التيار بمجموعة من عمليات إحراق أماكن وتجهيزات مثل إحراق أقواس النصر خلال مناسبات أعياد العرش.
كان التياران الإصلاحي والغيفاري يستفيدان من غياب مركزية تنظيمية وممارسة لامركزية مفرطة كان التنظيم ينهجها وذلك لخلق قواعد تنظيمية سرية من داخل التنظيم وخاصة بالنسبة للتيار الغيفاري الذي كان يعمل في الخفاء مستغلا استقلالية الجهاز التقني وكذلك غياب صراع إيديولوجي وسياسي واضح ضد هذا التيار الذي كان يمجد دور العمل التقني في العملية الثورية ودور النخبة الثورية بدل الدور الخلاق للجماهير في صنع الثورة.
في ظل هذه الشروط التاريخية، التي ستعمل فيما بعد على فضح التيارين من خلال تسلسل الاعتقالات التي ستتعرض لها المنظمة سنة 1972، حيث ستكشف ممارساتهما عن طابعهما البورجوازي الصغير (بالنسبة للتيار الغيفاري سيكون وراء جزء من الاعتقالات التي تعرضت لها المنظمة (انظر تقرير 20 نونبر 1972) بينما سيقوم زعيم التيار الإصلاحي في ظروف القمع المسلط على المنظمة في مايو – يونيو 1972 بابتزاز المنظمة عن طريق دعوتها إلى إخراجه إلى الخارج أو سيقوم بإفشاء أسرارها إذا ما تعرض للاعتقال. وكانت بالفعل ضربة قوية للتيار الإصلاحي الذي ما لبث أن انسحب تدريجيا أغلب عناصره)، انعقدت الندوة الوطنية وكان من خلاصاتها وقراراتها:
1. تبني مفهوم جديد للقيادة باعتبارها قيادة سياسية للتنظيم والدعوة إلى تجاوز مفهوم التنسيق كتصور تنظيمي.
2. الدعوة إلى فتح نقاش حول استراتيجية "القواعد الحمراء المتحركة".
3. خلق جريدة مركزية للتنظيم.
4. انتخاب أول لجنة وطنية كقيادة سياسية تنتخب بدورها كتابة وطنية. (لائحة أعضاء اللجنة الوطنية المنتخبة من أول ندوة تقريرية لمنظمة إلى "الأمام": عبد اللطيف اللعبي، عبد الله زعزاع، عبد الفتاح الفاكهاني، أبراهام السرفاتي، عبد اللطيف زروال، فؤاد الهيلالي، عباس المشتري، أيت غنو المحجوب، محمد الموساوي، عبد الحميد أمين، الحاج ناصر، العربي،...).
بعد الندوة الوطنية اجتمعت اللجنة الوطنية في يناير 1972 بمدينة الرباط التي كانت آنذاك مركز ثقل عمل المنظمة واعتمادا على خلاصات الندوة الوطنية التي ستشكل حدا فاصلا في تطور التنظيم سيتم التخلي نهائيا عن الطروحات السابقة ليبدأ نقاش حول استراتيجية "القواعد الحمراء المتحركة". هكذا إذن الندوة الوطنية توصي واللجنة الوطنية تقرر فتح نقاش حول استراتيجية "القواعد الحمراء المتحركة" وتعميق هذا النقاش داخل كل الفصائل الماركسية اللينينية.
هكذا في ظروف تزايد ممارسة التنظيم داخل نضالات الجماهير وبعد نقاشات طويلة تم التوصل إلى رؤية أوضح للشكل الاستراتيجي والتبني الكامل لاستراتيجية "القواعد الحمراء المتحركة" باعتبارها المرحلة الأولى من الكفاح الثوري للشعب نحو حرب التحرير الشعبية.
وفي ظل شروط قمعية قاسية وبعد اتخاذ إجراءات أمنية مشددة، عقدت اللجنة الوطنية اجتماعا في شهر مايو 1972 بمدينة الرباط وتداولت فيه مجموعة من القضايا تنظيمية وأمنية وحسم الاستراتيجية الثورية للمنظمة.
وحضر هذا الاجتماع الرفاق: أبراهام السرفاتي، عبد اللطيف زروال، فؤاد الهيلالي، عباس المشتري، عبد الله زعزاع. باقي أعضاء اللجنة الوطنية مستهم حملات الاعتقال على امتداد سنة 1972.
هكذا ستصدر عن هذا الاجتماع وثيقة "مسودة حول الاستراتيجية الثورية" التي ستظهر بتاريخ 30 يونيو 1972 التي شكلت لبنة أساسية على طريق توضيح الخط السياسي والاستراتيجي لمنظمة" إلى الأمام" من خلال نقدها لمفهوم الانطلاقة الثورية كطرح استراتيجي والقائم على مرتكزين:
- عفوية حركة الجماهير في بناء تنظيمها الثوري.
