ولادةُ عالمٍ جديد : تعقيباً على قراءة الرفيق عذري مازغ (2)


وليد مهدي
2011 / 5 / 5 - 13:51     

-1-

الاقتصاد العالمي ، يتم تداول البيانات عنه اليوم كأرقام ومخططات حول قيمة المنتج وقيمة المستهلك ، التبادل التجاري ، الاحتياطي النقدي ، احتياطي الذهب .. إلخ ..
كل دولة تفعل ذلك على حدة رغم أن من سعوا إلى " توحيد " التجارة العالمية وتحويل العالم كله إلى " سوق " حرة انفسهم ينأون عن تفعيل بنية " رقابة " توضح خريطة كلية وشاملة عن الاقتصاد العالمي ..
لماذا يحاولون توحيد العالم عبر منظمة التجارة العالمية وروابط اقتصادية متنوعة دون تأسيس منظومة شاملة توضح الواقع الفعلي المتحقق من هذه الاتفاقيات والمنظمات ..؟؟
الحقيقة ، مثل هذه البيانات الموحدة في منظومة ستكشف " عورة " الاقتصاد الامريكي وحجم ديونه الخارجية .. وكذلك ستكشف " الغاز " امكانية الولايات المتحدة في السيطرة والتحكم الخفي وراء الكواليس ما يتيح لدول منافسة اخرى التنبؤ بغايات وسلوك الولايات المتحدة المستقبلي رغم ادعاء اميركا الشفافية وحثها باقي الدول لتكون " شفافة " في بيانات اقتصادها ..
الرفيق عذري في مقاليه حول دراستي عن الاقتصاد العالمي استشكل علي افتقار البحث " هيكل الاقتصاد العالمي حتى العام 2012 " (*) للبيانات التفصيلية والارقام التي تدعم البناء الموضوعي لهذا الهيكل الهندسي ، وهو محق ٌ في هذا المذهب ، واتذكر ان احد السادة الاقتصاديين المقيمين للبحث قبل نشره في مركز دراسات الوحدة العربية قبل عامين اثار نفس هذه الإشكالية ..
يقول رفيق عذري :
(( لكن الهيكل لا يقنعنا صراحة كقراء بتبيان هذه التفاوتات لغياب مفتاح بياني يؤشر على درجة هذه التفاوتات ومقارنة ناتج الإنتاج في الإقتصاد الحقيقي ، بها في الإقتصاد المصرفي بشكل عام أو الفقاعة المالية كما يسميها الإقتصاديون، مع أن الباحث أشار إلى بعض الأرقام ، لكنها من وجهة نظري غير كافية إن لم توضع في سلم بياني (مفتاح بياني) تشرح هذ العملية من تفاوت الحلقات، بل وضعها الكاتب على شكل مسلمة ، أو لنقل بالدقة يفترض معرفتها لدى العادي من الناس ، وهو كما اسرفنا يناقض منهج التبسيط الذي اتبعه الباحث.
لكن وليد وهذا ما ينقص من بحثه قدم خلاصة لبحث غير مدعم ببيانات كما قلت سابقا، هو بحث تصوري أفطن بعض المعادلات الرياضية دون تبريرها (Demonstration) لو فعل ذلك لوضح الامر، ولتفهمنا جيدا الكثير من التعابير الوولسينية (نسبة إلى كولن ولسون) ............. ))
