وأخيرا اليساريون كانوا على حق!


مكارم ابراهيم
2011 / 8 / 24 - 21:57     

تدوراليوم مناقشات حادة بين الاحزاب المختلفة وذلك لاقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في الدنمارك ونشعر أحيانا في خضم هذه الاجواء وكأننا نعيش في زمن العصورالبائدة. حيث تلصق التهم الاخلاقية برئيس الحزب المعارض حاله حال الفلاسفة والعلماء ورجال الدين الحداثيين الذين كانوا يدعون الى التمرد على القديم. وجدير بالاشارة الى أن استخدام هذا الاسلوب التشويهي في الانتخابات ( الديمقراطية ).له أثر كبيرعلى إبتعاد المواطن الاوروبي عن موضوع الانتخابات والسياسية, وهنا تفرغ الساحة للفئة المستفيدة (الاثرياء) الذين يدعمون المرشح الخادم لهم دعما ماديا (هدايا)له ولحزبه الذي يدعم القطاع الخاص والسوق الحرة وحكومة الوول ستريت.

ففي الانتخابات ينتظر المواطن الاوروبي من الاحزاب أن تقدم برنامجها وحلول للمشاكل التي يعاني منها الفرد في ظل الازمة الاقتصادية الحالية كالبطالة والفقر واللامساوة الطبقية. ولا ينتظراتهامات اخلاقية بين اعضاء الاحزاب تبدوا وكانها شجار بين زوجين .

اما انا شخصيا فقد شدني الحوارات الجدلية في انكلترا والمانيا. حيث نرى حدوث تغيرات جذرية في مواقف بعض المحافظين الذين يؤمنون بمبادئ اللنيوليبرالية للنظام الرأسمالي نراهم اليوم ينتقدون سياسة المحافظين الليبرالية ويشكون في صحتها والاهم من كل هذا نجدهم يعترفون بالقيم والمبادئ التي حارب من اجلها أحزاب اليسار.
ومنهم المعلق الانكليزي الشهير شارلس موور أحد أشهر الصحفيين المحافظين في انكلترا يفاجئنا باعترافه باهمية وقيمة التحليلات الاجتماعية التي قام بها منظري اليسار التقليدي, من خلال مقاله الذي يحمل عنواناً استفزازيالإ للمحافظين يقول" بدأت اؤمن بأن اليسار كان على حق ً". ومن هذا المقال بدات الحوارات على الساحة الاوروبية اليوم. فبعد ثلاثين عاما من الايمان وخدمة المحافظين بدات رغبة التمرد تتوغل في فكر شارلس مووربعد ان ازداد استياؤه من الاوضاع الحالية ومن نفسه ومن ارائه التي يعتبرها حالها حال اللذوذ بالصمت.

يقول شارلس موور"الاغنياء يديرون العالم. ويسمحون لانفسهم بتراكم راس المال ودفع اقل ألاجورللاخرين . أما الحرية التي نتجت عن تقدمنا فهي مقتصرة عليهم, بينما غالبية الناس يعملون بجهد وتحت شروط معينة وبلا ضمانات من اجل فئة صغيرة تزداد غنى. من المفروض ان الديمقراطية تهدف الى ثراء الغالبية بدون تمييزوليس اقلية, ولكن الحقيقة هي ان الثروة اصبحت فقط في جيوب اصحاب البنوك وبارونات الاعلام واقطاب اخرى فهم من يملك كل شئ وهم من يدير كل شئ."

إن خيبة أمل الكاتب شارلس موور بفشل الطبقة البرجوازية يتفق معه المعلق الالماني الشهير فرانك شيرماخر مؤيد المحافظين فقد غير رايه هو ايضا حول الانتقادات اليسارية والتي كانت بنظره مجرد انتقادات ساذجة وغير مجدية الا انه يعترف اليوم بانها انتقادات تلامس حقائق اساسية .
كتب المعلق الالماني فرانك شيرماخر في "Frankfurter Allgemeine Zeitung,".
" هناك جمل صحيحة وهناك جملة غير صحيحة, ولكن هناك خلل عندما تكون الجمل التي كنا نعتبرها غير صحيحة واليوم فجاة اصبحنا نعتبرها صحيحة".

