حرب الطبقات الاجتماعية في مصر، الثورة والثورة المضادة


مؤيد احمد
2011 / 8 / 11 - 08:47     

مع مرورحوالي 6 اشهر على سقوط حسني مبارك ونظامه الاستبدادي يتوضح الطابع الطبقي للثورة في مصر اكثر واكثر ويتجلى بشكل متزايد المحتوى الطبقي لسياسة الاحزاب والتيارات تجاهها.
اخذت الغيوم الشعبوية العارمة لبدايات الثورة تتبدد مع كل اصطدام طبقي للعمال بالطبقة البرجوازية وممثليها في المعامل والمصانع والدوائر والمزارع والمؤسسات الخدمية وغيرها. فلم تعد اوهام الايام الاولى تفيد احد، انها تتلاشى بسرعة مع كل نضال حازم تخوضه الطبقة العاملة للدفاع عن حقوقها وحرياتها ومعيشتها، في الاوضاع الانتقالية الحالية، ومع كل تصدي عمالي ضد النظام السياسي القائم والاحزاب والتيارات البرجوازية المختلفة في الحكم والمعارضة.
نحن نرى الان الثورة في مصر في واقعها الاجتماعي وبكل سماتها الطبقية الاساسية، فلا يمكن ان تكون غير ذلك خاصة ونحن نعرف انه لم يعد بالامكان اخفاء حقيقة كون النضالات العمالية والاضرابات والتظاهرات، وخاصة منذ 2006، في المعامل والاحياء العمالية، سبقت بسنوات الموجة العارمة للمظاهرات الشعبية والثورة في مصر.
في الوقت الحاضر، ومع انتصار الثورة في تحقيق هدفها في اسقاط مبارك ونظامه، بدأت الاجواء الثورية، وكما ذكرت، تدفع بالاوهام والغبار الشعبوي العام جانبا وتفتح الآفاق امام سير الصراع الطبقي بين الطبقة العاملة والبرجوازية بشكل جلي في جملة من ميادين الحياة الاقتصادية والسياسية والفكرية واخذت قوى الثورة والثورة المضادة في التصادم بشكل متزايد يوم بعد يوم. وبالتالي اصبح معنى انتصار الثورة وتقدمها وتحقيق اهدافها يرتبط اكثر واكثر بتطور نضال الطبقة العاملة والجماهير الكادحة والتيارات والاحزاب السياسية العمالية والاشتراكية والشيوعية والقوى الداعية للحرية والتقدم الاجتماعي. ليس هذا فحسب، بل ان محور صراع الثورة والثورة المضادة متجذر في اعماق المجتمع ويعكس الصراع الطبقي العمالي ضد البرجوازية حول مصير الثورة.

الاستبداد يحجب
عن انظارالمجتمع حرب الطبقات
يحجب الاستبداد والجمود السياسي في البناء الفوقي للمجتمع، بطبيعة الحال، وباشكال مختلفة، عن انظار المجتمع، حرب الطبقات الاجتماعية وتحديدا حرب الطبقة العاملة ضد راس المال. ففي عهد مبارك ونظامه كانت نضالات العمال تبدو لدى الراي العام، وتقيم، وكأنها فقط اعمال جريئة ضد الاستبداد يقوم بها العمال للدفاع عن حقوقهم. فان ذلك المنطق والتصور البرجوازي والبرجوازي الصغير عن نضال العمال هو نفسه الذي يرى اليوم نضال العمال، في الظروف ما بعد سقوط الاستبداد، وكانه نضالات "فئوية"، وينظر الى مطالب العمال كمطالب "فئوية" غير مرتبطة بالثورة وتقدمها.
تغرس البرجوازية الليبرالية والقومية والاسلامية بكل الوسائل هذه المفاهيم في اذهان الجماهير وتسعى لخلق ذلك الوهم باستمرار. غير ان تاريخ النضال الطبقي للعمال وتاريخ الثورة ونضال العمال ضد الاستبداد في مصر لم يكونا منفصلين. فلا يمكن ان يكون نضال العمال من اجل تحقيق مطالبها الاقتصادية والسياسية في عهد الاستبداد اعمالا جريئة ونضالات ثورية، حسب التصور البرجوازي، وان يتحول في ليلة وضحاها وبعد سقوط مبارك الى مطالب "فئوية" لا تخدم مطالب واهداف الثورة الحالية!.