انتهى كلام الرفيق عذري .
في الحقيقة ، أرى بأن توفير مثل هذه البيانات الموحدة عن هيكل الإيكونمترونك الكلي عن الإقتصاد العالمي وبصورة دقيقة قد يكون مستحيلاً في الوقت الراهن ، فاغلب هذه البيانات رغم حرص العديد من دول العالم توفيرها لكن الوقائع والازمات الاقتصادية تؤشر على غير ذلك ..
مع هذا ، ومن ناحية موضوعية يمكن بناء مثل هذا الهيكل اعتماداً على " طبيعة " السوق بصورة عامة المؤسسة على الربح إضافة لما هو متاح ومتوفر من بيانات يكشفها الإعلام ومراكز الدراسات العالمي في كل بلد ، الهيكل سيكون بكل الاحوال تقريبياً ولن يكون دقيقاً مئة بالمئة اول الامر ، لكن بمرور الوقت ، وبمتابعة تغيرات الاقتصاد وحوادثه سيكون بين ايدينا علمٌ رقمي عولمي جديد للاقتصاد بعد عدة سنوات ..
الربح هو الذي يؤدي إلى بروز قيمة مضافة على كل منتوج زراعي او صناعي ، الربح والسعي للربح من قبل الفرد البشري جزء من طبيعة " الاقتصاد " العالمي ، بمعنى إن الهيكلية المخروطية المتدرجة بين حلقات الاقتصاد التبادلي الاربع تكون بديهية بسبب " تضخم " القيمة الذي تفرضه طبيعة الاقتصاد نفسه ..!
ما يعني التنبؤ بسهولة بان " المنتوجات " ستحمل من القيمة ما يفوق كلفة انتاجها الفعلية قبل ان تصل للمستهلك .. ، وهو يعني ايضاً إن الحلقة التالية من التشفير تكون اعلى قيمة ( اكبر ارتفاعا في الرسم ) من سابقتها بشكل بديهي ، المشكلة فقط هي " كم " ستكون وفق قيمة رقمية ثابتة ..؟
وهكذا ، القواعد الإنتاجية في آسيا تحمل من القيمة اقل بكثير مما تحمله القواعد في اوربا والولايات المتحدة التي وبسبب " ارتفاع " كلفة الخدمات والعقارات فيها .. تضخم القيمة ، وكذلك بسبب طبيعة السوق هناك الذي يغرق في المضاربات ، فهي تضخم القيمة المضخمة اصلاً بفعل المضاربات لما يسمى " اقتصاد الفقاعة " السائد في الولايات المتحدة خصوصاً ..
وهذا بسبب السمعة الحضارية ( شهرة المحل ) كون ان هذه الدول تؤثر سيكولوجيا بكل العالم ، فهي تستقطب رؤوس الاموال من كل مكان في العالم ما يؤدي إلى هذا " التكدس " في الاموال الذي استفهم عن سر تمركزه في الغرب الرفيق عذري ..
فيكفي بانها " اوربا " أو " اميركا " كمسميات لها " قيمة اقتصادية " تاريخية ورصيد من سمعة المحل وفق مفاهيم الاقتصاد ، سمعة لها من العمق اربعة قرون ..!
ولاحظ الجميع كيف حدث تصدع في سمعة " عقارات " الولايات المتحدة بعد الازمة المالية ..!
المخطط التالي يوضح " اسطوانات " تكوين هيكل الاقتصاد العالمي ...




