المتمردون الشباب والرأسمالية


مكارم ابراهيم
2011 / 8 / 19 - 18:42     

مقالة للكاتبة الدنماركية رونة لوكة بيرغ
بعنوان" والآن بعد أن أصبحنا كلنا رأسماليون"
ترجمة بتصرف... مكارم ابراهيم

ماذا حصدنا بعد أن زرعنا الرأسمالية ؟ نطرح هذا السؤال بعد مرور اسبوع واحد على الفوضى التي إجتاحت المواطنين والاسهم في بريطانيا, وبعد أن تبين عجز رجال السلطة في السيطرة على هذه الفوضى؟

قال المعلم الكهل عالم الاجتماع الفرنسي بيير بوردو عام1990 موجه حديثه للشباب المتمرد في باريس "اياكم ان تحرقوا السيارات دعكم من هذه التخريبات لان هذا لن يساعدكم ولن يخدم قضيتكم". وقال حينها للاعلام "بان هذه الفوضى أظهرت هؤلاء الشباب أمام الرأي العالمي على انهم شباب مستهتر ومجرم, ولايمكن السيطرة عليه الا بقوة الشرطة ونظام العنف للدولة. فحرق السيارات لن يضر الا المالكين القاطنين في تلك الاحياء الشعبية الفقيرة حيث المالك لايقدرعلى دفع فاتورة التامين للحصول على التعويض في حال وقوع الضرر".

إن اعمال الشغب هذه تعتبر شكل من الحراك الا انه لم يصيب اؤلئك الافراد الذين يقررون على الاخرين, بل أصابت اؤلئك الافراد الذين يقررعليهم كل شئ ولاحول ولاقوة لهم في شئ. ولهذه فان هذا الحراك هو طريقة غبية استراتيجياً واجتماعياً".

لقد اقترح عالم الاجتماع الفرنسي بيير بوردو على الشباب الفرنسي المتمرد خطة إستراتيجية اخرى. وذلك بتحديد ثلاث مطالب سياسية تكون واضحة للجميع, ولايمكن أن يعارضها أحد. وعندما يفعلون ذلك يمكنهم الخروج للشارع وحرق السيارات.

لقد شاهدنا جميعا وفي كل انحاء أوروبا سيارات محروقة, تخريبات كل ذلك كان يمثل الطاقة والغضب الكامن في نفوس هؤلاء الشباب المتمرد والتي للاسف لم يحولونها الى ورقة عمل سياسية. فهذه الاعمال التخريبة لم يعتبرها الناس انها حراك ولم تعتبر في يوم من الايام على أنها حركة إحتجاجية .
بل اعتبرها الجميع على انها أفعال شباب غير مقتنع بشئ, وغير راضي على وضعه, وأنه خارج السيطرة ,ولا يستطيع ان يطرح ازمته على شكل مطلب سياسي. بل إن حراكه على هذا النحو اعطى لقضيته بعد فاشل وسلوكه على هذا النحو أظهر مدى عجزه في طرح قضيته .

هناك اسباب إجتماعية وراء احتجاجات هؤلاء الشباب في انكلترا. فهم يرون الحياة المترفة التي يعيشها الاثرياء وانعكاسات ثرائهم وافكارهم بانهم صنعوا ثروتهم بجهدهم, ولكن غالبية الشباب يدرك أيضاً بانهم انجزوا واجباتهم المنزلية على اكمل وجه, ويمارسون الرياضة, ويتبعون نظام صحيا في حياتهم, ومع هذا فهم يعلمون جيدا بانه من المستحيل ان يدخلوا هذه الجنة التي يعيشها هؤلاء الاثرياء.

حراك الشباب بهذه الطريقة من خلال تخريب وحرق وسرقة يدل على علاقتهم الثنائية بالنظام الاستهلاكي الرأسمالي. فهم استطاعوا تكسير واجهات المحلات الزجاجية, لانهم يكرهون الحدود بين مايشاهدونه وبين مايستيطيعون امتلاكه, وفي نفس الوقت فان سرقتهم لتلك البضائع تبين على اهمية تلك الحياة الجيدة بالنسبة لهم
أذا هم لايكرهون الغنى ونمط حياة الاغنياء ولكنهم يكرهون المسافة التي تبعدهم عن تلك الحياة. وبالتالي فهذا ينطبق تماما مع تهديد المجتمع لهم : لقد تعلموا ان يحتقروهم , لم ينجحوا في الحياة ولم يتمكنوا من شئ".
وهناك شباب تورط باعمال الشغب هذه لاسباب اخرى وهم من ابناء الطبقة الوسطى يشربون الكحول الى درجة السكر ويتوغلون في االحراك الشعبي للناشطين الشباب وكانهم في حفلة سارة .
وبالنسبة لهم هو من اجل تحقيق العنف من خلال معايشة اليوتوبيا الخيالية في النظام الراسمالي من خلال هذه الاحتجاجات . فابناء الطبقة المتوسطة ينجذبون دوما الى الحياة الخطرة الموجودة على الجانب المقابل للطمئنينة التي يشعرون بها وهم يعلمون متى ينسحبون.
ومن خلال عمليات التخريب والسرقة فان الاسباب الاجتماعية لخلفية هذه الاحتجاجات اختفت كمطلب سياسي لهم.
فالدراسات الميدانية بينت ان غالبية الانكليز ينظرون للشباب المتمرد على انه شباب فاشل مجرم والشرطة هم الحل الوحيد لهم وان هؤلاء الشباب هم خارج الايطار التربوي.

