قراءة في الهيكل الإقتصادي لوليد مهدي


عذري مازغ
2011 / 3 / 20 - 22:27     

تشكل الحلقات الأربعة التي ناقشناها في المقال السابق، هيكل الإقتصاد العالمي الذي يقترح علينا الباحث جهازا هيكليا له لفهم العلاقة المتنابذة والمتجاذبة، بفعل قوانين الإقتصاد العامة والسياسات الإقتصادية المتحكمة فيه والتي تعبر عن الصراع الدولي المحتدم حول مناطق النفوذ، هذا الجهاز /الهيكل هو جهاز الإكونمترونك الذي يظهر بنية الهيكل الإقتصادي في حالته الآنية شكل (A) والذي يعبر على بنية الخلل من خلال هرميته المتدرجة التي تظهر حدة تفاوت الحلقات الإقتصادية الآربعة، هذه الهرمية تعبر عن بنية الخلل في تفاوت الحلقات بشكل تبدوا غير متناسبة مع الحلقة الأولى التي تمثل الإقتصاد الحقيقي، يبرز المبحث بنية الخلل هذا استنادا إلى عدة عوامل، لكن الهيكل لا يقنعنا صراحة كقراء بتبيان هذه التفاوتات لغياب مفتاح بياني يؤشر على درجة هذه التفاوتات ومقارنة ناتج الإنتاج في الإقتصاد الحقيقي*، بها في الإقتصاد المصرفي بشكل عام أو الفقاعة المالية كما يسميها الإقتصاديون، مع أن الباحث أشار إلى بعض الأرقام، لكنها من وجهة نظري غير كافية إن لم توضع في سلم بياني (مفتاح بياني) تشرح هذ العملية من تفاوت الحلقات، بل وضعها الكاتب على شكل مسلمة، أو لنقل بالدقة يفترض معرفتها لدى العادي من الناس، وهو كما اسرفنا يناقض منهج التبسيط الذي اتبعه الباحث.
في الهيكل (B) يظهر شكلا من تناغم وتناسب الحلقات، بل إن الشكل الأسطواني الذي يتوسط الهيكلين في الجهاز يعبر بدقة رومنسية على هذا التناغم الذي يمثل تقطيعا رائعا لجذع شجرة التي تعبر حلقاتها على مسار زمني معين تمثل كل حلقة فيها حولا ما يؤدي إلى قياس عمر الشجرة من خلال الحلقات التي تتمثل في إسطوانة هذا الجذع، وهو ما يعطي تصورا رومنطقيا لمجال التغذية عند الشجر: توزيع عادل للتغذية (للثروة)، كل اسطوانة تمثل مسار إضافة حقا يتناسب ونمو الشجرة بشكل تستفيذ فيه جميع اغصان الشجرة بشكل إذا اقتطعنا غصنا منه سنلاحظ نفس التناسب ونفس عدد الأسطوانات عكس شكل (A) الذي تبدو فيه حلقات الإقتصاد المالي والنقدي منه والورقي إضافة إلى الرقمي منفلتة بشكل تفاوتي بلغ أوجه في حلقة الإقتصاد الرقمي مشكلا بذلك هيكلا هرميا بينما في الشكل (B) يمثل شكلا أسطوانيا هو الشكل المقترح من خلال آلية مركزية او إدارة مركزية للضبط الإقتصادي، يلاحظ أيضا من خلال الشكلين البعد الزمن الذي في الشكل (B) يتخذ شكله الاسطواني المتناغم بينما في الشكل (A) يبدو في الجدع اسطوانيا متناغما بينما وهو كما قلنا سابقا يعبر عن تناغم بين حلقات الإقتصاد في زمن الإقتصاد الفيزيائي والإ قتصاد المعدني لتبدأ الحلقات متفاوتة بشكل صارخ تبدو فيه حلقات الإقتصاد المالي والرقمي غير مدعمة (غير مغطات) بالإقتصاد الحقيقي، قلت في بداية تعليقي على الجزء الثاني من الهيكل، في اعتماده التقطيعي يقدم تصورا رومنسيا (باقتباسه جذع الشجرة) تتناسب كما تتناغم حلقات هيكل الإقتصاد، وهو في اعتقادي،وبكل صراحة أيضا، يصلح لبرمجة رقمية مدعمة بالبيانات الإقتصادية بشكل تتمركز فيه آلية الضبط التي يتكلم عنها وليد، لكن وليد وهذا ماينقص من بحثه قدم خلاصة لبحث غير مدعم ببيانات كما قلت سابقا، هو بحث تصوري أفطن بعض المعادلات الرياضية دون تبريرها (Demonstration) لو فعل ذلك لوضح الامر،ولتفهمنا جيدا الكثير من التعابير الوولسينية (نسبة إلى كولن ولسون)
