حول الجبهات الوطنية ١


حسقيل قوجمان
2011 / 5 / 5 - 12:34     

ارسل لي قارئ عزيز من الحلة رسالة طويلة اقتبس منها العبارة التالية: "كيف جرى التمهيد لاعلان جبهة الاتحاد الوطني لعام 1957 ؟
"اين تكمن اهمية قيام جبهة الاتحاد الوطني ؟ وبماذا ينفع استذكارها ؟ وهل من صالح الاحزاب اليسارية الشيوعية التحالف في الوقت الراهن ؟ وماهي نصيحتك مع من من القوى نتحالف ؟ "
عزيزي القارئ من الحلة سؤالك سؤال مهم جدا في الظروف السياسية التي يمر بها العالم ويمر بها العراق لانه سؤال يحدد موضوع التحالفات الممكنة والتحالفات غير الممكنة في هذه الظروف كما كان الامر في جميع الظروف. لذا اهمل التحدث حاليا عن جبهة ١٩٥٧ لان بحثها يتناول ظروفا مر بها العراق قبل نصف قرن والعراق يعيش اليوم ظروفا تختلف كثيرا عن الظروف التي عاشها قبل نصف قرن ولو ان بحث هذه الجبهة هو بحث بالغ الاهمية وكتبت عنه كثيرا في كتابات سابقة وقد اتحدث عن هذه الجبهة في سياق المقال كمثال على البحث الذي احاول بحثه ادناه. احاول اولا ان ابحث موضوع الجبهة الوطنية من ناحية نظرية لكي نستطيع التوصل الى امكانيات الجبهة حاليا والاتفاقات الممكنة ومع اية منظمات اوفئات يمكن عقد الاتفاقات ومع من لا يجوز عقد التحالف والجبهات.
السؤال لا يخص اية جبهة او اي تحالف بصورة عامة وانما هو مخصص للجبهات السياسية التي تهدف الى اعلان ثورة وتغيير النظام القائم الى نظام جديد. لهذا فان البحث النظري التالي هو بخصوص مثل هذه الجبهات ولا يعود الى اتفاقات سياسية او اجتماعية مؤقتة او ضيقة واسميها جبهة وطنية تمييزا لها عن الجبهات او التحالفات او الاتفاقات الاخرى.
الجبهة الوطنية هي حركة ولذلك فان لها بداية وتاريخ ولها نهاية. ففي الثورات البرجوازية الاوروبية منذ الثورة الفرنسية الكبرى الى الثورات البرجوازية التي جرت في منتصف القرن التاسع عشر في اوروبا لم يكن هناك ذكر لظاهرة او حركة الجبهة الوطنية. وعلى سبيل المثال لم يظهر اي ذكر للجبهة الوطنية او لضرورة قيامها في كتابات كارل ماركس عن ثورة ١٨٤٨ البرجوازية الالمانية. فموضوع الجبهة الوطنية هو موضوع يخص الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية في الثورة البرجوازية ولكن الطبقة العاملة لم تكن متبلورة وواعية ومنظمة تشكل جانبا مستقلا في تلك الثورة. الا ان الطبقة العاملة في روسيا مثلا نمت وتقدمت بحيث اصبح لها كيانها ووعيها وتنظيمها المستقل فنشأ بصورة طبيعية بحث مصلحة الطبقة العاملة في الثورة البرجوازية كطبقة مستقلة وليس كقوة ملحقة بالطبقة البرجوازية ومساندة لها كما كانت في الثورة الالمانية.
كان لينين والحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي الحزب الذي كان من واجباته بحث موضوع هذا الاستقلال. ومنذ البرنامج الاول للحزب كان يعتبر الثورة الروسية المقبلة ثورة برجوازية وبين الحزب مصلحة الطبقة العاملة في هذه الثورة البرجوازية. وعند انقسام الحزب الى بولشفيك ومنشفيك كان احد الخلافات الاساسية دور الطبقة العاملة في هذه الثورة البرجوازية. وعقد انذاك مؤتمر للبولشفيك وكونفرنس للمنشفيك كان هذا الموضوع بارزا في قرارات كل من المؤتمرين. كتب لينين في حينه كراسه "تكتيكان" حول هذا الموضوع قارن فيه بين قرارات المؤتمر البولشفي وقرارات الكونفرنس المنشفي.