- عفوية الجماهير في بناء استراتيجيتها الثورية.
هذان المرتكزان هما الأساس السياسي والإيديولوجي لمبدأ اللامركزية التنظيمية ومفهوم القيادة كتنسيق اللذان سادا خلال الحقبة السابقة على الندوة. وبذلك تكون الوثيقة قد قدمت جوابا أساسيا عن جدلية الثورة وجدلية التنظيم سيتم اعتمادها في تقرير 20 نونبر 1972 الذي أسس لمرحلة تنظيمية جديدة في تاريخ منظمة "إلى الأمام". لم يسبق أن نشرت هاته الوثيقة ويسرنا أن نقدمها لكل المناضلين الثوريين والثوريات ببلادنا ولكل القراء والقارئات.
بقلم فؤاد الهيلالي




المنظمة الماركسية اللينينية المغربية: إلى الأمام
اللجنة الوطنية
"مسودة حول الإستراتيجية الثورية"

1. نقد مفهوم: "الانطلاقة الثورية".

يستحيل إنجاز الثورة بدون إستراتيجية ثورية، كما أن هذا الإنجاز يستحيل بدون تنظيم ثوري. إن كل الأعمال التنظيمية والسياسية للعمل الثوري لا بد من أن تنبع من التحديد الصحيح للإستراتيجية الثورية وأن تخدمها. لهذا فإن بناء إستراتيجية ثورية هو أمر حيوي لحسم مسألة السلطة باعتبارها "المهمة المركزية للثورة وشكلها الأسمى". هذه الإستراتيجية الثورية لن تتكامل إلا من خلال تقدم الممارسة الجماعية والتفكير الجماعي داخل الحركة الثورية للجماهير. هذا هو هدف هذه المسودة حول الإستراتيجية التي يجب أن تعنى بالنقاش الجماعي للمناضلين الثوريين وبالممارسة الثورية.
وفي البداية، لابد من طرح خلاصات التفكير الجماعي حول مشكل الإستراتيجية خلال كل المرحلة السابقة من تطور تنظيمنا. فهذه الخلاصات تشكل قاعدة لابد منها لفهم مشروع إستراتيجيتنا الثورية، كما تبلورت خلال اجتماع مايو الهام للجنة الوطنية.
خلال فترة التأسيس للقواعد الأولى لتنظيمنا لم نكن نملك إستراتيجية متكاملة، فانفصال المناضلين وقتئذ عن الإطار التحريفي الذي كان يرفض النقاش حول مشكل الإستراتيجية، مؤجلا النقاش فيها إلى حين "نضج الظروف"، متبنيا في العمق إستراتيجية برلمانية برجوازية من نفس طبيعة الخط الإصلاحي الانتظاري لأحزاب البرجوازية. هذا الانفصال الذي كان على مبدأ واحد: هو ضرورة الكفاح المسلح كطريق للثورة. وهكذا تواجدت خلال تلك المرحلة مواقف متباينة حول قضية الإستراتيجية من الغيفارية، إلى الانتفاضة البلشفية، إلى حرب التحرير الشعبية. لقد جاءت الأطروحات الثورية الأولى (سقطت الأقنعة فلنفتح الطريق الثوري) أكتوبر 1970 لتسجل الأرضية الموحدة الأولى للتفكير المشترك في معضلة الإستراتيجية.
1. لقد سجلت الأطروحات الأولى إمكانية "الانطلاقة الثورية" في المغرب، تلك "الانطلاقة الثورية" التي تستند على التقدم الهائل لكفاحات الجماهير، ذلك التقدم الذي سيزيد من تفكك وتفسخ الجهاز الحاكم، ويؤدي بالتالي إلى تدخل الإمبريالية لإنقاذ نظام عملائها الملاكين الكبار والأوليغارشيا الكمبرادورية. وستدخل حينئذ الجماهير في حرب شعبية طويلة الأمد لدحر العدوان الإمبريالي وانتصار الثورة. هذه "الانطلاقة الثورية" التي لابد أن تدخل ضمن تقدم كفاحات شعوب غرب البحر المتوسط، حيث ستقوم شعوب المنطقة بفتح جبهة واسعة تمكن من ضرب الإمبريالية في المنطقة التي تشكل إحدى المناطق الرئيسية لتمركزها.
2. كيف ستنمو هذه "الانطلاقة الثورية" نحو الحرب الشعبية؟
لقد جاءت "استراتيجية الثورة واستراتيجية التنظيم" (مايو 1971) محاولة أن تجيب عن السؤال، لقد كشفت هذه الوثيقة عن الإمكانيات الثورية التي تسمح بهذه "الانطلاقة الثورية" تلك الانطلاقة التي يجب أن تتخذ شكل انتفاضة 1905 الروسية، أي انتفاضة لا تؤدي إلى انتزاع السلطة، وتؤدي إلى تفسخ الجهاز الحاكم وتفككه ويتم حينئذ شن حرب شعبية في جدلية متواصلة بين كفاح المدينة وكفاح البادية.
