الشعب يريد اسقاط النظام


عبد السلام أديب
2011 / 5 / 17 - 08:31     

1 – الثورة أصبحت تجسد في الوعي الجماعي المغاربي والعربي شعار "الشعب يريد اسقاط النظام" وهي درجة احساس ووعي عميقة من حسم الأفراد والجماعات مع ذواتهم بأن النظام القائم يغتصب حقوقهم الطبيعية في الابداع والانتاج والعيش الكريم أكثر مما يتيح لهم تطوير هذه الحقوق، وأن هذا الاغتصاب للحقوق الفردية والجماعية يتم عن طرق استعمال العنف والاكراه الايديولوجي والمادي للدولة وللطبقة المهيمنة على أجهزتها، وأن تراكم الحقوق المغتصبة من الأفراد والجماعات توظف لتأويج سعادة التحالف الطبقي الحاكم وتؤدي في المقابل الى تعميق فقر وهشاشة الغالبية العضمى من الجماهير الشعبية.


2 –اتجه الشعبان التونسي والمصري في ثورتيهما الأخيرة نحو نفس الاتجاه، أي الانقضاض على رأس النظام واسقاطه وليس على أطرافه أو أدواته كاسقاط الوزير الأول أو البرلمان أو الدستور كما تفعل شعوب أخرى. والحكمة هنا تتجلى في مواجهة جماعية مباشرة ضد رأس النظام القائم مما يحدث رهبة في صفوف الأطراف والخدام فتتذبذب صفوفهم وتهتز مواقفهم مما يزيد من اضعاف الرأس وارتكابه للعديد من الأخطاء القاتلة، فتصدر عنه أوامر القتل والاختطاف والابادة والقمع الوحشي. وكلما تعمقت هذه الأخطاء كلما تبدد الوهم لدى الجماهير الشعبية وتبخر الخوف وتزايدت ارادة اسقاط النظام عبراسقاط رأسه، هذا الأخير الذي يشعر بالخوف والرهبة لأول مرة في حياته فيبدأ في البحث عن انقاذ نفسه من السقوط في ايدي الجماهير الغاضبة كما سبق أن حدث في رومانيا لتشاوسيسكو. من هنا نفهم كيف سقط كل من الدكتاتور بنعلي والدكتاتور مبارك. اما مواجهة الأطراف وأدوات ورموز النظام فإن ذلك يتيح الوقت الكافي للنظام للاستعداد للمواجهة ومحاصرة الجماهير المطالبة بالحرية وبدستور جديد يؤسس لها، لأن الحرية لا تمنح بل تنتزع. فرأس النظام يراوغ بامكانية اعتماد اصلاحات وانهاء عهد الظلم والاحكام العرفية كما حدث في سوريا ومن تم تستعد قواته لسحق مختلف انواع المعارضة التي تهدده.


3 – بعد سقوط رأسي النظامين التونسي والمصري ظلت اللوبيات الحاكمة سابقا الى جانب الرئيسين المخلوعين في مواقع النفوذ أو ربما نصبوا انفسهم أوصياء على الشعبين، وبدأوا مباشرة في استعادة الأساليب البوليسية القديمة كتعذيب المعارضين واغتصاب البعض منهم وتركيع العمال لنفس الاستغلال السابق ومنع الاضرابات والاحتجاجات. لكن الحس والوعي الجماعي مقرونا بمجهودات الطليعة الثورية التونسية والمصرية أدى الى تحدي الثورة المضادة والوعي بأن النظام لم يسقط بعد وأن الثورة لم تكتمل، لأنها في نفس الوقت ثورة سياسية تسقط التحالف الطبقي الحاكم وثورة اجتماعية تتجسد عند انتقال السلطة من طبقة شبه برجوازية متسلطة الى طبقة عاملة ظلت ترزح تحت نير الاستغلال والظلم.