ما هو دور الطبقة العاملة في هذه الثورة البرجوازية؟ كان هذا السؤال هو السؤال الرئيسي في كراس لينين. ملخص الخلاف بين المؤتمرين هو من يجب ان يقود هذه الثورة البرجوازية. لم ينكر المنشفيك اهمية الثورة البرجوازية بالنسبة للطبقة العاملة ولكن رأيهم كان ان الثورة هي برجوازية لذا يجب ان تترك قيادتها للبرجوازية. وفي كراس "تكتيكان" اوضح لينين خطأ هذا الموقف. في هذا الكراس بحث لينين لاول مرة موضوع تغير مفهوم قيادة الثورة البرجوازية بالنسبة للطبقة العاملة.
في "تكتيكان" اوضح لينين ان الطبقة البرجوازية لم تعد ترغب او لم تعد قادرة على تنفيذ ثورتها البرجوازية حتى تحقيق جميع اهدافها. واوضح ان مصلحة الطبقة العاملة هي تحقيق الثورة البرجوازية تحقيقا كاملا لان ذلك يساعدها على الانتقال الى مرحلة الثورة الاشتراكية هدفها الاساسي. اوضح لينين في هذا الكراس ان تطور الطبقة العاملة ووعيها وتنظيمها ادى الى وجود امكانية جديدة لم تكن قائمة في الثورات البرجوازية القديمة. اصبحت هناك قيادتان ممكنتان للثورة البرجوازية، الطبقة الراسمالية والطبقة العاملة. ومنذ تكتيكان نشأ موضوع قيادة الثورة البرجوازية ونشوء امكانية قيادتها من قبل الطبقة العاملة في جميع الثورات البرجوازية في البلدان التي لم تتم فيها الثورة البرجوازية بعد.
الطبقة العاملة والطبقة الراسمالية وحدة نقيضين. فالطبقة العاملة نشأت مع نشوء الراسمالية ونتيجة لها. فلا وجود للطبقة الراسمالية بدون الطبقة العاملة ولا وجود للطبقة العاملة بدون الطبقة الراسمالية. ولانهما وحدة نقيضين فان مصالحهما متناقضة. فزيادة ارباح الطبقة الراسمالية مثلا تحتم زيادة فقر وبؤس الطبقة العاملة وحصول الطبقة العاملة على بعض الرفاه يتطلب الحد من ارباح الطبقة الراسمالية. هذا التناقض نشأ من اول يوم نشوء هاتين الطبقتين المتناقضتين المتحدتين. الصراع الطبقي بين هاتين الطبقتين صراع دائم لا يمكن تحاشيه لحظة واحدة طوال وجود الطبقتين جنبا الى جنب.
تؤدي حتمية انتقال النظام الاقطاعي باشكاله القديمة او اشكاله الجديدة المرتبطة بالراسمالية العالمية والاستعمار والسوق العالمية الى نظام راسمالي يتفق مع تطور المجتمع ونشوء الضرورة الى تغيير علاقات الانتاج الاقطاعية او الاستعمارية او شبه الاقطاعية شبه الاستعمارية الى علاقات انتاج راسمالية تسمح بتطور المجتمع الراسمالي الناشئ ضمن علاقات الانتاج الاقطاعية. المجتمع في الانظمة الاقطاعية يصبح مجتمعا راسماليا مع بقاء علاقات الانتاج الاقطاعية سائدة مما يؤدي الى اعاقة تطور هذا المجتمع بدون تغيير علاقات الانتاج الاقطاعية الى علاقات انتاج راسمالية. تصبح الثورة البرجوازية ضرورية من اجل تحقيق هذا التغير.