3. لقد مكنتنا الانتقادات الصائبة للتنظيمات الماركسية اللينينية، وانتقادات الرفاق داخل التنظيم وتطور النضالات الجماهيرية وأحداث 10 يوليوز 1971، وما أعقبها من مراجعة نقدية لممارستنا واستراتيجيتنا، من نقد صحيح لمفهوم "الانطلاقة الثورية". لقد كان خطأ هذا المفهوم يكمن فيما يلي:
 لقد كانت "الانطلاقة الثورية" تستند على عفوية الجماهير المطلقة، فالجماهير بتقدم نضالاتها العفوية ستزيد من تفسخ الحكم وتفككه وتؤدي إلى الكفاح المسلح في مرحلة عليا. وتتضمن – في نفس الوقت – تصورا ميكانيكيا لمراحل الثورة، - فالدفع بكفاحات الجماهير في المرحلة الأولى إلى انتفاضة فاشلة تؤدي إلى الحرب الشعبية في المرحلة التالية .
 نتيجة لما تتضمنه "الانطلاقة الثورية" من عفوية وميكانيكية فإنها تغفل دور عامل التهييء العسكري من قبل الحزب الثوري للحرب الشعبية. إن الجماهير الشعبية بعفويتها، لا تصل إلى تنظيم نفسها عسكريا، بل لابد من تهييء الأطر العسكرية القيادية.
 لقد كان الخطأ الأساسي لهذا المفهوم يكمن في غياب جدلية العمل السياسي والعمل المسلح، "فالانطلاقة الثورية" تستند على تقدم النضالات السياسية للجماهير في مرحلة أولى، ثم تتوج هذه النضالات السياسية في مرحلة أعلى بالنضال المسلح. إن جدلية العمل السياسي والعمل المسلح تفرض نفسها في ممارسة الجماهير الثورية ذاتها.
 إن كفاح الجماهير سيلتزم بطبيعة المرحلة الأولى للثورة، قيام جبهة ثورية عريضة تضم كل قوى الشعب من أجل النضال ضد الإمبريالية وعملائها المحليين.
هذه الانتقادات التي تبلورت بشكل متكامل خلال نقاشات الندوة الوطنية التي شكلت حدا فاصلا في تطور تنظيمنا، بفعل الممارسة النقدية الشاملة لممارساتنا السابقة. هذه الانتقادات مكنتنا من استخلاص آفاق استراتيجية جديدة تمكن من رؤية أوضح للطريق الثوري لكفاح الجماهير والتخلي نهائيا عن مفهوم "الانطلاقة الثورية" في اجتماع يناير للجنة الوطنية. وهكذا برزت فكرة القواعد الحمراء المتحركة باعتبارها الاستراتيجية التي تنبع من التحليل الملموس لواقعنا الوطني والدولي ومن دراسة التاريخ النضالي للشعب المغربي والتجربة الغنية لثورات الشعوب.
لقد أوصت الندوة الوطنية بفتح النقاش حول استراتيجية القواعد الحمراء المتحركة وتعميق هذا النقاش داخل كل الفصائل الماركسية – اللينينية. وخلال المرحلة التي أعقبت الندوة الوطنية الغنية بممارسة التنظيم داخل نضالات الجماهير استطعنا أن نصل إلى رؤية أوضح للشكل الاستراتيجي، وإلى التبني الكامل لاستراتيجية القواعد الحمراء المتحركة باعتبارها المرحلة الأولى من الكفاح الثوري للشعب نحو حرب التحرير الشعبية.

2. حرب التحرير الشعبية: طريق الثورة

في بلد ذي هيكلة شبه استعمارية وشبه إقطاعية يستند فيه النظام على التبعية المطلقة للإمبريالية ويشكل فيه الفلاحون 75 في المائة من سكان البلاد، يعانون فيه من استغلال وقمع الملاكين الكبار من الإقطاعيين القدامى أو المعمرين الجدد ويتعرضون لعمليات نزع الأراضي من طرف هؤلاء، وتوجد فيه طبقة عاملة طليعية ذات تقاليد نضالية عريقة تتعرض للاستغلال البشع من طرف رأس المال الأجنبي وعميلته البرجوازية الكمبرادورية، ويشكل طليعتها عمال المناجم الموجودة في قلب البادية، فإن الحرب الشعبية هي طريق الثورة. في هذه الشروط يستحيل قيام انتفاضة مسلحة تؤدي إلى استيلاء البروليتاريا على السلطة. إن بعض الظروف التي مكنت البروليتاريا الروسية من الاستيلاء على السلطة في أكتوبر 1917:
 تمركز البروليتاريا في مراكز تجمع ثورية.
 الصراع الدائر بين الإمبريالية وقتئذ.
