حركات التحرر الوطني... - 10 - والاخير


جميل عبدالله
2011 / 3 / 27 - 08:06     

اختيار الطريق : آيا كان الجانب الذي نأخذه من العديد من جوانب حياة الشعوب في الدول الوطنية الفتية , فليس من العسير أن نرى صلته بمسألة اختيار الطريق , فان هذه المسألة هي اليوم المسألة الجذرية في البلدان المتحررة , وفيها تنعكس كما في بؤرة , تعقيدات وملابسات التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأيدلوجية التي تجري في هذه البلدان , وهي تشكل الاتجاه الرئيسي والمضمون الرئيسي للنضال الطبقي في الدول النامية , ولعلاقتها مع بلدان الاشتراكية والامبريالية , فعلى السبيل الذي ستختاره في أخر المطاف البلدان المتحررة سبيل الرأسمالية , أو سبيل الاشتراكية يتوقف إلى حد كبير , لا رفاها بالذات وحسب , بل أيضا ميزان القوى في المسرح العالمي .
إن أصلة المرحلة الانتقالية الحالية اقصد هنا البلدان التي تحررت من الاستعمار تمر بمرحلة انتقالية في تطورها , والمقصود هنا على الصعيد التاريخي , انتقال هذه البلدان من الرأسمالية إلى الاشتراكية , ولكن هذا العهد في المستقبل القريب عبارة عن جملة من المراحل في الطريق من المجتمع ذي البنية المستعمرة المتخلفة إلى المجتمع المتكور العصري , ناهيك عن أن المجتمع المتخلف لا يعني دائما المجتمع الرأسمالي , فقد يكون في بعض الأحوال مجتمعا تسود فيه العلاقات الرأسمالية , وقد يكون في بعضها الأخر مجتمعا تهيمن فيه أشكال الملكية السابقة للرأسمالية , إن المستوى المنخفض لتطور الرأسمالية قد اشترط التنوع الخارق في التركيب الاجتماعي الطبقي في البلدان المتحررة , واشترط بالتالي عدم نضوج العلاقات الاجتماعية , وليس من النادر أن تتجاوز بصورة مدهشة ضمن حدود بلد واحد الأشكال القبيلة والإقطاعية والرأسمالية والانتقالية من العلاقات الاجتماعية , ومعلوم أن الامبريالية قد أسهمت في تعجيل تطور الرأسمالية في البلدان التابعة , ولكنها أضفت على هذا التطور أشكالا نشوهه , وعلى درجة تطور الرأسمالية يتوقف نطاق وعمق حركة التحرر الوطني , فان العالم الثالث إنما هو على الأغلب عبارة عن بلدان مستوى تطور الرأسمالية فيها منخفض , وان الدول من طراز بعض الدول العربية الرأسمالية متطورة نسبيا , تشكل استثناء أكثر مما تشكل قاعدة , وهنا بحق ينهض السئوال التالي : إلى أي درجة تغيرت الظروف لأجل تطور الرأسمالية في بلدان العالم العربي بعد أن ظفرت بالاستقلال السياسي ؟ وبتعبير أخر: أتقلصت أم اتسعت الإمكانيات لأجل تطور الرأسمالية الوطنية منذ نشوء الدول المستقلة ؟ إن الجواب عن هذا السؤال علاقة مباشرة بفهم خصائص البنية الاجتماعية والاقتصادية في البلدان المتحررة , بفهم أصالة سبل التطور الاجتماعي واشكالة ووتائرة , إن البلدان النامية لا تزال قائمة , حتى بعد التحرر من التبعية الاستعمارية , ضمن نظام الاقتصاد الرأسمالي العالمي , ولكن هذا لا يعني أن ظروف تطور الرأسمالية الوطنية لا تزال كما من قبل وانه لم يطرأ تغيرات جوهرية على طابع هذه الرأسمالية وبنيتها , إن نشوء الدول المستقلة لا يقطع بحد ذاته ولا يمكنه أن يقطع على الفور تطور الرأسمالية الوطنية , ولا يفعل غير أن يضفي علية جملة من الخصائص المميزة . واهم