حول الصراع الطبقي، رد على الزميلة مكارم


عذري مازغ
2011 / 7 / 10 - 05:46     

يطرح مفهوم الصراع الطبقي إشكالية الفهم اكثر منه إشكالية فلسفية، فحين يثار أن الصراع هذا انتفى في المجتمع المشاعي كما أنه سينتفي نظريا في المجتمع الشيوعي فهذا يعني ببساطة بالغة، أن شكلا تاريخيا من الصراع سينتفي، ولا يعني هذا منا أن الصراع في مفهومه الشامل انتهى، فالأصل فيه هو صراع الوجود والبقاء الإنساني. ومضمونه هو إنتاج اسباب الحياة، في المجتمعات المشاعية كان الناس يناضلون لأجل إنتاج ما به يعيشون وليس إنتاج ما به البعض يغتني ويبني سطوته السياسية. مع ظهور وسائل الإنتاج البدائية، ومع ظهور الزراعة، بدأ الناس يعرفون الإستقرار وبدأت ملامح جديدة لتمشكلات طبقية اسست لمرحلة من الصراع هي شكل تاريخي من الصراع العام مع الطبيعة، فالصراع الطبقي هو في جانب كبير منه هو صراع الإنسان مع الطبيعة، وفي الجانب الآخر، الجانب التاريخي منه هو استثمار هذا الصراع من طرف طبقة سائدة معينة على حساب طبقات أخرى مستغلة، واطوارمراحل هذا الصراع التاريخي هي أطوار الإنتقال من نمط إنتاج تاريخي إلى آخر فالصراع دوما هو صراع مع الطبيعة ومضمونه كما قلنا هو إنتاج أسباب البقاء، لكن هذا الإنتاج الإنساني خضع في مراحل معينة من التاريخ لهيمنة طبقة معينة على حساب باقي الطبقات الإجتماعية الأخرى.أي أنه خضع استثمار الإنتاج الإنساني لاحتكار البعض وهم أقلية بينما منتجيه الحقيقيين اكتفوا بما يبقيهم على العيش. في المجتمع الشيوعي، هل ينتهي الصراع العام؟ حتما لا، لكن حتما سينتهي شكل منه هو شكل استثماره من الطبقات السائدة، يعني ينتهي شكله الطبقي، هذا بالتحديد ما نعنيه في الفهم الماركسي، أن الصراع الطبقي ينتفي في المجتمع الشيوعي، أي أن شكل استثمار الإنتاج الإنساني من طرف طبقة معينة سينتهي لتواجه البشرية صراعها العام مع الطبيعة.
كيف يمكننا إنهاء هذا الإستغلال ، هذا الإستثمار الطبقي لهذا الإنتاج الإنساني؟؟ ببساطة يتم ذلك بنزع وسائل الإنتاج من محتكريها، لكن هؤلاء هل سيتنازلون عن طيب خاطر؟ هنا تبدوا الإحتمالات هائلة، وهنا أيضا تتشعب الآراء والدراسات، فالصراع الطبقي القائم هو في سيرورته التاريخية يذهب منحى نزع هذه الوسائل ، وهنا ساناقش ما دار بيني وبين الزميلة مكارم في جدلنا الأخير.
لقد وضح الآن أن الصراع الطبقي هو فقط شكل تاريخي من استثمار الإنتاج الإنساني لأسباب العيش والتحكم في الطبيعة بشكل تلبي حاجات الناس، وقلت بان المجتمع المشاعي كان ينتج اسباب عيشه دون ان يستحوذ البعض عليه وكان الصراع الطبقي فيه منتفيا، بل هناك دراسات تشير إلى صراع بين الفئات المشاعية حول النفوذ حول مناطق معينة وهذا طبيعي جدا ستؤدي إلى هيمنة قبيلة على منطقة معينة محررة، وطبيعي أن ظروف العيش في المشاع ليست بالضرورة نفسها التي نعيشها الآن أو سنعيشها في المجتمع الشيوعي، فهناك تراكم تاريخي هائل في خلق أسباب السيطرة على الطبيعة، وهناك أيضا تراكم معرفي هائل ساهم بدون شك في رفع مستوى الوعي الإنساني بحيث تبدو المشاعية فيه مرحلة بدائية للتطور التاريخي الإنساني، فالإنسان فيها كان يعتمد الرعي والصيد، وكان في علاقة مباشرة مع الطبيعة، ياخذ مايحتاجه منها في غذائه اليومي، وحين تنعدم اسباب عيشه في منطقة معينة يهاجر إلى مناطق أخرى بحثا عنها إلى أن اكتشف الزراعة والنار وما إلى ذلك من الوسائل التي سمحت بالإستقرار والتي كما أشرت أرخت لبداية التملك الجماعي لمنطقة معينة، ليقفز إلى مرحلة جديدة من تطوره، وهذا موضوع آخر تطرقت إليه الكثير من الدراسات الأنتروبولوجية والأركيولوجية وما إلى ذلك.
