الاحتجاجات الشعبية العربية واختلال التوازنات الإقليمية


لطفي حاتم
2011 / 4 / 30 - 15:13     



فجرت الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاح والديمقراطية الكثير من الإشكالات الاقتصادية والسياسية والثقافية التي تعيشها الدول العربية ورغم تباين تلك الإشكالات في هذا البلد أو ذاك إلا ان الثابت يتلخص في أن الإصلاح والديمقراطية فضلا عن العدالة الاجتماعية شكلت المطالب الأساسية لتلك الاحتجاجات , واستناداً الى ذلك فقد تناول كثرة من الباحثين والكتاب تلك الاحتجاجات في محاولة منهم للبحث عن جذورها الاجتماعية / الاقتصادية / السياسية ورغم تباين رؤى النخب الفكرية والصحفية في تناول تلك الاحتجاجات الى ان أغلب الباحثين والكتاب لم يتعرضوا بما فيه الكفاية الى النزاعات الإقليمية التي استعر رنينها نتيجة تلك الاحتجاجات بسبب تصدع التوازن الاستراتيجي القائم بين دول المنطقة لهذا وفي مسعى لفك تلك التشابكات أسعى الى تناول الاحتجاجات الشعبية في مفصلين الأول منهما الاحتجاجات الشعبية ونتائجها السياسية ، وثانيهما نتائج الاحتجاجات الشعبية على الاصطفافات الإقليمية .

1

بداية يمكن القول ان نهوج النظم العربية السائدة بمستوياتها السياسية أو الاقتصادية اتسمت بالاغتراب عن مصالح بلادها الوطنية وبهذا المعنى فان النخب الحاكمة عبر الشرعيتين الانقلابية والوراثية لم تضع مصالح مواطنيها في مقدمة سياساتها الوطنية بسبب تمسكها بمنهج الاستبداد وتبديد الثروات الوطنية ومن هنا يمكن تفسير طبيعة الاحتجاجات الهادفة الى محاربة الفساد و احتكار السلطة فضلا عن بناء أنظمة حكم دستورية ترتكز الى الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان . بكلام آخر ان الاحتجاجات الشعبية مصدرها سياسة الإقصاء والحرمان المتواصل لمواطني البلدان العربية .

استنادا الى تلك المقدمات الوصفية لابد لنا من إبداء بعض الملاحظات الضرورية لحصر المداخلة في الإطار المحدد لها عبر الموضوعات التالية : ـ
ــ رغم ان شعاراتها ومطالبها ذات سمات ديمقراطية ومعيشية مشتركة إلا ان الاحتجاجات الشعبية في البلدان العربية لا يمكن وضعها في إطار واحد .
ــ شكل الخيار السلمي والإصرار على تحقيق الديمقراطية والإصلاح نهجاً كفاحيا لنشاط الحركات الاحتجاجية المعارضة.
ــ اتسمت الحركات الاحتجاجية بغياب الهوية الطبقية المحددة بمعنى انتماء الكتل الشعبية المعارضة الى طبقات اجتماعية مختلفة وذلك بسبب سياسة التهميش والإقصاء التي أنتجتها السياسة الاقتصادية الليبرالية المترابطة مع الشركات الاقتصادية الكبرى .
ـــ بسبب غياب فاعلية القوى السياسية اليسارية منها واليمنية فقد أنتجت الحركات الاحتجاجية قيادات ميدانية خاصة بنشاطها الكفاحي .
ان السمات الكفاحية الجديدة التي أنتجتها الحركات الاحتجاجية في دول مثل مصر وتونس لم تكن شاملة بل تميزت عنها حركات احتجاجية أخرى لأسباب كثيرة الأسباب أهمها :
ــ رغم تشكيلة البلاد العشائرية حافظت الاحتجاجات الشعبية في اليمن على مسارها السلمي إلا أن تدخل القوى الإقليمية والدولية لصالح الحكم أفضى الى تواصل وتفاقم ألازمة الوطنية .
ــ رغم شرعية مطالب الاحتجاجات المناهضة لحكم الفرد في ليبيا إلا أن حركة الاحتجاج لم تكن ناضجة كما مثيلاتها في شمال أفريقيا الامر الذي اشترط الحماية الدولية الذي سرعان ما تطورت الى تدخل خارجي يسعى الى تغيير النظام السياسي عبر الحرب الأهلية .
ــ تشابك مطالب الديمقراطية والإصلاح في سورية مع أهداف إقليمية وأخرى دولية هادفة الى تعديل الخارطة السياسية لصالح مصالحها الاستراتيجية .

انطلاقا من تأثير الموجة الاحتجاجية المطالبة بالديمقراطية على المصالح الاستراتيجية للدول الكبرى نحاول استشراف طبيعة تلك التأثيرات من خلال التعرض الى تصادم المصالح الإقليمية المتشابكة مع هموم مواطني المنطقة العربية .

