الانتفاضة في منظمة الأمم المتحدة


فيدل كاسترو
2011 / 7 / 27 - 04:01     

تأملات الرفيق فيدل


(الجزء الأول)



إن اجتماع الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة الذي انعقد يوم 26 تشرين الأول/أكتوبر، أي الثلاثاء الماضي، ويفترض أنها بمثابة أعلى سلطة سياسية بالمعمورة، تمت الدعوة إليها بهدف تكرر مرارا بشكل أنه أصبح أمر معتاد عليه: "ضرورة إنهاء الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي الذي تفرضه الولايات المتحدة الأمريكية على كوبا".

إنه المشروع الذي نوقش أكثر، والذي تمت الموافقة عليه مرات عديدة والذي لم يطبق أبدا بتاريخ الأمم المتحدة.

جميعنا نعلم أنه، إذا كان مثل هذا الاتهام موجها ضد كوبا أو ضد أي بلد آخر لاتينوأمريكي أو كاريبي وهذا لا يهتم وكأن الأمر لا يعنيه،لهوجمت عليها بشدة. إن العمل البغيض الذي ينسب بكامل الوضوح والدقة "للولايات المتحدة الأمريكية"، والذي يطالب بإنهائه يوصف في القانون الدولي ك"عمل إبادة".

19 مرة منذ عام 1992 كانت الجمعية العامة توافق على القرار ويطالب بإيقاف هذا العمل الإجرامي والتعسفي ولكن إذا كانت تزداد عدد المرات التي كانت تتكرر فيها الموافقة على القرار، كان يزداد أيضا عدد البلدان التي تقدم تأييدها له، كانت تقل البلدان التي تمتنع عن الصوت والمجموعة الصغيرة جدا للبلدان التي تصوت ضدها. وبالمرة الأخيرة كانت هناك فقط دولتان رفضتا القرار وثلاثة التي امتنعت عن التصويت وأسماؤها تتطابق بدول صغيرة، تعتبر أنها في الحقيقة تتبع استعماريا للولايات المتحدة.

لا بد من الأخذ بعين الاعتبار التغيرات الكبيرة التي جرت بالعالم بعدما تأسست الأمم المتحدة، وقد تمت إقامتها ولم تكن معارك الحرب العالمية الثانية قد انتهت بعد، مما أدت إلى خسارة 50 مليون من الأرواح البشرية وإلى تدمير هائل. العديد من البلدان التي كانت تشكل الأكثرية بالأمم المتحدة، كانت لا تزال مستعمرات للقوى العظمى الأوروبية، التي استولت عنوة على معظم أراضي المعمورة وببعض القارات، تقريبا سيطرت على جميع ربوعها. مائات الملايين من البشر، بحالات لم تعد قليلة، والتي حضاراتها أعرق بكثير وثقافاتها أسمى وأرقى، أصبحوا خاضعين للاستعمار بفضل تفوق أسلحة الغزاة.

لم تكن كوبا الاستثناء.

بنصف الكرة الأرضية هذا، كان بلدنا المستعمرة الأخيرة لاسبانيا، لثرواتها بالمنتجات الزراعية النادرة والمطلوبة جدا آنذاك، والتي كانت تحصدها الأيدي النشيطة للفلاحين الأحرار ولمائات الآلاف من العبيد الذين ينحدرون من أصل إفريقي. عندما كانت المستعمرات الأخرى لإسبانيا قد تحررت بالعقود الأولى للقرن التاسع عشر، كانت هي الأخرى تحافظ على مستعمرتها بكوبا بقبضة حديدية وبأشد الوسائل الاستبدادية.

في النصف الثاني من ذلك القرن، إن جزيرتنا، التي كانت اسبانيا تحلم بتحويلها إلى قلعة منيعة للاعتماد عليها من أجل إعادة فتح مستعمراتها في جنوب القارة الأمريكية،كانت جزيرتنا بمثابة مهد مشاعر وطنية وقومية عميقة. بدأ الشعب الكوبي يخوض معركته من أجل الاستقلال، تقريبا بعد 70 عام من انطلاقة ذلك الكفاح بالأمم الشقيقة الأخرى في أمريكا اللاتينية، دون أسلحة سوى "الماشيتي" أي السيف الذي يحصد قصب السكر به، ومعه كذلك اندفاع وسرعة الخيول البلدية. وتحول الوطنيون الكوبيون خلال فترة وجيزة إلى جنود شجعان.