هذه الظروف يستحيل توفرها في المغرب، حيث الجماهير الفلاحية تشكل القوى الأساسية للثورة في بنية اقتصادية واجتماعية شبه استعمارية وشبه إقطاعية، والبروليتاريا غير متمركزة حيث توجد طليعتها عمال المناجم في قلب البادية ، كما أن الإمبريالية مستعدة للتدخل المباشر لحماية مصالحها المهددة كما وقع في الفيتنام أو كوريا أو الدومينيكان (وجود قواعد أمريكية في المغرب وإسبانيا والصحراء الغربية)، كما أن الطريق المسدود الذي تقف فيه الثورة في أمريكا اللاتينية، نتيجة للفشل الدامي للطريقة الكوبية المنقولة مفصولة عن سياقها الموضوعي داخل بلدان أمريكا اللاتينية، سواء في البادية (بوليفيا) أو المدن (البرازيل والأرغواي) يجعلنا بعيدين عن نفس الطريق المسدود، إن تلك التجربة زيادة على أنها غير بروليتارية (إذ تقفز عن القدرة الخلاقة للجماهير) تفتقد أرضيتها الموضوعية في واقعنا الوطني (انظر الدراسة حول "دور العنف في التحول الثوري" ومختلف أشكال العنف).
إن التراث النضالي العريق للشعب المغربي يؤكد صحة استنتاجنا الموضوعي حول الحرب الشعبية كطريق للثورة، إن كفاحه ضد السلطة المركزية قبل الاستعمار وفي بداية التدخل الاستعماري في القرن السادس عشر وما بعده، وضد الاستعمار الفرنسي خلال القرن الحالي كذلك انتظام جماهير الفلاحين داخل قبائلهم لحماية الأرض الجماعية (أرض الجموع)، وشرف القبيلة ولردع عدوان السلطة المركزية التي لم تكن تتجاوز سلطتها المراكز الحضرية المحمية بالأسوار العالية، كما أن الحروب الطويلة التي واجهت الاستعمار الفرنسي في الريف بقيادة البطل عبد الكريم الخطابي، وجبال الأطلس، وفي الجنوب بقيادة ماء العينين، حيث لم يتمكن الاستعمار الفرنسي من استكمال سيطرته إلا سنة 1934، وتأسيس جيش التحرير سنة 1953، كل هذا يؤكد استنتاجنا الموضوعي، فهذا التراث الكفاحي يؤكد وجود الجذور التاريخية للحرب الشعبية في ممارسة الشعب، ويملي علينا نحن الثوريين واجب استيعاب هذا التراث ودمجه بالماركسية اللينينية لإغناء تجربة الشعب الطويلة.
إن حرب التحرير الشعبية هي طريق الثورة.

3. من القواعد الحمراء المتحركة إلى مناطق السلطة الحمراء الدائمة :

إن السؤال الذي ينبغي الإجابة عليه هو: كيف سيصل كل الشعب إلى مرحلة الحرب الشعبية؟
إن مشكل الاستراتيجية يكمن بالضبط في الإجابة على هذا السؤال، الذي يتعلق بمجمل التكتيكات والمراحل التي يجب قطعها والتي يشكل مجموعها استراتيجية الثورة، إن هذه المراحل لا يمكن تحديدها إلا بمعرفة دقيقة لخصائص الواقع الوطني والدولي، معرفة تسمح بنهج خط سديد يضمن سير حركة الجماهير الثورية نحو حرب التحرير الشعبية.
بالنسبة للواقع الدولي, فإن الدراسة (الثورة في الغرب العربي أبريل 1971) قد حددت المرحلة التاريخية التي نعيشها مرحلة القضاء النهائي على الرأسمالية :
- نمو واتساع معسكر الثورة حيث يزداد كفاح الشعوب قوة وصلابة ليشمل قارات العالم الثالث، إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، إن النضال الوطني والنضال من اجل الاشتراكية يعمق وينمي الثورة الاشتراكية في العالم ويجرف المزيد من الشعوب للكفاح من اجل الاستقلال الوطني والاشتراكية. "إن الثورة هي الاتجاه الرئيسي".
