مركبة الاستهلاكية, مركبة افلاس البشرية


سعيد زارا
2011 / 6 / 7 - 09:17     

تركب البشرية الان مركبة غير مركبة التاريخ ليس لان ركابها لا يصنعون التاريخ فحسب و لكن لان من يقود المركبة يتجه بها الى هاوية لا قاع لها. التاريخ مسار متقدم , و الصراعات التي دارت رحاها على مسرح التاريخ, قبل سبعينات القرن الماضي, كانت داخل دائرة الانتاج الحقيقي ففتحت افاقا متقدمة لبني البشر عن ما كانوا يعيشونه. اما تلك الصراعات التي تنشا خارج مسلسل الانتاج تسد افاق ارتقاء الجنس البشري و تقودنا لا محالة الى خارج التاريخ و هي صراعات نشات بعد سبعينات القرن الماضي ضمن منتظم دولي جديد كان مدخله الانهيارات الثلاث:المشروعين اللينيني و الوطني و النظام الراسمالي, صانعوه: ممثلي البرجوازية الوضيعة, عقله: منظرو اقتصاد المعرفة , دستوره: اعلان رامبوييه ومعاهدة جمايكا كنغستون, طبيعته: الاستهلاكية, قوته: الورقة الخضراء المكفولة بالمدفع و دعاماته: الديون المتراكمة و المتضخمة.

لقد انذرت وكالات التقييم المالي و اخص بالذكر: موديس و ستاندار بور, الولايات المتحدة الامريكية بانها مهددة بفقدان نقطتها الثلاثية: ا ا ا خلال شهر يونيو الجاري مما قد يتسبب في عجزها عن اداء ديونها مالم تصدر السلطات المعنية قرارا يقضي برفع سقف الديون الذي تجاوزته خلال شهر ابريل من السنة الجارية و قد تعدى 14200 مليار دولار, هذا ان سلمنا بمبدا استقلالية هذه الوكالات وهذا مشكوك فيه*. على اثر ذلك اعلن جون جوهنر رئيس غرفة النواب ان امريكا مطالبة باصدار المزيد من السندات من اجل تمويل الدين العمومي تفاديا لكارثة مالية و قد تاجلت المباحثات في هذا الصدد الى غاية الثاني من غشت المقبل.وقد اعد بوك مكيون (المنتخب الجمهوري) مشروعا لقانون المالية ان صادق عليه البانتاغون في اكتوبر 2011 فإن كتابة الدفاع و إدارة المعلومات مطالبين خلال 120 يوم أن يدليا للكونغرس بالعناصر اللا زمة لمعرفة ما إذا كانت الصين كدائن يمكنها ان تتبوأ مكانة عسكرية أفضل من ما هي عليه الأن.

إندلعت الازمة المالية العالمية بعد مرور 33 سنة عن إعلان رامبويه اي خلال سنة 2008 ,
فعزى أسبابها ,بعض اقتصاديي البرجوازية الوضيعة,إلى ندرة السيولة,متواطئين بذلك مع رأس المحتالين: البنك المركزي الفدرالي الذي يوافق على طبع الدولا رات الزائفة,فأي ندرة يتكلم عنها هؤلاء والكتلة النقدية بكل مكوناتها المتداولة في الدورة النقدية تفوق تلا تة اضعاف قيمة الإنتاج الحقيقي,أما البعض الأخر منهم فهم يردونها إلى وضعية العجز عن تسديد الديون لأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تحسن تدبيرالديون كألية ضرورية لتحقيق النمو وهم بذالك يحجبون حقيقة نظامهم الإستهلاكي الذي يقتضي الإستدانة لانه يعتمد على إنتاج الخدمات وهو الإنتاج الذي يستهلك دون ان ينتج ثروة, فكيف يجرؤ هؤلاء على عتبار الديون الية لتحقيق النمو علما أن أمريكا استهلكت ما معدله 3 دولارات في السنة مند 1977 الى يومنا هذا لتحقق نموا سنويا يقدر بدولار واحد,فأي نمو هذا الذي يتكلم عنه هؤلاء الماكرين.
أما "ماركسيونا" ,وهنا الطامة الكبرى, فهم يفسرون الأزمة الحالية بالطبيعة الإمبريالية لامريكا دون ان يتحسسوا غيابها في المؤسسات الراسمالية , ف"ماركسيونا" مازالوا لايفرقون بين العمل المنتج وهو اساس كل السلع و الثروات الإنسانية وهو العمل الذي تعتمده الرأسمالية بكثافة في نمط انتاجها الجمعي , والعمل غير المنتج وهو العنصر الماص للثروات دون ان ينتج قيمة تذكر وهو العمل الذي تعتمده الإستهلاكية في طريقة انتاجها الفردي. فهل يتعظ "ماركسيونا" ويسموا الاشياء بمسمياتها .

يقول المثل :" يجب الاستمرار حتى تتوقف الموسيقى", توقفت الموسيقى منذ بداية سبعينيات القرن الماضي لكن امريكا لازالت ترقص... التاريخ خرج عن مساره و زعماء بلاد العم سام لا زالوا يصرخون : "نعم نحن نستطيع..." . قرعت اجراس الخطر و اوباما لا يقدر خطورة الامر , سيستمر في رفع سقف الديون التي تجاوزت "الحدود المسموح بها" كما سبق و ان فعل كلينتون قبله خلال سنة 1995, فنظام الاستهلاكية يقوم على الديون كدعامة له و هي من يخلق النقود في نظامه النقدي منذ ان تم اقبار كل بنود معاهدة بروتن وودزالضامنة للعلاقات النقدية القائمة على قانون القيمة الراسمالية, لكن السؤال المطروح و الذي سبق و ان طرحه الرفيق النمري : الى متى سيقبل العالم بتضخم هذه الديون؟؟؟ فهي بمثابة قنبلة نووية مؤهلة للانفجار في اي لحظة من اللحظات المقبلة, و ان انفجرت فلا احد يمكن ان يتخيل عواقبها.

يمكن للصين ان تحصل على اصول في امريكا كمستحقات لها ان عجز البيت الأبيض عن تسديد ديونه الشيء الذي سيوقع بالولايات المتحدة الأمريكية الى الدرك الاسفل في التراتبية الدولية , و هذا ما لايمكن ان تقبل به دولة كامريكا خصوصا وأنها تمتلك قوة عسكرية قادرة على خوض الحرب في القارات الخمس وتخرج منها منتصرة. أما و ان تجرأ "الحزب الشيوعي " الصيني بطرح احتياطه من الدولارات الزائفة في الدورة النقدية العالمية , فالدولار سيعرف سقوطا مدويا الى فقدان الثقة به كعملة دولية مما سيؤدي الى كساد في الاقتصاد الكوني , مادام اقتصاد الورقة الخضراء يشغل زهاء 60 بالمائة من اقتصاد المعمورة , و بهذا يكون مصير العالم على "كف عفريت" خصوصا و أن القوى الحية للاشتراكية غائبة على المسرح الان.

الماركسيون مطالبون قبل غيرهم , بفضح البرجوازية الوضيعة المخادعة بين صفوف الطبقة العاملة, الطبقة الوحيدة القادرة على تخليص البشرية من الانهيار الوشيك ,لعلهم يجدون منفذا قبل فوات الاوان.


--------------------------------------------------------
* يمكن ان ندرج هنا مثالا لعدم استقلالية هذه الوكالات: كقضية "انرون" , فشركة انرون الامريكية تلاعبت في وثائقها المالية لكي تتمكن من الحصول على ديون ضخمة, مما ادى الى افلاسها خلال شهر دجنبر من سنة 2001.