وبعد ثلاثين سنة كان شعبنا المتفاني على وشك تحقيق أهدافه التاريخية في الكفاح الباسل ضد القوة العظمى الأوروبية المتدهورة ولكنها متعندة. كان الجيش الاسباني، رغم العدد الهائل من جنوده، غير قادر على إبقاء هيمنته على الجزيرة، حيث كان يسيطر فقط على المناطق الرئيسية بالمدن وكان على وشك الانحطاط.

حينذاك تدخلت الإمبراطورية القوية والدافعة التي لم تكتم أبدا مساعيها بالسيطرة على كوبا، بتلك الحرب بعدما صرحت بسخرية أن "إن شعب جزيرة كوبا حر ومستقل وينبغي عليه أن يكون كذلك بموجب القانون".

بعدما انتهت المعارك لم يعط لبلدنا الحق في المشاركة بمفاوضات السلام. وقامت الحكومة الاسبانية بخيانة كوبا عندما وضعتها بأيدي الذين تدخلوا بالحرب.

استولت الولايات المتحدة على الموارد الطبيعية، على خير الأراضي، التجارة، البنوك، الخدمات وعلى أهم صناعات البلد.حولتنا إلى مستعمرة جديدة. كان علينا أن نتحمل ذلك خلال أكثر من 60 سنة، ولكننا استعدنا استقلالنا من جديد ولن نتخل أبدا عن النضال.

بعد سرد هذه المعطيات، سيفهم قراء بلدان أخرى بشكل أفضل كلمات برونو رودريغيز، وزير خارجيتنا التي ألقاها بيوم 26 تشرين الثاني/أكتوبر هذا العام.

بدأت المناقشات في الساعة العاشرة صباحا.

خطب أولا 5 ممثلي بلدان باسم مجموعة 77، وباسم حركة عدم الانحياز، والاتحاد الإفريقي وكاريكوم وميركوسور، تأييدا للقرار.

وبعد ذلك ألقى كلمة 14 ممثل لبلدان، بينها دولتان لديهما أكثر من مليار نسمة كل منهما، ومعا لديهما 2500 مليون نسمة؛ بلدان أخرى لديها أكثر من مائة مليون نسمة، مثل الاتحاد الروسي، اندونيسيا والمكسيك؛ وممثلون لـ 9 بلدان أخرى التي تلعب دورا بارزا ومعترف عليه على الصعيد الدولي : فينيزويلا، الجمهورية الإسلامية الإيرانية، الجزائر، جنوب إفريقيا، جزر سليمان، زامبيا، غامبيا، غانا وبربادوس؛ 19 مداخلة ألقيت قبل كلمة برونو.

كان خطابه حتميا وقاطعا. سأذكر مرارا فقرات كاملة من كلماته التي بدأتها بالتعرض للأخطار الجسيمة التي تخيم علينا بنشوب الحرب وأضاف:

"للبقاء على قيد الحياة، لا بد من إحراز قفزة بوعي الإنسانية وهذا الأمر ممكن فقط من خلال نشر المعلومات الحقيقية حول هذه المواضيع التي يكتمها أو يتجاهلها معظم السياسيين، لا تنشرها الصحافة وإنها بالنسبة للناس، مرعبة بمثل هذا الشكل أنها تبدو وكأنها لا تصدق."

"...إن سياسة الولايات المتحدة ضد كوبا لا ترتكز على أي ركيزة أخلاقية أو شرعية، ليست لديها أي مصداقية ولا تحظي بأي تأييد."

وهذا ما يتبرهن من خلال أكثر من 180 صوت كان ولا يزال يطالب بهذه الجمعية العامة للأمم المتحدة بإنهاء الحصار الاقتصادي والتجاري والمالي في السنوات الأخيرة."

"رفضت أمريكا اللاتينية والكاريبي الحصار بشدة وبشكل جماعي. إن قمة الوحدة، المنعقدة بكانكون، في شباط/ فبراير عام 2010، عبر عن ذلك الموقف بشكل قاطع. أخبر زعماء المنطقة بذلك الرئيسي الأمريكي الحالي مباشرة وممكن التأكيد على أن الشجب المعلن للحصار ولقانون هيلمس بورتون يميز بشكل فريد الرصيد السياسي للمنطقة وشأنه بذلك شأن مواضيع قليلة.