- اشتداد أزمة الإمبريالية العالمية مما يدفعها على شن هيمنة شرسة ضد الشعوب الثورية ن كما يوضح ذلك الهجوم الشرس على الشعب الفيتنامي البطل وباقي شعوب الهند الصينية والشعب الفلسطيني والشعب العربي في ظفار وارتيريا والصحراء الغربية وشعوب إفريقيا المكافحة وشعوب أمريكا اللاتينية، في نفس الوقت الذي تقوم فيه التحريفية العالمية بقيادة طغمة بريجنيف بإجهاض مكتسبات ثورة أكتوبر العظمى وخيانة مبادئ الماركسية اللينينية بتقديمها أحسن الخدمات للإمبريالية العالمية. وبالنسبة للواقع الوطني، ففي نفس الوقت الذي يتنامى فيه نضال الجماهير على صعيد كل المواجهات ويزداد فيه تفسخ الحكم وتفضح فيه كمشة السياسيين البرجوازيين، التي ظلت لحد الآن تساوم الحكم على حساب نضالات الجماهير، في هذا الوقت يأخذ كفاح الشعب أبعاد أكثر جذرية، هذا الطابع الذي يطرح على الحركة الثورية مهمة تأطير هذا الكفاح وتصعيده وخلق الشروط السياسية والتنظيمية لهذا النمو. إن هذا النمو يجب أن يدفع الجماهير على شن انتفاضات في البوادي والمدن تقوم فيها جماهير الفلاحين بالاستيلاء على الأراضي وطرد الملاكين الكبار، ويقوم فيها جماهير العمال بالاستيلاء على المناجم والقرى المعدنية والمعامل، وتقوم فيه جماهير المدن بتحويل الأحياء الشعبية إلى مناطق تمارس فيه الجماهير سلطة الحكم الثوري ويكون تسليح الجماهير بوسائلها الذاتية او بانتزاع السلاح من العدو. سوف يمكن للحكم الرجعي في المرحلة الاولى قمع هذه الانتفاضات بسهولة وسوف لن يدوم بعضها إلا ساعات قليلة، وسيؤدي نمو هذه الانتفاضات وتتابعها في مرحلة أعلى وتعميقها أكثر عبر أنحاء البلاد إلى تشتت قوات الحكم وجهازه القمعي ويؤدي إلى خلق قواعد حمراء متحركة باستمرار وعبر كل المناطق.
إن مثال أولاد خليفة واضح في هذا المجال حيث تمكن الفلاحون من الاستيلاء على أراضيهم ومقاومة وحدات المخزن عدة ساعات، وكذلك مثال عمال قطارة الذين تمكنوا من احتلال المنجم لمدة يومين والاستيلاء على المتفجرات والتهديد بتفجيرها في حالة عدم الاستجابة لمطالبهم، ومثال انتفاضة وزان وانتفاضة قرية بامحمد خلال نضالات فبراير 71 المجيدة وأمثلة أخرى عديدة.
إن كون هذه الانتفاضات معزولة وعفوية لا تملك تأطيرا سياسيا أو تنظيمها وبدون برنامج ثوري مكن الحكم من ضربها بسهولة كبيرة، إن تنظيم هذه الانتفاضات واتساعها وتسلسلها والشروع في تحقيق البرنامج الثوري (برنامج الجبهة الثورية الشعبية) سيعطيها فرصة أطول في الاستمرار وسيجعل الحكم الرجعي عاجزا عن الرد المباشر ضدها مرة واحدة.
إن هذه الانتفاضات، كما أوضحنا من قبل، تركز على التراث النضالي الأصيل للشعب، فقد كان الفلاحون يحمون أراضيهم من السلطة المركزية ويحاصرونها أحيانا ويحمونها ويفصلونها عن التبعية للمراكز الحضرية، فكانت تنشأ أحيانا دول صغيرة تحمل استقلالا شبه كامل (إذ تذكرنا مرحلة السيبة الماثلة في ذاكرة الشعب)، إن هذه الانتفاضات تنطلق من مناطق معينة داخل البلاد، هذه المناطق المعروفة بتاريخها النضالي ضد سلطة السلاطين المركزية وضد الاستعمار وحيث يتمركز فيها الآن الفلاحون الكبار والمشاريع الضخمة للإمبريالية وتتمركز المناجم في معظمها مما يسمح بقيادة بروليتاريا المناجم الطليعية لهذه الانتفاضات، مثل مناطق سوس, تادلة والغرب والأطلس والريف ...إلخ.
ففي مثل هذه الشروط فإن تكتيك حرب العصابات المتنقلة يفتقد الظروف الموضوعية لنجاحه، فوجود حكم رجعي مركزي من جهة واستعداد الإمبريالية للتدخل للدفاع عن مصالحها من جهة أخرى سيحد من فعاليتها، ويؤدي إلى عزل المجموعة المقاتلةعن الشعب والجماهير الشعبية، وحصرها في مناطق جبلية وعرة لا تسمح بتنمية الكفاح الثوري للجماهير في المناطق الرئيسية التي يتمركز فيها الصراع الطبقي، لهذا فإن القواعد الحمراء المتحركة هي وحدها طريق كفاح الجماهير نحو الحرب الشعبية الشاملة، حيث تقوم الجماهير بتدمير جهاز الحكم ومباشرة السلطة الثورية وسيتم تأسيس الجيش الأحمر من الفلاحين والعمال والجنود الثوريين من خلال إنشاء هذه القواعد وتحركها عبر مختلف المناطق، ولا ننسى أن اتنفاضات الفلاحين في الصين في السنوات 27 – 1928 هي التي خلقت الكتائب الأولى للجيش الأحمر في الصين. إن هذه القواعد الحمراء المتحركة تختلف عن مناطق السلطة السياسية الحمراء في الصين، تلك التي تحدث ماوتسي تونغ عن إمكانية استقرارها واستمرارها في مقال "لماذا يمكن أن تبقى السلطة السياسية الحمراء في الصين؟".