ومع ذلك لا يفسر لنا الجهاز وفرة المنتوجات المستهلكة، سواء جاءت من الشرق أو من الغرب، وهي على عكس ما يفترضه الكثير من المتمركسين الذين هالهم هيمنة قطاع الخدمات غير المنتج كما يقال وهو منتج وبوفرة كما أشرنا في الجزء الأول اعتمادا على القانون الماركسي القيم :يتقلص زمن وقت العمل الضروري لصالح زمن العمل الفائض كلما توفر العمل الفني، هذه صياغة منا اقتبسناها من ماركس(1)، وشرحنا مرارا أن العمل الفني عند ماركس هي التكنولوجيا الجديدة، وانسجاما مع مباديء ماركس التي يتهمنا البعض بالإبتعاد عنها، أقول كما قال ماركس، إن غاية الناس في صنع أدوات متطورة من الإنتاج هي التمكن من السيطرة على الطبيعة بتكلفة أقل، أو بجهد أقل، هذا يعني ببساطة أن التقدم التكنولوجي الهائل، خصوصا مع دخول الإقتصاد الرقمي المعرفي، حيث تحول كما أشرنا المجهود العضلي إلى المجهود الذهني باعتماد طرق البرمجة التي تحرك آلات عضوية في حلقة الإنتاج، بما توفره من سلع فائقة التصنيع وبوفرة جمة وبدقة عالية ايضا، هذا الوضع كما يفهمه الماركسيون الأوربيون (ماركسيوا العالم الرأسمالي بشكل عام) يحتم وانسياقا مع كارل ماركس في فلسفته الإشتراكية، تقليصا بالتدريج، على مسار الإضافة كما قال وليد (مسار الإقتصاد الرقمي الحالي) ساعات العمل إلى أربعة أو أقل، ليعمل الجميع، وتكون له موارد مالية لاقتناء المنتوجات، فالتقنية المبرمجة تزيح الكثير من العمال وتقلص بالتالي الطلب على المنتوجات المتوفرة وهي مايفسر حالة الركود الإقتصادي، وكلما كانت ساعات العمل الضروري أقل بفضل التكنولوجيا المتجددة كلما تحتم تقليص ساعات العمل في اليوم، لقد أشار ماركس بشكل جلي إلى هذه الظاهرة في الإقتصاد، لكن أشار إليها في سياق تفسيره للركود الإقتصادي الذي تسببه الآلات، بل إن سياسة الإستثمار التي اتبعتها الدول الرأسمالية ناتجة في شكل منها إلى وعيها بتوفير الشغل تفاديا لثورات اجتماعية، لكن سياقها العام ينحرف بانحراف وعي أصحاب رأس المال وهو الوعي الجمعي الذي يتكلم عنه رفيقنا مهدي، (وهو في اللغة الماركسية الجشع الرأسمالي)، لكن يوظفه بطريقة أخرى، تختلف عن تفسيرنا لها على أنها وعي طبقي معين، لقد أحارني كثيرا هذا المسطلح، فهو يعتمد دلالة سوسيولوجية/سيكولوجية عامة، تسقط الجمع في الوعي، في البيئة العامة، فالوعي الجمعي هذا ينفي الوعي الآخر الذي هو من منظور ماركسي، وهو، أي الوعي الجمعي، بيئة الفكر السائد، مع أن هناك مفهوم اقتصادي دقيق يفسر الظاهرة هو مفهوم الإحتكار. وهو احتكار البعض لثروة باستعمال أساليب ممنهجة لتعطيل الثورة، التي في ذروة وعيها الجمعي عند الأوربيين، هي تقليص ساعات العمل، هي في وضعنا كمجتمعات متخلفة هي ثورة بنيوية شاملة، وهنا لمهدي عامل كل الحق في قول هذا مع أن مهدي عامل قتله الرفاق الذين تسارعوا إلى موت نظريته قبل جريمة الأعداء القتلة.