ان سر هذا اللغز هو غروب شمس الشعبوية والمصالح المشتركة التي نشاءت اثناء الثورة والنضال المشترك العام لقلب الاستبداد، سر اللغز هو تلاشي الوهم السائد باستقلالية مصير الثورة، تقدمها او اخفاقها، عن الصراع الطبقي ونضال الطبقات الاجتماعية المتصارعة. من المؤكد، ان الحرب على الاوهام والمفاهيم المقلوبة والكاذبة للبرجوازية عن الثورة تشكل بعد من ابعاد الصراع الطبقي الواقعي المفتوح على مصراعيه في مصر والذي سيفتح آفاقا سياسية واسعة ايضا في مجمل بلدان الشرق الاوسط .

لا يمكن للثورة المرواغة
في مكانها
لا يمكن ان تترواغ الثورة في مكانها لمدة طويلة اذ تحاول الطبقات الاجتماعية تحديد مصير الثورة، ليس في الفراغ، بل من خلال الصراع على حسم المعضلات السياسية الاساسية على صعيد المجتمع وخلال حرب طبقي شامل اقتصادي وسياسي وفكري، وهذا ما نراه اليوم يحدث في مصر.
الطبقة البرجوازية بمختلف فئاتها وممثليها السياسين، وعن طريق وسائل اعلامها، قواها العسكرية، جنرالاتها، تياراتها السياسية والفكرية واحزابها، من الليبراليين الى الاسلاميين، من القوميين الى الاصلاحيين، ومن خلال جناحيها اليميني واليساري، منخرطة في هذه الحرب الطبقية بهدف وضع حد للثورة وايقاف تقدمها. انها تريد الاكتفاء بسقوط الدكتاتور واجراء تعديلات سياسية بغية الابقاء على النظام الاجتماعي والطبقي البرجوازي بدون المساس به وبغية الابقاء على النظام السياسي البرجوازي على حاله مع بعض التعديلات. ولكن ان اعمال وسياسات وستراتيجية التيارات والاحزاب البرجوازية المختلفة واجنحتها لا يمكنها ان تتجاوز اطار الحرب الطبقية بين العمال والبرجوازية ولا تستيطع ان تاتي بشئ خارج هذا النضال الطبقي. لتحقيق اهدافها في هذه المرحلة تحتاج البرجوازية الى خنق الثورة، وهذا غير ممكن بدون فصل النضال الطبقي للعمال عن الثورة وعدم افساح المجال له الى التحول الى حركة سياسية ثورية مقتدرة.
كما ان اليسار الاشتراكي والشيوعي وحتى اليسار الرديكالي بشكل عام لا يمكنه ان يبقى بعيدا ومعزولا عن الصراع الطبقي الدائر في مصر. واضح ان هذا اليسار طيف واسع ومتنوع يشمل من جهة، اقسام ممن يحمل تصورات سياسية ومناهج فكرية مختلفة، نشاء وترسخ طوال سنوات، ولكنه في الجوهر، لا يربطه شئ بالنضال الشيوعي ونضال العمال التحرري والثوري، ويشمل من جهة اخرى، خطوط وتيارات اشتراكية وشيوعية عمالية وخاصة في اوساط العمال والحركة العمالية، ولكنها غير متجانسة فكريا وسياسيا. فمجمل هذا اليسار، ويدورالحديث هنا حول تاثير النضال الطبقي العمالي على اليسار، بات تحت ضغط نضالات العمال الطبقية، وبالتالي نشاءت الارضية الواقعية لظهور مرحلة من صراع سياسي جدي وحاد في اوساطه.