نتيجة لمختلف شروط الواقع الوطني والدولي، كما حددناه من قبل، إن أهم الشروط التي كانت تسنح بذلك في الصين:
- انعدام حكم مركز في الصين ووجود صراع عنيف داخل مناطق السلطة البيضاء (وأمراء الحرب).
- صعوبات تدخل الإمبريالية في تلك المرحلة في الصين وعكس ذلك يوجد في المغرب.
فبالرغم من ضعف الحكم المركزي وتزايد تفتته إلا انه لا يعاني صراعا مسلحا داخل أجنحته ولا انقساما بين مراكز سلطته، إن هذه الظاهرة لم يعرفها المغرب إلا ساعات قليلة يوم 10 يوليوز.
إن الإمبريالية مستعدة في ظروف انهيارها للتدخل السريع لحماية مصالحها ومصالح عملائها في غرب البحر الأبيض المتوسط،, فتمركز الإمبريالية بشكل قوي وامتلاكها لقواعد ضخمة في المنطقة يجعلها على استعداد لقمع نضالات شعوب المنطقة حينما تهدد مصالحها. لكل هذه الشروط ، فإن هذه القواعد الحمراء يجب أن تكون متمرسة، فإن الحكم الرجعي والإمبريالية يستطيعان سحقها بكل سهولة إذا بقيت قائمة في نفس المنطقة ومعزولة، فحينما تقوم الجماهير في منطقة معينة بعزل قوات العدو المحلية وسحقها والاستيلاء على السلطة في المنطقة ومباشرة البرنامج الثوري (توزيع الأراضي, تصفية مصالح الإمبريالية، تسليح الشعب...)، فإن العدو الداخلي والخارجي سيقذف بقواته في المنطقة ليسحق انتفاضة الجماهير،فلابد أن يتم نقل هذه القواعد إلى مناطق أخرى وهذا سيؤدي الى تفتت وتشتيت جهاز القمع وسيتعمق ذلك كلما استطاعت الجماهير إنشاء هذه القواعد وتسلسلها عبر مختلف المناطق.
ويجب اتساع نضالات الجماهير في المدن وتحويل الأحياء الشعبية (وخاصة مدن القصدير) والشوارع إلى أماكن لا تطاق بالنسبة للعدو، كما يجب أن يكون هذا كله مصحوبا بنضالات البروليتاريا وشبه البروليتاريا والشباب الثوري في المدن ارتقاء إلى بناء الأنوية المسلحة للمقاومة الشعبية داخل المدن، إن المدن في المغرب تشكل تجمعات سكانية ومراكز حيوية هامة (الدار البيضاء وحدها تضم 10 في المائة من سكان المغرب)، فلا يجب إهمالها مطلقا، إن إهمالها والتركيز فقط على البادية خط استراتيجي فاشل، وهذا التصاعد في كفاح الجماهير داخل المدينة سيزيد من تفكك وتشتت قوات العدو وسيعطي للقواعد الحمراء المتحركة المنتشرة عبر مختلف المناطق نفسا جديدا لمقاومتها واستمرارها.
إن النمو المتسلسل للقواعد الحمراء المتحركة وتعمقها عبر كفاح الشعب سيؤدي إلى المرحلة الثانية من هذا الكفاح مرحلة قواعد السلطة الحمراء الدائمة، فتعمق نضال الشعب المسلح في هذه القواعد الحمراء المتحركة واتساع هذه القواعد يجب أن يؤدي إلى فرض استمرار هذه القواعد وتحويلها إلى مناطق دائمة لحكم العمال والفلاحين الفقراء، وإن السلطة الثورية للجماهير ستبقى, من خلال الكفاح الثوري نفسه، تلك السلطة الثورية التي تشكل اللجان الثورية المسلحة للعمال والفلاحين والجنود والشباب وسيلتها الرئيسية.
