حركات التحرر الوطني... - 6 -


جميل عبدالله
2011 / 3 / 22 - 16:21     

الاستعمار الحالي : في الأحداث السابقة التي وقعت بعد حروب عده في العالم , يخلطون أحيانا بين المفاهيم , أي أنهم مثلا يضفون معنى واحدا على تعبيري " النظام الاستعماري " و " الاستعمار " , ومن هنا يستخلصون الاستنتاج التالي : بما انه تم القضاء على النظام الاستعماري , فان هذا يعني أيضا انه تم القضاء على الاستعمار , أما في الواقع فان انهيار النظام الاستعماري لا يعني أبدا تصفية الاستعمار , فان شعوب العالم تقتنع على الدوام بتجربتها الخاصة بان الاستقلال السياسي الذي ظفرت به والقضاء على النظم الاستعمارية لم ينقذها بعد لا من الاستثمار الخارجي ولا من التدخل الأجنبي الدائب , والفظ جدا أحيانا كثيرة , في شؤونها الداخلية , وهذا الاستثمار وهذا التدخل اللذان يجريان بطرائق يحاول الامبرياليون تكييفها للظروف الدولية الراهنة يشكلان مضمون الاستعمار الحالي , المعاصر أو الاستعمار الجديد .
إن الاستعمار أي سياسة إخضاع واستعمار البلدان والأمم الأخرى , كان ولا يزال العدو الرئيسي لشعوب العالم وان أشكال الاستعمار وطرائقه قد تعقدت بصورة جوهرية بالقياس إلى الأزمان التي كانت فيها البلدان العالمية مشدودة بقوة في رقبة النظام الاستعماري , فاليوم لم يبقى بمقدور أي دولة امبريالية أن تفرض حكمها السياسي المباشر على بلد أخر وان تنهب ثرواته المادية على المكشوف وبدون أي تعويض ظاهري , إن الاستعمار الحالي المعاصر مضطر إلى الاكتفاء بفرض رقابة غير مباشرة على الحياة السياسية والاقتصادية والروحية في البلدان الأخرى , وهو يحاول أن يوجه في صالحة مجرى التطورات الاجتماعية العميقة في البلدان الأخرى , ولذا يتميز الاستعمار الجديد عن الاستعمار التقليدي أو الكلاسيكي كما يقال لا من حيث أن اشكالة وطرائقه أكثر تنوعا بكثير وحسب , بل أيضا من حيث أن مضمونه أكثر تعقيدا , ومع ذلك , يتسم الاستعمار المعاصر على السواء بطبيعة واحدة , ولهذا السبب يلجأ المستعمرون الحاليون على الدوام في نشاطهم إلى طرائق أسلافهم !! فان سمتي الاستعمار الجديد المميزتين , أي مرونة المناورة والسعي إلى تحقيق الأغراض بواسطة الصنائع تجتمعان على الدوام مع اخشن واقوي الضربات المسددة مباشرة إلى سيادة بلدان العالم والى مصالحها الوطنية , أي مع تصرفات وأعمال تعيد إلى الأذهان ذكرى أحلك المراحل وأفظع الحوادث في تاريخ الاستيلاء على المستعمرات , ورغم انهيار النظام الاستعماري انهيارا عاما , لا تزال على خريطة العالم السياسية أقطار لا يتمتع سكانها بالاستقلال الوطني ولا يزالون خاضعين كما من قبل لنير الحكم الأجنبي وهذا هو الحال تماما في فلسطين " الأرض المحتلة " ! إليكم بضعة أمثلة نتيجة النضال التحرري الوطني المتفاني الذي خاضه شعوب العالم ومنها الهند الصينية:
حلت نهاية السيطرة الاستعمارية الفرنسية في هذه المنطقة من جنوب شرقي أسيا , وقد ثبت مؤتمر جنيف في عام 1954بقراراتة أمر تصفية الحكم الاستعماري الفرنسي في الفيتنام الجنوبية مثلا, ولكن الامبرياليين الأمريكيين كانوا قد تسربوا قبل ذلك الحين إلى الفيتنامي , وقدموا للمستعمرين الفرنسيين شتى ضروب المساندة في حربهم القذرة ضد الشعب الفيتنامي , وقد استغلت الولايات المتحدة هزيمة فرنسا في هذة الحرب لكي تضع لفيتنام الجنوبية تحت رقابتها وحدها بوجه الحصر , فربطت النظام المركزي الكركوزي في لفيتنام الجنوبية باتفاقيات جائرة بشأن المعونة الحربية , وأغرقت هذا البلد بمستشاريها , فاحتلوا المواقع السياسية المهيمنة في الجيش والاقتصاد والجهاز الإداري في لفيتنام الجنوبية !؟ ومن عام 1955 إلى عام 1962 تلقت سلطات لفيتنام الجنوبية من وواشنطن حوالي مليارين و500 مليون دولار!! وقد انفق أكثر من أربعة أخماس هذا المبلغ على تكوين وتسليح جيش محلي مطيع للأمريكان مثل العراق تماما !! ومن جراء هذا وجدت الدولة نفسها تابعة للولايات المتحدة بصورة كلية شاملة في منتهى العمق , وهكذا نفذت الامبريالية الأمريكية في شبة جزيرة الهند الصينية عملية كانت من حيث جوهر الأمر حلة عصرية للفتح الاستعماري , وقد بينت الأحداث اللاحقة ما تؤدي إلية مثل هذه العمليات في زمننا الحالي , فان الولايات المتحدة وقد شعرت بأنها عي صاحبة الأمر والنهي في الأرض الفيتنامية , شنت هنا حربا عدوانية كانت أهم عامل من عوامل التوتر الدولي وتسببت بضحايا هائلة لشعوب الهند الصينية وشعب الولايات المتحدة .

دليل أخر ومثال حي : إن الامبرياليين الأمريكيين يحتفظون حتى ألان برقابتهم على كوريا الجنوبية , فان سيطرتهم هنا يدعمها توسعهم الاقتصادي ومرابطة جيش أمريكي في ارض كوريا الجنوبية , وتتمتع الامبريالية الأمريكية في كوريا الجنوبية بامتيازات تضمنها لها قانونيا اتفاقية " الدفاع المتبادل " التي عقدتها واشنطن مع سيول فور إقرار الهدنة في كوريا عام 1953.

الحقيقة : إن الامبرياليون مكرهون على اخذ الظروف الدولية والراهنة بعين الاعتبار , ولهذا يحتفظون في جميع الأحوال المشار إليها هنا وكذلك في كثير من الأحوال الأخرى , بهيئات السلطة الحلية في البلدان الخاضعة لهم , وهم يستغلون عن تغيير الراية , ولكن الاضطهاد الامبريالي المعاصر لا يصبح من جراء ذلك اقل وطأة بالنسبة لشعوب البلدان والأراضي التابعة . ...نهاية الجزء "6" .

سلامتكم,,,

المصادر والأدلة:
1- أبحاث التخرج لدفعة التاريخ والعلوم السياسية لعام 1990م .
2- التيارات الاشتراكية الثورية في البلدان العربية والغربية .