"رؤيات مماثلة وقاطعة اتخذتها حركة البلدان عدم الانحياز، القمم الإيبرو أمريكية، قمم أمريكا اللآتينية والكاريبي مع الاتحاد الأوروبي، الاتحاد الإفريقي، قمم مجموعة بلدان إفريقيا- الكاريبي والمحيط الهادي وعمليا المتخذة من قبل أي مجموعة من الأمم التي أعلنت عن موقفها لصالح القانون الدولي والاحترام بمبادئ وأهداف ميثاق الأمم المتحدة.

"إنه لواسع ومتصاعد إجماع المجتمع الأمريكي والجالية الكوبية بذلك البلد ضد الحصار ولصالح تغيير السياسة تجاه كوبا. (...)71% من الأمريكيين يدعون إلى تطبيع العلاقات ما بين كوبا والولايات المتحدة..."

"مازالت العقوبات ضد كوبا مفروضة وتطبق بشكل صارم.

"في عام 2010، اشتد الحصار الاقتصادي وما زالت تظهر يوميا آثاره على كافة مجالات الحياة بكوبا. إن عواقبه خطيرة بشكل خاص في مجالات حساسة جدا للسكان مثل الصحة والتغذية."

ويشير مباشرة إلى عدد من الإجراءات القاسية التي تؤثر بشكل حساس على أطفال مصابين بمشاكل صحية حساسة وهذا ما لن تكن تستطيع حكومة الولايات المتحدة تكذيبه.

وفيما بعد يقول:

"إن الغرامات التي تفرضها وزارتي المالية والعدل على مؤسسات من بلدهما ولأوروبا بهذا العام الأخير للتعامل مع كوبا، بين دول أخرى، تتجاوز بمجموعها 800 مليون دولار."

يواصل خطابه ويقول:

"إن مصادرة مبلغ مالي ملكا للشركة الكوبية للطيران، تم تحويله بواسطة المصرف الشعبي الاسباني من مدريد إلى موسكو، ويتجاوز 107 ألف يورو، إنها شكلت سرقة حقيقية."

بعدئذ، يشير وزيرنا للخارجية إلى أمور ذات الأهمية البالغة وتتعلق بآثار الجريمة الفظة على اقتصاد كوبا طبقا للاتجاه نحو ذكر الإحصائيات التاريخية، أي المبالغ بالدولارات لقيمة الخيرات، يا كانت عقارات أو منقولة، قرض أو دين أو أي شيء آخر قابل لقياسه بالدولارات الأمريكية، دونما تؤخذ بعين الحسبان قيمة الدولار التي كانت ولا تزال تنخفض باستمرار خلال العقود الأربعة الأخيرة. على سبيل المثال أذكر مرطب معروف للغاية: كوكا كولا-دونما يقبض أي شيء عن الذعاية- منذ أربعين سنة كان يكلف 5 سنتيمات، بينما اليوم يتراوح سعره ما بين 150 و 200 سنتيم دولار.

يقول برونو:

"إن الخسائر الاقتصادية التي أدى إليها مباشرة تطبيق الحصار خلال هذه السنوات الخمسين تتجاوز 751 مليار دولار، حسب القيمة الحالية لهذه العملة."

يعني أنه لا يقع بخطأ الاعتماد على عدد الخسائر التي أسفرت عن الحصار سنويا، مثلما لو كانت قيمة الدولارات نفسها سنويا. كنتيجة من الاحتيال العالمي الذي كان يعنيه الإلغاء من طرف واحد، من قبل نيكسون للدعم الذهبي لتلك العملة بمعيار 36 دولار لكل أوقية تروي، إلى جانب إصدار الدولارات دون أي قيد، قد انخفض بشكل مستطرد القدرة الشرائية لتلك العملة. إن وزارة الخارجية تولت عمل الطلب من مجموعة خبراء ينتمون إلى وزارة الاقتصاد بأن يقوموا بهذا التقييم مما تجلت الخسارة الاقتصادية التي سببها الحصار لكوبا على امتداد50 عام، وهذا ما تم التعبير عنه من خلال القيمة الحالية لتلك العملة.

"بيوم 2 أيلول/ سيبتمبر الماضي" – قال بمداخلته– "أقر وصدق من جديد الرئيس أوباما نفسه على العقوبات ضد كوبا استنادا إلى "المصلحة الوطنية" المزعومة للولايات المتحدة. ولكنه، يعرف الجميع أن البيت الأبيض ما زال يولي الاهتمام الأكبر "للمصالح الخاصة"، الممولة بشكل جيد، لأقلية ضئيلة حولت السياسة ضد كوبا إلى أعمال مربحة جدا."