إن هذه القواعد الحمراء المتحركة يجب أن تهدف بشكل رئيسي إلى بناء الجيش الأحمر، جيش العمال والفلاحين، فتسليح جماهير المنطقة وسحقها لقوات العدو المحلية، ثم مواجهتها لهجوم إمدادات العدو إلى المنطقة، وهذه المهام لا يمكن مواجهتها إلا بتأسيس كتائب من جماهير المنطقة وتدريب الشعب على حمل السلاح، إن هذه الكتائب الأولى التي سيبرزها كفاح الجماهير في القواعد الحمراء المتحركة هي التي ستشكل الأنوية الأولى لجيش الشعب الأحمر التي يستحيل بدونه خوض الحرب الشعبية الظافرة. ويتطلب بناء هذه القواعد الحمراء المتحركة وجود أنوية مسلحة، المكونة من الأطر الثورية العسكرية التي تقوم إلى جانب التحريض السياسي في المنطقة بتنظيم العناصر الثورية الطليعية في أنوية للجيش الأحمر، وتقوم بتحريك هذه القواعد إلى مناطق أخرى حين مجيء قوات العدو المتفوقة، إن أساليب مقاومة قوات العدو وتحريك هذه القواعد وتنظيم الجيش الأحمر...إلخ. يتطلب دراسة دقيقة تبنى بالإضافة إلى القدرات الخلاقة للجماهير على الدراسة العسكرية ولأساليب مواجهة قوات العدو، الشيء الذي يجب بناؤه كليا من الأساس.
إن بناء القواعد الحمراء المتحركة وتحويلها إلى مناطق دائمة للسلطة الحمراء سيزيد من احتمالات التدخل الإمبريالي غير أن التدخل لن يزيد كفاح الشعب إلا صمودا وضراوة، كما أن هذه القواعد الحمراء المتحركة يجب أن توضع في إطار الجبهة الواسعة لشعوب منطقة غرب البحر الأبيض المتوسط (الشعب الصحراوي، الشعب الموريتاني والشعب الإسباني وشعب التشاد)، حيث سيصعب على الإمبريالية المتمركزة في المناطق سحق انتفاضات الشعوب مما سيؤدي إلى دحرها نهائيا وبناء الجبهة الغربية للثورة العربية.

4. الجبهة الثورية الشعبية :

إن إنشاء القواعد الحمراء المتحركة وانتقالها إلى مناطق السلطة الحمراء الدائمة عبر نمو كفاح الشعب، يستمد إلى قيام جبهة عريضة بين العمال والفلاحين الفقراء والجنود والشباب الثوري وجماهير البرجوازية الصغيرة وكافة الفئات الوطنية المناهضة للإمبريالية ولنظام الملاكين الكبار والأوليغارشيا الكمبرادور.
لقد استطاع تنظيمنا خلال الشهور الأخيرة إدراك الأهمية البالغة لبناء الجبهة الثورية الشعبية في تقدم كفاح الجماهير وبناء الحزب الثوري الطليعي، وحتى حدود الشهور الأخيرة كنا قاصرين عن فهم الجدلية المتواصلة بين الحزب الثوري والجبهة الثورية الشعبية عبر نمو كفاح الشعب، إن الحزب الثوري لا يمكن بناؤه إلا عبر التصاعد المتواصل لنضال العمال والفلاحين الفقراء وعلى الشعب الثوري، كما أن هذا التصاعد لا يمكن أن يستمر ويتنامى إلا ببناء لجان النضال الشعبي، قاعدة الجبهة الشعبية الثورية، والحزب البروليتاري هو بالضبط ذلك التنظيم الذي يؤطر العناصر الثورية الطليعية التي تعززها كفاحات هذه اللجان المنظمة والمؤطرة لنضالات الجماهير.
إن الجبهة الثورية الشعبية هي الصياغة السياسية والتنظيمية للثورة الديمقراطية الوطنية تلك الثورة التي لابد من إنجازها قبل الثورة الاشتراكية حيث يقوم الحكم الثوري للعمال والفلاحين الفقراء والفئات الوطنية بطرد الإمبريالية وعملائها وتحقيق الثورة الزراعية وبناء الاقتصاد الوطني وبناء الثقافة الخلاقة للجماهير. إن برنامج الجبهة الثورية الشعبية هو برنامج الثورة الديمقراطية الوطنية (انظر من أجل الجبهة الشعبية الثورية).
إذا كانت هذه المرحلة الديمقراطية تستلزم قيام التحالف الوطني الواسع بين العمال والفلاحين الفقراء والطبقات الوطنية، فإن التحليل الملموس للصراع الطبقي يظهر أن هذا التحالف سوف يكون تحالفا بين الطبقات لا تحالفا بين الهيئات السياسية الحالية التي لم تعد الممثل السياسي أو التنظيمي للطبقات التي كانت تعبر عنها. لقد تحولت هذه الأحزاب إلى تجمعات فئوية كمجموعة للسياسيين المحترفين الذين يطمحون إلى حل مشاكلهم في إطار النظام الحالي والالتحاق بقاطرته (انظر تحليل ل. و السابق "قاطرة الجماهير وقاطرة المساومين").
إن نمو كفاح العمال والفلاحين الفقراء هو الذي سيدفع بالطبقات الوطنية إلى التحول إلى جانب جماهير العمال والفلاحين والنضال ضد الإمبريالية وعملائها، هؤلاء سيبنون جبهتهم الكفاحية مع الطبقات الوطنية حينما تدرك أن مصلحتها لا تكمن في التحالف مع الإمبريالية وعملائها بل في التحالف مع الجماهير العمالية والفلاحية الفقيرة.