لمشاهدة صور الهيكل نرجو زيارة الرابط
http://www.doroob.com/?p=4908


الاسطوانة الاولى " الوردية " تمثل القواعد الانتاجية , تشترك فيها كل مزارع ومصانع العالم لكن جلها اليوم يقع في آسيا ..
التي في داخلها هي الاسطوانة الذهبية ، باعتبار الذهب والمعادن النفيسة اول عملات للتبادل الاقتصادي ، وبسبب ذهنية " الربح " الطبيعية التي تهيمن على الوعي الاقتصادي العام لبني الإنسان فإن هذه الاسطوانة تصبح " اعلى " قيمة من المنتجات ، وكذلك الحال بالأسطوانة التي تنشا للداخل منها في هذا المقطع الشجري وهي " الورقة النقدية " والتي بعدها هي " الاسهم " و " السندات " كقيم في الاقتصاد الرقمي ...
من الطبيعي ان ترتفع كل حلقة في قيمتها عن الحلقة التي تسبقها بسبب ذهنية الربح ، أما كم وكيف .. وإلى أي حد يكون هذا التفاوت بين القيمة الفعلية للقواعد الإنتاجية بكل تفاصيلها ، كالطبيعية ( كقيمة الخشب والمعدن وهو في الارض كمثال ) ، او الاستخراجية والتحويلية ( قيمة المنتوج بعد ان اصبح جاهزاً للبيع ) ، وبين القيمة التجارية التي توصله بأسعار مختلفة للمستهلك .. فهذا أمر ٌ ستسعى الإنسانية له في طريق تحقيق منظومة مراقبة دقيقة للاقتصاد الكوني في المستقبل القريب ..
فوفق هذا النموذج القابل للتطوير يمكن تحقيق هذا بإدخاله في برمجة حاسوبية تستمد بياناتها من كل مكان في العالم عبر متطوعين يديرون مراكز مراقبة قارية او اقليمية يزودون المنظومة ببيانات الاستهلاك والإنتاج والتضخم النقدي وغيرها من البيانات الاساسية على مدار الساعــة .. و عبر الإنترنــت ..
فالتاريخ بعد " الإنترنت " يمضي نحو الاشتراكية ..
وهكذا ، ألا يمكننا إذن ان نفترض ابتداء بان الشكل الاساس للهيكل هو شكل قمة نامية " مدببة " الراس بسبب ارتفاع قيمة حلقات النقود والبورصات بفعل ذهنية الربح ؟
ألا يمكننا في ضوء ذلك ان نتنبأ بان الازمة المالية العالمية التي شطبت وفق ارقام مراكز الابحاث الغربية 12 % من ثروة الاقتصاد العالمي إنما هي ازمة " تضخم " قيمة " مضاربات الاقتصاد الرقمي " بإفراط يتجاوز المعقول بالنسبة للقواعد الإنتاجية الفعلية للاقتصاد الفيزيائي الحقيقي ..؟؟
اطرح هذا السؤال على كل الاخوة وعلى الرفيق عذري ، فعدم توفر البيانات والارقام الدقيقة عن الاقتصاد الكوني لا يعني عدم امكانية رسم بنية هيكلية افتراضية اولية تعطينا ولو صورة مبسطة لحقيقة ما جرى ويجري وسوف يجري، سيما ونحن نشهد ارتفاعاً تاريخياً غير مسبوق في اسعار الذهب ..
ولو عدنا للشكل السابق ، والشكل التالي ، يمكننا ان " نتخيل " إن الحلقة الذهبية من الاقتصاد العالمي وهي في تزايد قيمة متسارع سيؤدي " تضخمها " إلى حد لا يمكن للقواعد الإنتاجية ان تسنده ، ما يهدد بــ " كارثة " اقتصادية كونية جديدة تفوق كارثة 2008 التي سببتها تضخمات قيمة عقارات اميركا بشكل غير طبيعي ادى انهيارها إلى فقدان عقارات اميركا لسمعة تاريخية عمرها يزيد على المئة سنة ..!
والسؤال هو :
هل ستنهار اسعار الذهب في يوم من الايام لتتسبب بكارثة كونية كبرى ؟
لا احد يستطيع التكهن اليوم ، فهناك وراء كواليس صناعة البترول والسلاح وتجارة الذهب من يمسك بالخيوط ويفهم جيداً قواعد لعبة : البترول – الدولار – الذهب ...



لمشاهدة صور الهيكل نرجو زيارة الرابط
http://www.doroob.com/?p=4908


الشكل اعلاه ، المخطط الثاني ، يوضح هيكل الاقتصاد العالمي الطبيعي المخروطي ، لاحظ حلقة الذهب الصفراء وهي تهدد بكارثة جديدة في الاقتصاد العالمي بسبب فقدان الثقة بالدولار بسبب توتر اقاليم دعم الدولار البترولية المهددة بالحروب على مدار الساعة ..........!
المخطط لا يمثل حالة كونية ثابتة ، يمكن ادراج البترول ايضاً بين الذهب وبين المنتجات الصناعية والزراعية ، المهم إننا نمتلك التصور الاساسي عن منظومة الضبط المطلوبة للاقتصاد العالمي ..

-2-

يقول الرفيق عذري :
(( إلا أنه يبقى السؤال مطروحا حول ما إذا كان بالفعل كافيا تصحيح مسار الإقتصاد بالإنتقال به من زمن الفوضى والتضارب إلى زمن التحكم المركزي..))
انتهى كلام الرفيق عذري ..
وهنا يضعنا امام تساؤل معقول ، هل تكفي المراقبة والتحكم ؟

وسبق وان اجبنا هذا التساؤل في مقالنا السابق ، المسار الطبيعي لنمو الثقافات العالمية والاقتصاد العالمي تكفل وحدها نجاح هذا النموذج لا على اساس بنيات اجتماعية سياسية جديدة خاصة بالنموذج ، وإنما تحالفات واتفاقيات دولية ستفرضها التغيرات الدراماتيكية الحافلة التي ستسببها رعونة التخبط والتحكم الامريكي باقتصاد عالم اليوم ، على اعتبار إن شكل الدولة الحالي رغم مرحليته فهو " كيان " طبيعي في البنية الاجتماعية والدليل على طبيعيته هو الامتداد الزمني الطويل لعمر مفهوم الدولة ..!

