حركات التحرر الوطني... - 7 -


جميل عبدالله
2011 / 3 / 23 - 07:43     

إن ما أوردناه في الأجزاء السابقة يحملنا على التأمل للمسألة التالية : ألا تجري في العالم المعاصر الاستعاضة عن الإمبراطوريات الاستعمارية السابقة , التي اتخذت صيغة شرعية حقوقية بإمبراطوريات جديدة " غير منظورة " ؟ بتعبير أخر أليس القضاء على النظم الاستعمارية مجرد استعاضة عن أشكال لسيطرة المستعمرين بأشكال أخرى ؟
لإعطاء جواب صحيح عن هذا السؤال , ينبغي لنا أن نتذكر ونعرف بالضبط القوى التاريخية التي تحدد الوضع الراهن في عالم , فعندما كانت الامبريالية سيدا مطلق الحقوق في هذه القارات الثلاث , لم يكن من الممكن أن يؤدي بالفعل انهيار حكم أو نفوذ دولة مترو بول واحد إلا إلى فرض الرقابة من قبل ضار امبريالي أخر , فهكذا بالدقة حصل مثلا , بعد الحرب العالمية الأولى عندما انتقلت مستعمرات ألمانيا المغلوبة إلى ملكية الدول الامبريالية الغالبة , وبالطريقة نفسها استطاعت الولايات المتحدة بفضل نمو بأسها الامبريالي في مرحلة وجود الإمبراطوريات الاستعمارية , وباعتمادها على التوسع التجاري وعلى تصدير الرسام يل , إن تحتل مواقع متينة جدا في البلدان المستعمرة والتابعة من أن الراية الأمريكية لم تخفق يوما على الأراضي التي صارت حصونا للاستعمار الأمريكي .
ولكن الوضع تغير بصورة جذرية في الوقت الحاضر, إذ تصبح الاشتراكية وحركة التحرر الوطني. أكثر فأكثر العاملين العالميين الرئيسيين اللذين يحددان أفاق التطور في العالم , فان الكلام لا يدور ألان حول ما إذا كانت هذه الدولة الاستعمارية أو تلك تسلم مواقعها لمستعمرين آخرين بسبب اضطرارها إلى التراجع أمامهم , فان الاستعمار يتراجع ألان أمام حركة التحرر الوطني , وهذا يعني أن حكم المستعمرين ونفوذهم ينهاران بالإجمال على نطاق عالمي , وليس من الصحيح أن نتصور الأمور كأن الأنظمة الاستعمارية تنتقل بالوراثة كليا وتماما مثلما الحال ألان في بعض الأنظمة والأحزاب اليسارية للأسف !! بجميع حدودها ومواقعها وكامل سلطتها ومختلف إمكانياتها , إلى الاستعمار بدون مستعمرات , إلى الاستعمار الجديد , ولذا كان الاستعمار بدون المستعمرات استعمارا رجعيا , ولو أن الدول الأوروبية أدت بالفعل رسالة تمدينية في الأراضي التي استعبدتها , كما يطيب لمحامي الاستعمار الجديد أن يصور الأمور , فكيف يفسرون واقع أن تدخلها قد اصطدم أبدا ودائما بمقاومة حازمة من جانب السكان المحليين , فقرابة خمسين سنة اضطر المستعمرون إلى تذليل مقاومة الشعوب ومنها الشعوب العربية , ولكن انجاز احتلال الدول لم يعن إطلاقا توقف المقاومة , وبقوة السلاح وبثمن تضحيات هائلة , أمكن للمستعمرين أن يحطموا بصورة مؤقتة مقاومة الشعوب العالمية , ولكنهم كانوا عاجزين عن خنق طموحها إلى الحرية والاستقلال , فان نضال الشعوب المظلومة ضد النير الاستعماري لم يتوقف , كانت ناره تهدأ أحيانا لكي تتأرجح من جديد .

حقيقة : لقد أخذت الدول الاستعمارية تتقاسم العالم فيما بينها في القرن ال15 وظلت تتقاسمها وتعيد تقاسمها خلال القرون التالية كلها , وقد ارتدى الصراع في سبيل تقاسم أراضي العالم طابعا ضاريا جدا في أواخر القرن التاسع عشر عندما دخلت الرأسمالية في طورها الأعلى الامبريالي , وفي غمرة الصراع من اجل تقاسم أراضي العالم , كانت القوة هي التي تقرر كل شيء , وكانت الدول الأقوى في الحقل الاقتصادي تستولي على الجديد من الأراضي مزحزحة منافسيها , وفي هذا المجال سبقت بريطانيا الدول الأخرى , إذا أنها كما قال العالم السوفيتي تاركه " كانت تسود بلا منازع بفضل أسطولها , على جميع المحيطات , وكانت الدولة الصناعية الأولى في الكرة الأرضية , وتملك الأسواق الموزعة في شتى أصقاع الأرض قاطبة " .

في النهاية : بوسع البلد المعني أن يظفر بالاستقلال السياسي ويصفي القواعد الحربية في أراضية , ويتواصل إلى إجلاء القوات الأجنبية , ويفسخ المعاهدات غير المتكافئة التي فرضها علية الامبرياليون في حينه , ولكن كل هذا لا يعني تصفية الاستعمار , فما الاستعمار من حيث جوهر الأمر , غي استثمار واضطهاد بعض الشعوب من قبل الطبقة السائدة لشعب أخر , فبعد ميل الاستقلال السياسي لم يتوقف استثمار شعوب العالم في ميدان الاستثمار بأخرى , فليست كل تشكيلة تناحريه وحسب بل أيضا كل مرحلة في تطور الرأسمالية تناحريه كما قال لينين , أشكال مميزة من الاستثمار الاستعماري , فان عهد التراكم البدائي قد تميز , فيما تميز , بإقدام الدول الأوروبية على نهب القيم المادية في بلدان ما وراء البحار بالقوة المسلحة السافرة , كذلك تميز عهد نشوء الرأسمالية بنهب الشعوب المستبدة عن طريق فرض العمل ألقسري عليها , ثم استثمرت الرأسمالية الصناعية البلدان المتأخرة اقتصاديا بتحويلها في الأغلب إلى سوق لتصريف سلع الاستهلاك , وأخيرا صارت المستعمرات في المقام الأول , منذ ظهور الامبريالية , مصادر للخامات ومناطق لتوظيف الرسام يل , لقد كتب لينين يقول " إن الرأسمال المالي قد أضاف إلى بواعث السياسة الاستعمارية إلى البواعث القديمة العديدة , الصراع من اجل مصادر الخامات , من تصدير الرسماميل , من اجل مناطق النفوذ , أي مناطق الصفقات المربحة والامتيازات والأرباح الاحتكارية وهلم جرا وأخيرا من اجل الأقاليم الاقتصادية بوجه عام " .

سلامتكم,,,

المصادر والأدلة:
1- أبحاث التخرج لدفعة التاريخ والعلوم السياسية لعام 1990م .
2- التيارات الاشتراكية الثورية في البلدان العربية والغربية .