إن اللجان الثورية للعمال والفلاحين الفقراء وشبه البروليتاريا وجماهير البرجوازية الصغيرة ولجان الجنود الثوريين ولجان الشباب الثوري هي قاعدة الجبهة الثورية الشعبية وهي وسيلة الحكم الثوري حيث ستمارس الجماهير بواسطة السلطة الثورية في القواعد الحمراء المتحركة وفي المناطق الحمراء الدائمة.

5. مهامنا في إعداد الإستراتيجية الثورية :

لقد تحدثنا من قبل عن تلك المناطق التي تتمركز فيها مصالح الإمبريالية وحلفائها الملاكين الكبار والأوليغارشيا الكمبرادورية من جهة وطاقات الجماهير الشعبية التي تملك تراثا نضاليا عريقا في تلك المناطق من جهة أخرى، بالإضافة إلى الخصائص الجغرافية المناسبة مثل سوس والغرب والريف والأطلس وتادلة والمغرب الشرقي… وكذلك تمركز أغلبية المناجم في هذه المناطق (مناجم أحولي وميبلادون وجبل عوام في جبال الأطلس، معادن المديد قرب الناظور في الريف ومناجم جرادة في المغرب الشرقي ومناجم خريبكة في سهول الشاوية الغربية من تادلة والأطلس المتوسط، ومنجم قطارة الحوز، ومناجم الجنوب في الأطلس الكبير والصحراء…) هذه المناطق يجب ان تشكل مركز عملنا الثوري السياسي والتنظيمي.
إن على التنظيم الثوري أن ينظم إرسال المناضلين الثوريين لهذه المناطق للقيام بالعمل التحريضي والعمل السياسي، وعليه أن يستفيد من كل الإمكانيات الممكنة للقيام بهذا العمل، إن هذا يطرح ضرورة إنجاز مهمة التجذر داخل البروليتاريا وخاصة المعدنية والصناعية منها وجماهير الفلاحين الفقراء، وهذا يتطلب إعداد المناضلين المحترفين المستعدين للتضحية بكل أساليب العيش البرجوازي الصغير والاندماج في الجماهير ونضالاتها المستعدين لتنظيم حياتهم ودفعها ثمنا للثورة، في هذه المناطق لابد من بناء الجبهة الثورية الشعبية، هذا البناء لا يتم إلا عبر تفجير نضالات الجماهير الشعبية في المنطقة، النضالات الاقتصادية والسياسية، إن تفجير نضالات الجماهير الشعبية وبناء اللجان الثورية شرطان ضروريان لبناء القواعد الحمراء المتحركة.
إن بناء القواعد الحمراء المتحركة يستلزم تنظيم الأنوية المسلحة الأولى، هذه الأنوية تستلزم إعداد الأطر العسكرية الأولى، التي لن تكتفي بالإعداد التقني بل ستقوم بالتحريض السياسي في المنطقة، ليس صحيحا أن الجماهير ستصل من خلال نمو كفاحها العفوي إلى الكفاح المسلح، لقد استطعنا تجاوز هذه الفكرة الخاطئة التي كان يتضمنها مفهوم "الانطلاقة الثورية"، وقد كان ماركس ولينين يتحدثان عن الانتفاضة كفن على الجماهير البروليتارية أن تتقنه، ولكن ليس صحيحا أيضا أن الحرب فن فقط، يتم ممارستها وتعلمها خارج كفاح الشعب "إننا نتعلم الحرب عن طريق الحرب"، كما يقول ماوتسي تونغ. إن التراث الحربي للشعب المغربي مليء بدروس الحرب، وقد استطاع الشعب الريفي المعزول أن يبني تنظيمه العسكري وتسليحه الذاتي خلال حرب الريف بوسائله الذاتية وبانتزاع السلاح من العدو (معركة أنوال) وأن يقهر القوات الإسبانية والفرنسية مما اضطر المارشال بيتان بطل معركة "فيردان" أن يشرف بنفسه على عمليات سحق الحرب التحريرية في الريف، إن عبد الكريم الخطابي قائد هذه الحرب لم يتعلم في الكليات العسكرية، وقد كان " بونعيلات" و "البصري" و "الجبلي" و ّالزرقطوني"... رجالا نبغوا من كفاح الشعب وتعلموا منه، كذلك أبطال الحروب التحريرية في الصين والفيتنام وكوريا لم يكونوا كقادة للكفاح الشعبي إلا من خلال هذا الكفاح نفسه، لهذا لابد أن تندمج هذه الاطر العسكرية ذات التكوين التقني في كفاح الجماهير وأن تتعلم منه.

اللجنة الوطنية : 30 – 6 - 1972