امير الغندور و الجدل مع الماركسيين


وليد مهدي
2011 / 7 / 25 - 14:35     

(1)

كتب السيد أمير الغندور ثلاث مقالات لحد الآن حول " تفكيك " الماركسية...
وقد أثار حنق العديد من الماركسيين الذين لم يولوا لمسألة " التجديد العلمي " العناية المطلوبة في مناقشة السيد أمير لكونهم يؤمنون بان القراءات القديمة للماركسية ذات منطلقات علمية صرفة ، وبالتالي ، فإن التصدي لتفكيكها يعني " الكفر " بالمنهج العلمي الماركسي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .... !
وعليه , الكثير من الآراء جاءت بان ليس هناك ما يستحق المناقشة ...

وبدوري اسأل :

هل في القراءات الماركسية في القرن العشرين قاطبة ما يستحق المناقشة أصلاً ضمن إطار علمي حداثي رصين ؟؟


(2)


مواضيع النقاش كانت هامة في مقالات السيد أمير الثلاث , لكن ، الإطار العقلي الذي تدور به مع بقية الماركسيين هنا هو العقل الأرسطي الجدلي الكلامي الذي ينتمي للقرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر ..

واعتقد بان الإشكالية العلمية التي وقعت فيها الماركسية بقراءاتها السابقة ووقع به أسلوب تفكيكك السيد أمير و أسلوب محاوريه هي إشكالية النموذج المعرفي الإرشادي " الباراديم Paradigm " ...

واستغرب حقاً كيف يمكن للماركسية أن تكون علمية ، باعتبار العلم ذو مناهج متطورة متجددة ، فلا تطور منهجها وفق المناهج العلمية المعاصرة ( وهي مسؤولية منظريها المعاصرين وليس الأسلاف ) ؟

( فالعلم مستقل عن أي نظرية ورؤية دينية أو ثقافية أو سياسية )

اقصد منهج اشتغالها وتحوله من المعرفة التخمينية " الفلسفية " حول التطور الاجتماعي والاقتصادي وعلاقته بالصراع الطبقي ، حيث كانت الرؤى ( الفلسفية العلمية ) تتخم الوعي الجمعي الإنساني في القرن التاسع عشر وما كان قبله من قرون ، إلى المنهج البحثي الأكاديمي المعتمد على الإحصائيات والتوسع في أفق اختبار الظاهرة ...

الفرق بين فلسفة الماركسية والعلم الماركسي ( غير الموجود أصلاً ) هو كالفرق بين بدايات علم النفس وعلم الأعصاب ..!

ما يعرف بالعلم الماركسي ، هو في حقيقته ، وفق مفهوم عصري حداثي للعلم .. فلسفة تدور حول نظرية علم تدعى الماركسية ..

فالاشتراكية في الاتحاد السوفييتي لم تجر أي توسعات دراسية تقيس تفاصيل بحث الظاهرة الاجتماعية..
لم تحصل على شيء يستحق النظر في اختبار الظاهرة سوى مؤلفات شكلية هي للأدب السياسي اقرب منها من أن تكون نتاجات علمية ..

لم تعطينا بيانات و أرقام عن ميول الناس الثقافية ونظرتهم للأشتراكية أو حتى بوادر وعلامات ودلائل التحول الاشتراكي وبروزه اجتماعياً ...

( وهذا يبرر انهيار وتفكك المعسكر الاشتراكي الذي اعتمد على الادلجة السياسية وليس البناء وفق آليات العلم الأحدث )

لم ترسم لنا طبيعة علاقة الإنسان بالآلة ، ولا بمستقبل وآفاق تطور الآلة ، الآلة ( وسيلة الإنتاج ) التي هي عمود النظرية الماركسية الفقري الأساس ..

أين علم اجتماع الآلة الماركسي ...؟؟

من هم رواده ؟

ما هي نتاجاته و أصداءه في ثقافة القرن العشرين ...؟؟

ما هي تأثيرات الآلة ( وسيلة الإنتاج ) على الثقافة البشرية ... ما هي الأنماط الثقافية التي أفرزتها الآلات ...
وما هي " الآلات " التي أفرزتها الثقافة المتطورة المتغيرة خلال القرن الماضي ....؟؟
ولماذا لا يتناولها الماركسيون في نقاشاتهم حتى تكون علامات دامغة على واقعية الماركسية ؟

أين الثيمات الثقافية ودورها في هذا الصراع .. أين منهج الانثروبولوجيا ودور الإنسان في التغيير ؟؟
لا يوجد أي دليل " علمي " يدل على إن أداة الإنتاج وحدها من تغير نمط حياة الإنسان وبالتالي الإنسان بكليته ..
أين الأنماط " الثقافية " المسبقة للحضارات ودور البيئة والجغرافيا فيها ؟

كيف يمكن لماركس أن يؤمن بتغيير التاريخ بعد فهمه بنفيه دور " الإنسان " ببعده الثقافي " الجمعي " والسيكولوجي الفردي في هذا التغيير ...؟

كيف يعيب على هيجل مثاليته والمبنى " الروحي " لحركة التاريخ لديه ، فيما يحاول الانطلاق من " مثالية " مرجعها إرادة جمعية ، تطورها " الآت " ...؟