"مؤخرا، بيوم 19 تشرين الأول/ أكتوبار،وصف الرئيس أوباما، حسب بعض وكالات الأنباء، العمليات التي، بوجهة نظره، تحدث اليوم في كوبا كغير كافية واشترط للقيام بأي خطوة جديدة تغيرات داخلية يتمنى رؤيتها ببلدنا.

"يخطأ الرئيس عندما يعتقد أن لديه الحق في التدخل وفي وصف العمليات التي تحدث اليوم في كوبا. إنه لأمر مؤسف أن تعط له معلومات خاطئة وأن يكون عمل الخبراء والمستشارين بهذا الخصوص سيء.

"إن التغيرات التي نقوم بها اليوم تستجيب بطموحات الكوبيين وبقرارات شعبنا المستقلة ذات السيادة. (...) لا ترمي إلى تلبية تمنيات حكومة الولايات المتحدة أو إرضاء مصالحها، التي كانت ولا تزال إلى حد اليوم تتعارض بتمنيات ومصالح الشعب الكوبي.

"بالنسبة إلى القوة العظمى، كلما لا يؤدي إلى إقامة نظام يخضع لمصالحها، هو غير كافي، ولكن هذا لن يحصل لأن هناك أجيال عديدة من الكوبيين الذين تكرسوا و يتكرسون ويعطون خير ما لديهم بحياتهم للدفاع عن سيادة واستقلال كوبا."

"بالعكس، الحكومة المذكورة كانت تواصل ممارستها التعسفية لوضع كوبا في القوائم الزائفة، بما فيها قائمة الدول التي تفترض أنها تؤيد وتقوم بالرعاية على الإرهاب الدولي تلك القوائم التي تصنعها وزارة الخارجية الأمريكية لوصف تصرف أمم أخرى. إن هذا البلد ليس لديه السلطة الأخلاقية لوضع مثل هذه القوائم-التي كقاعدة عليها أن ترأسها- وليس هناك ولا سبب لإدخال كوبا بأي واحدة من هذه القوائم.

"أن الحكومة الأمريكية ما زالت كذلك تعاقب باجحاف الكوبيين الخمسة المناضلين ضد الارهاب الذين يعانون منذ أكثر من 12 سنة من الاعتقال بسجونها وقد كسبت قضيتهم أوسع تضامن بالمجتمع الدولي.

"إن كوبا، التي كانت ولا تزال ضحية لإرهاب الدولة تطالب من تلك الحكومة بإنهاء ازدواجية المعيار وإنهاء حالة عدم عقوبة التي يتمتع بها بأراضيها مدبرو أعمال إرهابية اعترفو باقترافها وقد تدبرت تلك الأعمال تحت مظلة السياسة المعادية لكوبا بذلك البلد..."

وعندما وصل إلى هذه النقطة، الحق برونو بوفد الولايات المتحدة الضربة القاضية لما تعرض للمذكرة المشهورة لمساعد نائب الوزير ليستر مايوري التي انتهت سريتها عشرات السنوات بعد ذلك والتي تظهر السخرية المثيرة للاشمئزاز لسياسة الولايات المتحدة.

" أكثرية الكوبيين يؤيدون كاسترو (...) ليست هناك معارضة سياسية فعالة.(...) إن الوسيلة الوحيدة التي تجعلها(أي، الحكومة) تخسر المساندة الداخلية هي عن طريق غرس خيبة الآمال واليأس من خلال عدم تغطية الاحتياجات الاقتصادية والعوز(...)لا بد من تفعيل وتنشيط كل الوسائل المتاحة بسرعة لإضعاف الحياة الاقتصادية.(...) وأن لا تعطى لكوبا أي تمويل ولا أي إمدادات أو لوازم بهدف تخفيض قيمة الرواتب الاسمية والفعلية بهدف التجويع، حتى يسود اليأس ولإسقاط الحكومة ."

"على الرغم من أن الملاحقة الاقتصادية تشكل العرقلة الرئيسية التي تعيق تطور وتنمية البلد وتحول دون رفع مستوايات حياة الشعب،كوبا أحرزت نتائجا لا تدحض في مجال إلغاء الفقر والجوع، في معدلات الصحة والتربية التي أصبحت تعتبر مرجعية عالميا..."