فمن من اليسار والشيوعيون والاشتراكيون سيتحول الى قوة اساسية من قوى الحركة العمالية ومن منهم سيلعب دورا ثوريا في كسب الاقتدار السياسي للطبقة العاملة، او بالمقابل من منهم يتحالف مع البرجوازية وتياراتها الاصلية في المجتمع امر مرهون بمجريات الصراع الطبقي الدائر نفسه في المجتمع. ان الشيوعية العمالية حركة اجتماعية وتيار سياسي وحزبي وافق سياسي للتحرر في قلب الطبقة العاملة والحركة العمالية، فالطبقة العاملة المنخرطة في الحرب للدفاع عن حقوقها وحرياتها ومكتسبات الثورة هي وحدها تستطيع ان تقرر مصير الثورة في مصر، غير انها لا تستطيع تحقيق ذلك بدون ايجاد وتطوير حزب شيوعي عمالي ثوري مقتدر.

معضلات الثورة
ومحاور تقدمها
ليست بوسع الثورة ان تخطو الى الامام اذا لم تقدم على حل معضلاتها الاساسية المطروحة امامها، فهذه المعضلات ليست معلقة في الهواء، انها كامنة في واقع الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمجتمع ونتاج لوجود النظام الطبقي والطبقات الاجتماعية المتخاصمة في مصر.
لقد قام عشرات الملايين من السكان، المسحوقة تحت وطاءة استبداد النظام السياسي والبؤس الاقتصادي لرأس المال، بالثورة ضد الاستبداد وضد مظالم النظام الراسمالي الاقتصادي والاجتماعي. انها قامت بثورتها من اجل كسب الحرية واعلاء شان الانسان المادي والمعنوي في المجتمع، ومن اجل التحرر من البؤس الاقتصادي والاجتماعي لرأس المال على حياة جماهير الطبقة العاملة والعاطلين عن العمل والكادحين والفئات الواسعة من الشباب والشابات في المجتمع المصري. فلا يمكن ان تتقدم الثورة في طريق غير طريق حل هذه المعضلات.
تتصادم قوى الثورة والثورة المضادة الان، قبل كل شئ، وفي مختلف الاشكال، حول ترجمة معنى انتصار الثورة السياسي، انهما تتصادمان حول السلطة السياسية ونمط الحياة السياسية في البلاد. الصراع بين الثورة والثورة المضادة يدور حول بناء نظام سياسي جديد منبثق عن الثورة والارادة الحرة والمباشرة للجماهير او الادامة بالنظام القديم من خلال سيطرة الجنرالات الحاليين المضادة للثورة وخلق الاجواء لسيطرة القوى الثورة المضادة للاسلام السياسي وغيرها على الاوضاع . الثورة لا تستطيع ان تتقدم بدون تحقيق ارادة الجماهير السياسية، بدون مشاركة الطبقة العاملة والجماهير الواسعة الثورية، باشكال مختلفة لترسيم الحياة السياسية والنظام السياسي في مصر. انها لا تستطيع ان تخطو خطوات الى الامام بدون تحقيق الحرية السياسية غير المقيدة وغير المشروطة، فصل الدين عن الدولة والتربية والتعليم، تحرر ومساواة المراة الكامل، تامين الاجواء والظروف الحرة لتطور الصراع الطبقي الدائر في المجتمع..ألخ.
غير ان ذلك ليس الميدان الوحيد لصراع قوى الثورة والثورة المضادة، ما يجري، ومنذ سقوط مبارك، من النضال الاقتصادي للعمال، النضال من اجل تحسين حياة الطبقة العاملة ومعيشتها، رفع الاجور، تحسين ظروف وشروط العمل، توفير السكن، ممارسة حقها في الاضراب والتظاهر وتشكيل منظماتها العمالية ونقاباتها المستقلة واحزابها، والنضال ضد البطالة، والفقر ..الخ، هو استمرار الثورة نفسها ويشكل بمجمله احدى ميادين الثورة المحورية. ان هذه النضالات جزء من نضال العمال الطبقي الذي لا بد وان يتطور الى نضال سياسي مقتدر كي تكون بامكان الثورة ان تتقدم ولا تقف في منتصف الطريق. وببساطة، لا يمكن في بلد تعيش 40 بالمائة من سكانه تحت خط الفقر ان يكون معنى للثورة من دون الجواب على هذه المعضلة، غير امحاء هذا الواقع المزري بالنسبة للجماهير الكادحة والفقيرة . الاستبداد بالنسبة لها كان يعني الدفاع عن هذا البؤس الاقتصادي والتمايز الطبقي الفاضح والفرق الشاسع بين حياة الانسان في المجتمع المصري.