صحيح أن مهدي عامل تناول الموضوع من وجهة نظر مخالفة هي حركة التحرر الوطني، لكنه يبقى في صلبها من من منطلق الحركة في بنيويتها، فتحويل الرساميل إلى العالم الثالث، وخلق نمط إنتاج معين به، هو في جوهره إعادة تقسيم للعمل يبقي الشرق شرقا والغرب غربا، الشرق والتعبير هذا ليس مني، يختص بصناعة المواد الخام والسلع الإستعمالية، وقطع الغيار (وهي في مجموعها تمثل الإقتصاد الحقيقي) بالشكل الذي يلبي حاجيات العمل الذهني في الغرب، به يتغذى نمط الإنتاج الراسمالي، لاشك أن نموذج الإتحاد السوفياتي كان رائدا في هذا المجال، فالجرار الذي تنتجه مثلا جمهورية بلاروسيا كانت تشترك في صنع قطع غياره أغلب الجمهوريات السوفياتية، إنما كانت العملية تتم في حيز جغرافي وإقليمي معين، اما الآن في ظل النظام العالمي، فهي تستحوذ تقسيما للعمل يشمل الكرة الأرضية بمجملها، هو تقسيم للعمل يختص فيه الغرب بالعمل الذهني(العمل الرقمي)، و في هذا التقسيم يتخذ الشرق وعيه الشرقوي وهو أثر لهذه الهيمنة الرأسمالية في توزيع الأعمال كما الغرب أيضا ياخذ وعيه الكلي، والوعي هذا تعبير عن هيمنة سياسية أكثر منه تعبير عن حالة سوسيوسيكولوجية.
ليست الصين هي المحور المركزي في تحرير اقتصادات العالم، بل هو هذه الآلية في علاقات الإنتاج من هيمنة الإنسان وسيطرته على الطبيعة، هو هذا التمكن الذي قاله ماركس من التخفيف عبر الوسائل الفنية من التكلفة البالغة في إنتاج وسائل العيش، بالشكل الذي تقترب تدريجيا في قيمتها بقيمة الهواء الطلق والأكسيجين والريح والشمس، أما الماء فرغم وفرته فهو يباع، وهو في شكل بيعه نوع من المضاربة الرأسمالية.
هذا الشكل من البيع هو صراحة ما كنت اود أن يشرحه جهاز الإكونمترونك، فهو يوضح من جهة علاقة التخلخل تفاوت الحلقات الإنتاجية، لكنه برغم هذه التفاوتات لا يضع مفتاحا بيانيا لذلك التخلخل مسندا بارقام، لا يظهر الجهاز أهمية الإقتصاد الرقمي في وفرة المنتوجات باعتماده قانون البرمجة، وأهمية ذلك في طرد آلاف الوظائف، وتاليا لا يظهر لنا بجلاء عملية تحول الرساميل من المركز إلى الهامش مع ربط ذلك بعملية التوفير التي تنعم بخدماتها المجتمعات الغربية، لا يشرح لنا العلاقة البنيوية لتمركز المال في الغرب رغم تحول الرساميل إلى الشرق، هذه الآليات والميكانيزمات، ترتبط عضويا بعلاقة الإستغلال المبني على تشريعات معينة، منها على سبيل المثل قوانين الإستثمار التي هي عنوان العولمة، فعملية الإستثمار التي يشجعها حتى البنك الدولي تمثل وعيا آليا باجتناب عوامل الإضطراب الإجتماعي، إنما هي منفلتة بفعل عوامل الإحتكار وليس عوامل الوعي الجمعي، فصحيح هو يشرح لنا تمركز المال بفعل المضاربات، لكن هذا لا يؤدي إلى فهم آليات هذا التمركز، يوضح شكل التمركز دون فهم الآليات المتحكمة فيه، التي هي من وجهة نظرنا هي تلك التشريعات التي تؤسس للهيمنة الإمبريالية من خلال قوانين