"استطاعت كوبا أن تعلن هنا منذ أسابيع قليلة، عن تنفيذها الخارق والاستثنائي لأهداف التنمية للألفية. إن هذه النتائج التي حققتها كوبا ما زالت تعتبر حلما خياليا لدى معظم سكان المعمورة."

"إن كوبا لن تتخل أبدا عن استنكار الحصار والمطالبة بحق شعبها الشرعي في العيش والعمل من أجل تحقيق التطور الاجتماعي الاقتصادي على قدم المساواة وبالتعاون مع باقية الأمم، دون حصار اقتصادي ودونما تمارس عليها ضغوطات خارجية.

"تشكر كوبا المجتمع الدولي للتضامن الثابت مع شعبنا وهي على يقين بأنه يوما ما ستتحقق العدالة ولن تعد هناك حاجة إلى اتخاذ هذا القرار.

"شكرا جزيلا."

قال ليختتم مداخلته الأولى.

يتبع غذا.



فيدل كاسترو روز

31 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2010.

الساعة 5:13 عصرا


تأملات الرفيق فيدل



الانتفاضة في منظمة الأمم المتحدة

(الجزء الثاني والأخير)



بعدما انتهت مداخلة برونو حوالي ظهر يوم 26 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، كالعادة، حان وقت تأويلات الصوت قبل إخضاع المشروع للتصويت.

خطب أولا سفير الولايات المتحدة رونالد د.غودارد المستشار الرئيسي حول المنطقة لشؤون النصف الغربي للكرة الأرضية، ورئيس وفد بلده. بعد كلماته غير المعهودة لم يعد ضروريا التحليل للبرهان على أن كلمات وزير خارجية كوبا كانت عادلة تماما بكل صرامة. تكفي تأكيدات السفير الأمريكي نفسها للانعكاس عن الأحشاء الوقحة لسياسة ذلك البلد.

"...إن الولايات المتحدة (...) ملتزمة بشكل حازم بتأييد رغبة الشعب الكوبي في تقرير مستقبل بلده بحرية."

"...تحق للولايات المتحدة (...) الحق السيد في تقرير علاقاتها الاقتصادية مع بلد آخر. تدخل العلاقات الاقتصادية ما بين كوبا والولايات المتحدة في إطار الشؤون الثنائية (...) موجهة إلى تشجيع خلق مناخ انفتاح أكبر بكوبا وحتى تحترم أكثر حقوق الإنسان والحريات الأساسية"

"ينبغي علينا أن لا يغيب نظرنا عن هذا الحدث في إطار المناقشات الحافلة بالحجج الخطابية التي تعود إلى الماضي والموجهة إلى مختلف التكتيكات، بمداولات لا تعمل شيء لمساعدة الشعب الكوبيز"

"يتأسف وفدي لأن الوفد الكوبي ما زال عام بعد عام يصف بشكل غير مناسب وغير صحيح القيود التجارية على كوبا كعمل إبادة. (...) لا تفرض الولايات المتحدة أي قيود على المساعدات الانسانية لكوبا..."

"في عام 2009، سمحت الولايات المتحدة (...) بتقديم 237 مليون دولار كمساعدة إنسانية خاصة كالأغذية ومنتجات أساسية أخرى، هيبات إنسانية ليست زراعية وهيبات طبية."



"في نيسان/ أبريل عام 2009، أشار الرئيس أوباما إلى أن الولايات المتحدة تبحث عن بداية جديدة مع كوبا ، ولكن هناك درب أطول لا بد من المرور به لتجاوز عقود من عدم الثقة . (...) إننا قد بدأنا المحادثات من أجل إعادة تقديم الخدمة البريدية مباشرة ما بين الولايات المتحدة وكوبا وقد قمنا بزيادة التبادل الفني والثقافي..."

"صرح الرئيس أوباما علنا أن الإفراج عن السجناء السياسيين والإصلاحات الاقتصادية ايجابية للشعب الكوبي. تتمنى الولايات المتحدة أن تشهد على الوفاء بذلك العهد قريبا، وأن تر كذلك المزيد من الافتتاح من قبل الحكومة الكوبية كبرهان على إرادتها بالتعامل البناء مع شعبهانفسه (...) تعتبر الولايات المتحدة أنه لا يمكن تحقيق عصر جديد في العلاقات ما بين كوبا والولايات المتحدة بكل معنى الكلمة إلا عندما يتمتع الشعب الكوبي بالحريات السياسية والاقتصادية المعترفة عليها دوليا، التي عملت هذه الهيئة جاهدة وكثيرا للدفاع عنها في بلدان أخرى بالعالم."