غير ان الواقع هو ان هذه المحاور وهذه المعضلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المطروحة امام الثورة لا يتم حلها بنفس الطريقة التي جرت فيها الثورة نفسها في مرحلتها الاولى اي من خلال حركة شعبية عامة لاسقاط الاستبداد. دع الاسلام السياسي والجنرالات الحاكمة، المضادة للثورة بشكل فاضح، جانبا الان، فان البرجوازية الليبرالية والقومية والاصلاحية لا تريد ولا تستيطع ان تحسم معضلات الثورة، فكل ما تقدمه وفي احسن الاحوال هو المرواغة وكسب الوقت لانشاء نظامها السياسي بدون مبارك اي نفس النظام السياسي البرجوازي السابق مع بعض التعديلات. كما انها لا تهدف الى تحقيق اية اصلاحات جدية في الحياة الاقتصادية للعمال والجماهير المحرومة.
انها باتت واضحة اكثر من اي وقت مضى بان التقدم بالثورة الى الامام لا يمكن ان يجري بمعزل عن تطور نضال العمال السياسي والاقتصادي في شكل نضال طبقي موحد لكسب الاقتدار السياسي في المجتمع وبناء حكومة عمالية. فكل خطوة تخطوها الطبقة العاملة والحركة الشيوعية العمالية والاشتراكية الى الامام في تقوية صفها الطبقي المستقل تدفع بالثورة الى الامام وتسد الباب امام مساعي الثورة المضادة لخنق الثورة واخفاقها. فليس هناك بديل اخر لحل معضلا ت الثورة وتحقيق تقدمها غير القيام بتلك الخطوات.

الاجنحة البرجوازية
للثورة المضادة
الاسلام السياسي والجنرالات العسكريين والدول الامبريالية وحلفائها في المنطقة والدول الرجعية للاسلام السياسي من امثال السعودية تشكل صف القوى الاساسية الامامية للثورة المضادة في مصر. ان قوى الثورة المضادة تلك تتلقى الدعم باشكال مختلفة من قبل الاحزاب البرجوازية القومية والليبرالية البروغربية.
لم يكن تحول السلطة السياسية في مصر الى ايدي الجنرالات العسكرية والمجلس الاعلى للجيش بعد سقوط مبارك الا لأيقاف مسيرة الثورة والسيطرة المؤقتة للقوى المضادة للثورة على مسار تقدمها. لم يستولي على السلطة لا الجنود ولجانهم في المعسكرات، ولا المجالس واللجان الشعبية المتمخضة عن الثورة ولا المجالس واللجان العمالية في الاحياء والمعامل. كما ولم تتحقق اي شكل من اشكال حكم تستند على ارادة الجماهير المباشرة، او بتعبير اخر الجماهير الثورية اسقطت مبارك ونظامه ولكنها لم تؤسس حكومة مبينة على ارادتها الثورية الحرة والمباشرة لتحقيق الاهداف السياسية والاقتصادية والاجتماعية للثورة.
لقد تم تغيير صوري في بنيان النظام الاستبدادي القائم وباتت الجنرالات العسكرية تحكم مصر ولكن بالاستناد على الدعم الذي تتلاقاها من قبل الطبقة البرجوازية وتياراتها واحزابها ومؤسساتها واقسام كبيرة من البرجوازية المتوسطة ومثقفيها، وكذلك نتيجة لنفوذ افق البرجوازية السياسي على قطاعات من الجماهير واوساط من الطبقة العاملة واقساما كبيرة من الشباب والقوى المشاركة نفسها في الثورة في مصر.