رغم التناقض التام بين مصالح الطبقة العاملة ومصالح الطبقة الراسمالية تنشأ في هذه الحالة مصلحة مشتركة، مصلحة تغيير علاقات الانتاج الاقطاعية الى علاقات انتاج راسمالية. وهذا يعني مصلحة الطبقتين المتناقضتين المشتركة في قيام الثورة البرجوازية. تختلف طبيعة مصلحة الطبقة الراسمالية في هذه الثورة عن مصلحة الطبقة العاملة فيها. مصلحة الطبقة الراسمالية هي ان تقضي على سلطة الطبقة الاقطاعية وان تحل سلطتها الراسمالية بدلا منها. ومصلحة الطبقة العاملة هي التقدم خطوة نحو تحقيق هدفها الاساسي، هدف القضاء على الطبقة الراسمالية واقامة سلطتها العمالية بدلا منها. ومع ذلك ففي الثورة البرجوازية مصلحة مشتركة بين الطبقتين المتناقضتين. كل طبقة تريد تحقيقها من اجل تحقيق مصلحتها فيها. ومع ذلك تبقى المصلحة مصلحة مشتركة لكلتا الطبقتين. هذا هو اساس نشوء ظاهرة او مبدأ الجبهة الوطنية او جبهة الاتحاد الوطني او اي اسم اخر يطلق عليها. وجود المصلحة المشتركة في الثورة البرجوازية يؤدي الى امكانية وجود الاتفاق المشترك على قيام الثورة البرجوازية، الاتفاق الذي نسميه جبهة وطنية او جبهة اتحاد وطني. فجبهة الاتحاد الوطني او الجبهة الوطنية هي اتحاد طبقتين متناقضتين مختلفتي المصالح الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية مع بعضهما من اجل تحقيق هدف مشترك واحد هو الثورة البرجوازية.
ان عقد الجبهة الوطنية بين الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية لا يعني اختفاء او توقف التناقضات بين الطبقتين. فالصراع الطبقي في جميع المجالات يبقى قائما رغم وجود الاتفاق على هدف مشترك تهدف الجبهة الى تحقيقه. تشكيل الجبهة لا يعني ان الطبقة العاملة يجب ان تتوقف عن نضالها من اجل تحسين ظروفها والحصول على حقوق تؤدي الى تخفيف الاستغلال الهائل الذي تمارسه الطبقة الراسماليه عليها. الصراع الطبقي يبقى قائما طيلة وجود الجبهة الوطنية. الطبقة العاملة لا تستطيع التوقف عن صراعها مع الطبقة الراسمالية حول تخفيف استغلالها ولو دقيقة واحدة والطبقة الراسمالية لا تستطيع التوقف عن زيادة استغلالها للطبقة العاملة ولو دقيقة واحدة.
الجبهة الوطنية ذاتها هي وحدة صراع واتحاد. رغم وجود الجبهة الموحدة تحت هدف تحقيق الثورة البرجوازية يشتد التناقض داخل الجبهة حول دور كل من الطبقتين في هذه الثورة، حول موضوع القيادة في هذه الجبهة. الطبقة الراسمالية تريد ان تكون الطبقة العاملة سندا لها في ثورتها البرجوازية ولكنها تحاول خفض مكاسب الطبقة العاملة من الثورة الى ادنى حد. والطبقة العاملة تريد تحقيق دورها المستقل في قيادة الثورة البرجوازية رغم وجود اتفاقية الجبهة. هذا صراع دائم داخل الجبهة ونتائج الثورة تعتمد على وضع هذا الصراع والتناقض داخل الجبهة. الطبقة العاملة تحاول ابعاد البرجوازية عن قيادة الثورة وتحقيق الثورة بقيادتها كليا. والطبقة الراسمالية تحاول ابعاد الطبقة العاملة عن قيادة الثورة وتحقيق الثورة بقيادتها المطلقة.
يتضح مما تقدم ان الجبهة في الواقع هي اتفاق طبقي، اتفاق بين الطبقة العاملة والجماهير السائرة تحت قيادتها كالفلاحين والمراتب الدنيا من المراتب المتوسطة البتي برجوازية، وبين الطبقة الراسمالية وجزء اعلى من المراتب المتوسطة، البتي برجوازية. ولكن الاتفاق يبدو في ظاهره كاتفاق بين حزب يمثل الطبقة العاملة وحزب او احزاب تمثل الطبقة الراسمالية والمراتب المتوسطة.
