تعديل السياسات وليس تعديل الوجوه: تلك مطالب الثورة


الاشتراكيون الثوريون
2011 / 7 / 19 - 01:00     

بعد طول انتظار ومقابلات تليفزيونية وأخرى خفية دارت في كواليس مجلس الوزراء والمجلس العسكري كان من المفترض أن يقسم الوزراء الجدد/القدامى اليمين أمام رئيس الوزراء مساء اليوم.. ثم تم تأجيل قسم اليمين إلى الثلاثاء، ثم في آخر الأنباء إلى أجل غير مسمى! إلى هذا الحد يعجز السيد عصام شرف، رئيس الوزراء حاليا، وعضو المجلس الأعلى للسياسات بالحزب الوطني المنحل سابقا عن تشكيل وزارة، فهو من ناحية مقيد بالحاجة إلى اختيار أسماء تلقى على الأقل درجة من القبول الشعبي أو حتى قبول النخبة، ومن ناحية أخرى ما من تكنوقراط على درجة ولو محدودة من الذكاء يقبل المشاركة في وزارة الأرجح أنها سوف تحل مرة أخرى في خلال أسابيع قليلة. فالوزارة التي يريدها الشعب وزارة تحقق القصاص لأهالي الشهداء والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والحرية.. أي وزارة لا تخضع للمجلس العسكري الذي بدأ يكشف عن أنيابه بعد أن خلع قناع "حماية الثورة" ولا تخضع لرجال الأعمال الذين ضاق صدرهم ونفذ صبرهم من تباطؤ اندفاع الأموال إلى حساباتهم البنكية خارج وداخل البلاد.


مئات من أهالي الشهداء نزلوا إلى التحرير يوم 8 يوليو وقد أقسموا ألا يعودوا إلا بعد أن يأتوا بالعدالة لأرواح أبنائهم التي أزهقت برصاص ضباط وقناصة الداخلة.. فما كان من التعديل الوزاري إلا أن تجاهلهم تماما وأبقى على العيسوي، تلميذ العادلي في وزارة الداخلية، الذي استجاب لمطالب الأهالي بترقية الضباط المعروفين بانتهاكاتهم لحقوق الإنسان وممارسة التعذيب والإسراع بالتصريح مرة تلو الأخرى، وفي مواجهة تصريحات رئيس الوزراء، بأنه لن يوقف الضباط المتهمين بقتل الثوار عن العمل.


آلاف العمال نزلوا إلى التحرير يوم 8 يوليو ومنهم أهالي الشهداء يطالبون العدالة لأبنائهم والحياة الكريمة لمن تبقى من أسرهم وبحد أدنى عادل للأجور ليأتس التعديل الوزاري بالدكتور حازم الببلاوي الذي جمع بين منصب رئيس الوزراء ووزير المالية، وهم ممن دعوا في 2005 لفترة خامسة لمبارك حتى يتعلم الشعب ممارسة الديمقراطية، ليصرح بأنه سيعطى أولوية خلال المرحلة المقبلة للانتهاء من الحد الأقصى للأجور، وأنه لن يعدل الحد الأدنى المقرر بالموازنة الجديدة، بعد أن ينسق بين الوزراء ويتعرف على الملفات الملحة أولاً. الموازنة والدعم والحد الأدنى للأجور هي ما يخص المالية من أهداف الثورة والببلاوي خانهم جميعا في مدة لا تزيد عن ٢٤ ساعة. ولا تعديل بالطبع في منصب وزير الدفاع، المشير طنطاوي الرئيس الفعلي للبلاد فهو حامل الأمانة لمبارك ونظامه.


وفي حين ما يستمر اعتصام ميدان التحرير والميادين الأخرى في محافظات مصر في تحد للهيب حرارة الصيف واعتداءات البلطجية المتكررة وتشهير الإعلام بالاعتصام ومظاهرات الفلول الكرتونية.. يستمر المجلس العسكري في إصدار التصريحات الواحد تلو الآخر، مرة لتأجيل الانتخابات ومرة لتحديد موعدها ومرة ثالثة لتشكيل اللجنة العليا لها.. وتستمر بعض القوى السياسية في تجاهل مطالب الاعتصام والمضي قدما في التحضير للمعارك "الديمقراطية" التي تنتظرها، فنجد تحالفات لم تكن لتحدث من قبل ما بين الأحزاب الرسمية وبين رموز الليبرالية وجماعة الإخوان المسلمين وبين الليبراليين وبعض القوى المفترض أنها يسارية.. كل يبحث ويصارع على نصيبه من كعكة السلطة وكل يتحدث باسم الشعب.. والشعب ينتظر القصاص ممن قتلوا أبناءه.. والشعب ينتظر العدالة الاجتماعية التي ثار من أجلها.. والشعب ينتظر الكرامة الإنسانية التي وعدته بها الثورة.


لكن واقع الأمر هو أن الشعب خارج كل تلك الحسابات.. الشعب الذي كان الفاعل الوحيد المؤثر والكلمة الوحيدة المسموعة هناك محاولات خطيرة لتهميشه ودفعه بعيدا عن مركز الحدث السياسي والاقتصادي والاجتماعي..
الوضع السياسي في مصر يدل على أن القليلين فقط هم من استوعبوا دروس الثورة والأغلبية عادت إلى ما تعودت عليه من إعلاء رأي وكلمة واختيارات النخبة على حساب رأي وكلمة واختيارات الجماهير.. النخبة تريد الاستقرار والجماهير تريد العدل.. النخبة تريد إدارة عجلة الإنتاج والجماهير يبدو أنها قررت ألا تديرها مرة أخرى سوى لمصلحة الغالبية العظمى من الكادحين.. من العمال والفلاحين وصغار المهنيين والموظفين.. النخبة تريد الانتهاء من توابع الثورة والجماهير تعتصم وتضرب وتعتصم وتهتف بأن الثورة بالكاد بدأت الآن.. وما لا تدركه النخبة ولا السيد عصام شرف ولا المجلس العسكري أن حجم الظلم الذي عاشه الشعب المصري وحجم الخيانة التي تحاول أن تسرق منه ثورته لم تترك للشعب شيئا يفقده.. بعد أن فقد الولد ولقمة العيش والثقة في أي تغيير يأتي من خلال التفاوض وتغيير الوجوه في السلطة واستبدال زي العسكر بزي الداخلية أو تحالفهما معا.


لقد أدرك شعبنا من خلال ثورته أن الوحيد القادر على التغيير هو هدير الهتاف في الشوارع وتعطيل مصالح النخبة لحين الاستجابة لمطالب الجماهير، ووحدة المحكومين في مواجهة السلطة.. ووحدة العمال في مواجهة رأس المال..

جبهة واحدة شعبية في مواجهة حكومة رأس المال
المجد للشهداء.. والنصر للثورة.. والسلطة للشعب

الاشتراكيون الثوريون
18 يوليو 2011