الاشتراكية والفاشية


الاشتراكيون الثوريون
2011 / 4 / 24 - 18:50     

الفاشية هي شكل خاص من أشكال الديكتاتورية الرأسمالية، تظهر في فترات الأزمة الاقتصادية والسياسية، حين تعجز الطبقة الحاكمة عن حل الأزمة أو كبح المد الثوري، وحيث تكون الطبقة العاملة في حالة من القوة، ولكنها تفتقر إلى التنظيم الذي يمكنها من إنجاز ثورتها.


تلجأ الطبقة الحاكمة إلى دعم المجموعات الفاشية للقضاء على مقاومة العمال، عن طريق تنظيم حملات عقابية ضد العمال المضربين تحت دعاوى وهمية مثل حماية الاقتصاد الوطني، وفي تدمير المنظمات العمالية تحت دعاوى "خطر الشيوعية"، وعندما يفتقد العمال لحزب ثوري قوي قادر على تنظيم مواجهة قوية ضد الفاشيين وقادر على قيادة العمال من أجل تغيير المجتمع تغييرا جذريا وإقامة سلطة العمال، فإن مستقبل وجود الطبقة العاملة السياسي، حتى في شكلها النقابي والحزبي، يكون في خطر، ومن الممكن أن تهاجم الفاشية بعض الرأسماليين وتصادر أموالهم من أجل صالح الرأسمالية ككل وكذلك طموحاتها الاستعمارية.


إن النظام الرأسمالي مأزوم بطبيعته، وفي ظل اشتداد الأزمة، يزداد الفقر والتشريد الذي يروح ضحيته ملايين العمال، بينما تتعرض الشرائح الدنيا من الطبقة المتوسطة، من مهنيين وصغار ملاك في الريف والدينة، إلى السقوط في طبقة العاملين بأجر. وبينما تتصاعد النضالات العمالية، تلقى ترحابا من تلك الشرائح "البرجوازية". بينما تسعى الطبقة الحاكمة إلى مقاومة المد الثوري بكل السبل، العنيفة وغير العنيفة، وحيث لا يكون في مقدورها تقديم تنازلات للعمال، لتخفيف حدة التوتر، فإنها تبث روح الطائفية والعنصرية، وتكون دعامتها في ذلك البرجوازية الصغيرة، التي تتعجل التغيير، ولا تريد دفع الثمن، كما يزداد رعبها من الحركة العمالية القوية.


هنا يأتي دور الفاشية، التي تقوم بتحريض تلك الشرائح من البرجوازية، فتنظمها وتسلحها بمساعدة الطبقة الحاكمة المتمثلة في الدولة والرأسماليين، لتهاج الحركة العمالية، ثورية كانت ام معتدلة. في ظل تكاثر الأحزاب غير المرتبطة بقاعدة حقيقية، والتي تأكلها حمى الانتخابات والمناصب.


يرجع اصل كلمة فاشية"fascism" إلى كلمة fascio وهي حزمة من الصولجانات كانت تُعرض في مواكب حكام روما القديمة دليلا على سلطتهم. وقد اطلق موسوليني في عشرينينات القرن الماضي المصطلح على مجموعته الحزبية، التي استولت على السلطة حتى اصبح الاسم يُطلق على النظام ككل. وقد شاع استخدام المصطلح لوصف الانظمة القومية العنصرية، والاستبدادية.


تصاعدت الحركة الثورية في العالم عقب الحرب العالمية الأولى، ونجاح الثورة الروسية، وفي إيطاليا حقق العمال انتصارات ساحقة وصلت في سبتمبر 1920 إلى سيطرة العمال على مصانع، بل وصناعات بأكملها، وإدارتها. كانوا يقتربون من تحقيق شعار "كل السلطة للعمال"، لكنهم افتقروا إلى التنظيمها والرؤية الصحيحة. كما أن الإصلاحيين، والاشتراكيين الديمقراطيين، قد شعروا بالذعر من تصاعد النضالات العمالية وقوتها، فتخلت عنها، وي ديسمبر1920، كانت اول مظاهرة للفاشية سيطرت على مدينة بولونيا.


لم يقدم موسوليني برنامجا كاملا من البداية، حتى أنه لم يحاول تغيير الدستور، وجاء على رأس حكومة ائتلافية، بينما نشطت عصابات مسلحة بالسكاكين والهراوات والمسدسات، تجاه الافراد والجماعات، وبالتدريج تشكّل النظام الفاشي، القائم على القمع السياسي والاقتصادي للجماهير، مصحوبا بآلة دعاية ضخمة تقدم الوعود بمستقبل وطني اقتصادي وسياسي زاهر، وتبث روح التعالي، والقوة والعنف، وتبرر الاستغلال من اجل نمذج الاقتصاد الوطني، وتحرم النضال المطلبي الطبقي تحت مسمى "الأمة الواحدة". وتصور أزمة الرأسمالية بأنها ازمة الأرباح غير شرعية، أوتحكُم احتكارات ضخمة. كما يزداد الشحن الطائفي، والشحن ضد الأجانب. لم يكن موسوليني نموذج أوحد بل ظهر هتلر في ألمانيا، وفرانكو في إسبانيا..


لم تمت الفاشية بموت زعمائها هتلر وموسوليني، ثم فرانكو، ظلت الأفكار الفاشية موجودة ومحجمة، إلى ان عادت التربة لتكون صالحة من جديد لنموها، فبعد حرب الخليج الثانية، نمت ميليشيات فاشية مسلحة في االولايات المتحدة، كما تصاعد تأثير الفاشية في اوروبا نتيجة للركود الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة وفشل السياسات الحكومية في استيعاب الأزمة بالإضافة إلى تراجع جماهيرية أحزاب الطبقة الحاكمة التقليدية وكذلك أحزاب الطبقة العاملة. هذا الفراغ دفع بالكثير من عمال الياقات البيضاء والمهنيين والبرجوازية الصغيرة إلى أحضان الفاشية التي يتزايد تأثيرها باستمرار.


تدل نتائج الانتخابات البرلمانية، خلال السنوات الخمس الأخيرة، في أعرق الديمقراطيات الأوروبية، وحتى في أكثرها رخاء، إلى تصاعد قوى اليمين المتطرف، التي تجاهر بعدائها للمهاجرين –وهم مسلمون في الأغلب- وتتبنى النعرة القومية المتعالية، وتمجد منطق القوة، لذا فهي أيضا منحازة بشدة للصهاينة.