2

قبل تعرضنا لنتائج الاحتجاجات الشعبية على الاصطفافات الإقليمية بودي تأكيد ملاحظة مضمونها يتلخص بوجود علاقة بين قيام أنظمة سياسية ديمقراطية في الدول العربية وبين طبيعة الاصطفافات الإقليمية لذلك فان المطالبة الشعبية بالديمقراطية شكلت أداة سياسية بيد الدول الإقليمية والدولية لغرض توظيفها بما يتناسب والمصالح الاستراتيجية للقوى الإقليمية / الدولية المتنازعة ، لهذا لابد لنا من متابعة تأثيرات الديمقراطية والإصلاح على أطراف النزاع الإقليمي / الدولي .
ـــ تسود المنطقة العربية مشاريع ورؤى سياسية اقتصادية مختلفة لكننا نشير الى مشروعين كبيرين الأول منهما مشروع الهيمنة الدولية المترابط ومصالح الدول الخليجية والهادف الى إلحاق الدول العربية بالأمن الإستراتيجي للدول الكبرى ، وبهذا المنحى فان مشروع الهيمنة الدولية لا يعني بالإصلاح الديمقراطي بل تتحدد وظيفته بالتركيز على الامن السياسي الضامن لاستقرار مصالحه الاقتصادية ورغم ذلك يسعى هذا المشروع الى الإصلاح الذي لا يقود الى تغيرات ديمقراطية حقيقية تقود الى بناء الاقتصاد الوطني على قاعدة المساواة والموازنة الدولية . أما المشروع المناهض لمشروع الهيمنة الدولية المتلحف بأردية قومية أو دينية يسعى الى بناء علاقات ترتكز على توازنات دولية / إقليمية رافضين بذلك إعلاء دور العامل الخارجي في إدارة الشئون الإقليمية .

ان استعراضنا لطبيعة المشروعين المتحكمين في سير النزاعات الإقليمية يقودنا الى طرح السؤال التالي : كيف تعاملت الأطراف الإقليمية المتنازعة مع الاحتجاجات الشعبية وما هي رؤيتها إزاء المطالبة الديمقراطية ؟

الاحاطة بمضامين الإشكالية المثارة يشترط التأكيد على بعض الموضوعات التي تشكل مقاربة أولية لتفسير تصادم الرؤى السياسية لكلا المشروعين والتي أراها في : ـ

ــ المطالبة الشعبية ببناء أنظمة سياسية ديمقراطية يشترط إعادة بناء المحاور الاقتصادية / السياسية لدول المنطقة لصالح احد المشروعين المتنازعين .
ــ يفضي اختلال التوازن القائم بين المشروعين الى اختلال التوازن الاستراتيجي في المنطقة وبهذا المسار فان انحياز مصر لمصالحها الوطنية / الاستراتيجية يقود الى تقوية المحور الرافض للهيمنة الدولية وما يعنيه ذلك من الحد من تطلعات إسرائيل التوسعية . *
ــ بسبب خشية اختلال التوازن الإستراتيجي القائم بين المشروعين الدولي والاقليمي سارع التحالف الخليجي وبمساندة من الخارج بإجهاض المطالب الديمقراطية لشعب البحرين استناداً الى ثلاث أسباب رئيسية الأول منهما خشية سياسية تنبع من بناء نظم سياسية خليجية على اساس المواطنة الديمقراطية وما يشترطه ذلك من اختلال النظم الوراثية.وثانيهما خشية طائفية نابعة من التركيبية السكانية للبحرين والتي قد تفضي الى تحالف طائفي بين إيران والبحرين . وأخيراً خشية سعودية من انفراط الحلف الخليجي وما يشكله من محيط استراتيجي لمصالحها الحيوية .

ان الخشية الخليجية المشار إليها غذتها السياسية الإيرانية وماكينتها الدعائية وما نتج عنها من إجهاض المطالب الديمقراطية للشعب البحريني .
ـــ لأهداف استراتيجية تتعلق بالهيمنة على أبار النفط الليبية ولغرض تصفية حسابات سياسية دولية مع الزعيم ألقذافي أقدمت الدول الكبرى على التدخل العسكري ساعية الى تطوير النزاع بين النظام الشمولي وبين المعارضة الديمقراطية الى تخوم الحرب الأهلية الامر الذي يجعل البناء السياسي الديمقراطي للدولة الليبية في غاية التعقيد . **
ـــ ان المساندة الضمنية للرئيس عبد الله صالح من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ودول التحاف الخليجي استندت الى إشكالات وطنية / إقليمية منها الروح الانفصالية لدى أطراف جنوبية وما يعنيه ذلك من قيام دولتين يمنيتين ومنها خشية الغرب والإطراف الخليجية من تنامي قوى القاعدة السلفية فضلا عن تطور الحوثيين ومطالبهم السياسية التي المتناغمة مع السياسية الإيرانية ، ومنها خشية الإطراف الخليجية من نجاح الحركة الاحتجاجية اليمنية في بناء نظام ديمقراطي يرقى الى بناء دولة وطنية مستقلة تشكل لاحقا نموذجا ديمقراطيا مؤثرا على دول التحالف الخليجي .

