تعمق الصراع الطبقي وضرورات مواجهة الكادحين للثورة البرجوازية المضادة


عبد السلام أديب
2011 / 4 / 4 - 10:01     

في تعقيب على أشغال ندوة بمدينة الرباط أواخر شهر مارس 2011 حول آفاق انتفاضات الشعوب العربية، تندرج هذه المساهمة البسيطة لعبد السلام أديب.

في مواجهة انتفاضة الكادحين والهزات التحررية للشعوب المغاربية والعربية المقهورة التي عانت الاضطهاد والاستعباد والتجويع نتيجة عقود بل قرون من الممارسات الاستبدادية لأسر فرضت نفسها سيدة عليهم بواسطة القهر وحملتهم تبعات الأزمة الرأسمالية المتفاقمة، بدأت التحالفات الحاكمة بمعية الاوليغارشية الامبريالية العالمية تتحرك للالتفاف على الانتفاضات والهزات بشتى أساليب القمع المادي الوحشي والتخدير الإيديولوجي.

تتكون الأنظمة الاستبدادية القائمة في البلدان المغاربية والعربية من بضعة عائلات مافيوزية استطاعت عقب الاستقلالات الشكلية الاستيلاء على جهاز الدولة الموروث عن الاستعمار وفرضت بواسطته إرادتها على الكادحين وارست مؤسسات ديمقراطية شكلية لاستهلاك المحلي والخارجي من النمط البرجوازي ووظفت عدد من الأحزاب الإدارية والنقابات التابعة لضمان استمراريتها وشجعت تنظيمات سياسية ونقابية انتهازية أخرى لكي تلعب دور المعارضة ولعبة الانتخابوية والبرلمانية لضمان استمرار تخدير الكادحين والشعوب المضطهدة من جهة واستمرار انتزاع ونهب فوائض القيم الاقتصادية والمالية للحفاظ على مستوى التبذير الذي تعيش فيه غير ملتفتة لتفاقم حالة القهر التي تعيشها الغالبية العظمى من أفراد الشعب.

في مواجهة ذلك تبقى تنظيمات الكادحين للدفاع الذاتي ضعيفة ومتخلفة بعضها ظلامي والبعض الآخر شوفيني والبعض الثالث يساري ذاتي، ورغم هذا الضعف البارز حدث نوع من التلاقي وراء انتفاضة الكادحين والشعوب نظرا لانغراسها في أوساطهم. لكن سرعان ما يبرز هذا الضعف إلى السطح مع تطور الأحداث، فيؤدي بسرعة نحو التشتت وسهولة اختراقها وانهزامها أمام الثورة البرجوازية المضادة والتي تتخذ العديد من التمظهرات الإصلاحية أو الإيديولوجية ومحاربة ما يسمونه بالتطرف في المطالب والعدمية والتخويف من الفوضى عبر استعمال كافة أشكال البلطجية وهي خطوة أولى لإخفاء حقيقة الصراع الطبقي القائم والمراهنة على المطالب الحقوقية والديمقراطية والبرجوازية الوطنية وعقلنة نمط الإنتاج الرأسمالي وبالتالي الحفاظ على البنية الطبقية الحاكمة دون اسقاطها ومحاكمتها ومدها بالتالي بوسائل تخدير ضرورية جديدة واضفاء نفس جديد على سلطتها ونفوذها وثرواتها مقابل تأبيد الأوضاع الاجتماعية المتفاقمة بواسطة الوعود المعسولة التي تصور للكادحين قصورا من سراب. وهذا يعني استمرارية نفس الأنظمة الاستبدادية تحت اقنعة جديدة مع إخفاء معالم الاستبداد وراء الإصلاحات الشكلية. وقد شاهدنا كل ذلك في تجربة انتفاضتي تونس ومصر، والتي فاجأت برجوازية الأنظمة القائمة والامبريالية، لكنها سرعان ما استطاعت الالتفاف على الحركتين وإعادة إخضاع شعوب البلدين للوصاية البرجوازية والامبريالية وفرض نفس الأنماط الاستغلالية السابقة.

في البلدان الأخرى يلاحظ الجميع كيف تستعد البرجوازية والامبريالية للانقضاض على كل محاولة انفلات للانتفاضات الجارية في كل من البحرين وسلطنة عمان والأردن عبرا لانقضاض على الثوار وتقتيلهم بشكل بشع والتعتيم الإعلامي على ذلك وتوظيفه بقوة في تحويل الأنظار. والقيام من جهة أخرى بسرقة ثورة الشعب الليبي وتحويلها الى حرب اهلية قبل فرض الامبريالية لوصايتها على هذا البلد ومحاولة فعل نفس الشيئ في حالتي كل من اليمن وسوريا لجعلهما تنتهيان الى نفس وضعية تونس ومصر وذلك بعدما اطمأنت الى تطور الأوضاع في كل من الجزائر والمغرب باعتبارهما حالتين متحكم فيهما.

ان التغيير الجذري في البلدان المغاربية والعربية الخاضعة لأنظمة استبدادية تابعة للامبريالية في اتجاه أنظمة ديمقراطية شعبية مستقلة فعلا عن تحكم الامبريالية لن يمر إلا عبر تنظيم الصراع الطبقي وتطويره ومواجهة الثورة البرجوازية المضادة وتسليح الكادحين بتنظيمات ذاتية اكثر يقضة ووعيا يالأزمة الرأسمالية العامة وتسارع احتضارها وجرأتها في تحديد أهدافها ومواجهة كافة الالتفافات الممكنة على حركتها التحررية وقدرتها، عند إسقاطها للاستبداد، على تدبير أنظمة اقتصادية اشتراكية تكاملية بين البلدان والشعوب المقهورة معتمدة على الذات وقادرة على تحصين شعوبها دون السقوط من جديد في التبعية للقوى الامبريالية. فالثورة المغاربية والعربية بدأت ولم تمر بعد نحو مرحلتها الثانية التي سيشتد خلالها حدة الصراع والتناقضات وتتسارع امكانيات بناء التنظيمات السياسية العمالية القادرة على حسم الصراع لفائدتها.