ويتفق الالماني شيرماخر والانكليزي موور في اسباب الازمة الحالية وهي السياسة المالية الرأسمالية العالمية.
وعلى ان العولمة هي نهب البنوك للارباح من خلال المعاملات التجارية الدولية وتوزيع خسائرها على دافعي الضرائب في جميع الدول.

يقول فرانك شيرماخر" اذا اخذنا الجزء التطبيقي للسياسات الحالية كتجربة واقعية سنجد بانها لاتوثق فقط على ان الطبقة البرجوازية كانت على خطأ, ولكن مايثير الدهشة هو انها تؤكد لنا بأن الافتراضات والانتقادات للاحزاب المعارضة (اليسارية) كانت على صواب طوال الوقت".
اما شارلس موور يقول"من المفروض ان الوضع الحالي يثير مفكرينا لنقد هذا الواقع ومسالة تعامل السياسيون الاوربيون مع أزمة الديون.فالنخبة المثقفة لم تبالي من نقد السياسة المالية الراسمالية. ونقد هذه الحكومات الاوروربية التي انتخبت ديمقراطيا والتي نراها تخضع لإملاءات السياسة المالية للديكتاتور في بروكسل من اجل ان تنقذ ازمة بنوكها على حساب العمال في اليونان والبرتغال. ومتجاوزة كل التصورات المظلمة المتوحشة التي كان يعبر عنها دوما اليساريون".
أما الدنمارك فيبدوا أنها مازالت بعيدة عن توجهات شارلس موور وفرانك شيرماخر,لان صحيفة البوليتيكن الدنماركية اهتمت فقط بعرض وجهة نظرالمليونير والرأسمالي الاول كلاوس ريسكيير بيدرسن والذي يرى بان سبب الخلل في النظام الراسمالي هوالمنهجية فقط .

كما انها اهتمت بعرض الانتقاد الهجومي لمارتن اوغوب الذي يشغل منصب رئيس مؤسسة الفكر والرأي الليبرالية الدنماركية سيبوس على المعلق الانكليزي شارلس مور وفرانك شيرماخر بقوله " هذا الرجلان لايفهمان بان رجال الدولة الذين يحاولون اليوم انقاذ البنوك كانوا لايعملون بمبادئ السوق الحرة". اي هو يعني بان الازمة المالية للبنوك لم تكن ستخلق لو ان مدراء البنوك طبقوا مبادئ السوق الحرة واللنيوليبرالية بحذافيرها. كما انه لاينسى المفاخرة بحركة حفلة الشاي للمحافظين الامريكان ويعتبرها اهم حركة احتجاجية في العالم . ولكن على من هم يحتجون ؟ صحيح على باراك اوباما واليساريين والمسلمين.
وتاتي الصحيفة الدنماركية لتعرض لنا وجهة نظر مارتن اوغوب رئيس تحرير قسم الحوارات في صحيفة البورصة كرستوفر اريزروني والذي بكل تاكيد لم تعجبه تصريحات الانكليزي شارلس مور والالماني فرانك شيرماخر اذ يقول " اذا كان هناك اشخاص متوهمون فالسبب هو أنهم يملكون الكثير من الاوهام الغبية".

من هذا الموجز يتضح لنا بان الاعلام الدنماركي مازال بعيدا عن التوجهات اليسارية التي بدا يؤمن بها من كان يقدس سياسة المحافظين . بل نراه يدعم الفكر المشترك للمحافظين والليبراليين في دعم النظام الراسمالي. ولكن مهما يحاول الاعلام الدنماركي من تضليل الحقائق وتغييب وعي الافراد سيواصل الشباب الاوروبي اليساري اعتصامه وتظاهراته في كل شوارع أوروبا إحتجاجا على حكوماته النيوليبرالية التي نقلت ازماتها الاقتصادية والمالية للمواطن .
مكارم ابراهيم