"سوف يصوت وفدي ضد هذا القرار. تعتبر الولايات المتحدة أنه حان الوقت لتركيز طاقات هذه الهيئة في تقديم التأييد للشعب الكوبي بنضاله لتقرير مستقبله نفسه والسير أبعد من البوادر الخطابية المتمثلة بهذا القرار.

"شكرا يا سيد الرئيس."

وثم شرحت رئيسة الوفد النيكاراغوي النية في التصويت وقد عرف شعبها جيدا الحرب القذرة التي شنها رونالد ريغان والتي كلفت إراقة الكثير من الدماء . كانت كلماتها ساحقة.

جرى التصويت وصوت 187 بلد لصالح القرار؛ صوتان ضده: الولايات المتحدة وإسرائيل حليفها الحميم الذي لا ينفصم عنها والذي يرافقها بالأعمال الإبادية والإجرامية؛ هناك ثلاثة بلدان امتنعت عن الصوت: جزر مارشال، ميكرونيسيا وبالاو. لم يمتنع عن المشاركة ولا بلد واحد من البلدان 192 التي تنتمي إلى الأمم المتحدة.

بعدما انتهى التصويت دعا ممثل البلجيك، باسم الاتحاد الأوروبي، الحليف بالولايات المتحدة، إلى مشاركة الوفود التي تريد أن تشرح صوتها.

بعدئذ ألقى كلمة ممثلو 16 بلد تلعب دورا بارزا ورائدا بالسياسة العالمية حتى يشرحوا لماذا صوتوا لصالح القرار، حسب الترتيب التالي: أروغواي، بوليبيا، أنغولا، ميامار، سورينام، روسيا البيضاء، ساينت كيتس ونيفيس، لاوس، تانزانيا، ليبيا، سورية، سودان، فياتنام، نيجيريا، سان فيسينتي، لاس غراناديناس، والجمهورية الشعبية الديمقراطية لكوريا.

اسمحوا لي أن أذكر لكم أن هناك بلدان عديدة امتنعت عن إلقاء كلمة استجابة لطلب وفدنا بالذات وهذا حتى لا تتأخر أكثر من اللازم عملية التصويت حتى لا يتم ذلك على حساب التوقيت الأفضل لإذاعة المناقشات وللجهد المرهق الذي يسفر عن مشاركة عدد أكبر من الخطباء. رغم ذلك خطب 37 ممثل لوفود بمصطلحات واضحة ودقيقة لصالح المشروع العادل الذي وافقت عليه للمرة التاسعة عشر الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقد جرت بهذه المرة أطول وأشد وأقوى المناقشات حول هذا الموضوع الدقيق والمهم.

في الساعة 4:17 مساءا استمعوا إلى رد كوبا من خلال وزير خارجية بلدنا.

وكان جوهر كلامه، ولو أن النص بكامله كان جوهريا، كما يلي:

"السيد الرئيس:

"أشكر جزيلا الخطباء الثلاثةعشر لكلماته وللوفود الحاضرة بهذه الجلسة المسائية غير المتوقعة.

"بالنسبة لما عبرت عنه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي:

"هذه المرة التاسعة عشر التي يكرر لنا فيها وفد الولايات المتحدة نفس الشيء.

"إن الحصار بمثابة عمل من أعمال الحرب الاقتصادية وعمل إبادة.

"هل يكمن الأمر في أن وزارة الخارجية لم تعمل وظيفتها ولم تدرس الموضوع؟

"إنني قرأت هنا العام الماضي مواد الاتفاقيات المعنية..."

"لقد قرأت اليوم هنا المذكرة المشهورة للسيد مالوري.

"إنها ليست حجج فكرية ترجع إلى الماضي. إن الحصار جبل جليدي تبقى من الحرب الباردة. لا يكمن الأمر في الخطابة وإنما في عمل اعتداء على كوبا.

"ليس غرض الولايات المتحدة تأييد ولا مساندة الشعب الكوبي. من المعلوم أن الحصار يؤدي إلى الحرمان والمعاناة. ولا يؤدي إلى حالات الوفاة لأن الثورة الكوبية تحول دون ذلك.كيف يمكن تفسير معاقبة الأطفال الكوبيين كما تم وصفه هنا؟ إذا كان هناك رغبة في مساعدة أو تأييد الشعب الكوبي، العمل الوحيد الذي ينبغي القيام به هو رفع الحصار فورا.

