الماركسية في تفكيك ألأستاذ امير الغندور: النزعة التلفيقية


عذري مازغ
2011 / 7 / 31 - 22:22     

سأبدأ هذا الجزء من حيث انتهى الجزء الاول حيث وقفت إلى نتيجة هي أن عدم الإلمام بالموضوع يفلس عملية التفكيك برمتها، واعجب لعبقرية الغندور التي كشفت عن هجانة ألتوسير في اعتقاده أن كل شيء انتهى مع ماركس الكامل ولا أدري ماهو الإسناد الذي اعتمده الأستاذ ليخلص ويظهر لنا هذا الجحد الكبير من ألتوسير أو من منهجه، الذي لم يخبرنا ماسيكونه ماركس «لو امتد به العمر ليعيش معنا» ، لكن المشكلة لا تتوقف عند هذا الحد العبثي باتهاك ألتوسير بالهجانة والسذج، بل تتعداه إلى احتقار القاريء أيضا وخصوصا في إحدى عمليات التفكيك الرائدة لمقولة ماركس الرائدة حول مهمة الفلسفة وسنتتبعها بقليل من التمحيص لنكتشف علما جديدا انتقل إلى الفكر العربي المعاصر يبشر بولادة جديدة في علم التفكيك. وهو ما أسميته بعلم التلفيق.
أورد الأستاذ الغندور هذه القولة لماركس والتي عبرها استخلص السذج والبداوة عن الماركسيين بتغييبهم الفهم والإكتفاء بالتغيير، ومع ان الكثير من التعليقات أوردت أنه يستحيل تغيير شيء دون فهمه، وأن المسالة تحتاج إعادة النظر في تفكيكه إلا أنه ركب أصقاعا في مقالته اعتمادا على تفسير خاطيء بدأ به يصول ويجول بدءا بما توهمه بأنه تقصير الفهم على حساب التغيير وصولا إلى الإيقاع بماركس بالقول بتأثره بمدرسة الأرانب في القرن 19 عندما تطرق إلى تأثر ماركس بروايات الخيال العلمي التي ظهرت حينها، ولا أدري ما إسناده في الأمر ، فظهور هذه الروايات في عصره لا يعطينا الحق بالقول بانه تأثر بتصوراتها، لكن المسألة على ما يبدو لها علاقة بالشيوعية، التي سنناقشها بعد أن ننظر في قولة ماركس التي أوردها الأستاذ الغندور:
« لقد اكتفى الفلاسفة بتفسير وفهم العالم بطرق شتى، أما الهدف فهو تغييره»
في هذة القولة ، قدم الغندور قراءات متعددة سنثيرها قبل أن نوثر هذه القراءة البسيطة جدا: تتكون الجملة أساسا من فعل واحد أسقطه الغندور في كل أسئلته المتفتحة وهو فعل اكتفى، بإسقاط هذا ال”كتفى” اللعين سهل التشطيح في المقولة، وسهل أيضا أن نضيف إليها ماشئنا ونرفع ماشئنا
وتعني القولة تبعا لهذا الفعل اللعين الإستنتاجات التالية:
اقتصر (أو اكتفى، الأمران سيان) الفلاسفة بتفسير العالم وتركوا تغييره، الهدف تغييره
مهمة الفلاسفة اكتفت بالتفسير واهملت الهدف
مهمة الفلاسفة أيضا هي التغيير لا الإكتفاء بالتفسير
الهدف من التفسير هو التغيير، وإلا مالهدف من الفهم دون فعل شيء آخر
لاحظوا أن الفعل الذي يعقل الجملة في كل تفسيراتها هو كما اشرت فعل اكتفى الذي غيبه الغندور بشطحة قلم ليسهل عليه التلفيق وتصير تفسيراته كما وردها في مقاله بالشكل التالي(سأنقلها كما هي مع الإشارة إلى شحنات التلفيق فيها):
إن مهمة الفلاسفة هي تغيير التاريخ (ورد في القولة تغيير العالم)
إن جل الفلاسفة السابقين قد تخلوا عن مهمة تغيير التاريخ (هنا التلفيق المبهم، والصحيح ان جل الفلاسفة اكتفوا بالتفسير دون الهدف منه، أو جل الفلاسفة أثروا الفهم دون الهدف منه)
إن المهمة الصحيحة المطلوبة حاليا هي تغيير التاريخ لا فهمه (هنا يصل الغندور إلى ذروة التلفيق بزيادة سياق آخر يغير من سياق القولة الماركسية، وهنا أيضا أعدم فعل “اكتفى” المسكين واضيفت كلمات مثل الصحيحة، المطلوبة، حاليا إضافة إلى حرف النفي لا الذي لا يصلح عندنا إلا لهدم الماركسية، هنا القفزة النوعية في مسار التفكيك، لقد تخلصنا الآن من فعل اكتفى وبقيت القولة بدون فعل بشكل نستطيع أن نضيف إليها ما شئنا من أفعال لإغنائها بالخيال الفقهي الخصب وهو مافعله بالفعل الأستاذ الغندور بأضافة إحدى عشرا تفسيرا آخر وكلها خيال رحب وتلفيق خصب بإضافات وتخمينات وتخيلات فاقت في إبداعها أسلوب الخطابة عند أئمة المساجد.لقراءة باقي التفسيرات يرجى الضغط على الرابط التالي:
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=268552
سأكتفي بوصولي إلى الجملة الفينومينولوجية في التفسير الرابع حيث يتأسس قانون التلفيق بتغييب أحد شهود الإثبات في الجملة وهو فعل "اكتفى"وتعويضه بشهود زور يؤسسون في القول الجديد هذا المحمول على القول الأصلي في جملة ماركس الشهيرة، وهو إثنى عشر تلفيقا بحسب التفسيرات المتبقية، هذا الذي على أساسه تأسست عبقرية الأستاذ الغندور في حملته الشنيعة على الماركسية، وهل بعد هذا يمكننا القول بأن استراتيجية التهجم الدوغمائي في شقه العلمي هو تهجم دوغمائي كما قال أم أن المسألة بالفعل وكما أشرنا في الجزء السابق، تدخل ضمن تحضيره لاستراتيجية الدفاع الدوغمائية التي ينفيها الأستاذ عن نفسه بتبني استراتيجية الحياد التفكيكية؟ وهل سنمضي في جدالنا معه نناقش إشكالية بناها على أساس التلفيق كما تبين (يعني إشكالية خاطئة)؟، لا شك أن المضي في مناقشة قضية ملفقة بامتياز سيدخلنا في فوضى الجدل السوفسطائي الذي يتحاشاه الأستاذ الغندور، لأن كل مابناه من جدل على هذا القول لماركس باعتماد صيغة التفاسير التلفيقية وليس صيغة التفكيك الموضوعية في القول، كل هذا البناء هو لغة جوفاء خارجة حتى على فقاعة النص الأصلي.
إن مهمة الفلسفة ليست هي الإكتفاء بالتفسير بل هي أيضا ما يتيحه هذا التفسير من إمكانية التغيير، أي أن نمضي قدما من التفسير إلى التغيير ، أي ان هدف التفسير والفهم نفسيهما هو التغيير، وهذا مافعله ماركس في رحلته الشاقة لفهم الميكانيزم الذي على أساسه يقوم نمط الإنتاج الرأسمالي، من خلال بنية هذا النمط، من خلال فهمه وتحليله يمكن أن نستشرف المستقبل كما يمكننا معرفة آفاق الممكن من خلال التناقضات البنيوية في الرأسمالية ومن خلال صراع الطبقات، أي من خلال التناقض الرئيسي الذي يدعونا الأستاذ الغندور للتخلي عنه وهو التناقض السياسي، الغندور لا يريد للماركسية أن تتسيس، يريدها فقط ان تتجمد، لا يريدها أن تساهم في التغيير بل يريدها أن تفهم فقط، فهو لا يفهم أن عملية التفسير هي أساس عملية التغيير، يل هي اساسا في علاقة جدلية هي ما ينظر لها الماركسيون بالعلاقة بين النظرية والممارسة التطبيقية، فالنظرية هي إنتاج هذا الواقع وتملكه المعرفي والممارسة هي تطبيق ما تتيحه النظرية من آفاق الإمكان، وأنه إذا اخطأت النظرية فهي عند الماركسيين ليست عقيدة كما حاول أن يؤسس للأمر زميلنا الغندور، بل يعاد النظر في أسسها وتصحيح مكامن الخطأ فيها، فهي نظرية متجددة بتجدد حركة الواقع، وهي حركة قد تتأثر بمفاجآت لم تعتبرها النظرية في سياق إنتاجها، بمعنى أنها تقوم على فرضيات تستخلصها من تعقد حركة الواقع، وفي مسار تطبيقها قد تتأثر بفجآت التاريخ كما اوضح مهدي عامل في كتابه الشيق “ النظرية في الممارسة التطبيقية”. في هذه العملية من العلاقة بين النظرية والممارسة التطبيقة عند الماركسيين يكمن جوهر تفسير تلك المقولة الرائعة لماركس والتي تأولها الأستاذ الغندور بتخريجة ميزناها على أنها تلفيق متعمد. لو فككنا هذه العلاقة بالتحديد في ممارسة الأحزاب الشيوعية الراهنة لاكتشفنا موطن جمود الحركة الماركسية، والجمود هذا ليس فقط في إنتاج النظرية وفقا لحركة الواقع بل أيضا جمود في الممارسة التطبيقة، فالجمود هذا ناتج عن توقف الحركتين معا في ممارسة الأحزاب الشيوعية، لأنهما حركتان جدليتان متأثرتان ببعضهما البعض. هذا هو جوهر تلك المقولة ، فالنظرية تتأسس على عملية تفسير وتحليل الواقع وصياغة معرفته كما تتيح أيضا بهذه العملية ذاتها استشراف آفاق الإمكان الذي عبر الممارسة التطبيقية لهذه النظرية نخطو نحوها، وهذا لا يعني أن النظرية لا تخطيء كما أشرنا، بل هي أيضا تتأثر بمسار الممارسة وتضطر إلى تغيير نظرها كلما فاجأها الواقع بحركاته الفجائية، فهما معا، النظرية والممارسة، هما في حركة دائمة لا تتوقف.
يتبع