بالتالي ، وبالعودة لاستفهام الرفيق عذري ، منظومة التحكم حينما تولد ستكون طبيعية وستمتد في عمر زمني لآلاف السنين في هذا الكوكب وستصبح مفهوماً اقتصادياً بديهياً شانها شان الدولة القديمة نسبياً و الإنترنت الأكثر حداثة ..

هل يمكن ان نتصور عالماً بلا انترنت ( او البديل عنه ) رغم قصر عمره ؟

قد يصل الحال ببعضنا إنه لن يستطيع ان يتخيل العالم بلا " فيسبوك " ..!

وهكذا ، منظومة رقابة و " تحكم " عالمية بالإقتصاد قادمة لا محال ، ومن الطبيعي أنها ستكون نواةً لتأسيس نظام عالمي جديد فائق التنظيم والدقة تتحكم به برامجيات الحاسوب اكثر من ميولات واهواء السياسيين الصهيومسيحية للإنجلوسكسون او ميول الجشع الربحي للراسماليين اللادينيين أو احلام الإسلامويين الثيوقراطية بدولة العدل العالمية التي تنسحب كاصداء لدولة الخلافة العصماء ..

لا هذه ولا ذاك.. و لا تينك ولا تلك، الدنيا بعد الإنترنت تغيرت كثيراً وخلقت طبيعة التاريخ في رحم الكوكب بفعله جنيناً سيكبر.. لا اعتقد بانه سيولد كنظام عالمي جديد , وإنما ، سنشهد ولادة عالم ٍ جديد .. لا تحكمه دولة ٌ او ثلة من المغامرين الاثرياء كحاله اليوم .

فارقام تشير إلى كمية المطبوع من النقد في العالم وقيمته وكذلك المتداول والمخزون من الذهب في ارجاء المعمورة ، وايضاً القيمة الحقيقية للاسهم والسندات المتداولة في البورصات لحظة بلحظة ... هذه كلها ستسهم في بناء " منظومة " اقتصاد دولي تكون مع الإنترنت نواة لدولة إلكترونية كونية تتحكم بها " القيم " الرقمية ومسار تحولات السوق التي ستبتعد عن " التقلب " و " الفوضى " كحالها اليوم بفعل الهيمنة الامريكية واسلوبها " الغامض " و " الكتوم " في إدراة العالم ...!


الرقابة المركزية للعالم ( كنظام طبيعي ) ، ألا تفرض يا ترى تأسيس تشريعات وقوانين وكذلك هياكل جديدة من العلاقات الاجتماعية يا رفيق عذري ..؟

هل النظام الإجتماعي هو الذي يخلق التاريخ ام إن التطور التقني هو الذي يخلق التاريخ ونظامه الإجتماعي ( حسب الماركسية ) ؟


-3-


كثيرة ٌ إذن هي الاسباب التي تجعلني اعتقد بان الرقابة المركزية ستفرضها دول العالم بعد اتفاق على هذا الامر استجابة لحاجة وازمة عالمية كارثية قد تتسبب جراء كوارث اقتصادية مشابهة وربما ... حرب عالمية جديدة ..

واعود لأقول ، لا اعتقد بان الماركسية يمكنها ان تنزل على ادمغة الناس عبر ادبيات سياسية ، كأنها دين يتنزل من السماء كعقيدة خلاص كما يتصورها اغلب شيوعيي الرعيل الاول ..

الاشتراكية ستفرض نفسها كحتمية تولد بالتدريج في سياق منظومات " السوق الحرة " نفسها التي ستحتاج بعد ازمات حريتها الخانقة إلى رقابة وضبط يقود الاقتصاد العالمي رويداً رويداً إلى الحد الادنى من الاشتراكية ، لا على المنوال الصيني المختلط حيث هناك انتاج " دولة " وإنتاج مواطنين مستقلين ، وإنما هناك انتاج مواطنين ( القطاع الخاص ) يميل تدريجياً إلى الإندماج في تشكيل منظومات الإنتاج العملاقة ، على سبيل المثال شركة " مايكروسوفت " .. و " تويوتا " وشركات السلاح العالمية ...