تعتمد نتائج الثورة البرجوازية على التوازن بين القيادتين فقد تنجح الطبقة الراسمالية في الحصول على كل منجزات الثورة البرجوازية وتحرم الطبقة العاملة من فوائدها وقد تنجح الطبقة العاملة في اكتساب اغلب نتائج الثورة بحيث تقيم دولتها المستقلة التي اطلق عليها لينين "دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية". يظهر من كل ما تقدم ان موضوع الجبهة كان نتاجا لتطور الطبقة العاملة وامتلاكها القدرة على قيادة الثورة البرجوازية وهذه بداية حركة الجبهة.
كما ان للجبهة الوطنية بداية توجد لها نهاية ايضا. ان نهاية ظاهرة الجبهة بين الطبقة العاملة والطبقة الراسمالية هي الثورة البرجوازية. ففي الثورة تنتهي الجبهة بتحقيق هدفها المشترك، الثورة. وتنتهي معها ظاهرة اتفاق المصلحة المشتركة بين الطبقة العاملة والطبقة الراسمالية التي كانت تحقيق الثورة الرجوازية. بعد الثورة سواء اتحققت بقيادة الطبقة الراسمالية ام بقيادة الطبقة العاملة تنتهي اية مصلحة مشتركة بين هاتين الطبقتين المتناقضتين تصلح لان تكون اساسا لعقد جبهة من اجل تحقيق هدف استراتيجي. اذا نجحت الطبقة الراسمالية في قيادة الثورة واصبحت الدولة دولة راسمالية تحكمها الطبقة الراسمالية فانها تقطع علاقتها بالطبقة العاملة على صورة الجبهة، وتنتهي الجبهة عند وصول الطبقة الراسمالية الى السلطة. واذا نجحت الطبقة العاملة في قيادة الثورة البرجوازية واصبحت الدولة دولة دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية فانها تنهي الجبهة هي الاخرى وتصبح العلاقات بين الطبقة العاملة الحاكمة والطبقة البرجوازية علاقة اخرى غير الجبهة. فتسمح الطبقة العاملة للبرجوازية بالبقاء والعمل مؤقتا حتى تستطيع ازاحتها تدريجيا وتحقيق المرحلة الثانية من الثورة، المرحلة الاشتراكية، بالقضاء على الطبقة الراسمالية كطبقة.
نشأت امكانية الجبهة بين طبقتين متناقضتين حين اصبحت الطبقة العاملة طبقة واعية منظمة تعرف اهدافها. نشأت امكانية الجبهة لان كلا من الطبقتين المتناقضتين وجدتا مصلحة في الاتفاق والتعاون على تحقيق الثورة البرجوازية مع الطبقة الاخرى. وانتهت امكانية الجبهة حين زالت هذه المصلحة المشتركة من الوجود عند تحقيق الثورة البرجوازية. ولكن الطبقة العاملة على الاغلب لم تدرك هذا التغير، انتهاء امكانية الجبهة، سواء في البلدان التي قامت بها الثورات البرجوازية بقيادة البرجوازية ام في البلدان التي تحققت فيها الثورات البرجوازية بقيادة الطبقة العاملة.
اعظم مثال على ثورة برجوازية تحققت بقيادة الطبقة العاملة هي الصين. وكان على دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية، الديمقراطية الشعبية في الصين، ان تنهج سياسة السماح للطبقة الراسمالية بمواصلة العمل والتضييق عليها تدريجيا الى درجة نضوج دكتاتورية العمال والفلاحين الثورية وتحقيق التحول الاشتراكي والقضاء على الراسمالية كطبقة. وهذا ما لم تحققه الصين الشعبية وانما سارت على العكس من ذلك بحيث ان الطبقة الراسمالية اصبحت هي المسيطرة على الحكم فيها وهو ما نراه اليوم باوضح اشكاله في الصين رغم وجود الحزب الشيوعي في الحكم.