باي شكل تتحقق هذه الإرادة الجمعية ، وكيف يمكن لها الاستمرار حتى لو تحققت بمثال الثورة البلشفية ؟
أين هي منتجات " العلوم " الماركسية في مقابل تطور العلوم المستقلة عن السياسة ..؟؟

أين هي نماذجها المنافسة التي تنطلق من منهج لبناء الإنسان له القدرة على مواجهة النمو الطبيعي التاريخي لتطور الثقافة والاقتصاد والنمط الحضاري العصري النموذجي الذي أوصلتنا له الرأسمالية اليوم ..؟؟

لعل فلاسفة التاريخ التأمليين من أمثال شبنغلر و توينبي يكملون رؤية ماركس في حركة التاريخ ، فتاريخ البشرية هو تاريخ " حضارات " وثقافات ، هذا ما تقوله " فلسفة علم التاريخ المعاصر " ، فأين الماركسية من هذا ؟

واقصد الماركسية بقراءاتها الحديثة ، ولماذا لم تفند رؤى توينبي و شبنغلر بلغة واقعية معرفية جديدة ما دامت تتعالى على نتاج العلوم والمعارف الاجتماعية المعاصرة ... ؟

ربما اعتقد الماركسيون بان فلاسفة التاريخ عامة يغردون خارج السرب بعد أن انتصرت الشيوعية في أماكن عديدة من العالم ...

لكن في المقابل ، خسارة الشيوعية لقواعدها الشبابية كانت بحاجة إلى أن تدفع الماركسيين لإعادة النظر في الموضوع ، بل وإعادة الصياغة بكون الأخوة الماركسيين الرفاق يغردون خارج التاريخ ... وعلى الماركسية أن تجدد نفسها بالعلم وحده وليس بالخطاب الفلسفي الجدلي العقيم القديم ..


(3)


كيف يمكن للنظرية أن تكون علمية وهي تمارس جدلاً فلسفياً له أول وليس له آخر في الوقت الذي تدعي فيه التصدي لبناء " حضارة أممية كونية شاملة " تحول الكوكب الارزق إلى شيوعي احمر ...؟؟؟
كيف يمكن للكلام والتنظير السياسي أن يكفي بمفرده بان يكون محورا لبناء حضارة إنسانية تاريخية جديدة ، ومنذ متى كان ذلك ؟

لو القينا نظرة على العالم المعاصر، هل هو عالم جدال فلسفي أو صراع بين القوى الاقتصادية والعسكرية والثقافية ؟

الماركسية كانت غطاءً لمنهج ، وهي بلغة العلم والمعرفة " المادية التاريخية الديالكتيكية " منذ أواخر القرن التاسع عشر ، لكنها في القرن الحادي والعشرين بحاجة إلى أدوات جدل علمي مقارب للواقع الملموس وغير ممتد بهذه اللغة الرطانة التي أكل عليها الدهر وشرب ..

عالم اليوم يعاني من تراجع " العقلانية " بصورة عامة بسبب تطور مستوى الطبقات " الدنيا " المعيشي واتساع الطبقة الوسطى ...
العقلانية كانت بمنطلقات مفاهيمية صنعتها البرجوازية طيلة قرون ، الماركسية انطلقت بمفاهيم مضادة وحاولت بناء منظومة مفاهيم " متعالية " فوق الهرم المعرفي بتصويرها حركة التاريخ والصراع الطبقي ...

اللغة السائدة اليوم في الثقافة الشعبية انكرت العقلانية وفي نفس الوقت ... انكرت مفاهيم الماركسية ..
بل استعادت ثيمات اعماقها الثقافية التاريخية القديمة ، لتتعزز الروح الوطنية والقومية والدينية ....

فاين الناس من الماركسية ، الماركسية التي تدعي بانها ثقافة الناس اجمع ؟

الثقافة الشعبية المعاصرة ، حتى في اوربا ، اقرب إلى تبني افكار الخرافات والعلوم الزائفة منها إلى لغة الجدال الفلسفية القديمة ، هذا الإنجراف سببه صدمة " العولمة " وعودة بروز الهوية الثقافية للشعوب و الامم ...

هل يتكرم الاخوة الرفاق لإعادة النموذج " الشبابي " للماركسية عبر دراسة هذه " الظاهرة " الثقافية الكونية ، انجراف الامم نحو ثقافة الاستهلاك بل حتى " المعرفة " تعاني من تحولها إلى نماذج هذا الاستهلاك ...

لا يكفي طبعاً ان تعتبر الولايات المتحدة هي السبب في تعمية نمط الاستهلاك عالمياً ، الماركسيون بحاجة إلى التبني الجاد لثقافة واقعية علمية قادرة على تجاوز هذا النموذج وطرح بديل يتقبله المجتمع غير الثورة ..!

هل هم قادرون بادواتهم المعرفية ولغتهم القديمة التي استوحيت اصلاً من الصراع مع البرجوازية في القرنين الماضيين على اعادة البريق لنجك الماركسية الآفل ...؟؟

اين الماركسية من لغة " العصر " ، لغة الثقافة الشعبية ، والتي وجدت متنفسها في الهوية القومية والدين ... لتتمكن من لضم الشباب في نسيجها اواخر التسعينيات ومطلع القرن الحالي ...؟

اين " العلم " الماركسي من ظاهرة الثورات العربية وولادة جيل جديد متميز بلا إيديولوجيا أو أفكار ..؟؟