"لماذا يمنع على الأمريكان زيارة كوبا والحصول على المعلومات شخصيا ومباشرة؟. لماذا يضعون قيودا للحد مما تسمى بالاتصالات ما بين الشعبين ؟

"كانت تتغير الذرائع لإبقاء الحصار. أولا الانتماء المزعوم إلى المحور الصيني-السوفياتي، فيما بعد ما يسمى بتصدير الثورة إلى أمريكا اللاتينية، وبعد ذلك وجود القوات الكوبية بافريقيا للمساهمة لالحاق الهزيمة لنظام التفرقة العنصرية، من أجل الحفاظ على استقلال أنغولا وتحقيق استقلال ناميبيا.

"فيما بعد تذرعوا بالتلاعب بحقوق الإنسان. ولكن الحصار يمثل انتهاكا وحشيا لحقوق الإنسان الكوبي.

إننا مستعدون للمناقشة حول انتهاكات حقوق الإنسان . يمكننا أن نبدأ بمعتقل غوانتانامو، حيث يمارس التعذيب وليس هناك والإعلام القضائي بإحضار السجين أمام المحكمة للنظر في شرعية حبسه (habeas corpus). إنها مملكة اللجان العسكرية ، الخارجة عن دولة القانون. هل يستطيع الوفد الأمريكي أن يشرح ماذا حصل بمعتقلات أبي غريب، بغرام وناما؟

"هل تمت محاكمة المسؤولين، هل هناك أحكام عليهم؟ هل تمت محاكمة وسمحوا بالرحلات السرية لوكالة المخابرات المركزية بالمختطفين؟ هل يستطيع ممثل الاتحاد الأوروبي توضيح ذلك؟

"يمكننا أن نتحدث عن ويكيليكس. لماذا لا تحدثوننا عن الأعمال الوحشية والفظيعة التي تتضمنها 75 ألف وثيقة تتعلق بجرائم أفغانستان و400 ألف وثيقة حول العراق؟

"إن التغيرات التي تجري بكوبا إنها موضوع يخص الكوبيين. سوف نغير كلما يجب تغييره، لصالح الكوبيين، ولكننا لن نطلب رأي حكومة الولايات المتحدة. إننا اختارنا بحرية مصيرنا.لذلك صنعنا ثورة. إنها تغيرات سيدة. وليست بوادر .نعلم أنه بالنسبة إلى الولايات المتحدة الشيء الوحيد الكافي لهم إقامة حكومة موالية للأمريكان بكوبا. ولكن هذا لن يحصل."

"هل يريدون التعاون ما بين جامعاتنا؟ فليلغوا القيود التي تحد من التبادل الأكاديمي، الطلابي، العلمي والثقافي واسمحوا بعقد الاتفاقيات ما بين تلك المؤسسات.

"هل يريدون التعاون بمجال مكافحة المخدرات، ومكافحة الارهاب،والاتجار بالناس، لمواجهة الكوارث الطبيعية أو في مجال البريد. فلتردوا، على الأقل للمقترحات التي قدمناها منذ أكثر من سنة، دون اشتراط أي شروط."

"هناك موظف كبير للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أكد بالأمس للصحفي ترايسي أيتن، أنهم أوصلوا بالفترة الأخيرة 15،6 مليون دولار لـ (وأشير إليه حرفيا) أفراد بالميدان بكوبا . هكذا يطلقون على مرتزقتهم.

"ما زال يستمر البث غير الشرعي بالإذاعة وبالتلفزة.

"إن الكوبيين الخمسة الذين كانوا يكافحون الإرهاب ما زالوا معتقلين بالسجون بإجحاف. مؤخرا فرضوا على هيراردو هيرنانديز نورديلو، دون أي سبب، الحبس الانفرادي دونما تقدم له الرعاية الطبية.

"ارهابيون دوليون أعترفوا بجرائمهم مثل أورلاندو بوش وبوسادا كاريليس يتنزحون بحرية بميامي ويقومون هناك حتى بنشاط سياسي.

"إن الحصار ينعكس ما بعد حدودنا بشكل تعسفي وهو يؤثر على جميع الحاضرين هنا. إنه ليس حدث ثنائي.

"السيد الرئيس:

"عندي القليل لأضيفه لما قلت حول الاتحاد الاوروبي.

"لا نعترف له بأي سلطة أخلاقية ولا سياسية لتوجيه الانتقادات في مجال حقوق الإنسان.