لقد اعلن الاخوان المسلمين وقوى الاسلاميزم و السلفية في مصر بتظاهراتهم يوم الجمعة 29 تموز للعالم وبشكل لا لبس فيه ولا ابهام بانها قوى مضادة للثورة ولا تربطها شئ بها وباهدافها. انها وبتلك التظاهرة وشعارتها الرجعية وسياستها المضادة للثورة اصدرت للعالم وللطبقة العاملة والجماهير الثورية في مصر والمنطقة رسالة بانها قوة تريد خنق الثورة. انها وبتلك المظاهرت قد اعادت الى اذهان الجماهير المتوهمة بوحدة المصالح في اسقاط النظام بان الصراع السياسي في مصر قد وصل الى نقطة لا رجعة فيها وليست امام الطبقة العاملة والجماهير الثورية غير الاسراع بمواجهة القوى الثورة المضادة للبرجوازية من كل شاكلة ونوع اذا ارادت ان تبقى رايات الثورة مترفرة واذا اردات تقدم الثورة وانتصارها وتحقيق اهدافها.
ان الاخوان المسلمين وغيرهم من التيارات الاسلامية، تيارات واحزاب سياسية للطبقة البرجوازية مهمتها الحفاظ على النظام البرجوازي واسس علاقاته وهي تتصارع لتقاسم السلطة وغنيمة فائض قيمة عمل العمال مع الطبقة البرجوازية المحلية والعالمية والتيارات السياسية البرجوازية واحزابها الاخرى في مصر. ففي الحرب الطبقية الدائرة للطبقة العاملة والفئات المحرومة والفقيرة والكادحين والعاطلين عن العمل بوجه البرجوازية بمختلف اطيافها ونظامها السياسي يقف الاسلام السياسي بوصفه تيار يميني بورجوازي رجعي بشكل مباشر في الخطوط الامامية لتلك الحرب. انه يواجه بشكل سافر كل نضال عمالي لاجل التخلص من براثن النظام الراسمالي واسس علاقاته انه يعادي كل حركة تحررية للانسان في المجتمع، انه عدو المراة الاول ويحاول استعبادها بشكل فاضح ويحاول اخضاع المجتمع لاحد اشد اشكال الاستبداد، استبداد الاسلاميزم ويحاول خنق الحرية والحياة المعنوية وخلاقية الانسان في المجتمع. فلا يمكن تقدم الثورة او تحقيق ادنى الاصلاحات بدون فرض التراجع على الاسلام السياسي والتصدي له بوصفه أحد قوى الثورة المضادة للبرجوازية واحد الاجنحة الاكثر خطورة بوجه الثورة.
شاهد العالم كيف تراجعت قوى الاسلاميزم في مصر امام المد الثوري للجماهير وبعيد اسقاط مبارك ونظامه وكيف انها لم تستطيع ان تصمد امام المد الجماهيري الثوري العارم. حقيقة الامر هي ان الاخوان المسلمين وقوى الاسلام السياسي لم يبق لها خيار غير الاستسلام لامر واقع الثورة، لم يبق لها خيار في تلك الايام والاشهر غير الخضوع لارادة الجماهير الثورية بعدم افساح المجال لها برفع شعاراتها وسياساتها الخاصة بالاسلاميزم الغارق في الرجعية والمناهضة للجماهير الثورية. ان الاسلاميين كانوا قد اختفوا في المشهد السياسي ولم يعد يفيدهم شئ غير استغلال الاجواء الثورية وتغذية الاوهام بالمصلحة السياسية المشتركة للجميع في اسقاط النظام.
مظاهرات 29 تموز للاسلاميين تروي لنا قصة صريحة وتعطي مؤشر واضح لمدى تبدد الاوهام الشعبية ومدى تخندق قوى الثورة والثورة المضادة في خندقين متقابلين. انها مؤشر سياسي صريح وواضح لمدى تطور الصراعات السياسية والاجتماعية خلال الاشهر السابقة داخل المجتمع المصري ويبين لنا اتجاه سير الاوضاع.