والمثال على الظاهرة الثانية الذي اتناوله هو المثل العراقي الذي يهم القارئ الذي وجه الي هذه الاسئلة. الجبهة الوطنية في مرحلة الثورة البرجوازية في البلدان التي لم تتحقق فيها الثورة البرجوازية بعد هي جبهة بين طبقتين، جبهة بين الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية. وكان الخطأ الاول في هذا المجال اعتبار الجبهة تحالفا حزبيا وليس تحالفا طبقيا. اعتبر ان الجبهة هي قبول الحزب الشيوعي عضوا في الجبهة. وهذا خطأ قاتل للجبهة الحقيقية، الجبهة الطبقية. واذا تتبعنا تاريخ الجبهة التي تحققت في ١٩٥٧ في العراق نجد ان المفاوضات حول قبول الحزب الشيوعي في الجبهة جرت بين ممثل الحزب الشيوعي وكامل الجادرجي القائد المحنك للطبقة البرجوازية العراقية. فكانت اهم شروط كامل الجادرجي لقبول الحزب في الجبهة ان يتخلى الحزب عن المراحل وعن القيادة. بهذه الشروط كان هدف الجادرجي فصل الحزب الشيوعي عن الطبقة التي يمثلها، الطبقة العاملة. لان الطبقة العاملة تعتبر الثورة البرجوازية مجرد مرحلة تنقلها الى تحقيق هدفها الحقيقي، مرحلة الثورة الاشتراكية. وترك الحديث عن المراحل معناه التخلي عن مصلحة الطبقة العاملة في هذه الثورة بالتخلي عن الحديث عن المرحلة الاشتراكية. واساس امكانية الجبهة بين الطبقتين المتناقضتين هو كون الطبقة العاملة اصبحت قادرة ومن مصلحتها قيادة الثورة البرجوازية وتخلي الحزب عن القيادة معناه تخلي الحزب عن مصلحة واهداف الطبقة العاملة التي يمثلها. وقد كان للجادرجي ما اراد حين تخلى الحزب في الكونفرنس الثاني عن الحديث عن المراحل وعن القيادة. اذذاك وافقت الاحزاب البرجوازية التقدمية منها والرجعية على قبول الحزب الشيوعي عضوا في الجبهة فتألفت جبهة ١٩٥٧. وكانت السياسة اثناء انعقاد الجبهة "كل الجهود يجب ان تجري من اجل توسيع الجبهة" وكان من نتائج هذه الجبهة جعل الطبقة العاملة ذيلا للبرجوازية في ثورتها البرجوازية. ان قوة وتاثير الطبقة العاملة في الجبهة هو كونها منتمية الى الجبهة كطبقة، ولكن علاقة الحزب الشيوعي في الجبهة كانت واهية نظرا الى انه دخل الجبهة كحزب وليس كممثل الطبقة المنتمية الى الجبهة. وكان البرهان على ذلك صباح ثورة تموز حين شكلت جميع احزاب الجبهة الحكومة ونبذت الحزب الشيوعي كانه لم يكن عضوا في الجبهة بدون ان يستطيع الحزب تحريك الطبقة العاملة في سبيل الحصول على مكتسباتها من الثورة بل اصبحت النضالات الشعبية بعد الثورة مجرد تأييد الثورة ورفع اسم قائدها الى السماء.
اضف الى ذلك فان الحزب الشيوعي لم يشعر بعد الثورة بنهاية ظاهرة وامكانية الجبهة حين اصبحت الطبقة البرجوازية طبقة حاكمة وبقي يتغنى يالجبهة وبايامها الخوالي وضرورة العودة اليها ويلوم الاحزاب البرجوازية على تخليها عن الجبهة. هذا حرم الطبقة العاملة من سلوك السياسة الصحيحة تجاه الحكومة البرجوازية التي تحققت بعد الثورة. ومع الاسف ما زالت هذه النظرة الخاطئة سائدة حتى اليوم. وهذه النظرة الخاطئة ادت الى نتائج خطيرة في تاريخ الحركة الثورية العراقية.
انتهاء امكانية الجبهة تعني ان الطبقة العاملة لم تعد لها مصلحة في الاتفاق مع الطبقة الراسمالية بل اصبحت الطبقة الراسمالية هي الطبقة التي ينبغي الاطاحة بها عند الثورة الاشتراكية. ولكن الحزب الشيوعي انغمس في سياسة الجبهة سواء في فترة عبد الكريم قاسم ام في فترة البعث ام في فترة معارضة البعث ورفع شعار الجبهة العريضة وبقي منغمسا فيها حتى يومنا هذا.