مثل هذه الشركات لن تستطيع أن تفرض نفسها كقوى عالمية بدون قدرات عسكرية ، والقدرة العسكرية حتى لو تمت " خصخصتها " كما يسعى المحافظون الجدد في اميركا ( مثل " العبقري " رامسفيلد ) فلن تكون فاعلة وقوية مثل القدرات " الوطنية " التي تمتلكها دول ذات نظم سياسية ...

ربما يخالفنا الكثير الراي في هذه المسالة ، ونحترم وجهة نظرهم في ذلك ، لكن تجارب التاريخ تعلمنا بان الإرادة الشعبية هي الاقوى من كل الامكانيات المادية التي يمكن ان تمتلكها فئة محدودة من الناس ..

وعليه ، الرأسمالية وشركاتها الجبارة مهما تعاظمت ستبقى على هامش مسيرة التاريخ وإن تمكنت من التحكم بالقرارات السياسية لدول بعينها بسبب طبيعة النظام السياسي ، لكنه يبقى تحكماً مرحلياً قصير الاجل بسبب ما يمكن ان يصنعه قرار متفرد لفئة محدودة صغيرة من الناس في مصير الشعوب التي تعاود مهما طال قهرها لاستلام زمام المبادرة التي ستعقد في النهاية بيدها بشكلٍ مطلق بعد ان تتطور التكنولوجيا إلى مستوى يلغي هذه الشركات بل حتى " الدولة " في نهاية المطاف كما تتنبأ الماركسية وبدا جلياً شكله في عالم اليوم ، عالم ما بعد الإنترنت الماضي نحو " شفافية " البيانات والقيم حول الاقتصاد العالمي برمته الذي سيخلق منظومة اقتصاد مركزية ..

متى ستحصل القفزة التقنية " الجبارة " التي ستعزز من اهمية الدولة والمنظومات المركزية في التحكم ..؟

هذا ما سنناقشه في تطور تقنيات " الوعي " و " الذاكرة " وآفاق تطور الروبوت المستقبلية التي ستغير حياة الجنس البشري كثيراً في مواضيع اخرى في حوارنا المتمدن ..

-4-

يقول الرفيق عذري ايضاً :

(( وليد مهدي هنا يحطنا امام إشكالية إساسية في الإقتصاد ( يقصد الورقي ) تتناول أهمية تشفيرها، لكن الإقتصاد الورقي لا تكمن أهميته في النقود المالية فقط بل أيضا وهو ما أهمله البحث، هي تلك العملية من التشفير القانونية، وأقصد تلك العملية التشريعية للورق في أصول السندات وهي عمليا تؤسس لعملية من البناء الإجتماعي لظهور الملكية الخاصة بمفهومها البرجوازي، وهي عمليا تخالف النمط الكلي لسيرورة حالمة في الإقتصاد تتوخى البعد الجمعي لاتجاه التطور الإقتصادي، اتجاها يعكس نمطية كونية سائدة في الإقتصاد تتوافق ومرحلة النمط الإمبريالي في سيرورته العالمية أو الكونية ، هذا الإتجاه لم يسلم منه الشرق على ما تظهره التفاعلات الإقتصادية مدى القرن 19 والقرن العشرين، بل أستطيع القول أن بوادر التفكير الجمعي الكلي ظهرت في الغرب بشكل راقي عنه في الشرق على شكل التعاضدات الإجتماعية التي ظهرت مع فلسفة برنشتاين أب الإشتراكية الديموقراطية في ألمانيا وعبرها أوربا، تشكلت فيما يسمى بالدولة القومية وهي فلسفة تقوم على رم التناقضات الإجتماعية في الغرب على أساس استغلال الشرق بتوفير جانب من فائض الإنتاج العالمي في خدمة التعاضد الإجتماعي القومي في الغرب )) انتهى

هنا لا اختلف مع الرفيق عذري ، وربما هناك سوء فهم اولي وكانني ادفع باتجاه التخلص من العملة النقدية بسبب " السيرورة الجمعية الحالمة " ، أو انني ربما اعتبرتها حسب تصور الرفيق عذري صنيعة راسمالية يمكن الاستغناء عنها إذ يستمر ويقول :

(( الورق في شكل أصوله السندية والتشريعية شكل بنية التملك الحقيقي لوسائل الإنتاج مشفرا في وثائق عدلية وهي في استنادها للتشريع القانوني تمثل الإقتصاد الحقيقي .... ))