التحكم في مركزية الصرف من خلال تدول الورقة الخضراء سواء في شكلها البترودولار او في شكل تصدير التضخم الذي استقبله العالم المتخلف بصدر رحب، بينما أوربا (وهو يعبر على اهمية توازن القوى السياسية) صنعت منه مركزية مالية للتداول الدولي، والتشريع القانوني الكوني هذا هو أثر الفعل السياسي في الهيمنة الراسمالية، وهي تفكيك تلك العلاقات التقليدية من الجمركة بقتل ما يسمى بالإقتصاد القومي عند الشعوب المستضعفة مقابل الإقتصاد المعولم، هي بعبارة أخرى الهيمنة السياسية من خلال الهيمنة العسكرية، وهذا جانب لم يتناوله التحليل من خلال جهاز الإكونمترونك، فالباحث أشار في كثير من المراة إلى التهديد والإنفجار وأحيانا الكارثة، لكنه لم يشرح لنا آلياتها المترتبة عن ذلك
لا شك ان قوة الطاقة البترولية بما تمثله من طاقة حرارية حقيقية، حتى الآن لم ترفع دول الخليج إلى تدويل عملتها، وهذا ليس لأنها ضعيفة في تداولها، بل لأنها سجينة قوة الإستغلال التي يفرضها الغرب سياسيا وعسكريا، هذا الجانب من الرد مني ينفي ذلك التمني الذي طرحه الكاتب بأن تتدول العملة الخليجية وتصير كما هو مفترض مستقبلا في بحثه، أن يصيره الون الصيني، في اعتقادي لا الون الصيني ولا الدينار الخليجي سيصير يوما عملة متداولة دوليا (عالميا) لأن هذا يستند في تطبيقه إلى القوة العسكرية، ساختصر المسافة وأقول: إن المجتمع المستقبلي للإنسانية، هو مجتمع بدون عساكر، ولأن التكنولوجيا الإنسانية جديرة بتوفر سيطرة الناس على الطبيعة، بفضل اختراعاتها الهائلة، تنتقص من قيم السلع، تفترض تقلص ساعات العمل باستمرار، وهي في الأخير، حياة مجتمعات إنسانية لا تحتاج إلى العمل.
سأقول مرة أخرى بان التناقض السياسي هو من يهيمن وليس التطور الطبيعي للإقتصاد وإن بدا هو الحافز، وجهاز الإكونمترونك هو صحيح في بنيته الإقتصادية، يعبر في مضمونه على ألية اشتراكية، لكنه في الحقيقة، هو بعيد عن التحقق في آليته السياسية، لأنه بالضرورة يقحمنا في حروب إنسانية، هي صراع الشرق والغرب، لكن في الحقيقة هي حرب شعارها المرحلي في الوقت الراهن هو، تقليص ساعات العمل، وفي المستقبل، هي المجتمع الإشتراكي. هذا هو الوعي الجمعي الذي نبتغيه، والوعي الجمعي هذا، هو وعي مخالف، وهو وعي طبقي بالضرورة، لا وعي إجمالي يختزل كل الوعي في الجمع الميتافيزيقي، في كلية شرقية تجاه جدلية غربية، بل هي الجدل في شرقه وغربه.


(1)في الجزء السابق أشرت إلى قانون ماركس في تناوله مسألة يوم العمل، حيث يتكون من ساعات العمل الضرويري وساعات العمل الفائض، وقلت اقتباسا من ماركس نفسه بان ساعات العمل الضروري تتقلص بفضل العمل الفني على حساب ساعات العمل الفائض التي تنتج القيمة الفائضة ( كلما كانت تكنولوجيا متقدمة كلما انخفضت ساعات العمل الضروري، هذه القاعدة الإقتصادية هي أساس ربح الراسماليين (راجع كتاب الرأسمال لكارل ماركس في تطرقه لدور الآلة )