الآن أقول، بغض النظر عن حاجة الراسمالية لهذه الإختراعات الهائلة لزيادة المردودية والربح الهائل، فإن المبدأ الأول في لجوء الناس لاختراع التكنولوجيا هي تسهيل عمل السيطرة على الطبيعة (أقول هذا بغض النظر عن حيثيات الربح والإنتاج عند الرأسماليين التي هي الحافز في صتعها) لكنها تبقى مجرد آلية لحظية، زمانية بتعبير مهدي عامل، وهي أيضا في الأساس خلقت للسيطرة على الطبيعة التي هي في نمط الإنتاج الرأسمالي استثمار طبيعي للربح السريع، وهي أيضا من الناحية الأخرى، تتيح المردودية وتزيح تدريجيا العمل العضلي وتقتل الثروة الطبيعية (تخربها، هناك دراسات تشير إلى أن آبار البترول في الشرق الأوسط سينقضي منتوجها في سنوات الفين وستين، ناهيك عن آبار المعادن الأخرى التي انتهى عمليا احتياطها وأخرى مقبلة على ذلك) وبالتالي تخلق جيوشا من المعطلين، مالذي سيفعله هؤلاء المعطلون؟ هل سينتظرون صدقات هؤلاء الذين يملكون هذه الوسائل الهائلة؟؟وهي صدقات بدت مرحليا في المجتمعات المتقدمة، صدقات ما يسمى التعويض عن البطالة، أو المساعدات الإجتماعية، وهي عند هذه الدول تستسخر علاقة السيطرة الإيمبريالية بما توفره من فائض الإنتاج العالمي لصالح مجتمعاتها، وهي إجراءات يمكن اعتبارها صمام امان أمام انفجار الأوضاع عندها، والطبقة العاملة عندها يمكن اعتبارها كما تبدو الآن في أوربا أو كما نبه ماركس نفسه حين قال بظهور طبقة السخرة، أو ما يسميه البعض بقطاع الخدمات، وهنا أغفر لرفيق عزيز حين يسميهم بالطبقة الوضيعة رغم اختلافي الشاسع معه حول هذه الطبقة، لأنها إفراز التقسيم الرأسمالي للعمل، وهو أيضا مرتبط بقانون التفاوت التطوري كما صاغه الشهيد مهدي عامل، فإذا ازاحت الدول الرأسمالية الصناعات الكبرى المخربة للبيئة والباحثة عن يد عاملة رخيصة وأقرتها في ما يسمى بالعالم الثالث، إذا أزاحت هذه الصناعات عن أرضها واكتفت بالتركيب الخاضع للبرمجة، فإنها تقوم بذلك لتجدر الوعي عندهم حول التلوث البيئي، فهي، يعني هذه الدول، لا تتجنبه حين يمس فضاء آخر غير محيطها، وحيث أصبح الآن فخرا أن يفاخر الناس في العالم الثالث بأن دولهم أصبحت تصنع كذا وكذا فهذا فقط مرض نرجسي يتوخى التفوق، فالصناعات في العالم الثالث ملك للمؤسسات المتعددة الجنسية والتي تعود فوائدها الكبرى لخدمة صمام الامان كما أشرت، فميثاق العولمة هو هذا الإستثمار الهائل للطاقة البشرية في العالم الثالث في خدمة العالم الرأسمالي، ولا أدل على هذا سوى هذا الميل العارم للدول الغربية في مراقبة الحراك الإجتماعي في دول الهامش، والتدخل أحيانا بالقوة في فرض الأمر الواقع.
