فشل الرأسملية


رشيد غويلب
2011 / 8 / 21 - 22:46     

فشل الرأسمالية
ترجمة: رشيد غويلب
في عام 2008 ، مارس " الخبير المالي، في حينه،" للاتحاد الديمقراطي المسيحي، فريدريش ميرتس، السخرية العارية عندما ادعى، إن اقتصاد السوق " بذاته اجتماعيا"، إذ تبلغ ثروة الافراد الأكثر ثراء في العالم اليوم 42,7 بليون دولار بزيادة قدرها 2,7 بليون دولار عمّا كانت عليه قبل الأزمة الكبيرة في عام 2007، و في الوقت ذاته ارتفع عدد الجياع في العالم إلى أكثر من 100 مليون نسمة، وهناك أكثر من مليار إنسان يعانون من سوء التغذية المزمن. انبثقت أزمة الجوع من المضاربة بالمواد الغذائية وتهدد حياة جموع لا تعد أو تحصى من البشر. إن من يصف هذا الواقع الذي لا يطاق، و يدين سلطة رأسمال و إستراتيجية الربح مقابل التجويع، لا يرسم سيناريوهات مرعبة و لا يرسم، بالأسود و الأبيض، لوحة غريبة عن الواقع، بل يحاول أن يحول دون تحول القرن الحادي و العشرين إلى قرن الفقر و الجوع العالمي.

يصف جان زيغلر** الرأسمالية المالية المعولمة "بالمجتمع القاتل"، ولكن ليس الجميع في حزب اليسار يرى الأمر كذلك، فبعضهم يرى في النظام الاقتصادي الحالي " العديد من العناصر التقدمية" وإمكانيات محتملة للسلام يجب علينا تأكيدها، ولكن الم تكشف حروب الغرب الماضية و النفقات المتصاعدة على التسلح، التي وصلت 1,6 بليون دولار، عن النزعة الحربية المتأصلة في الرأسمالية. ألم يثبت إن هذه القدرة المفترضة على السلام لا أساس لها، كما هو حال الاعتقاد بان تحرير السوق و خصخصة الممتلكات العامة سيؤدي إلى ظروف عمل عادلة و رواتب تقاعدية مجزية و نظام اجتماعي آمن. الوضع في اليونان يعكس لنا بوضوح الفشل الاجتماعي الكبير للرأسمالية في أوربا، حيث جرى، في أعقاب الأزمة المالية، تقليص حاد للأجور و الرواتب التقاعدية و النفقات الاجتماعية، و لا يبدو الوضع، أفضل من ذلك، في ايرلندا و البرتغال و اسبانيا، و بعد فشل إصلاح النظام التقاعدي الذي نفذه الليبراليون الجدد فيها، طالب رئيس المجموعة الأوربية، جان كلود يونكر، سلوفينيا باتخاذ إجراءات قاسية و فورية. برامج التقشف في أوربا يلاحق احدها الآخر، وحتى ألمانيا لم تكن بمأمن من برامج التقشف الاجتماعي، ولهذا لا يوجد سبب معقول للإشادة بهذا النظام.

إن من بين المزايا الهامة لبرنامج حزب اليسار التي يجب وضعها في المقدمة والدفاع عنها هو عدم تجميل الرأسمالية و المشاركة في إثبات عدم شرعيتها. تمتلك الشركات فوق القومية سلطة اقتصادية هائلة، تضغط بواسطتها على البرلمانات و السلطات الوطنية لدفعها لتوفير ظروف مناسبة لزيادة الأرباح و العوائد، و توجد في غابة اللوبي حول بروكسل 15 شركة توظف جماعات الضغط للتأثير على قرارات مؤسسات الاتحاد الأوربي، فمن المغامرة الادعاء بان عددا قليلا من القوانين على سبيل المثال، كفيلة بتحويل أرباب البنوك الكبيرة إلى محسنين اجتماعيين، أما كيف تستخدم المؤسسات المالية الضخمة سلطتها بقسوة متناهية، فهذا ما تعكسه أزمة اليورو الحالية، التي يرتبط تصاعدها بشكل أساسي بالممارسات العملية للبنوك و شركات التأمين و صناديق التحوط وصناديق التقاعد المبنية على الربح ، والتي ترفع الفوائد المفروضة على السندات نحو الأعلى، و تدخل اليونان و البرتغال و دول أخرى في منطقة اليورو، في ضائقة شديدة.

دفعت الترويكا المكونة من الاتحاد الأوربي و البنك المركزي الأوربي وصندوق النقد الدولي، تحت ضغط القطاعات المالية، الاقتصاد اليوناني إلى الخراب، حيث ارتفعت البطالة في اليونان من 11% إلى 16% و ارتفع معدل الديون بشكل انفجاري إلى 150% من الناتج الاقتصادي وتقلص الإنتاج الصناعي منذ عام بنسبة 11%. لم تفشل الرأسمالية اجتماعيا فقط و إنما تقوم بتدمير الإنتاج الصناعي، وسوف يرتبط منح قروض جديدة لليونان مرة أخرى باشتراط بيع الممتلكات العامة وتخفيضات و حشية في القطاع الاجتماعي، و يهدد اتحاد البنوك الألمانية المؤثرة بضرورة الالتزام بالتنفيذ الكامل لإملاءات التخفيضات الاجتماعية. إن ما يحدث اليوم في اليونان ممكن أن يصبح غدا حقيقة في أية دولة أوربية، ولهذا تبقى الدعوة صحيحة لتبني القواعد التي تساعد على تنظيم الأسواق المالية المنفلتة، وتحقق التقدم الاجتماعي و البيئي.

في نهاية المطاف لا يمكن تجاوز سلطة ابتزاز المراكز الاقتصادية، ولاسيما البنوك، على القرار السياسي، إلا من خلال نظام جديد لعلاقات الملكية، و خصوصا في قطاع الخدمات العامة و القطاع المالي، و في أي مكان تراكمت فيه سلطة كبيرة للشركات تستطيع من خلالها محاصرة أي تغير يتعارض مع ربحيتها، وعليه فالرقابة العامة و الديمقراطية على الملكية ضرورية. إن مقترح البرنامج الجديد لحزب اليسار يسير بالاتجاه الصحيح ضد كل من يقول إن بعضا من القواعد الجيدة كافية لتجعل الرأسمالية تسير باتجاه تطور مختلف تماما، رغم الأزمة المالية و تقديم المليارات لإنقاذ البنوك، ولهذا يجب عدم تخفيف الاتجاه الأساس للبرنامج المقترح.

* - مقالة بقلم "سارة فاغنك نخت" نائبة رئيس حزب اليسار الألماني ومتحدثة كتلته البرلمانية للشؤون الاقتصادية، في إطار مناقشة برنامج الحزب المقترح الذي سيقر في نهاية تشرين الأول القادم.

** - جان زيغلر: عالم اجتماع و سياسي و روائي سويسري عضو المجلس الاستشاري للجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة. عمل في فرقة المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة في العراق.
.