(( هذا التشريع القانوني يستند إلى قوة سياسية هي حق البعض على الكل، ..، وهو شكل قائم في بنية النمط الرأسمالي على فلسفة كلية خاصة هي هيمنة الكل القومي الرأسمالي في تمشكلاته المتفاوتة في التقدم، على غيره من الكل المتفاوت في التخلف استنادا إلى العلاقة الكولونيالية التي تحكم المجتمعات المتخلفة ))

وهنا ايضاً لا اختلف معه ، وسبق وبينت في مقدمة هذا الموضوع عن الرأسمالية مرحلة حتمية كما تقرأها الماركسية ، ونمط العلاقات الانتاجية الطبقية فيها هو نمط طبيعي ، والورق النقدي جزء من هذا " التشريع " الطبيعي للملكية ..

لكن ، مسار تطور ومستقبل هذا الورق والاقتصاد الرقمي برمته هو محل اختبار في مواكبة " التطورات " التقنية والثقافية التي ستفرزها العولمة وتداخل الثقافات .. في عالم ما بعد الإنترنت ..

ما هو مصيرها وكيف سيكون مستقبلها في ظل " منظومة تحكم " عالمية مركزية ؟

بالتأكيد ستكون هناك رقابة على المطبوعات الورقية وسوف يتم تنظيم طبعها وفق الهيكل الكلي بما يناسب نمواً معقولاً في الاقتصاد الرقمي والورقي والفيزيائي الإنتاجي الحقيقي .

وبصورة عامة , طروحات وملاحظات الرفيق عذري المتبقية حول الموضوع كلها موضوعية وتستحق ان نتوقف عندها ، مثل قضية دول الخليج وتدويل عملتها التي ستحتاج لقوة سياسية ..

وكذلك وضع الصين كدولة رأسمالية في عالم المستقبل ، والآليات و الميكانزمات التي توجب هذه التحولات في الاقتصاد العالمي ...

وهي نقاط اجبنا عنها ضمناً في سياق هذا المقال والذي سبقه وبينا بان القوة السياسية ضرورية واساسية في التكوين الطبيعي للتاريخ ..

الدولة برايي الشخصي وحدة طبيعية من مكونات التاريخ الذي يتعضى بفعل الدول لبناء حضارات تشكل بمجملها " التاريخ " حسب توينبي و شبنغلر و هنتغتون ..

لذا ، القوة السياسية جزء من التاريخ ، وفي حالة دول الخليج والعراق التي تتربع على مخزون هائل من البترول تسيطر عبره الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي عبر سياسة " البترودولار " ، فإن " الهيمنة " الامريكية على قرار هذه الدول لن تدوم طويلاً ... ومسؤوليتنا كماركسيين هي التعجيل بازالة هذه الهيمنة عن هذه المنطقة تحديداً ..

وبصورة عامة ، مصير هذه الدول سيبقى مرتبطاً بمصير اميركا حتى وقت قريب ..

وحوض الخليج والجزيرة ستؤول ملكيته اولا واخيراً للمنظومة " الإسلامية " ، الإسلام بما هو ثقافة وليس دين وتشريعات ، التي قد تتشكل في المنطقة التي تشهد حراكاً شعبياً ( بلا ايديولوجيا ) لولادة " امة جديدة " .. ولو بعد حين ..

في الختام ، اتوجه بخالص شكري الجزيل للرفيق عذري على إثارته لكل هذا النقاش وهذه النقاط الهامة ، مثمناً في الوقت نفسه جهده الكبير في هذه القراءة التي استفدتُ من ملاحظاتها كثيراً ويحدوني الامل بان نقاشنا لن يتوقف و سيثمر مستقبلاً مشروعاً مشتركاً يتبلور حول المفهوم الجديد الذي طرحته بعض الدول غداة الازمة المالية العالمية المتعلق بــ " الرقابة " على الاقتصاد الكوني ..



هامــــــش
*********************

• لمشاهدة الصورة والمخططات ، يرجى قراءة نفس المقال في الرابط :

http://www.doroob.com/?p=4908


• للمزيد من التفاصيل حول طبيعة التكوينات الهيكلية للاقتصاد العالمي التبادلي انظر للكاتب :

" هيكل الاقتصاد العالمي حتى العام 2012 "

http://www.doroob.com/wp-content/library/global_economy_walid_mahdi.pdf