وبالتاكيد كان هذا هو ايضا رد فعل حكومة المحافظين على اعمال الشغب هذه": بان الموضوع لايتعلق بالفقر او القمع بل يتعلق بالثقافة, استخدام العنف وانعدام الاحترام لابائهم وللسلطة الحاكمة واخيرا لها علاقة بالتربية.
وحسب تصريح ديفيد كاميرون " يقول هناك حل واحد لهذه المسالة وهي تحشيد 16,000 شرطي لمواجهة شباب البلد .لقد استخدم كاميرون كل اسالييب التخويف والترهيب ضد هؤلاء الشباب في وطنهم ورفع مسؤوليته من اي عمل يقوم به هؤلاء الشباب وهو يعتبرهؤلاء الشباب قوة غريبة عن هذا المجتمع ويجب ايقافهم وكانه يعلن عن بداية لحرب أهلية .
إن سلوك رئيس الوزراء الانكليزي ديفيد كاميرون هو نفس سلوك هؤلاء الشباب فهو يستخدم العنف ايضا. لقد استبدل الحوار السياسي بالشرطة.
كل هذا حدث بعد عمليات فصل رؤساء بسبب الفضائح العديدة التي لحقت بالشرطة الانكليزية حول عمليات التنصت وبعد اعمال الشغب التي اندلعت بسبب العنف الذي استخدمته الشرطة الانكليزية. واليوم وبعد هذه الفوضى تم انشاء مقرات امنية في المناطق التي يتوقع فيها حدوث أعمال الشغب . وهذا السلوك المبالغ فيه لرئيس الوزراء الانكليزي ديفيد كاميورن يدل على عجزه الكامل امام ما يحدث في البلد.

إن احتجاجات الشباب هذه المشلولة من القعر قوبلت مع نظام سياسي مشلول من القمة .والجدير بالاشارة الى ان احداث الشغب في انكلترا تزامنت مع احداث الفوضى في الدورة الاقتصادية المالية للنظام الرأسمالي, فقد تبين ان الاثنين خارج نطاق السيطرة من قبل رجال السلطة في انكلترا. فلقد تم تأجيل كل مايتعلق بازمة البطالة والمؤسسات الحكومية والاصلاحات السياسية لاجل غير مسمى, بسبب عجز الحكومة على السيطرة عليها .
ويعترف المحللون السياسيون بانهم لايستطيعون التنبئ باي شئ في الوقت الحالي . اما المعلقون السياسيون يقولون بانهم يستطيعون التنبئ حول ماذا سيفعلون عندما يستيقظون صباحا, وماذا سيفعلون عندما يذهبون للفراش.

اما رجال السياسة والدولة فهم يصرحون بانهم يفعلون الصواب وان كل شئ سيسير على مايرام, ولكن الشعب لايثق بكلامهم ولايصغي لهم ,حتى اسعار الاسهم المالية لاتصغي لهم.

المواطنون في بريطانيا يستقرون في قعر النظام الراسمالي, وفي نفس الاسبوع نجد أن اسعار الاسهم المالية في فوضى, والحكومة اثبتت عجزها في السيطرة على الشباب وعلى الاسهم المالية.

أما الماركسيون لطالما حلموا ومنذ زمن بعيد باندلاع أزمة في النظام الرأسمالي, ولكن الازمة اندلعت في وقت اصبح فيه الجميع رأسماليون, ولايوجد احد يقدم بديل لهذا النظام الرأسمالي. والجميع يمكنهم ان يحرقوا السيارات, ولكن لم يستطع أي أحد أن يشكل حراك إجتماعي من ثلاث مطالب لاجل عالم أفضل .

ترجمة بتصرف... مكارم ابراهيم

المصدر
جريدة الانفورماشون الدنماركية
http://www.information.dk/275746