هذه الخصائص , على الأرجح هي أن الشكل الحكومي للرأسمال الوطني قد اتسع وتوطد في كل مكان تقريبا , الأمر الذي ينجم عما تعانيه البرجوازية الوطنية التي وصلت إلى الحكم من ضعف اقتصادي , كما ينجم من إمكانيات التراكم المحدودة للغاية , إن قطاع الدولة يقطع الطريق على تغلغل الرأسمالي الاحتكاري الأجنبي تغلغلا غير محدود ويعيق بالتالي نمو المشروع الحر الكبير الذي يرتبط تطوره ارتباطا مباشرا بالاحتكارات الأجنبية , إن دور الرأسمال الخاص الأجنبي في مرحلة الاستقلال يتلخص " في تهجيل عملية حصر وتركيز السلطة الاقتصادية في أيدي القلة .
دور الدولة : في المرحلة الانتقالية يتعاظم دور الدولة بصورة غير عادية , لأنها مدعوة إلى توحيد جميع القوى المشتركة في الثورة للتحرير الوطني , في النضال من اجل التقديم الاجتماعي , وهي من حيث طابعها دولة من طراز انتقالي يركز نشاطها على الحد الأقصى من اخذ أصالة الأحوال الاجتماعية في البلدان المتحررة بعين الاعتبار , ففيم تقوم هذه الأصالة ؟ تتألف أغلبية السكان الساحقة من الفلاحين الذين يكون تأثيرهم في رسم سياسة الدولة وكل جوانب نشاطها هو التاثسر الحاسم أحيانا , حيث تظل التناقضات حادة بين البرجوازية الوطنية وبين الامبريالية , الأمر الذي يخلق مقدمات موضوعية لاشتراكها في جبهة وطنية معادية للامبريالية , لا في مرحلة النضال من اجل الاستقلال السياسي وحسب , بل أيضا في مرحلة تحقيق التحولات الاجتماعية والاقتصادية , حيث تتكون البروتاريا في هذه البلدان بأسرع مما تتطور البرجوازية الوطنية , والاهم في مرحلة نضال الشعوب المستعمرة من اجل تحررها , يكون الشعور القومي عاملا هاما يرص صفوف جميع الفئات الوطنية , فخلال زمن مديد , داس المستعمرون تقاليد الشعوب المستعبدة ومشاعرها القومية , وقد حالوا جهدهم أن يحرموا هذه الشعوب ملامحها وخصائصها القومية , وان يفرضوا عليها نمطا من التفكير والحياة غريبا عنها , ولذا لا غرابة وإذا كانت حركة التحرر في كثير من البلدان تقوم تحت راية القومية التي تنطوي على مضمون ديمقراطي عام .
الخلاصة : إن الجمع الصحيح بين المهام القومية والاجتماعية هو في المرحلة الراهنة من اكبر وظائف دولة المرحلة الانتقالية , فان هذه الدولة ليست ديكتاتورية طبقة واحدة , وهي في كثير من الأحوال تسعى وراء تامين التعاون بين جميع القوى الوطنية القومية : الفلاحين , الطبقة العاملة , البرجوازية الوطنية , الفئات المتوسطة , المثقفين . وان كتلة هذه الطبقات وهذه القوى الاجتماعية هي التي يتعين عليها إن تشكل أساس الدولة السياسي, أساسها الطبقي ولكن !!هذا لا يعني إن الدولة تقوم في هذه الحال بدور هيئة للتوافيق بين الطبقات والتنا حرات الطبقية , فان الدولة كما تبين تجربة بنائها في أي مكان في العالم لا تنبثق حيث يستحيل موضوعيا التوفيق بين التناقضات درجه التناحر الحاد وحيث التمايز يجري بعد تشكيل الدولة الوطنية ....نهاية الجزء "10" والاخير .

سلامتكم,
المصادر والأدلة:
1- أبحاث التخرج لدفعة التاريخ والعلوم السياسية لعام 1990م ج.م.ع .
2- التيارات الاشتراكية الثورية في البلدان العربية والغربية .

ملاحظة : الاجزاء قابلة للاضافات من قبل الاخواة والرفاق الكتاب بكل ترحيب ...