ستلاحظ زميلتي مكارم أني لم أتطرق حتى الآن لديكتاتورية الطبقة العاملة، فالإشكالية المطروحة الآن هي هذه الطبقة المعطلة عن العمل، وليس الطبقة العاملة التي يتقلص جيشها تدريجيا بفعل هيمنة التكنولوجية الجديدة، التكنولوجية الرقمية والبرمجة الإلكترونية التي أزاحت جيشا كاملا من العمال وحولتهم إلى السخرة كما قال ماركس (بالمناسبة ماركس تناول جانبا من ظهورها في بريطانيا دون التعمق فيها، ولم يتطرق أصلا إلى التكنولوجية الرقمية لأنها لم تظهر في زمانه)، على الأقل في الدول الرأسمالية، تبدو من وجهة نظري الخاصة أن ديكتاتورية الطبقة العاملة كانت ملحة لاقتصار طريق الإستغلال والقفز إلى نمط إنتاج اشتراكي، وهي مبررة موضوعيا، على الأقل نظريا، وهي عمليا قفزت بالإتحاد السوفياتي مسافات كبيرة لو استثمرت جيدا بان يتولى بالفعل مجالس العمال تسييرها، بل أن كل ماوقع في الإتحاد السوفياتي هو سلطة ديكتاتورية النخبة باسم العمال، فالشخصيات الكاريزمية هي التي قادت الإتحاد السوفياتي وليس العمال. ديكتاتورية العمال هي فقط نزع ملكية وسائل الإنتاج وبلورة وعي اشتراكي على غرار وعي شراكة الرأسماليين، لكن بشكل مخالف ونقيض طبعا، فالشراكة الرأسمالية هي اكتساح مساحات اكبر للإستغلال بينما اشتراكية العمال هي اكتساح اكبر للتعاون في الصراع العام مع الطبيعة، ستلاحظين زميلتي مكارم أن الصراع دائما مع الطبيعة وليس فقط الشكل التاريخي لاستثمار الإنتاج الإنساني الذي هو في جانب منه الصراع مع الطبيعة، من طرف طبقة معينة والذي قلت سينتهي بانتهاء اسباب وجوده وهو الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، وهنا سأردك إلى قول مأثور ربما هو لعيسى المسيحي: الأرض لم تكن مملوكة لأحد والماء والهواء أيضا ولماذا الآن هي ملكيات موزعة على أفراد، ولرفاقي من أمريكا اللاتينية الحق في ترديد هذا القول وهو ما يؤسس لعلاقة حميمية بين اللاهوت والماركسية حيث هم نجحوا في الأمر بينما الإسلام عندنا اتخذ مرجعا آخر يقدس فيه الملكية الخاصة.
ستلاحظين العزيزة مكارم أن الصراع العام هو حول الوجود والبقاء والسيطرة على الطبيعة، إنما جر استثماره عبر أطوار تاريخية معروفة من طرف طبقات معينة على حساب طبقات اخرى وتعني الشيوعية ، الإنتاهاء من هذا الإستثمار الطبقي والدخول مع الطبيعة في الصراع العام، وهنا اسجل راي تعليق الرفيق خنجي فاللبرالية ليست نمط من الإنتاج لتعبر على مرحلة بل هي نسق فلسفي يعبر إيديولوجيا على نمط الغنتاج الرأسمالي واستدلالك أن رفاقا يقولون بانهم لبراليية رغم انهم ليسوا رأسماليون فهذا يعني فقط انه يعبر عن انه متحرر وفي الامر أيضا شجية للنقاش
سأعود للموضوع إذا سنحت الفرصة فهو موضوع شيق لم أعتمد فيه مراجع وربما في مناسبة أخرى ، أعترف أني لم اتناول ديكتاتورية الطبقة العاملة بالتفصيل الواجب، لكن، اتمنى ان أتناولها في مقال قادم
أشكرك جزيلا على هذه الإتاحة