الثورة التونسية و الثورة المضادة


امال الحسين
2011 / 4 / 16 - 06:07     

أفرزت الثورة الشعبية التونسية تناقضات صارخة في أوساط الماركسيين اللينينيين حول مفهوم الثورة و علاقتها بالإنتفاضة ، و ذلك ناتج عن عجز هؤلاء أمام تطور الأحداث التاريخية بعد سقوط الديكتاتورية بتونس في ظل ضعف الحركة العمالية ، العاجزة عن قيادة الثورة التونسية مما يهدد بقيام ثورة مضادة تركز سيطرة البورجوازية البيروقراطية على السلطة من جديد ، فاكتفى هؤلاء بمحاولة تفسير الأحداث بدل تغيير الواقع انطلاقا من السجال حول الثورة و الإنتفاضة إلى حد تضارب الآراء و تناقضها دون أن يفيد ذلك اللحظة الثورية التي نعيشها في شيء ، رغم أن تجارب الشعوب غنية بما يفيد الثورات التي نعيشها اليوم و على رأسها الثورة الروسية.
يقول لينين عن ثورة 1917 :" و لولا ثورة سنوات 1905 - 1907 و لولا الثورة المضادة لسنوات 1907 - 1914 ، لاستحال أن "تقرر" جميع طبقات الشعب الروسي و الشعوب الأخرى القاطنة في روسيا "مصيرها بنفسها" بمثل هذه الدقة ، و لاستحال كذلك أن تحدد هذه الطبق...ات موقفها بعضها من بعض و موقفها من الملكية القيصرية ، هذا الموقف الذي تجلى خلال الأيام الثمانية من ثورة شباط - آدار (فبراير ـ مارس) 1917 ." رسائل من بعيد ، الرسالة 1 ، المرحلة الأولى من الثورة الأولى.
و ما زاد في حدة هذا السجال بروز بداية ثورة مضادة بتونس و التي يجب مواجهتها بكل حزم بدل التردد و التنكر بوجود ثورة شعبية تفتقد إلى قيادة ثورية ، فإنجازات ثورة 1905 ـ 1907 التي سماها لينين ثورة و ليس انتفاضة ، أقل بكثير مما أنجزه الشعب التونسي في دجنبر ـ يناير 2010/2011 ، الذي استطاع إسقاط الديكتاتور بن علي و فتح آفاق البناء الثوري ضد البورجوازية البيروقراطية قي تونس ، إلا أنه كما يقول لينين فالبورجوازية عندما تهدد مصالحها تصبح أكثر عدوانية و قتالية من أي وقت مضى دفاعا عن مصالحها الطبقية .
لقد هدد الشعب التونسي مصالح البورجوازية البيروقراطية و بالتالي هدد مصالح الإمبريالية و لا يمكن أن ينتظر إلا الهجوم المضاد/الثورة المضادة ، و كما يقول لينين فالثورة التي لا تستطيع الدفاع عن نفسها ليست بثورة ، و الماركسيون اللينينيون إن تواجدوا في تونس و في ظل أزمة الثورة الشعبية التونسية عليهم أن يتعلموا التراجع الصحيح لبناء الهجوم الصحيح بدل السجال و محاولة تفسير الأحداث بدل تغييرها.
قال لينين عن أزمة 1907 بعد فشل الثورة :"الإنحطاط ، فساد تالمعنويات ، الإنشقاقات ، التشتت، الإرتداد ، العهر عوضا عن السياسة . إشتداد الميل إلى المثالية الفلسفية ، الصوفية كرداء للأمزجة المعادية للثورة" المؤلفات الكاملة المجلد 41 ، ص:10 .
على الماركسيين اللينينين التونسيين أن يواجهوا الثورة المضادة بدل تفسير ما يقع في بلادهم خارج الدياليكتيك الماركسي المادي بالإستفادة من ثورات الشعوب و أروعها الثورة الروسية ، و تعلم لينين من أزمة 1907 الكثير و هو يقول :" يجب على الأحزاب الثورية أن تكمل معارفها .فلقد ت...علمت الهجوم ، أما الآن فيتعين عليها أن تفهم أن من الضروري أن تتمم هذا العلم بعلم كيفية التراجع الصحيح . يتوجب عليها أن تفهم ـ و الطبقة الثورية تدرك ذلك بتجربتها المرة ـ أنه يستحيل الإنتصار بدون تعلم علم الهجوم الصحيح و التراجع الصحيح . و قد تراجع البلاشفة بنظام أكثر من جميع الأحزاب المعارضة و الثورية المحطمة ". المختارات الجزء الرابع ص: 14 .
إن نجاح الثورة التونسية لن يتحقق إلا بسيطرة الطبقة العاملة على السلطة السياسية و الإقتصادية و الشروع في البناء الإشتراكي ، و تهافت الأحزاب الإصلاحية على السلطة بعد سقوط الديكتاتور عبر ما يسمى ب"حكومة الوحدة الوطنية" ليس إلا مناورة الإصلاحية الحزبية و النقابية لجني ثمار الثورة الشعبية المظفرة ، و تبقى التحريفية الإنتهازية على هامش جني هذه الثمار بعدما عملت على عزل الطبقة العاملة عن مهامها التاريخية في قيادة الثورة ، بعدما هبت الجماهير الشعبية بعفوية ضد النظام البوليسي الديكتاتوري و استطاعت إسقاط الديكتاتور و تحقيق معجزة الثورة في القرن 21 ، و يبقى على عاتق الماركسيين اللينينيين التونسيين إن هم تواجدوا فعلا في صلب الحركة الثورية بتونس ، مواجهة تحريف الثورة عن مسارها الحقيقي الذي سطرته الجماهير الشعبية بعرقها و دم شهدائها و وضعها في مسارها الحقيقي المتجلي في تحقيق الثورة الإشتراكية اقتداء بثورة أكتوبر المظفرة.