لغرض استكمال لوحة الاحتجاجات العربية وتداعياتها الإقليمية نتوقف عند سياسة مشروع الهيمنة بأطرافه الخليجية والدولية إزاء سوريا انطلاقاً من مواقعها في التوازنات الإقليمية الدولية الاستراتيجية عبر الرؤى التالية : ـ
ــ بات واضحاً أن المطالبات المشروعة الهادفة الى إعادة بناء النظام السياسي السوري على أسس الشرعية الديمقراطية وفرت غطاءً سياسياً لهجوم قوى الهيمنة الدولية / الإقليمية على سوريا عبر سياسة التفجير الطائفي بهدف تحقيق أجندة سياسية دولية / إقليمية ، وبهذا المعنى فقد اتخذ الهجوم على النظام السياسي السوري أشكالاً متعددة يمكن الاشارة الى بعضها: ـ
ـــ الشكل الإعلامي المتمثل بمساهمة قنوات فضائية في النزاع الوطني عبر سياسة التهويل والمساهمة في صياغة التوجهات المطلبية للمحتجين وبهذا السياق شكل التحريض الإعلامي أحد الأدوات الهامة لتطوير مستلزمات التدخل الخارجي . . ***
ــ الشكل الحقوقي المستند الى تقارير المنظمات الحقوقية والتي ارتكزت على معطيات تعوزها الحيادية في أحايين كثيرة وما نتج عنها من بناء لوحة ضبابية عن طبيعة القوى الفعلية المطالبة بالإصلاح والديمقراطية.
ــ الشكل الدبلوماسي المتجسد بفرض العقوبات السياسية والاقتصادية على سوريا ونقل ملف المطالبات الديمقراطية الوطنية الى مجلس الأمن بهدف تدويله الأمر الذي يؤكد موضوعة أن النزاعات الوطنية أصبحت شأناً من شئون السياسة الدولية.

انطلاقا من اختلاف الرؤى والمصالح الاستراتيجية للمشروعين المتعارضين مشروع الهيمنة الدولية بأطرافه الخليجية ومشروع الموازنة الدولية / الوطنية بقواه المختلفة يمكننا القول ان النزاع حول سوريا يتوخى تحقيق المهام السياسية التالية : ـ
1 : ـ إعادة بناء النظام السياسي السوري على أسس طائفية تتشابه والنظامين السياسيين اللبناني والعراقي .
2 : ـ تسوية النزاع الإسرائيلي الفلسطيني عبر فك ارتباط سوريا مع قوى الممانعة الفلسطينية واللبنانية.
3 : ـ عزل إيران عن محيطها الإقليمي بعد فك تحالفها مع سوريا تمهيدا لتحجيم طموحاتها الإقليمية .
4 : ـ تحجيم طموحات تركيا الهادفة الى بناء شراكة اقتصادية عربية تشكل سوريا مدخلا أساسيا لتحقيق تلك الاستراتيجية .

استنادا الى رؤى التحليل الفكرية ونتائجه السياسية لابد من صياغة بعض الاستنتاجات الهامة : ـ

أولا : ـ أصبحت الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالديمقراطية والإصلاح جزءً من السياسة الإقليمية / الدولية الهادفة الى صياغة اصطفافات إقليمية جديدة تخدم المصالح الاستراتيجية للمشاريع المتنازعة .
ثانيا : ـ ترابطت الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالديمقراطية بتوتير العلاقات الإقليمية التي تشابكت فيها الأسلحة الإعلامية والمالية والعسكرية .
ثالثاً : ـ بسبب النزاعات الإقليمية بين مشروعي الهيمنة الدولية ومشروع الموازنة الدولية / الوطنية جرى إجهاض الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالديمقراطية تحت واجهات طائفية وسياسية .
رابعاً: ـ يهدف الهجوم الاجهاضي الذي تقوده الدول الخليجية بمساندة دولية الى منع نهوض اصطفافات إقليمية جديدة تشترطها الاحتجاجات الشعبية .
خامساً : ـ ان الدول الخليجية ورغم خصوصية بعض أطرافها إلا إنها لم تكن بمعزل عن رياح التغيير الديمقراطي التي تطالب بها الاحتجاجات الشعبية في الكثير من البلدان العربية .



الهوامش

*ــ تجري مصر الجديدة مراجعة لسياستها الخارجية الإقليمية مشيرة الى إمكانية تطبيع دبلوماسيتها مع إيران وتغيير موقفها من غلق معبر رفح بعد إعلان المصالحة الفلسطينية فضلا عن تعديل اتفاقية تصدير الغاز الى إسرائيل وفق الأسعار الدولية.
**ــ ساهمت أطراف من دول التحالف الخليجي قطر، الأمارات العربية بشكل مباشر في النزاع السياسي الدائر في ليبيا ، حيث ساهم وزير خارجية قطر في اجتماعات حلف الأطلسي معلناً دعمه للقرارات المتعلقة بتطوير الدعم العسكري للمعارضة الليبية .
*** ـــ ذكرت بعض الصحف الأمريكية ان الولايات المتحدة الأمريكية خصصت أموالا كبيرة للجهد الإعلامي المعارض لأنظمة حكم غير صديقة وبهذا السياق أصبح الأعلام مصدرا من مصادر التفجير الوطني في الأنظمة الغير مرغوب بها .