4 - الحكومات المغاربية والعربية الأخرى بدأت مباشرة عقب سقوط رأسي النظامين التونسي والمصري في البحث عن كيفية وقاية نفسها من عدوى الثورات القادمة. فلجأت الى توسيع دائرتها المخابراتية وتدريب فرق تدخلاتها السريع وتجهيزهم بأحدث الاسلحة وتدريبهم على حرب المدن والشوارع. فالاحتواء الأمني القمعي يشكل أول عامل ردع للجماهير الغاضبة. يبقى أن استعمال العنف المفرط يجب ان يجد له مبررا معقولا. لذلك بدأت الأنظمة المغاربية والعربية المشتعلة في البحث عن اتهام المعارضة وخصوصا الشباب الثائر بشتى الاتهامات خصوصا بالارهاب والتخريب والعمالة الأجنبية. بل تختلق الأحداث الارهابية اختلاقا من اجل التوفر على سلطات ديكتاتورية لسحق كل حركة احتجاجية منظورة وذلك ما سبق أن فعله بنعلي عبر ايفاد بلطجيته للسرقة وتخريب بعض الأبناك ثم ما فعله مبارك من تفجير للكنيسة القبطية لتحويل الأنظار نحو الصراع الاسلامي المسيحي وما فعله عبد الله صالح في اليمن، وما نشاهده اليوم في المغرب عقب تفجيرات مراكش التي تفيد الممارسة الدكتاتورية للنظام أكثر من افادتها لمرتكبي المجزرة المفترضين.


5 – ان القمع مهما بلغت درجة شراسته لا يمكنه أن يحول دون نجاح الثورة الجماهيرية العارمة اذا ما هاجمت هذه الثورة رأس النظام وليس اطرافه. لأن كل رصاصة تطلق على الصدور العارية للجماهير تشكل رصاصة مباشرة من رأس الهرم الى قلب الشعب فيشتعل الغليان الذي لا يستكين حتى يسقط النظام وهو ما بدأ يتحقق تدريجيا وبشكل ملموس في اليمن وسوريا. أم توجه الجماهير الى انتقاد الأطراف فقط والمطالبة بمطالب ثانوية شكلية كاسقاط الحكومة واسقاط البرلمان كما حدث في البداية في سوريا وحدث في الأردن واليمن فإن القمع والنيران التي يطلقها القناصة أو الممارسات التي يباشرها قوات القمع لا تستشعر لدى الجماهير انها قادمة من رأس الهرم وانما ممارسات روتينية من اجل محاربة الشغب كما حدث في المغرب خلال الاحتجاج ضد المعتقل السري الرهيب بتمارة والتي كيفها وزير الاتصال بمنع مسيرة بدون ترخيص.


6 – الكومبرادوريات الحاكمة في البلدان المغاربية والعربية في مأزق جدي هذه الأيام أمام شعوبها نظرا لعقود من الاستغلال والاحتقار والنهب عبر تأسيس نظام سياسي فاشستي يقدس عبادة الشخصية ويجعل كل انسان بمثابة قزم في عين الدولة تفعل به ما تشاء، تختطفه وتعذبه وقد تبيده من اجل نشر الارهاب النفسي والفزع الوهمي واستمرار خنوع الجميع لارادة الزعيم الأوحد.


7 – طموحات الشعوب المغاربية والعربية بسيطة للغاية، فهي، كما تشاهد ذلك على القنوات الفضائية، تتطلع للحرية وللعيش الكريم في ظل ديموقراطية تتيح لها الاقتصاص من ظالميها ومحاسبة ناهبي المال العام وملاحقة كل من يمس بالحقوق الطبيعية لأي مواطن. لكن الكومبرادور الحاكم ليس في نيته التنازل عن أي شبر من سلطته الاستبدادية وبدلا من منح الجماهير الحرية والديموقراطية فانه يمنحهم القمع والسلطات الدكتاتورية مدعيا انها متنورة