محاولة الاجابة على سؤال:هل شاخت الماركسية؟


محمود فنون
2011 / 8 / 12 - 08:43     

محاولة اجابة على سؤال:
هل شاخت الماركسية؟
قرأت بعض الاجابات على هذا السؤال وأعتقد ان اغلبها من اشخاص لا يمتلكون معرفة كافية بالنظرية .
الماركسية هي فلسفة المادية الجدلية والمادية التاريخية, والاقتصاد السياسي, والاشتراكية العلمية, وهي من زاوية معينة تحليل علمي للواقع مأخوذا بتاريخيته ,واستشراف للمستقبل 0انها ليست نبوءة ولا قراءة في الكف, كما انها بكل تأكيد ليست دين وليس فيها معتقدات دينية أو شبيهة بها 0انها دراسة ودراسة ودراسة في المجالات المذكورة ولكنها دراسة نقدية وتحليلية جامعة في المجال المحدد-الفلسفة مثلا,بما يجعل دراستها تنويرا للقاريء الى جانب تعريفه عليها .
ولان الفلسفة أحد فروع العلم والمعرفة فانها في حالة تطور ونمو دائميين 0وعلى ذلك فانها مثلها مثل العلم تغتني بكل اكتشاف جديد وتتقدم وترتقي الى الامام دون ان تفقد اهميتها ووزنها في سياق التطور هذا 0والتطور العلمي من جهة أخرى يغني الفلسفة ويدفعها الى الامام بمقدار ما تساهم الفلسفة والمناهج الفلسفية في ترقية العقل العلمي وتسليحه بمناهج البحث والمنطق العلمي 0
هذا ما حصل في سياق تطور العلم والفلسفة0
والمادية التاريخية هي دراسة تاريخ البشرية وتطور النظم الاجتماعية التي مرت بها البشرية منذ الحياة البدائية ومن ثم المجتمع المشاعي البدائي مرورا بالعبودية والاقطاع وصولا الى الرأسمالية ومراحل تطورها وتحولها الى مرحلة الاستعمار والامبريالية ,ودراسة المجتمعات في حركيتها وتغيرها وتطورهاو وصول تراكيبها الطبقيةالى هلاكها لتحل محلها تركيبة اقتصادية اجتماعية جديدة تحمل تناقضاتها بداخلها بما يدفعها الى التطور والارتقاء 0
وكل تركيبة اقتصادية اجتماعية تقوم على استغلال الانسان للانسان ستهلك بفعل تناقضاتها الداخلية التي تولد الصراع الطبقي الذي سيؤول الى انتصار الطبقات المستغلة(بفتح الميم)لاقامة مجتمع خالي من الاستغلال0ان هذه الصيرورة ليست نبوءة بطرسية انها صيرورة تاريخية وذلك بوصفها المآل الذي سيؤول اليه المجتمع الانساني بفعل الحركية الداخلية الناتجة عن طبيعة العلاقات الداخلية وعلاقات المجتمعات بعضها ببعض ,وصراع المجتمعات التابعة من اجل حريتها ضد الانظمة الطاغية التي تقهر الشعوب0
والماركسية رأت ان صيرورة المجتمعات الحالية بفعل التناقضات الداخلية والخارجية ستقود الى سقوط النظام الرأسمالي واقامة نظام خالي من الاستغلال يمر بمرحلة انتقالية هي مرحلة المجتمع الاشتراكي
ان المجنمع الاشتراكي هو محطة انتقالية .فهو يحمل كل مركبات المجتمع الراسمالي وقواه الطبقية والاجتماعية المهزومة في الصراع الطبقي والتي تحاول ان تطل برأسها بألف لون ولون ,ولا زالت حية في ذاكرة الناس وتنتج فكرها الاستغلالي ,وبالمقابل تحاول الطبقات الثورية ان تجهز على امكانيات الثورة المضادة وتبني تجربتها الجديدة في ظل حالة الصراع هذه خاصة اذا كانت الثورة المضادة مدعومة من قوى رأسمالية لا تزال تقود مجتمعاتها,وقد تنجح مرة ومرة في لجم الثورات كما حصل في التجربة التاريخية ولكن المآل النهائي للنظم الاستغلالية هو الزوال كما ذكرنا بفعل الصيرورة التاريخية في الواقع الاقتصادي الاجتماعي للبشرية 0
ان الافكار تشيخ وتتحجر اذا لم تظل تروى من جديد وبرؤيا نقدية صارمة وقصرية تهدم ما شاخ وتعزز الاغصان النامية و تتناقض مع الايمانية الجامدة 0
ليس هذا فحسب :ذلك ان الافكار من صنع البشر ونتاج حياتهم وفي اغلب الاحيان تعبيرا امينا عن مصالح هذه الطبقة او تلك وفي احيان أخرى ورغم طبقيتها فانها تأخذ الطابع الانساني المشترك0
اذن هنا وأخذا بكل ما ورد في محاكمة الماركسية كفكر ونتاج لجهد الانسان المتراكم فانه يتوجب علينا ان ننظر للقوى السياسية التي تحمل الفكر والثقافة الماركسية بوصفها البشر الذين يحملون الفكر وبوصفهم البشر المسؤولون عن انتاج الفكر وبوصفهم اصحاب المصلحة في تطويره واستمرار حيويته وتقييمه ونقده0
هنا وهذه حقيقة الحياة لا يجوز لنا ان نقيم الفكر عامة والماركسية خاصة وكانه صنو ذاته 0 بل يتوجب تقييم الفكر ارتباطا بالقوى التي تحمله وملاحظة جدية هذه القوى وصدقيتها وامانتها ,وتقييم حالها ما اذا كانت هي قد شاخت وما عادت بقادرة على تمثل وتمثيل الفكر ,وما اذا ظلت امينة للمصالح الطبقية التي ادعت الدفاع عنها ,وملاحظة وزنها قبالة الثورة المضادةوصلابتها 0
فأحزاب الطبقة العاملة بكل تلاوينها تتعرض لمجابهات ومؤامرات ودسائس بطرائق متعددة في سياق عملية الصراع الطبقي من قبل الاحزاب الرجعية والسلطات الرسمية واجهزتها الامنية ,وهذا امر مفهوم ولذلك يتوجب متابعة ما اذا كانت الاغراءات والعصا والجزرة قد اثرت في هذه الاحزاب
هنا يتوجب ملاحظة حال القيادات :فالقيادات هي التي تهرم اولا وهي التي تهزم اولا وهي التي تفسد اولا وهي التي تتعلم من "الخرزة في ساق الذئب "اولا وهي التي تنحرف اولا وتحرف بقية الحزب ورائها,وهي التي تترهل اولا وكذلك هي المؤهلة للمساومة على مصالح الجماهير اولا وسواء ذلك في قيادات احزاب الطبقة العاملة او قيادات حركات التحرر الوطني0
ان الفكر مثل الشجرة ينمو باستمرار وذلك من خلال الناس والمنجزات العلمية وبالنسبة للفكر الثوري فانه ينمو في سياق التطور العلمي والاجتماعي وفي سياق الكفاح الثوري كذلك 0
وما دام هناك قوى حية سيظل الفكر حيويا ومتتجدداعبر صيرورة الحياة0