ان التيار الذي يريد ان يرى ويكتفي بتحقيق الثورة في اسقاط النظام وتسليم السلطة للبرجوازية وممثليها المختلفين ليس شيئا جديدا وتصور لمجموعات صغيرة من السكان، انها رؤية سياسية لاقسام كبيرة من الذين قاموا بالثورة نفسها حتى من الشباب والحركة الشبابية. ان تلك الاقسام من قوى الثورة هي نفسها التي اكتفت بانتقال السلطة الى البرجوازية وهي التي اعلنت ايقاف المظاهرات وهي التي تقول للحركة العمالية واعتصاماتها ونضالاتها اليومية بانها اعتراضات ومطالب "فئوية". فالبرجوازية ومختلف تياراتها تستتفيد من هذا الغياب في الوضوح في الافق السياسي والسترايجية، في عدم تطور الحركة العمالية الى حركة سياسية مقتدرة والحركة الشيوعية الى حركة اجتماعية مؤثرة في قلب الطبقة العاملة والنضال التحرري في المجتمع.

الحركة الشيوعية العمالية
امام مهام تاريخية في مصر
القوى الاساسية التي بادرت وشاركت في الثورة والتي حولت الثورة الى امر واقع وحققت اسقاط مبارك ونظامه كانت قوى العمال، الشباب والشابات، العاطلين عن العمل والجماهير المحرومة والفقراء واقساما من البرجوازية الصغيرة البائسة اقتصاديا في المدن والريف، فهم قوى الثورة الاساسية بصفوفها المليوينية. وهي القوى التي تشكل يسار المجتمع ومطالبها تشكل مطالب ومعضلات الثورة المرادة حلها. ان هذه القوى هي التي تستطيع ان تحقق تقدم الثورة وتحدد مصيرها ولكن لا تستطيع ان تقوم بذلك بدون تطوير الحركة الطبقية المستقلة للعمال، وبدون فصل افق الطبقة العاملة السياسي عن آفاق البرجوازية، وفصل صفها الطبقي عن صف البرجوازية ومثقفيها وممثليها السياسيين وصف التيارات البرجوازية الصغيرة ذات الافق السياسي الضيق والمتردد والخاضع لنفوذ البرجوازية والذين كانوا الى الامس القريب يخوضون النضال المشترك لاسقاط نظام مبارك.
ان عملية تحرر الطبقة العاملة والجماهير عن نفوذ وتاثير الآفاق السياسية للبرجوازية، وعملية بروز الصف المستقل الطبقي للبروليتاريا والفئات الكادحة بوجه ممثلي البرجوازية السياسيين والفكريين وتياراتها واحزابها السياسية ونظامها السياسي لا تجري بمعزل عن الدفاع عن مصالح الصراع الطبقي العمالي الدائر في المجتمع وعن ارتباط هذا الصراع بالثورة ومصيرها. ان تلك العملية، قبل هذا وذاك، لا تتحقق بدون بناء حزب شيوعي عمالي ثوري، وتطوير نضاله من خلال طرحه لسياسات ثورية تدفع بالثورة الى الامام، سياسات منطلقة من مصالح نضال الطبقة العاملة السياسي التحرري والثوري بوجه البرجوازية وحكوماتها وتياراتها السياسية. ان الشيوعية العمالية بوصفها تيار سياسي داخل الطبقة العاملة وعلى صعيد مجتمع مصر مدعوة تاريخيا الى تنظيم نفسها في حزب سياسي والعمل بشكل فعال لمواجهه البرجوازية على حسم مصير الثورة وحل معضلات الثورة. بدون مواجهة البرجوازية وأعلان الحرب عليها وفضح سياساتها وآفاقها لأنقاذ مصير الثورة، من الصعب كسب جماهير الطبقة العاملة الى النضال الثوري الحاسم الذي تعقد الامال الثورية عليه ليس في مصر فحسب بل في عموم المنطقة.
لقد اخفقت الثورة في اعطاء السلطة للطبقة العاملة بسبب ضعفها التنظيمي والسياسي والفكري ولكن ان عدم انجاز هذا التحول وضع صراع الطبقات الاجتماعية في مصر في طور جديد والمجتمع في مازق كبير وفي منتصف الطريق. ان معضلة الثورة باقية في مكانها والثورة لا تستطيع ان تتقدم اذا لم ترد على معضلاتها الاساسية والتي تكمن حلها بدرجة الاساس في تحول الطبقة العاملة الى قوة ثورية موحدة ومقتدرة والمضي قدما نحو تحقيق اهدافها التحررية والشيوعية.