"يستحسن أن يهتم بسياسته الوحشية تجاه المهاجرين وتجاه منفى الأقليات، والقمع الوحشي ضد المتظاهرين والإقصاء الاجتماعي للعاطلين عن العمل وللقطاعات التي تحصل على أدنى رواتب.

"إن لبرلمنت الأوروبي، بكامل الوقاحة وبشكل مذل، تتكرس بمكافئة العملاء الذين تمولهم حكومة الولايات المتحدة بكوبا.

"ولكن، يحلم الاتحاد الأوروبي إذا يؤمن بامكانية تطبيع العلاقات مع كوبا بينما ما زال الموقف المشترك للإتحاد الأوروبيي قائما.

"شكرا جزيلا"

كلنا كنا ننتظر رد الولايات المتحدة لكلمة برونو. أفضل شيء قام به في حياته السفير الأمريكي ووفده، -الذي لم يتصرف بتصرف استهتاري أو بازدراء، ولم يغادر القاعة-، أفضل شيء كان التصدي بثبات أمام تدفق العلل القاطعة الساحقة التي لا تدحض. رد كوبا عطلهم. إنني حسيت أنهم ينهارون تدريجيا إلى اختفائهم من المسرح.

على امتداد 50 سنة من الحصار لم ولا ولن تقدر القوة العظمى هزيمة الثورة الكوبية. لم أتفرغ لممارسة إعداد الأصوات لصالح أو ضد "القرار". لاحظت، بالمقابل، الحرارة والقناعة لدى المتحدثين ضد الإجراء المجحف والتعسفي. من الخطأ الإيمان بأنه من الممكن إبقاء ذلك الإجراء لأجل غير محدود. إنها كانت انتفاضة. قد استاءت الشعوب من الاعتداءات، النهب، الاضطهاد والخدع.

أبدا، لم تعبر الوفود سابقا بالمزيد من القوة المستطردة عن احتجاجها ضد السخرية المتمثلة في الاستهتار بالإدانة العادلة للمجتمع الدولي ضد عمل إبادة التي تتكررت سنة بعد سنة. إنها تعي الخطورة البالغة التي تكمن بالنهب المنتظم للموارد الطبيعية الذي يمارس ضد معظم شعوب المعمورة، نقص الأغذية وهذه ظاهرة متزايدة، تدمير البيئة،العدد المتزايد من حروب الإبادة ضد شعوب أخرى استنادا إلى قواعد عسكرية موجودة بأكثر من 75 بلد ويزداد كذلك الخطر بنشوب حرب انتحارية وهذا ما يهدد شعوب العالم قاطبة.

لا يمكن للأمم المتحدة أن تبق دون الشعوب التي كانت ولا تزال تطالب بإنهاء الحصار.

إن هذه المؤسسة، التي وولدت عندما الأكثرية الساحقة من البلدان لم تكن حتى مستقلة. ما هي فائدتها دوننا؟ما هي الحقوق التي نتمتع بها إذا لا يمكننا أن نطالب بإنهاء الحصار المفروض ضد بلد صغير؟ بشكل أو بآخر أخضعونا لمصالح الولايات المتحدة وحلف الناتو، المنظمة العسكرية الحربية التي تبذر أكثر من مليون مليون دولار سنويا بالحروب والأسلحة مما فيها الكفاياة والزيادة لضمان الاحتياجات الأساسية لكافة شعوب العالم.

بلدان عديدة بالعالم الثالث ترى نفسها مجبورة على البحث عن حلول بغض النظر عن ما يحدث لغيرها، كأنها تسير على حصيرة تتحرك باتجاه معاكس بسرعة أكبر.

هناك حاجة إلى منظمة للأمم المتحدة ديمقراطية في الحقيقة وليس اقطاعة إمبراطورية، حيث الأغلبية الساحقة للشعوب لا تؤخذ بالحسبان إطلاقا. إن الأمم المتحدة التي تأسست قبل نهاية الحرب العالمية الثانية أصبحت تنهك. لا يجب أن نسمح بأن يفرض علينا الدور التافه الذي نؤديه لما نأتي ونجتمع مرة أخرى بعد 12 شهر حتى يضحكوا علينا. لنجعل مطلبنا يؤخذ بعين الاعتبار. لننقذ حياة البشر قبل أن ت فوت الأوان .



فيدل كاسترو روز

تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2010

الساعة 5:53 مساءا